ولي العهد السعودي محمد بن سلمان آل سعود ورشاد محمد العليمي، رئيس المجلس الرئاسي اليمني يتصافحان في خلال قمة مجلس التعاون الخليجي الثالثة والأربعين في الرياض، المملكة العربية السعودية. الديوان الملكي السعودي - وكالة الأناضول

مفاوضات اليمن: شراء الوقت أم سلام وشيك؟

في الآونة الأخيرة، أثارت سلسلة من التحركات الدبلوماسية في اليمن إمكانية التوصّل إلى حلّ تفاوضيّ للحرب الأهلية التي تدخل عامها التاسع. ولكن هل حقّاً سيتحقّق السلام وسيشهد اليمن نهايةً لصراع مدمّرٍ طال أمده؟ أسبابٌ كثيرة تدعو للشك.

2 مارس، 2023
فوزي الغويدي

أثارت أخبار المحادثات المباشرة بين المملكة العربية السعودية وجماعة الحوثي في اليمن الآمال في تحقيق حراك دبلوماسي نحو إنهاء الحرب المدمّرة التي تدخل عامها التاسع. وقد استمد الكثير من المراقبين تفاؤلهم من الحراك الدبلوماسي وكذلك من الهدوء النسبي على الأرض وذلك بعد أشهر من انتهاء الهدنة الرسمية في أكتوبر الماضي.

 

وبالرغم من ذلك، تدلّ مؤشّرات مقلقة على أنّ كلاً من الرياض والحوثيين يسعى إلى كسب الوقت واستغلال دعم المجتمع الدولي في إحلال السلام. وعلى عكس التقارير الإعلامية المتفائلة وتصريحات الدبلوماسيين، تُشير التطورات على الأرض وطبيعة المحادثات نفسها بأنّ بناء السلام الدائم في اليمن لا يزال بعيد المنال.

 

بوادر أمل خادعة

 

أفادت وسائل إعلام مقرّبة من جماعة الحوثي خبر زيارة السفير السعودي محمد آل جابر إلى صنعاء في مطلع يناير من هذا العام، وذلك لأجل التفاوض المباشر مع قيادة جماعة الحوثي حول تمديد الهدنة والوصول إلى تسوية سياسية للأزمة اليمنية. وفي الشهر نفسه وبحسب الإعلام المحلي، غادر الوفد العماني صنعاء بعد إحراز نتائج إيجابية في الوساطة التي يقوم بها بين أطراف النزاع، وهي الزيارة الثانية له في خلال الشهر نفسه.

 

 وقد أشار مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانس غرونبرغ في إحاطته التي قدّمها لمجلس الأمن الدولي في 16 يناير، بأنّ نقاشات إيجابية ومثمرة تجري بين الحكومة اليمنية والتحالف من جهة، وجماعة الحوثي من جهة أخرى. وقد صرّح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود بأنّه أُحرز تقدّم في جهود الوساطة لإنهاء الحرب في اليمن.

 

 كلّ هذه الأنباء تشير إلى اختراق محتمل في محادثات السلام قد يفضي إلى إنهاء الحرب في اليمن، وذلك بسبب نشاط الجانب الدبلوماسي في المشهد اليمني والإقليمي مع انخفاض الجانب العسكري وجموده في نقاط التماس. لكن إذا ما تمعّنا في النظر في الوضع على الأرض، فسنرى أنّ المستجدات الحالية تقودنا إلى أنّ بوادر إنهاء الحرب لم تبدأ بعد. فمن جانب الحكومة المُعتَرف بها دولياً، أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي في أواخر شهر يناير عن تشكيل قوات درع الوطن وهي قوات عسكرية تتبعه وقد تلقّت تدريباً خاصاً، كما دعت الحكومة المجتمع الدولي إلى تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية خصوصاً بعد هجماتها نهاية العام المنصرم على المنشآت النفطية شرق جنوب البلاد. أضف إلى ذلك توتّر العلاقات بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية بسبب توسّع قوات الانتقالي إلى محافظة حضرموت مع رفض قيادة المحافظة لهذا التوسّع. وكان الحوثيون قد شنّوا بعض الهجمات في مأرب وتعز والضالع في خلال شهر يناير، كما صادرت الجهات الأمنية التابعة للحكومة المعترف بها دولياً و البحرية الأمريكية أسلحة من بينها طائرات مسيّرة كانت في طريقها إلى الحوثيين، ما يُشير إلى استمرار الجماعة في تعزيز ترسانتها المسلّحة. وعلاوة على ذلك، فقد تفاقم الوضع الاقتصادي المُزري في اليمن.

 

لا يُشير أيّ من ذلك إلى النوايا الحسنة بين أطراف النزاع من أجل إرساء بوادر السلام، بل يبدو أنّ كلاهما يسعى إلى شراء الوقت والاستعداد لجولة جديدة من الحرب أو لما تقتضيه التحركات الإقليمية. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو إلى أيّ مدى من المرجح أن تقود المباحثات السعودية – الحوثية (إن جاز لنا وصفها بذلك) – والتي يروّج لها الإعلام ويشيد بها – إلى عملية سلام حقيقية؟

 

لا حرب ولا سلام

 

 عندما انتهت الهدنة في الثاني من أكتوبر الماضي، دخل الصراع اليمني في حالة اللاحرب واللاسلم برغبة جميع الأطراف والتي بإمكاننا تسميتها بــ “اللاهدنة”، حيث لم يكن هناك سوى بعض الخروقات البسيطة التي سرعان ما يتم تلافيها، ولا تزال هذه الحالة الرمادية أو “اللاهدنة” مستمرّة منذ أربعة أشهر وإلى لحظة كتابة هذه المقالة. ولم تشهد الحرب اليمنية منذ بدايتها مثل هذه الحالة، ما أعطى مؤشراً إلى المجتمع الدولي بأنّ الرغبة موجودة من جميع الأطراف للوصول إلى تسوية سياسية تفضي إلى إنهاء الصراع في اليمن. لذلك، تمّ الضغط على الحكومة اليمنية وقيادة التحالف الذي تقوده السعودية للدخول في مفاوضات لإنهاء الحرب.

 

بدأت المحادثات السعودية الحوثية في 12 أكتوبر عندما زار وفد سعودي صنعاء تحت يافطة تبادل الأسرى، وسرعان ما زاد نشاط هذه المحادثات وعبر الوسيط العماني. وبعد مضي ثلاثة أشهر ونيّف من النشاط الدبلوماسي، لم يفرز سوى تكهنات وتسريبات صحفية بأنّ هناك تسوية سياسية وشيكة بين الطرفين أهم ما فيها هو الاتفاق على فتح الطرقات وتخفيف الحصار على ميناء الحديدة والفتح الكامل لمطار صنعاء وإنشاء منطقة منزوعة السلاح على الحدود السعودية اليمنية.

 

تُظهر هذه التسريبات الإعلامية بأنّ هذه المحادثات تغرق في مناقشات حول قضايا فرعية مثل وقف استهداف المنشآت النفطية وتوزيع عائدات النفط ودفع رواتب موظفي الدولة المعلّقة من سنوات، وفكّ الحصار القائم على المطارات والموانئ. ورغم أهمية هذه القضايا، إلّا أنّها قضايا فرعية أو بالأحرى هي نتائج الحرب وليست أسباب قيامها، وهذا ما يقودنا إلى الاستنتاج بأنّ هذه المحادثات ماهي إلّا مناورة سياسية تحتاجها كلّ الأطراف. فيبدو أنّ السعودية تحتاج إلى امتصاص الضغط الدولي التي تواجهه لإنهاء الحرب عبر دخولها بحوار مباشر مع الحوثيين. وكذلك قد تتيح المحادثات لها أيضاً الفرصة لاستمالة الحوثيين تحت مظلّتها بعيداً عن الجانب الإيراني. علاوة على ذلك، ستضمن المحادثات الجارية إلى حدّ ما بقاء حالة اللاهدنة على ما هي عليه. أضف إلى ذلك أنّ الرياض تسعى إلى تجنّب التصعيد أو الحفاظ على الحدّ الأدنى من التصعيد في اليمن وضبط وتيرته بما يؤدي إلى وقف العمليات الجوية، ما يعني عدم وصول الطائرات المسيّرة أو الصواريخ البالستية إلى أراضيها مقابل تعليق غاراتها الجوية، وتضمن بذلك استمرارية تدفّق إمدادات النفط إلى العالم.

 

ومن جانب الحوثيين، فهم بحاجة إلى هذه المحادثات لأجل كسب شرعية سياسية على المستوى الدولي باعتبارهم طرف يمثّل الجانب اليمني مقابل الجانب الخارجي، وفي الوقت نفسه لأجل زعزعة الثقة بين الحكومة الشرعية والسعودية الداعم الأساسي لها. وعلى المستوى العملي، يمكن للمحادثات أن تحقّق مكاسب للحوثيين في قضايا دفع الرواتب والحصول على حصة من العائدات النفطية من دون إجبارهم على تقديم تنازلات، كما أنّها تكسبهم المزيد من الوقت لأجل التعبئة والحشد وتعزيز سيطرتهم على المناطق الخاضعة تحت سلطتهم مع استمرار تنصّلهم من التزاماتهم بتوفير الخدمات للمواطنين وفتح الطرق عن المدن المحاصَرة. وتسفيد جماعة الحوثي أيضاً من هذه المحادثات بالترويج إعلامياً أمام مناصريها بأنّها قد حقّقت انتصاراً بالمحادثات المباشرة مع السعودية.

 

والجدير بالذكر هو أنّ ليست هذه المحادثات الأولى التي تجري بين الحوثيين والسعودية، فقد أجروا محادثات في العام 2016  حقّقت تبادل أسرى وتسليم الحوثيين لخرائط الألغام، لكنّها قادت إلى طريق مسدود. وشهد عام 2019 محادثات سرّية بين الطرفين للتهدئة وخفض التصعيد، لكن لم ينتج عنها سوى مناورة سياسية لالتقاط الأنفاس. لذا، لن تختلف نتائج المفاوضات الأخيرة عن سابقاتها ولعلّها تخرج بتجديد الهدنة في أفضل الأحوال. فما هي إلّا مناورة سياسية حتى وإن اختلفت عما سبقها بالزخم الإعلامي والذي حدث لامتصاص الضغط الدولي الذي يرى بأنّ إيقاف حرب اليمن أو تهدئتها سوف يخفّف من أزمة الطاقة العالمية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية.

 

تشخيص سلبيّ؟

 

 إنّ أي محادثات لا تنطوي على مشاركة جميع الأطراف الرئيسية والثانوية في حرب اليمن لن تقود إلى عملية بناء سلام دائم، بل ستقود إلى مبدأ اللجوء إلى القوة لفرض الأمر الواقع، كما أنّها ستعزّز من حالة التشرذم التي تشهدها الساحة اليمنية، لا بل سيكون الوضع أسوأ من ذلك. ويعود ذلك لأنّ المشهد اليمني أصبح أكثر تعقيداً بعد مرور سنوات من الحرب التي أنتجت مشاريع جهوية وحزبية وطائفية ستصعّب حلحلة الأمور عبر المسار الدبلوماسي، خصوصاً وأنّ هذه المشاريع ترتكز على موارد اقتصادية وعسكرية من شأنها أن تقوّض أيّ مفاوضات لا تعبّر عن مصالحها. وبالتالي، هذا ما يجعل خيار الحسم العسكري يلوح في الأفق ويُبقي المسار الدبلوماسي مساحة زمنية تستفيد منها جميع الأطراف. وبمعنى آخر، تعتبر أغلبية الأطراف أنّ الدبلوماسية ما هي إلّا استمرار للحرب ولكن بصيغة وأشكالٍ مختلفة.

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: الحرب الأهلية، العلاقات الإقليمية
البلد: المملكة العربية السعودية، اليمن

المؤلف

زميل زائر مبتدئ
فوزي الغويدي هو زميل زائر مبتدئ في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية ويحمل ماجستير في التاريخ من معهد الدوحة للدراسات العليا في قطر. تشمل اهتماماته البحثية التاريخ الحديث في اليمن والخليج، بالإضافة إلى الحركات الاجتماعية وحلّ الصراعات وتشكيل الدولة. وساهم في البحث والتحليل حول الديناميكيات السياسية والاجتماعية التي تشكّل اليمن والخليج، والعلاقات بينهما. وقد ألّف… Continue reading مفاوضات اليمن: شراء الوقت أم سلام وشيك؟