ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يلتقي بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في جدة، المملكة العربية السعودية ، 17 يوليو 2023. وكالة الأنباء السعودية / عبر رويترز

زيارة أردوغان إلى الدول الخليجية تبشّر بنهجٍ إقليمي جديد

زار الرئيس التركي المحنّك رجب طيِّب أردوغان دول مجلس التعاون الخليجي، وعاد إلى بلاده مع مجموعة من الاتفاقيّات الاقتصادية. فما هي الانعكاسات الواسعة النطاق لهذه الزيارات، وما الذي تحمله للسنوات الخمسة المقبلة؟

23 يوليو، 2023
بتول دوغان آكاش

بعد أسابيع على فوز الرئيس التركي رجب طيِّب أردوغان بولاية رئاسية جديدة لخمس سنوات، زار المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة وقطر على رأس وفد ضمّ نحو 200 رجل أعمال ومسؤولين حكوميين. وتعدُّ زيارة الزعيم المحنّك الأولى إلى المنطقة بعد فوزه في الانتخابات في مايو الماضي تتويجاً لمسارٍ مُتسارع من المصالحات التي بدأت في العام 2022، بعد سنوات من التوتّر شهدتها العلاقات بين أنقرة والقوّتين الخليجيّتين الرئيسيتين، أي الرياض وأبو ظبي.

 

تقدِّم زيارة أردوغان، التي وقّع في خلالها على سلسلة من الصفقات الاستثمارية بمليارات الدولارات، لمحة عمّا يمكن توقّعه من سياسة تركيا الخارجية على مدى نصف العقد المقبل، والتي تقوم على إعادة ضبط العلاقات والجهود المبذولة للتعاون بشكل أوثق مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة، فضلاً عن الحفاظ على علاقات متينة مع قطر.

 

إعادة تفكير إقليمي

 

كان الرؤساء الخليجيين على رأس قائمة المسؤولين الخارجيين الذين هنّأوا أردوغان بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة. وحتى قبل الانتخابات، نظّمت الدول الخليجية حملات إنسانية ضخمة في أعقاب الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا في فبراير الماضي، ممّا يمثّل تطوّراً كبيراً في العلاقات الثنائية في الآونة الأخيرة.

 

وعلى نطاقٍ أوسع، دفعت موجة من التغييرات في المنطقة وفي السياسة الداخلية التركية الحكومة إلى إعادة التفكير في سياساتها بشأن عدد من القضايا، بما فيها علاقتها مع مصر التي كانت منافستها اللدودة في وقت من الأوقات وانخراطها في الصراعات في سوريا وليبيا. وفي ما يتعلّق بدول مجلس التعاون الخليجي الغنيّة بالنفط، شكّلت الأزمة الاقتصادية التركية دافعاً ملحّاً لتعزيز العلاقات، ولا سيما مع الدول التي تنافست معها بشدّة على النفوذ الإقليمي طوال العقد الماضي. تأمل أنقرة أن يساعد تدفّق الاستثمارات الخليجية العامة والخاصة في تخفيف أزمتها المالية الطاحنة.

 

وقّع أردوغان ،في خلال زيارته إلى الإمارات العربية المتحدة، على صفقات بقيمة 50 مليار دولار في 13 قطاعاً، بما فيها الطاقة والنقل والبنية التحتية والدفاع والذكاء الاصطناعي. وفي المملكة العربية السعودية، كان تركيزه الأساسي على تعزيز التعاون الاقتصادي والدفاعي من خلال صفقات شملت الطاقة والاستثمار والإعلام وصناعة الأسلحة.

 

وفي قطر، تزامنت زيارة أردوغان مع الذكرى الخمسين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وقطر – والتي تختلف في تاريخها الحديث عن الدول الخليجية الأخرى نظراً للتشابهات الأيديولوجية بين البلدين في خلال الربيع العربي، وتعاون أنقرة الحيوي مع الدوحة في خلال الحصار الذي فرضته المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على قطر في العام 2017.

 

والمهم ذكره أنّه على الرغم من زيارة أردوغان للدول الثلاثة في جولة واحدة قصيرة، فقد تعامل مع كلّ منها على حدة، وصمّم مقاربات وفق مصالحها الخاصة. لقد كانت علاقات تركيا مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية متأزّمة منذ ثورات الربيع العربي في العام 2011، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، التوترات بشأن مواقفها المتباينة إزاء جماعة الإخوان المسلمين. وبردت العلاقات بين أنقرة وأبو ظبي بعد ورود تقارير عن تورّط الإمارات في محاولة الانقلاب على أردوغان في العام 2016. وقد أثار كذلك اغتيال الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، بأمر من مسؤولين سعوديين كبار بحسب التقارير، توتّرات مماثلة مع الرياض. وقد شعرت كلّ من الإمارات العربية المتّحدة والمملكة العربية السعودية بالانزعاج من دعم تركيا لقطر في خلال الحصار الذي فرضته عليها لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة.

 

مع ذلك، فتح رفع الحصار في العام 2021 البابَ لإعادة بناء العلاقات مع أنقرة أيضاً. وبالنسبة لرؤساء الدول الخليجية اليوم، لقد تحوّلت تركيا إلى حليف يوفّر فرصاً للاستثمار والتبادل التكنولوجي والتعاون في القضايا الإقليمية. وفي حين يجري هذا التحوّل السريع على قدم وساق، تشير الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية التي وقّعها أردوغان في خلال زيارته إلى مزيد من التطوّر في العلاقات على مدى السنوات الخمسة المقبلة.

 

بالنسبة للقادة في الرياض والدوحة وأبو ظبي، وكذلك لأردوغان، فإنّ بناء شراكة إستراتيجية طويلة الأمد بين هذه الدول الخليجية وتركيا تقدّم الكثير من المزايا. ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي محمد بن سلمان، ومحمد بن زايد في الإمارات العربية المتّحدة، وتميم بن حمد في قطر، هم جميعاً قادة دول غنية تعتمد على تصدير الطاقة وتتطلع إلى تحويل اقتصاداتها الريعية وأنظمتها السياسية من خلال إصلاحات محدودة ومشاريع اقتصادية سريعة التنفيذ من أجل إبعاد اقتصاداتها عن النفط والغاز.

 

الجدير بالذكر أنّه في خلال زيارة أردوغان، دعا وزير الاستثمار السعودي خالد بن عبد العزيز الفالح الشركات التركية إلى المشاركة في مبادرة رؤية 2030 الإصلاحية، والتي تمثّل المحور المركزي في أجندة محمد بن سلمان للسياسة الداخلية.

 

وهذا أمر مهم، لأنّ الرئيس التركي المنتخب حديثاً وولي العهد السعودي يربطان أهدافهما الداخلية طويلة الأمد بعلاقاتهما الخارجية. وفي حين ستستفيد الشركات واليد العاملة التركية من العقود والوظائف التي ستدرّها الخطّة بقيمة 3 تريليون دولار، تقدّم تركيا للمملكة العربية السعودية شراكة تجارية يمكن أن توفّر مزايا إضافية تتمثّل بتدفّق مستمرّ للعمالة المنخفضة التكلفة ونقل المواد.

 

إنّ الدفع من أجل تعزيز التعاون في إنتاج الأسلحة هو مثال آخر مهمّ على هذه التحرّك. فقد جاءت زيارة أردوغان لدول مجلس التعاون الخليجي بالتوازي مع إبرام صفقة بين شركة الأسلحة التركية الخاصة «بايكار تكنولوجي» ووزارة الدفاع السعودية لإنتاج طائرات قتالية من دون طيّار من طراز «أكينسي» للجيش السعودي. وبحسب شركة بايكار، من المقرّر أيضاً أن تقدّم خدمات فنية ولوجستية وتعليمية للجيش.

 

لن تحصل المملكة العربية السعودية على طائرات من دون طيّار فحسب، بل ستبدأ أيضاً في تصنيعها على أراضيها بمساعدة تركية، ممّا يعزّز الدفاعات السعودية وفق رؤية 2030. صحيح أنّه لم يُعلَن عن قيمة صفقة الدفاع، لكن مدير عام شركة بايكار خلوق بيرقدا قال إنّها «أكبر صفقة تصدير في مجال الدفاع والطيران في تاريخ تركيا».

 

باختصار، تشير جولة أردوغان القصيرة في الخليج إلى إمكانية توقّع تكثيف التعاون الثنائي والإقليمي. والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كان تطبيع العلاقات بين تركيا والدول الخليجية، القائم أساساً على منطق تحسين العلاقات الاقتصادية، يمكن أن يترجم إلى مزيد من التعاون في القضايا السياسية ذات الأهمية المتبادلة في المنطقة، والتي دار خلاف كبير حولها. في الواقع، إنّ السرعة في التقارب بين أنقرة والرياض وأبو ظبي تركت التوترات السياسية بينها عالقة من دون حلّ.

 

ويكمن الرهان في أنّ مصالح هذه الدول المتداخلة والمتبادلة القائمة على إستراتيجيات استثمار اقتصادي طويلة الأجل قد تساعد في هذه العملية وتشجّعها على مزيد من التعاون في جميع أنحاء المنطقة في السنوات المقبلة. يمكن لتركيا والدول الخليجية، على سبيل المثال، التعاون بشأن خطط السلام في سوريا وليبيا، أو اتخاذ خطوات تدريجية لتطبيع علاقاتهم الصعبة مع أطراف ثالثة مثل مصر. في الوقت الحالي، ليس واضحاً ما إذا كان سيحدث أي من هذا. لكن زيارة أردوغان تشير إلى أنّ زمن التوترات الحادّة بين أنقرة والدول الخليجية قد ولّى، وأنّ المصالح الاقتصادية المشتركة ضمن إستراتيجية طويلة الأجل قد تؤدّي بالفعل إلى مزيد من التعاون السياسي في المستقبل.

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّفة حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: الاقتصاد السياسي، العلاقات الإقليمية، منافسة القوى العظمى
البلد: الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، تركيا، سوريا، قطر، ليبيا، مصر

المؤلف

بتول دوغان آكاش هي باحثة في شؤون الدول الخليجة. حصلت على درجة الدكتوراه في الشؤون الحكومية والدولية من جامعة دورهام. تركّز بحوثها على السياسة الخارجية والإستراتيجيات الأمنية والثقافة السياسية في دول مجلس التعاون الخليجي. وتتابع دوغان آكاش دور دول مجلس التعاون الخليجي في حرب اليمن والعلاقات التركية الخليجية على حدّ سواء.