الدخان يتصاعد في خلال الغارات الجوية الإسرائيلية على مدينة غزة في 12 أكتوبر 2023، مع استمرار المعارك المحتدمة بين إسرائيل وحركة حماس لليوم السادس على التوالي. (إبراهيم حمص / وكالة فرانس برس)

طوفان الأقصى وحرب إسرائيل

يقدّم الزملاء في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية قراءة معمّقة حول الجوانب المتعدّدة للأزمة بين فلسطين وإسرائيل التي بدأت في 7 أكتوبر.

16 أكتوبر، 2023

في 7 أكتوبر، صدمت حماس العالم بشنّها غارة على إسرائيل أسفرت عن مقتل نحو 1300 شخص، مدنيين بأغلبيّتهم، واحتجاز حوالي 150 آخرين كرهائن. وجاء الرد الإسرائيلي مدمّراً، إذ لم تتوقّف إسرائيل منذ أسبوع عن قصف غزة عشوائياً، مدمّرة المباني السكنية والمستشفيات والمدارس وغير ذلك من البنية التحتية المدنية الحيوية، في حين قطعت إمدادات المياه والغذاء والكهرباء والوقود عن المنطقة المحاصَرة. وحتى 15 أكتوبر، قُتل 2600 فلسطيني – 60 في المئة منهم من النساء والأطفال، وفقاً للمستشفيات المحلية – وجُرح 10000 آخرين. ودعت إسرائيل أيضاً إلى إجلاء أكثر من مليون شخص من شمال غزة، بينما تستعد لشن غزو برّي لاجتثاث مقاتلي حماس من القطاع. وفي خضم كلّ ذلك، دعم مؤيّدو إسرائيل الغربيون إلى حدّ كبير حق الدولة المحتلّة “في الدفاع عن نفسها”، زاعمين أنّ إسرائيل يجب أن تكون قادرة على شن حربها على قطاع غزة كما تراه مناسباً، على الرغم من الخسائر الفادحة في أرواح المدنيين وجرائم الحرب المحتملة التي ارتكبتها. يقدّم الزملاء في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية قراءة معمّقة حول الجوانب المتعدّدة للأزمة بين فلسطين وإسرائيل.

 

فشل السياسة الإسرائيلية وتواطؤ الغرب

عمر حسن عبدالرحمن

تعدّ أحداث 7 أكتوبر الدموية وتداعيّاتها المستمرّة أكثر من مروّعة. ففي غضون أسبوع، قُضيَ على حياة آلاف الأبرياء من بينهم مئات الأطفال، فيما تقف غزّة على حافة الإبادة الجماعية على يد إسرائيل.

 

على الرغم من أنّ الهجوم الأوّلي الذي شنّته حماس كان مستهجناً لاستهدافها مدنيين الإسرائيليين، إلّا أنّه لم يأتِ من العدم. فقد حذّر الفلسطينيون – الذين عانوا خسائر جماعية في صفوف المدنيين مرّات متعدّدة في السابق – إسرائيل والمجتمع الدولي من أنّ الظروف القاسية التي يرزحون تحتها، من احتلال إسرائيلي وحصار وفصل العنصري وغياب حلّ سياسي لمستقبلهم، قد وصلت إلى ذروتها. بيد أنّ هذه النداءات لم تُقابَل باللامبالاة فحسب، بل بمحاولة متعمّدة لتهميش الفلسطينيين المضطهدين ومطالباتهم بالحرية، مع تعزيز التكامل الإقليمي لمضطهِدهم.

 

منذ 7 أكتوبر، لم تحِد إسرائيل عن إستراتيجياتها الفاشلة السابقة. ومن خلال اللجوء إلى القوة الهمجية والعقاب الجماعي، لن يحقّق العدوان الإسرائيلي على غزة الأمن لإسرائيل ولن ينهِ المقاومة الفلسطينية في وجه مشروعها السياسي الفاشل. طالما أنّ إسرائيل لا ترغب في تصحيح إنكارها لحرمان الشعب الفلسطيني من الحقوق والحرية ستظل هدفاً للمقاومة. قد تعتقد إسرائيل أنّ القضاء على حماس سيجلب لها الأمن، لكن حماس ليست مصدر المقاومة الفلسطينية؛ هناك جرف مقاومة سيستمر بالتشكّل بشكل أو بآخر طالما لم تُحل الظروف التي تؤدّي إلى ظهورها.

 

وبدلاً من إدانة إسرائيل بسبب إستراتيجياتها الفاشلة، قدّمت لها الحكومات الغربية ووسائل الإعلام المتواطئة معها غطاءً كاملاً لارتكاب جرائم حرب وتطهير عرقي وإبادة شعب غزة. وهذا ما يكشف عن العنصرية المطلقة والنفاق وازدواجية المعايير في السياسة الغربية تجاه الفلسطينيين. من الواضح أنّ المُثُل التي يدّعي الغرب تبنّيها هي انتقائية، وخصوصاً في ما يتعلّق باحترام حقوق الإنسان والقانون الدولي، وهذا ما يجرّدها من معناها لاسيما عندما تقارن مع موقف الغرب من أوكرانيا. لقد فقد الغرب مكانته الأخلاقية في عالم متعدّد الأقطاب على نحو متزايد.

 

القادة الإسرائيليون يعلنون عن نية الإبادة الجماعية

نهى أبو الدهب

«لقد أمرتُ بفرض حصار كامل على قطاع غزّة. لن يكون هناك كهرباء ولا طعام ولا وقود، كل شيء متوقّف. نحن نقاتل حيوانات بشرية ونتصرّف وفقاً لذلك». هذه كلمات وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في تصريحه في 9 أكتوبر 2023، وهي تعبّر بوضوح عن سياسة التجويع والعقاب الجماعي وتجريد شعب بأكمله من إنسانيته. ومن ناحية القانون الدولي، تشكّل هذه الكلمات نية الإبادة الجماعية، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب.

 

تواصل الدول الغربية تقديم الدعم غير المشروط لإسرائيل لتنفيذ سياسات مماثلة، حتى في ظل الظروف المروّعة الحالية التي يصفها الكثيرون من الفلسطينيين بالنكبة الثانية. لقد أوضح هذا الدعم مرة أخرى زيف تصريحات السياسة الخارجية للغرب تجاه بقية العالم بشأن أهمّية حقوق الإنسان والقانون الدولي وبناء الديمقراطية.

 

في وقت سابق من هذا العام، قال سفير الولايات المتّحدة لدى إسرائيل، توم نايدز، إنّ الديمقراطية الإسرائيلية «حيّة ومتينة». أعلنت وزارة الصحّة في غزّة يوم السبت أنّ إسرائيل قتلت جميع أفراد 45 عائلة التي مسحت من السجل المدني في غزّة.

 

تنصّ قوانين الحرب في جوهرها على التقليل من المعاناة الإنسانية إلى حدّها الأدنى في خلال الصراعات المسلّحة. إنّ إطباق «الحصار الكامل» على السكّان المحاصرين بالأساس، لا يميّز بين المدنيين والمقاتلين، وينتهك جوهر القانون الإنساني الدولي، ناهيك عن ما يُسمى بإحساسنا المشترك بالإنسانية. ستُدرّس كلمات يوآف غالانت في صفوف القانون – وربما ستُكرَّر في المحاكم – كمثال على نية الإبادة الجماعية.

 

حسابات إيران في حرب غزّة

حميد رضا عزيزي 

لقد أشادت شخصيات إيرانية بارزة، وتحديداً المرشد الأعلى آية الله السيد علي خامنئي، علنياً بالعملية التي شنّتها حماس ضد إسرائيل، واعتبرتها شهادة على الانتصار الوشيك للفلسطينيين. مع ذلك، ترفض إيران أي تأكيدات على مشاركتها في التخطيط للعملية أو تنفيذها.

 

لطالما اعتُبرت إيران داعماً بارزاً لحماس، وقد بقيت العلاقة بينهما قوية وأيديولوجية، ولم تسفر الخلافات السياسية مثل تأييد حماس للثورة السورية ضدّ بشار الأسد في العام 2011 عن أي انقسامات كبيرة. وعلى الرغم من أنّ حماس لا تعمل على أنّها وكيلة لإيران في المنطقة ولكنها لاعب مركزي في «محور المقاومة» الإيراني. وبالتالي، تحيط شكوك بالادعاءات التي تنفي تورّط إيران في الصراع الأخير، إذ يرجّح أن تكون بعض الكيانات، مثل «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني، على دراية بنيّة حماس تنفيذ عملية كبيرة ضد إسرائيل، حتى لو لم تتّطلع على التفاصيل والتوقيت. ونظراً للتداعيات المحتملة على إيران وحلفاء حماس الآخرين مثل حزب الله، يرجّح أن تكون حماس قد أعطتهم إشعاراً مسبقاً.

 

مع ذلك، لقد دفعت المخاوف من تصاعد حرب واحتمالية انخراط الولايات المتّحدة، بإيران وشركائها إلى النأي بأنفسهم عن التدخل المباشر، عدا عن ميل الناس في إيران ولبنان نحو رفض الحرب والصراع مع إسرائيل باعتبار أنّهم بغنى عنه. مع ذلك، لا يمكن إنكار رضا طهران عن نتائج حرب غزة. إذ ترى الحكومة أنّ عملية حماس قد قوّضت قدرة إسرائيل العسكرية والاستخباراتية وسمعتها، وقد يدفعها ذلك إلى إعادة تقييم عملياتها التي تستهدف طهران داخل سوريا أو إيران. في الوقت نفسه، في حين يستمرّ مسار التطبيع العربي الإسرائيلي، فإنّ الأحداث الأخيرة قد تجبر الدول العربية على إعادة ضبط أجنداتها بما يضمن انسجامها مع مصالح إيران الإقليمية.

 

الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى سياسة واضحة بشأن غزّة

بيفرلي ميلتون إدواردز

كشفت استجابة الاتحاد الأوروبي تجاه الحرب والأزمة في غزة وإسرائيل عن تحوّل في السياسات يضعف نفوذ الاتحاد في تحقيق السلام والأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكون بروكسل هي أكبر جهة مانحة وتخصّص أكثر من 300 مليون دولار سنوياً من المساعدات للفلسطينيين، فإنّ الإشارات التي توجّهها إلى المجتمع الدولي مهمّة للغاية. وعندما أتت هذه الإشارات، جاءت مختلطة ومبعثرة وافتقرت إلى توجيه إستراتيجي أوحد من بروكسل لدعم حلّ صراع مركزيّ بالنسبة إلى الشرق الأوسط.

 

وفي حين ردّت إسرائيل على هجمات حماس بإعلان الحرب على غزّة وإطباق الحصار على القطاع، أعلنت بروكسل تعليق مساعدات الاتحاد الأوروبي للفلسطينيين، قبل أن تتراجع عن قرارها في غضون ساعات بعد تعرَضها للانتقادات من بعض الدول الأعضاء. وبدلاً من ذلك، أعلنت أنّها ستجري مراجعة على هذه المساعدات للتأكد من أنّها «لن تمكّن أي منظمة إرهابية بشكل غير مباشر من تنفيذ هجمات ضدّ إسرائيل».

 

لقد تضاءلت بشكل واضح أهمّية الاتحاد الأوروبي كلاعب إستراتيجي، ويبيّن الارتباك الطاغي على سياسته ثلاثة أمور. أولاً، في ظل المخاوف الأمنية الأخرى، بما فيها الحرب في أوكرانيا، أبعد الاتحاد الأوروبي أعينه عن إسرائيل وفلسطين. ثانياً، على الرغم من أنّ الاتحاد الأوروبي هو المانح الأكبر، إلّا أنّه لا يتمتّع بقدر مناسب من النفوذ الدبلوماسي. وأخيراً، كان الاتحاد الأوروبي مستعداً في البداية لقطع المساعدات وتعجيل الكارثة الإنسانية في غزة من دون النظر إلى العواقب أو تعمّق الضغوط التي يفرضها المهاجرون في المناطق المجاورة له.

 

اتفاقيّات إبراهيم تخرج عن مسارها

شهرام أكبر زاده

أدّت الهجمات التي شنّتها حماس على إسرائيل والأزمة العسكرية والإنسانية التي أعقبتها إلى وضع القضية الفلسطينية ضمن دائرة الضوء الدولية والتأثير على مبادرة واشنطن الرئيسة في الشرق الأوسط: اتفاقيات إبراهيم.

 

تجاوزت اتفاقيات إبراهيم القضية الفلسطينية نحو تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية. فقد وقّعت الإمارات العربية المتّحدة والبحرين والمغرب والسودان على هذه الاتفاقية، فيما أرسلت المملكة العربية السعودية إشارات واضحة عن تحرّكها في الاتجاه نفسه.

 

كان من الممكن أن يكون التطبيع السعودي مع إسرائيل لحظة فاصلة في العلاقات الإقليمية وانتصاراً دبلوماسياً كبيراً لإدارة بايدن قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في العام 2024، لكن حماس حشدت الدعم الشعبي لفلسطين في الشرق الأوسط وأوقفت على ما يبدو الجهود الدبلوماسية للتطبيع مع إسرائيل، بحيث أعرب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني في مكالمة هاتفية مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

 

إنّ التوقيع على اتفاق مع إسرائيل غير ممكن في خضم الحرب الدائرة، ومن المستبعد أن يحصل التطبيع في المستقبل القريب. لا تتحمّل القيادة السعودية تعريض شرعيّتها السياسية للخطر. وكذلك يواجه المطبِّعون الآخرون ضغوطاً مماثلة، ومن المرجّح أن ينسحبوا من اتفاقيات إبراهيم أو أن يضعوها في الظل.

 

الخطاب السياسي والإعلامي الأمريكي يتجاهل ثلاث مسائل متعلّقة بالأزمة بين حماس وإسرائيل

سحر خميس

بينما يتابع العالم عن كثب الأحداث في غزّة وجنوب إسرائيل، والتي أسفرت عن عدد كبير من القتلى والجرحى والرهائن، من المهم النظر بشكل نقدي إلى التغطية الإخبارية، وخصوصاً في الولايات المتّحدة، حيث عبّرت الاستجابة على المستويين السياسي والإعلامي عن دعم كامل للجانب الإسرائيلي. يمكن الإشارة إلى ثلاث مسائل على الأقل جرت التعمية عليها في الخطاب السياسي الأمريكي، وإلى أصدائها في وسائل الإعلام الأمريكية، وخصوصاً المحطات التلفزيونية الأمريكيّة بدءاً من السي إن إن (CNN) ووصولاً إلى فوكس نيوز (Fox News).

 

أولاً، برز تركيز حصريّ على معاناة المدنيين في إسرائيل وتجاهل معاناة المدنيين الفلسطينيين. خصّصت محطات التلفزيون الأمريكية، المعروفة بتغطيتها العرضية والسطحية للشؤون الدولية، 24 ساعة يومياً لتغطية هجمات حماس على إسرائيل، وتبّنت سردية أنّ «إسرائيل في حالة حرب». أسوة بالخطاب السياسي للحكومة الأمريكية، شكّلت هذه التغطية رسالة تضامن ودعم قوية لجانب واحد من القضية، فيما تجاهلت محنة الشعب الفلسطيني وأمنه الأساسي وحقوقه الإنسانية. عدا أنّ تصوير العملية على أنّها حرب، وهي السردية نفسها التي تبنّاها الجانب الإسرائيلي، فإنّه يوازي بين المِحتَّل والمُحتَّل، لا سيما أنّ الجانب الفلسطيني يفتقر إلى أدوات الحرب.

 

ثانياً، إنّ تبنّي سردية أنّ هجوم حماس «غير مبرّر» قد أخرج الصراع المستمرّ منذ 75 عاماً ونضال الشعب الفلسطيني عن سياقه، وحال دون تزويد المواطن الأمريكي، الذي يملك معرفة محدودة بالشؤون الدولية، بالخلفية التاريخية اللازمة عن هذا الصراع أو حتى بالأحداث الأخيرة التي ربما ساهمت في حدوثه، وخصوصاً الاستفزازات التي يقوم بها الجنود الإسرائيليون والمستوطنون اليهود في محيط المسجد الأقصى، أحد أقدس الأماكن بالنسبة إلى المسلمين في العالم.

 

ثالثاً، غاب الحديث عن الوساطة وحلّ النزاعات من أجل التوصّل إلى حلّ سلمي وسريع لهذه الأزمة. وقد أدّى ذلك إلى تغذية الدعوات إلى الانتقام من دون ضبط النفس، وقضى على صدقية أمريكا كقوّة للوساطة في المستقبل، وفتح المجال أمام دورات مستقبلية من العدوان المدمّر.

 

الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: نقطة تحوّل في السياسات الإقليمية والعالمية

غالب دالاي

يشكّل هجوم حركة حماس والصراع المتأتّي عنه والغزو الإسرائيلي الوشيك نقطة تحوّل في الشؤون الإقليمية، إذ تؤثّر هذه المستجدات في عملية إعادة الضبط الإقليمية وديناميّاتها. فقبل نشوب الصراع الحالي، سيطر الحديث عن التطبيع والتهدئة على النقاشات بشأن السياسات الإقليمية. وبرزت أساليب مختلفة لإعادة الهيكلة الإقليمية، إذ تحسّنت العلاقات بين الدول الخليجية وتركيا وإسرائيل لكن زاد توتّر العلاقات بين إسرائيل وإيران والخلافات بين تركيا وإيران. وأبدت الدول قلقاً شديداً حيال مصير عدد من المناطق الإقليميّة التي تشهد صراعات. ومع نشوب الصراع الحالي، من المتوقّع أن يتبدّل المشهد. فقد تعثّرت عملية تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول المنطقة، أقلّه في المستقبل المنظور، وتوقّف تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل بعد أن حظيَ بأهمية بالغة. وحتى لو أُعيد الحديث عن هذا التطبيع مستقبلاً، فإنّ الرياض سترفع ثمن تحقيقه على الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، بما في ذلك إيلاء أهمية أكبر للقضية الفلسطينية.

 

والسؤال الأهم: هل ستعدل الدول عن تطبيع علاقاتها مع إسرائيل؟ فمع المجزرة الوشيكة في غزة، ستزيد الضغوط المجتمعية على الدول العربية لقطع علاقاتها مع إسرائيل. وستتّسع أيضاً الفجوة بين الشعوب وأنظمتها في العالم العربي نتيجة الصراع الحالي والكارثة الإنسانية المرتقبة في غزة، مما سيفاقم المخاوف الأمنية داخل هذه الأنظمة. وأخيراً، للبناء على التهدئة الإقليميّة، برزت سابقاً نقاشات كثيرة حول كيفية الاستفادة من هذا التطبيع لتمهيد الطريق أمام تحقيق مزيدٍ من التعاون الإقليمي.

 

وإحدى الأفكار كانت أنّ يتحقق مسار التعاون الإقليمي من خلال العمل على مسائل مرتبطة بالسياسات الدنيا، مثل تغيّر المناخ وتحوّلات الطاقة والهجرة والكوارث الطبيعية. وقد كشف هذا الصراع مجدّداً عن عدم وجود اختلاف كبير بين السياسات العليا والدنيا في ما يخص مسألة التعاون الإقليمي. وتسهم التوترات في نطاق السياسات العليا، مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، في تخفيف فرص التعاون حول مسائل السياسات الدنيا بشكل ملحوظ.

 

ولمنع خروج الحرب عن السيطرة، ولا سيّما إضفاء طابع إقليمي عليها، كما ومنع إمكانية إعادة احتلال غزة، تتحرّك دول المنطقة على المستوى الدبلوماسي. ويمكن أن تؤدّي كلّ من مصر وقطر وتركيا والأردن والسعودية أدواراً مهمة. ومع إيلاء دول المنطقة الأولوية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، سيتعزّز ذلك تحديداً مكانة القاهرة الدبلوماسية في الشؤون الإقليمية. لكن تشتدّ الحاجة إلى زيادة التنسيق بين الجهات الفاعلة المذكورة آنفاً ليتردّد صدى دبلوماسيتها على الصعيدَين الإقليمي والدولي.

 

وستكتسب التعددية القطبية المتنامية في علاقات دول المنطقة مع القوى الخارجية زخماً أكبر بعد هذا الصراع. ومن المتوقّع أن يؤدّي الدعم المطلق الذي تقدّمه الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الغربية لإسرائيل إلى زيادة استياء الجهات الفاعلة في المنطقة منهما. وستستفيد الصين وروسيا حتماً من هذا الاستياء، وستحقّقان مزيداً من التقدّم في المنطقة. وفضلاً عن ذلك، لا يجب النظر إلى هذا الصراع من المنظور الإقليمي فحسب، فهو حدث عالمي. لقد زعزعت حرب روسيا على أوكرانيا أُسس النظام العالمي، وانتهكت القانون الدولي ومعاييره ومؤسساته بشكل صارخ. وقوّضت أيضاً حرب الولايات المتحدة على الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بشدّة النظام العالمي وانتهكت القانون الدولي وغضّت الطرف عن المؤسسات الدولية. ونظراً إلى الخطر المشؤوم لحدوث نزوح بشري كثيف ومجزرة مرعبة وعقاب جماعي في غزة، من المتوقّع أن تشكّل هذه الحرب عاملاً آخر لتدمير النظام والقانون الدوليَين. وستستقي الصين وروسيا وبلدان الجنوب العالمي دروساً وعبراً منها.

 

لبنان في معمعة التوازن الإقليمي

سعود المولى

مع بدء الحرب في غزة وجد لبنان الرسمي نفسه في وضع حرج للغاية. فهو من جهة يعلن دعمه حق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه (بحسب البيانات الوزارية لمختلف الحكومات اللبنانية)، وهو من جهة أخرى يخشى من «توريط لبنان» في هذه الحرب في ظل أوضاع سياسية واجتماعية واقتصادية شديدة الصعوبة والخطورة. وقد سارع وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بوحبيب، إلى الإعلان عن أنّ الحكومة تلقّت وعداً بأنّ «حزب الله لن يتدخّل في حرب غزة إلّا إذا تحرّش الاحتلال الإسرائيلي بلبنان». كما كثّف رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي اللقاءات الدبلوماسية لتأكيد الحرص على عدم انجرار لبنان إلى الصراع.

 

ويزداد قلق اللبنانيين في انتظار الموقف الذي قد يتّخذه حزب الله خصوصاً بعد الإعلان الأمريكي الواضح والمباشر بالوقوف إلى جانب إسرائيل والدفاع عنها، وصولاً إلى إرسال أسلحة لها وتوجيه حاملة الطائرات نحو شرق البحر الأبيض المتوسط. ويبدو أنّ هدف أمريكا من هذا التصعيد إبعاد إيران وحزب الله عن التفكير في التدخل.

 

ويجد حزب الله نفسه محشوراً بين شعاره «توحيد الساحات» ومعرفته أنّ أي تدخل منه سيخلق الكثير من المشكلات في الداخل اللبناني لا يستطيع الحزب تحمّل تبعاتها. ومن هنا فقد لاحظ الكثيرون أنّ تدخّل حزب الله بقي محصوراً حتى الآن في عمليات تكتيكية، وليس انخراطاً كبيراً في الحرب، وذلك لإظهار التضامن مع حماس وتجنّب حدّة الرد الإسرائيلي، في الوقت نفسه. وقد فهم القادة الإسرائيليون رسالة الحزب بعدم السعي إلى حربٍ شاملة، فكان ردّهم محدوداً أيضاً.
لكن هذا الوضع الهش قد لا يستمر خصوصا في حال بدأ الهجوم البري على غزة، إذ قد تسعى إسرائيل أو إيران إلى تصعيد القتال بشكلٍ أكبر فينضم حزب الله إلى المعركة، ما يعني توقع مزيد من التصعيد واللااستقرار في المنطقة.

 

كيف تنظر مصر إلى الوضع المُتصاعد في فلسطين؟

علي بن موسى

منذ بدء عملية «طوفان الأقصى»، واصلت مصر دورها التاريخي كوسيط بين فصائل المقاومة الفلسطينية وإسرائيل. وبالنظر إلى اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في ديسمبر المقبل، والأزمة الاقتصادية المستمرّة، والوضع الأمني غير المستقرّ في كلّ من السودان وليبيا المجاورتين، تستثمر مصر بشدّة في وقف التصعيد وتخفيف الأزمات الإنسانيّة الناتجة عنه على حدودها مع غزّة.

 

أكّد الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي دعم مصر لحلّ الدولتين باعتباره الطريق إلى سلام حقيقي ومستدام للشعب الفلسطيني، وشدّد أيضاً على أنّ حلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يجب ألّا يأتي على حساب الأطراف الأخرى. يبدو أنّ تصريحه قد جاء ردّاً على دعوات المسؤولين الإسرائيليين لسكّان غزة للفرار إلى مصر وعلى القصف الإسرائيلي المتكرّر لمعبر رفح الذي يعدّ البوابة الوحيدة لسكّان غزة.

 

تتمثّل أولويات مصر الرئيسة في حماية حدودها المتاخمة لغزّة، وخصوصاً منطقة سيناء، حيث واجه الجيش المصري تمرّداً مُسلّحاً من مجموعات مرتبطة بإسلاميين متطرّفين. ونتيجة ذلك، تنظر مصر إلى التصعيد في غزّة باعتباره تهديداً لأمنها القومي، خصوصاً بعد حادثة قتل شرطي مصري لسائحين إسرائيليين ومواطن مصري في الإسكندرية.

 

وفي حين قد تشكّل الأحداث في غزّة فرصة لمصر من أجل تعزيز مكانتها الجيوسياسية من خلال الوساطة، إلّا أنّ مصر تخاطر أيضاً بالانجرار إلى الصراع فيما تعاني أوضاعاً محلّية صعبة. مع احتمال تصاعد الأعمال العدائية، يلوح في الأفق خطر حدوث أزمة إنسانية عبر الحدود وتهديد السلام في سيناء الذي تمّ التوصّل إليه بصعوبة. سوف تحاول مصر الحفاظ على موقف متوازن وخلق نموذج جديد في علاقاتها مع كلّ من حماس وإسرائيل. مع ذلك، من غير المرجّح أن تشارك بشكل مباشر في الصراع.

 

 عملية طوفان الأقصى تعلن عن حقبة جديدة في تاريخ المقاومة الفلسطينية

فوزي الغويدي

يحمل اختيار حماس السابع من أكتوبر لإطلاق عملية «طوفان الأقصى» دلالة كبيرة، إذ تزامنت العملية مع ذكرى حرب ستة أكتوبر1973 التي تحمل في الذاكرة العربية أهمية كبيرة كونها مثّلت أول انتصار عربي على قوات الاحتلال الإسرائيلي. شكّلت نهاية حرب أكتوبر بداية فصل جديد في العلاقات العربية الإسرائيلية، وشهدت السنوات اللاحقة توقيع اتفاقيات السلام.

 

وبالمثل، فإنّ عملية «طوفان الأقصى» تحمل في طياتها إمكانية تدشين مرحلة جديدة في النضال الفلسطيني المنقسم بين السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة منذ الانتفاضة الثانية. فعلى مدى السنوات الـ25 الماضية أصبح نمط المقاومة الفلسطينية متكرّر تميّز بالعمليات الفردية، قصف برشقات صاروخية للرد التصعيد، والإجراءات الدفاعية المستميتة. وقد صاحب هذه المدّة تغيّرات إقليمية منها تآكل الإجماع العربي على التطبيع مقابل حلّ الدولتين بعد الربيع العربي. بالإضافة إلى ذلك، أدّى صعود الحكومة الإسرائيلية اليمينية، بدعم من إدارتي ترامب وبايدن، إلى تهويد القدس والتوسّع المستمرّ في المستوطنات وعمليات الضمّ.

 

وفي ظل هذه التغيّرات لم يكن أمام فصائل المقاومة، وعلى رأسها حماس، إلّا أن تغيّر النمط المتكرّر من المقاومة بإطلاق عملية «طوفان الأقصى» لفرض واقع جديد يعيد توازن القوى ويغيّر قواعد الاشتباك ويدخل تكتيكات جديدة لم تكن في حسبان إسرائيل.

 

ستلحق تداعيات عملية «طوفان الأقصى» أضراراً بالغة في الأرواح والبنى التحتية في غزّة التي تفرض عليها إسرائيل حصاراً وتقصفها. وفي حين قد يؤدّي ذلك إلى تقويض المقاومة الفلسطينية المستقبلية، لكنّه يزيد أيضاً من احتمال حدوث تحوّل في نمط المقاومة من قبل الفصائل الفلسطينية والمجموعات المسلّحة الأخرى خارج فلسطين. ونتيجة لذلك، من المرجّح أن تشهد المنطقة عمليات كبيرة التأثير تقودها كيانات مسلحة غير حكومية.

 

المجتمع الدولي يجب أن يتدخّل

نادر القباني

إن الهجوم المدمّر الذي شنّته حماس ضدّ إسرائيل في 7 أكتوبر وما أعقبه من أحداث يجب أن يكون اختباراً للواقع بالنسبة إلى الإسرائيليين والفلسطينيين بأنّ الأساليب الحالية لإدارة الصراع واحتوائه غير ناجحة. لسوء الحظ، ستحاول عناصر متطرّفة على كلا الجانبين الاستفادة من الهجوم والانجرار إلى مزيد من الاضطراب، وسينجحون ما لم يتدخّل المجتمع الدولي.

 

بالنسبة إلى إسرائيل، يبيّن الهجوم المفاجئ بوضوح أنّ عزل الفلسطينيين في جيوب في غزة والضفة الغربية ليس حلاً قابلاً للتطبيق على المدى الطويل. يمتلك الشعب الفلسطيني حقوقاً وحاجات يجب الاعتراف بها واحترامها، سواء بموجب القانون الدولي أو كواجب أخلاقي، وإلّا سيتحوّل الشعور بالإحباط والغبن حتماً وبشكل غير مفاجئ إلى انتفاضات وأعمال عنف. بالنسبة إلى الفلسطينيين، لا بدّ من أن تدقّ تعبئة الدعم العالمي غير المسبوق لإسرائيل، وخصوصاً في الولايات المتحدة وأوروبا، جرس الإنذار من أنّ قضيتهم لا تلقى صدى. وهذا ما يعكس جزئياً الإرهاق الناجم عن عدم التوصّل إلى حلّ للصراع وعدم قدرة الفلسطينيين على ترتيب أوضاعهم الداخلية.

 

هذه ملاحظات مهمة يجب على قادة المجتمع الدولي البحث فيها، كما يتعيّن عليهم أن يعطوا صوتاً للمعتدلين على الجانبين من أجل تهدئة التوتّرات المجتمعية واستكشاف السبل الممكنة للمضي قدماً. ويكتسي ذلك أهميّة بشكل خاص في وقت تتعرّض فيه الأصوات المعتدلة على كلا الجانبين للهجوم والإسكات، لأنّ إذا سُمح للعناصر المتطرّفة بالسيطرة على السردية ستكون النتائج مدمّرة. على المدى القصير، قد تشعر إسرائيل بأنّها قادرة على إلحاق أضرار غير مسبوقة على مواطني غزّة والانتقام منهم وحتى أنّها قد تفتعل مواجهة إقليمية أوسع نطاقاً تسفر عنها كارثة إنسانية، لكن على المدى الطويل لن تكون سوى انتكاسة كبيرة لجهود السلام الإقليمية.

 

هذه المقالة هي ضمن سلسلة مقالات “آراء من المجلس” يعبّر من خلالها الزملاء والخبراء في المجلس عن آرائهم ورؤياهم حول القضايا الرئيسية التي تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفيها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: آراء من المجلس، الاحتجاجات والثورات، الحرب الأهلية، العلاقات الإقليمية
البلد: إيران، المملكة العربية السعودية، فلسطين، فلسطين-إسرائيل، مصر