حسن عبد الله، محافظ البنك المركزي المصري، يلقي كلمة في خلال الجلسة العامة للاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في واشنطن، الولايات المتحدة، في 14 أكتوبر، 2022. رويترز / إليزابيث فرانتز

آن الأوان لمعالجة مسألة الشفافية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

تسجّل إقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من بين أدنى المراتب في التصنيفات العالمية للشفافية. وبالنظر لتداعيات ذلك على معدلات الفساد والاستثمار الأجنبي المباشر والقدرة على التصدّي للصدمات الخارجية، يجدر بدول المنطقة الإرتقاء بأدائها من خلال زيادة الشفافية ومشاركة معلومات دقيقة مع شعوبها.

19 أبريل، 2023
روبرت بيشيل، طارق محمد يوسف

من المعروف أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعاني «عجزاً ديمقراطياً»، لكن ما لا يتمّ التطرّق إليه كثيراً هو عجزها المُزمن في الشفافية. وقد لفت فريد بلحاج، نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الانتباه إلى هذه المسألة مؤخّراً، مشيراً إلى حاجة مصر إلى أن تكون أكثر شفافية بشأن ديونها، ولا سيّما الديون المستحقّة على الشركات المملوكة للدولة. وتأتي نصيحة بلحاج في وقتها المناسب نظراً للتوتّر المُتزايد في الأسواق المالية الدولية حيال البلدان المُثقلة بالديون، ومن ضمنها مصر والأردن وتونس. ومن المرجّح أن يشترط برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري مع صندوق النقد الدولي، والذي من المقرّر مراجعته من أجل فتح أبواب التمويل الخارجي الذي تشتدّ الحاجة إليه، على مصر تحقيق المزيد من الشفافية في المالية العامّة، بما في ذلك دور الجيش في الاقتصاد.

 

في الواقع، تشير البيانات إلى أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تُعدّ المنطقة الأقل شفافية في العالم. ويوضح الرسم البياني أدناه، والذي يتتبّع انتشار التشريعات المتعلّقة بالحقّ في الوصول إلى المعلومات في العالم، هذه النقطة بشكل جيّد. إذ انتشرت هذه التشريعات بسرعة في جميع أنحاء العالم بدءاً من منتصف تسعينيات القرن الماضي، إلّا أنّ الوضع اختلف بالنسبة لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ فمنها من تأخّر في تشريعها ومنها من لم يعتمد أي قانون بتاتاً. في الواقع، تونس واليمن كانتا الدولتين الوحيدتين اللتين أقرّتا قوانين تتوافق مع أفضل الممارسات الدولية، إلّا أنّ العمل بها قد توقّف في اليمن بسبب الحرب. تجدر الإشارة إلى أنّ عدداً قليلاً من دول المنطقة قد أقرّ أشكالاً مختلفة من القوانين التي ترعى حق الوصول إلى المعلومات، لكنّها غالباً ما تملؤها استثناءات وأحكام تقوِّض جدواها، عدا أنّ تنفيذها غالباً ما يكون صعباً.

 

 

ولا تشكّل التشريعات المتعلّقة بالحقّ في الوصول إلى المعلومات إلّا بُعداً واحداً على أجندة الشفافية الأوسع، وإن كانت من بين الأبعاد الأهم والأكثر وضوحاً. وتسجّل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كذلك من بين أدنى المراتب في التصنيفات العالمية الأخرى. يقيس مؤشِّر الموازنة المفتوحة درجة مشاركة المعلومات المالية ونشرها للعامة. وفي أحدث استبيان، تبينَّ أنّ 5 من بين أسوأ 17 بلداً أداءً هي من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو الرقم الأعلى بين مختلف المناطق باستثناء أفريقيا جنوب الصحراء. قليلةٌ هي الحكومات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تنشر بشكل دوريّ بيانات الأداء الخاصّة بالعمليات الحكومية، ولو أنّ الوضع بدأ يتغيّر ببطء في بعض البلدان، ولا سيّما في مجلس التعاون الخليجي. بشكلٍ عام، حتّى البيانات الجزئية التي تجمعها وكالات الإحصاء حول الاستهلاك والصحّة والقوى العاملة والسكّان غالباً ما تُخفَى عن الجمهور.

 

من المؤسف وجود هذه الثغرات نظراً للمنافع الكثيرة التي يمكن للشفافية أن تعود بها. على سبيل المثال، تبيّن دراسات مختلفة الصلة بين الشفافية والقدرة على تجنّب الأزمات المالية. وتشير أدلّة مُتزايدة إلى أنّ الشفافية يمكن أن تؤدّي دوراً إيجابياً في الأسواق المالية، لا سيما من خلال حماية الاقتصادات من تقلّبات السيولة العالمية التي قد تُزعزع الاستقرار المالي للبلدان النامية بشكل خاص. في المقابل، تبيَّن أنّ الحوكمة السيّئة والشفافية المحدودة تؤثّران سلبياً في تدفّقات الاستثمار الأجنبي المباشر، والتصنيفات الائتمانية، والفوارق بمعدل الفائدة على الديون السيادية (وهو مقياس للجدارة الائتمانية لبلد ما، والذي ينعكس في معدّل عوائده مقارنة بسندات الخزانة الأمريكية). وتميل البلدان الأكثر شفافية إلى أن يكون لديها انضباط مالي أفضل وفساد أقل. وبالمثل، من شأن الشفافية والمشاركة العامّة أن تساعد على ضبط التسرّبات وتحسين الكفاءة في الإنفاق العام وتعزيز المساواة من خلال مطابقة الإيرادات المُتأتية من الموارد الطبيعية مع الأولويات الوطنية بشكل أفضل.

 

وقد تعمّق الباحثون أيضاً في الصلة بين الشفافية وفعالية الحكومة، إذ تشير أدلّة إلى أنّ الشفافية يمكن أن تحُدّ من الفساد السياسي وتعزّز المساءلة أمام المواطنين. فالحكومات التي تقدِّم بيانات اقتصادية أفضل هي أيضاً أكثر كفاءة وأقل عرضة للفساد، فضلاً عن تسجيلها معدّلات منخفضة في التنصّل من العقود ومخاطر نزع الملكية. كما تميل البلدان التي تتمتّع بشفافية عالية في موازاناتها إلى تحقيق نتائج إنمائية إيجابية وتحقيق التطلّعات الاقتصادية والاجتماعية لمواطنيها بشكل أفضل. من بين البلدان المُتشابهة بمستوى الدخل، تميل البلدان ذات البيئات الأكثر شفافية إلى امتلاك وكالات حكومية أكثر فاعلية.

 

وقد بدأ بعض الباحثين والمؤسّسات الدولية في الضغط من أجل تحقيق المزيد من الشفافية الحكومية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في أكتوبر الماضي، نشر البنك الدولي تقريراً من 250 صفحة يدعو فيه إلى «مزيد من الشفافية والمساءلة» في المنطقة. ويرى مؤلّفو التقرير أنّ زيادة الشفافية سيكون لها فائدتان رئيسيتان على حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهما: تحسين المساءلة أمام الشعب وبين الإدارات الحكومية، وتحسين قدرتها على التكيّف. لقد أثبتت الأحداث العالمية في السنوات الأخيرة أنّه عند مواجهة صدمات خارجية كبيرة – مثل الجائحات أو تغيّر المناخ أو الارتفاع المفاجئ في أسعار الغذاء العالمية أو الضغوط في الأسواق المالية – تحتاج حكومات المنطقة إلى الوصول إلى معلومات دقيقة وفي الوقت المناسب من أجل اتخاذ القرارات المناسبة. فضلاً عن ذلك، عند مقارنتها بالكثير من إصلاحات القطاع العام الأخرى، غالباً ما تكون إصلاحات الشفافية سهلة نسبياً ويكون تنفيذها غير مكلف.

 

وليس البنك الدولي المؤسسة المالية الدولية الوحيدة التي تسعى إلى مزيد من الشفافية. إذ تضمّن البرنامج الأخير لصندوق النقد الدولي مع مصر، والذي تبلغ قيمته 3 مليارات دولار، مجموعة متنوّعة من الإصلاحات المُتعلّقة بالشفافية كجزء من حزمةٍ أوسع من الإجراءات التي تهدف إلى خفض نسبة الدَّيْن إلى الناتج المحلّي الإجمالي في البلاد، وتعزيز عمليات الموازنة، وتعزيز ثقة السوق. وشملت هذه الإجراءات نشر تقارير سنوية عن الإعفاءات الضريبية والاستثناءات والحوافز للمساعدة على تحقيق تكافؤ الفرص بين الشركات الخاصة والشركات المصرية الكبرى المملوكة للدولة. والجدير بالذكر هو الدعم الذي تحصل عليه هذه الإصلاحات من بلدان أخرى في المنطقة. فقد أعلنت المملكة العربية السعودية مؤخّراً أنها لن تمنح «المزيد من الشيكات على بياض» ربطاً بدعمها المالي لمصر. وفي هذا الصدد، صرّح وزير المالية السعودي محمد الجدعان في مؤتمر دافوس الأخير: «نعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف لنقول بالفعل إننا بحاجة إلى رؤية إصلاحات».

 

حان وقت العمل بشكل أفضل

بالطبع، الشفافية وحدها ليست حلاًّ سحرياً. تشتدّ الحاجة إلى مزيد من البحوث حول العلاقة بين الشفافية والمساءلة، وكذلك الجهود المبذولة لضمان تدفّق المعلومات الدقيقة إلى الأماكن الصحيحة واستخدامها بفعالية. يمكن لمؤسّسات الدولة، من مكاتب التدقيق إلى الرئاسات، في كثير من الأحيان استخدام البيانات بفعالية أكبر ومحاسبة الكيانات الحكومية الأخرى.

 

إنّ مسألة ضمان الشفافية أكثر تعقيداً من مجرّد مشاركة المعلومات، وفوائدها تفوق بكثير تكاليفها، وتسمح للحكومات أن ترتقي في أدائها. يصحّ ذلك بشكل خاص في البلدان ذات المديونية العالية والمتنامية، حيث يجب على المستثمرين المُحتملين أن يوازنوا بعناية مخاطر التخلّف عن السداد أو إمكانية تأجيله بسبب عدم وضوح الرؤية في ما يتعلّق بالالتزامات الطارئة والالتزامات المالية للشركات المملوكة للدولة.

 

بكل بساطة، تشكّل إتاحة بيانات الموازنة والمسوحات الإحصائية والأداء الحكومي للعموم الخطوة الأولى في المسار الصحيح. وبالتالي، يمكن للحكومات معالجة القضايا الأوسع والأكثر تعقيداً مثل التشريعات المتعلّقة بالحق في الوصول إلى المعلومات. يمكن تحقيق إصلاحات الشفافية في غضون فترة زمنية قصيرة نسبياً. من المجدي إذاً أن تضع الحكومات هذه التدابير والإجراءات على رأس قائمة أولوياتها، نظراً للمكاسب المالية والاقتصادية الكبيرة التي يمكن أن تعود عليها بتكلفة منخفضة نسبياً.

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفيها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

 

القضية: الاقتصاد السياسي، الحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، العلاقات الإقليمية
البلد: الأردن، اليمن، تونس، مصر

المؤلّفون

زميل أوّل غير مقيم
روبرت بيشيل هو زميل أوّل غير مقيم في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، وهو يقدّم أيضاً استشارات بصفة مستشار أوّل حول الحوكمة وإدارة القطاع العام للبنك الدولي وعدد من الشركات الاستشارية المرموقة.   أشرف بيشيل في السابق على عمل البنك الدولي حول الحوكمة وإدارة القطاع العام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكان أيضاً رئيس… Continue reading آن الأوان لمعالجة مسألة الشفافية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
مدير وزميل أوّل
طارق يوسف هو زميل أوّل ومدير مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية. وكان قبل ذلك زميلاً أولاً ومدير مركز بروكنجز الدوحة وأيضاً زميلاً غير مقيم في برنامج السياسة الخارجية بمعهد بروكنجز في العاصمة الأمريكية واشنطن. وهو أيضاً زميل بحوث في منتدى البحوث الاقتصادية في القاهرة.   شملت حياته المهنية العالم الأكاديمي ومراكز البحوث في كلية الشؤون… Continue reading آن الأوان لمعالجة مسألة الشفافية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا