الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحيي الحضور بعد مؤتمر صحفي أعلن في خلاله تشكيل الحكومة الجديدة في أنقرة، تركيا، في 3 يونيو 2023. رويترز / أوميت بكتاس

مقابلة: ماذا بعد الانتخابات التركية؟

في هذه المقابلة مع أفكار، يعرض غالب دالاي، الخبير في الشؤون التركية، نظرته إلى فوز الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الأخيرة، وما يعنيه ذلك بالنسبة للمعارضة التركيّة وسياسات البلاد الداخليّة والخارجيّة في خلال السنوات المقبلة.

15 يونيو، 2023
غالب دالاي

1. كيف تُفسَّر نتائج الانتخابات من حيث أداء أردوغان وهزيمة تحالف المعارضة؟ وما هو مصير التحالف؟

 

توضح نتائج الانتخابات أنّ سرديّات الحملة الانتخابيّة للرئيس أردوغان عن ضرورة الحفاظ على الاستمراريّة في السياسة في الأوقات التي تشهد اضطرابات، وسعيه لجعل تركيا مركز قوّة في الشؤون الدوليّة، ومحاربة الإرهاب، ودعمها بحُزم إنفاق سخيّة لصالح موظّفي القطاع العام والتقاعد المُبكر لملايين من المواطنين، كان لها صدى أكبر لدى الناخبين من وعود المعارضة بالتغيير في معظم مجالات السياسات. ويرجّح أن يؤدّي فوز أردوغان وهزيمة المعارضة إلى تغييرات هيكليّة طويلة الأمد في السياسة التركيّة.

 

ولأكون أكثر دقّة، من المُحتمل أن يُجري معسكر المعارضة مراجعة ذاتيّة في الفترة المقبلة، وأن توجّه دعوات إضافيّة لقيادات المعارضة للتنحّي، ولا سيّما زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليقدار أوغلو. لكن بالنظر إلى خسارة المعارضة بفارقٍ ضئيل، فقد يحتفظ كيليقدار أوغلو بمنصبه حالياً، ولكن ليس على المدى الطويل. أيضاً، سوف ينتهي الشكل السابق لتحالف المعارضة حيث تدعم جميع أحزابه الستة زعيم حزب الشعب الجمهوري، ويرجّح أن تستكشف هذه الأحزاب سبل تعاون مختلفة في الفترة التي ستسبق الدورة الانتخابيّة المقبلة.

 

أخيراً، تقع السياسة التركيّة على أعتاب تغيير جيلي. يبلغ كليجدار أوغلو 74 عاماً. وأطلق الرؤساء المشاركون لحزب الشعوب الديمقراطي الداعم للأكراد وعوداً بالتنحّي ردّاً على الانتكاسة الانتخابيّة. وأيضاً هذه هي الولاية الأخيرة لأردوغان عملاً بأحكام الدستور، لذلك، ستدخل السياسة التركيّة في مرحلة تكوينيّة ستحدّد سياستها لعقود مقبلة.

 

 2. بالنظر إلى المنافسة الشرسة التي خاضتها المعارضة في الانتخابات لإحداث تغيير، هل سيجري أردوغان وحزب العدالة والتنمية تعديلات في السياسة في خلال السنوات المقبلة؟ وما هي الالتزامات التي تعهّد بها، وهل ستنفّذ؟

 

بعد الانتخابات، أعلن أردوغان عن تشكيل حكومة رفيعة المستوى ومؤهّلة. فالأسماء المرشّحة لتولّي مناصب وزاريّة رئيسيّة محترمة ومهنيّة، مثل نائب الرئيس جودت يلماز، ووزير الماليّة محمد شيمشك، اللذين يُعدّان من الاقتصاديّين المرموقين دولياً، بحيث يشير تعيينهما إلى وجود تركيز على إنعاش الاقتصاد منذ اليوم الأوّل من ولاية أردوغان الثالثة. ويضاف إليهما وزير الخارجية الجديد، هاكان فيدان، الذي شغل منصب رئيس جهاز الاستخبارات السابق في تركيا، ويعدُّ من العقول الرئيسيّة وراء النشاط الجيوسياسي لتركيا منذ أكثر من عقدٍ. فضلاً عن رئيس الاستخبارات الجديد، إبراهيم قالين، كبير مستشاري أردوغان للسياسة الخارجيّة ومستشار الأمن القومي، وهو اسم يحظى بالإحترام.

 

شكّلت المشاكل الاقتصاديّة المستمرّة في تركيا نقطة ضعف أردوغان الأساسية، لا سيّما في الانتخابات المحلّيّة، إذ فقَد حزب العدالة والتنمية السيطرة على إسطنبول وأنقرة في العام 2019، وتقدم كيليقدار أوغلو على أردوغان في معظم المدن الكبرى في انتخابات الشهر الماضي. لذلك، من المرجّح أن تضع الحكومة الجديدة القضايا الاقتصاديّة ضمن أولى أولوياتها من أجل التحضير للانتخابات المحلّيّة المرتقبة بعد أقل من عامٍ في مارس 2024.

 

تبرز قضية رئيسيّة أخرى جرى تسييسها بشكلٍ كبير في خلال الانتخابات الأخيرة، وهي قضية اللاجئين السوريين. تبنّى معسكر المعارضة خطاباً قومياً يفحّ برهاب الأجانب، ضخّم عدد اللاجئين، وكال الوعود بإعادتهم جميعهم إلى بلادهم الممزّقة بالحرب إذا فاز بالانتخابات. لسوء الحظ، كان لهذه الرسالة صدى. فعلى الرغم من انتقاد أردوغان لهجة المعارضة تجاه اللاجئين، إلّا أنّه قدّم رؤية مبنية على الإعادة القسريّة التدريجيّة للسوريين إلى بلادهم. مع انتصار أردوغان، سيتنفّس اللاجئون السوريون الصعداء لبرهة، لكن نظراً لتصاعد المشاعر المعادية للاجئين، والشعور القومي المعادي للأجانب، ومستوى تسييس الموضوع، قد تكون هذه المهلة مؤقّتة. تكمن المأساة في تطوير الطرفين سياسات للإعادة القسرية للاجئين بدلاً من إدماجهم في المجتمع التركي.

 

3. كيف انعكست السياسة الخارجيّة الإقليميّة لأردوغان وتركيا في خلال العام الماضي على نتائج الانتخابات؟ وما الذي يمكن لشركاء تركيا وخصومها الإقليميين أن يتوقّعوه في السنوات المقبلة؟

 

لم يكن للسياسات الخارجيّة والأمنيّة دور كبير مماثل في أي انتخابات سابقة في تاريخ تركيا. وبعيداً من سرديّة محاربة الإرهاب، لقد خاطب أردوغان شعور العظمة لدى الأتراك المستوحى من ماضيهم الإمبراطوري بشكل مباشر، وتحدّث عن السعي لاستعادته. كذلك شدّد باستمرار على مكانة تركيا المرموقة في الشؤون الدوليّة، كدولة تقف في وجه القوى العالميّة وتتمتّع بالاستقلال الذاتي في سياساتها الخارجيّة والأمنيّة. ولتدعيم حججه، أظهر أردوغان البراعة التركيّة في التكنولوجيا العسكريّة، لا سيما تكنولوجيا الطائرات من دون طيّار التي تحظى بشعبيّة كبيرة.

 

في المقابل، فشلت المعارضة في تقديم رؤية وسرديّة مُتماسكة وجذّابة للسياسة الخارجيّة، الأمر الذي تبيّن لاحقاً أنّه نقطة ضعف في حملتها الانتخابيّة.

 

ما الذي يمكن توقّعه على جبهة السياسة الخارجيّة إذاً؟ من المرجّح أن تحدّد الاستمراريّة سياسة تركيا الخارجيّة في الفترة المقبلة، ولكن مع بعض التعديلات. على مدى العقد الماضي، شكّل الأمن والجغرافيا السياسيّة محاور التركيز الرئيسيّة. ومن الآن فصاعداً، من المرجّح أن يقوم الاقتصاد الجغرافي بتحديد سياسة تركيا الخارجيّة.

 

سيظل دور التوازن الجيوسياسي مهمّاً في ظلّ استمرار أنقرة في المناورة بين روسيا والغرب. عملياً، هذا يعني عدم الانضمام إلى العقوبات الغربيّة المفروضة على موسكو من أجل الحفاظ على علاقات قوّية معها. لكن في ما يتعلّق بالغزو الروسي لأوكرانيا، ستستمرّ أنقرة في محاولاتها وتأييدها لأوكرانيا من دون أن تصبح معادية لروسيا. إنّ تكلفة الانتصار الروسي باهظة للغاية ولا يمكن لأنقرة أن تقبل بها. تجري الحرب في البحر الأسود، وتركيا هي قوّة رئيسيّة فيه، إلى جانب روسيا وأوكرانيا. وبالتالي، إذا غيّرت موسكو ميزان القوى فسيشكل ذلك تهديداً طويل الأمد على تركيا.

 

من المرجّح أن تحدّد العلاقات مع الغرب من خلال نظريّات المعاملات والتجزئة والواقعيّة السياسيّة والبراغماتيّة. لتوضيح الأمر، ستتعاون أنقرة مع الغرب وفق ما تمليه مصالحها، ممّا يؤدّي إلى تجزئة القضايا المُختلفة وفقاً لإمكانيّات التعاون المُحتمل فيها، بحيث ستسعى تركيا إلى تنويع شراكاتها على النحو الذي تراه مناسباً. مع ذلك، لا يزال قرار تركيا بتعطيل انضمام السويد إلى الناتو ومطالبتها بطائرات F-16 من الولايات المتّحدة نقطة شائكة في العلاقة مع الغرب، ومن غير المرجّح أن تحلّ قريباً. أخيراً، تزيد العلاقات الدفاعيّة الاستراتيجيّة الإستراتيجية العميقة بين تركيا والصين وروسيا من التوتّرات مع الغرب، لا سيّما في هذه اللحظة التي تشهد منافسة بين القوى العظمى الناشئة. وبهذا القول، أشير إلى امتلاك الحكومة الجديدة أسماء قوية ومؤهّلة، من ضمنهم فيدان الذي غيّر مفهوم الترابط بين البيئة الخارجيّة والأمنيّة والاستخباراتيّة التركيّة، وشيمشك الذي ترأس فترات النموّ الاقتصادي في تركيا. لذلك، يرجّح أنّ تكون هذه الحكومة ماهرة في إدارة الاختلافات والخلافات والأزمات مع الغرب.

 

أمّا في ما يتعلّق بالشرق الأوسط، فمن المرجّح أن يواصل أردوغان سياسة التقارب مع خصومه السابقين، أي الدول الخليجية وإسرائيل، مدفوعاً بالاحتياجات الاقتصاديّة لتركيا ولو جزئيّاً على الأقل. ومن المرجّح أيضاً أنّ يستمرّ تواصل تركيا الضعيف مع نظام الأسد في سوريا حيث تؤدّي روسيا دور “حارس البوابة”. لكن في الوقت نفسه، تلوح في الأفق توتّرات مع إيران.

القضية: الإنتخابات، الاقتصاد السياسي، الحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، العلاقات الإقليمية
البلد: تركيا

المؤلف

زميل أوّل غير مقيم
غالب دالاي هو زميل أوّل غير مقيم في مركز الشرق الأوسط للشؤون الدولية وهو أيضاً زميل مشارك في تشاتام هاوس وباحث دكتوراه في جامعة أكسفورد. وكان زميل المركز التركي للسياسات-ميركاتور ستيفتونغ في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية وزميلاً غير مقيم في مركز بروكنجز الدوحة وباحثاً زائراً في جامعة أوكسفورد وباحثاً سياسياً في مؤسّسة البحوث السياسية… Continue reading مقابلة: ماذا بعد الانتخابات التركية؟