امرأة تمشي في غرفة اجتماعات فارغة قبل مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ (COP28) في دبي في 28 نوفمبر 2023. (جوزيبي كاكاس / وكالة الصحافة الفرنسية)

مؤتمر COP28 وانعكاسه على تعزيز العمل المناخي في الخليج وخارجه

بينما تستعد الإمارات العربية المتّحدة لاستضافة مؤتمر الأمم المتّحدة المعني بتغيّر المناخ (COP28)، تبقى التساؤلات قائمة حول مدى صدق الدول الخليجية المُصدّرة للنفط في التصدّي لأزمة تغيّر المناخ. أمّا الحكم النهائي، فلا بدّ أن يكون على الفعل وليس القول.

30 نوفمبر، 2023
عائشة السريحي، عبد الفتاح حامد علي

تؤدّي دول مجلس التعاون الخليجي دوراً محورياً في الاقتصاد العالمي منذ عقودٍ، فهي تملكّ نحو 30 في المئة من احتياطيّات النفط المؤكّدة في العالم، و20 في المئة من إجمالي احتياطيّات الغاز الطبيعي. لكن مع اشتداد آثار تغيّر المناخ وتداعيات سياسات المناخ العالمية على أرباح مُصدّري النفط والغاز، انخرطت هذه الدول بشكل مُتزايد في دبلوماسية المناخ وأصبحت جهات فاعلة في الحركة الخضراء في الداخل والخارج.

 

مع ذلك، تبقى التساؤلات قائمة عن مدى عمق التزام الدول الخليجية بمستقبل أكثر خضرة. ويعتبر النقّاد دبلوماسية المناخ التي تتبنّاها دول مجلس التعاون الخليجي عبارة عن سياسة «غسيل أخضر» أكثر من كونها جهداً صادقاً لتقليل الانبعاثات وتفعيل دورها في التخفيف من تغيّر المناخ. بيد أنّ هذه الاتهامات تتجاهل تعقيدات القضية بالنسبة إلى الدول الخليجية التي هي على خطّ المواجهة في ما يتعلّق بالتأثيرات البيئية للمناخ والعواقب الاقتصادية التي قد تنتج عن التحوّل الأخضر.

 

ستبرز هذه المعضلة في مؤتمر الأمم المتّحدة لتغير المناخ لعام 2023 (COP28) الذي تستضيفه دبي. وبينما يركّز المجتمع الدولي اهتمامه بشكلٍ كبير على سياسات المناخ الإقليمية ومبادرات التخفيف من انبعاثات الكربون، هل يسرّع مؤتمر الأطراف الاستجابة الفعّالة في المنطقة؟

 

مواجهة التحدّيات المناخية الفريدة

تواجه منطقة الخليج مجموعة فريدة من التحدّيات البيئية. ففي المناخات القاحلة، مثل البحرين والكويت وسلطنة عمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة، ترتفع الحرارة في الصيف إلى أكثر من 40 درجة مئوية وتتجاوز الرطوبة في كثير من الأحيان 80 في المئة، ما يخلق ظروفاً قاسية لسكّان المنطقة. وفي حين أنّ الاستخدام الكثيف لمكيّفات الهواء يوفّر الراحة للبعض، فإنه يزيد أيضاً من استهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون. في النهاية، تؤدّي هذه الحلقة المفرغة إلى درجات حرارة أعلى.

 

بالإضافة إلى الحرارة الشديدة، لاطالما شكّلت موارد المياه العذبة المحدودة تحدّياً بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي. ويزداد هذا الوضع صعوبة بسبب خصائص المنطقة الجغرافية، مثل المساحات الصحراوية الشاسعة وانخفاض منسوب المياه الجوفية. بالتالي، تُصنَّف هذه الدول بين أكثر 17 دولة تعاني إجهاد مائياً في العالم. في الوقت نفسه، يواجه القطاع الزراعي في المنطقة صعوبات مُتزايدة وتكافح المحاصيل المستهلكة للمياه من أجل البقاء. يثير هذا الواقع المخاوف بشأن الأمن الغذائي نظراً لاعتماد دول المنطقة على الاستيراد، لاسيما أنّ عدداً منها يستورد 90 في المئة من غذائه. وتبقى المنطقة هشّة أمام الاضطرابات الناجمة عن المناخ وانعكاسها على الزراعة وسلاسل التوريد العالمية كما شهدنا في خلال الجائحة.

 

بالإضافة إلى ذلك، من المتوقّع أن تواجه السواحل الخليجية ارتفاع منسوب مياه البحر كنتيجة مباشرة للاحتباس الحراري العالمي. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ حوالي 90 في المئة من سكّان المنطقة يعيشون في المناطق الحضرية والساحلية. وقد شهد عدد من الدول الخليجية بالفعل تأثير أحوال الطقس القاسية كالفياضانات المدمّرة التي اجتاحت إمارة الفجيرة في الإمارات العربية المتّحدة وقطر والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان. وهذه الأخيرة شهدت أيضاً موجة من الأعاصير القاتلة في السنوات الأخيرة.

 

مع ذلك، تواجه الدول الخليجية معضلة مناخية، فالتدابير المطبّقة في العالم للحدّ من انبعاثات غازات الدفيئة، وخصوصاً تلك التي تهدف إلى الحدّ من استهلاك الوقود الأحفوري، يمكن أن تقلّل الطلب على النفط وتخفّض أسعاره، ما يؤدّي إلى تراجع عائدات النفط والحدّ من الموارد المُتاحة أمام الدول الخليجية للتعامل مع الآثار السلبية لتغيّر المناخ.

 

العمل من أجل المناخ على الرغم من المفارقات

تؤكّد التحدّيات المناخية التي تواجهها دول مجلس التعاون الخليجي على أنّ التصدّي لتداعيات تغيّر المناخ هو مسألة ملحّة ومعقّدة إلى حدّ كبير في منطقة مرتفعة المخاطر. وعلى الرغم من التاريخ الطويل للشكوك في هذه القضية، تقدّم الحكومات الخليجية نفسها الآن على أنّها الرائدة في مجال تحوّل الطاقة. فالإمارات العربية المتّحدة هي ثاني دولة خليجية بعد قطر، والثالثة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد مصر، التي تستضيف مؤتمر الأطراف. كما استضافت الرياض أسبوع الأمم المتّحدة للمناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هذا العام.

 

علاوة على ذلك، لقد وقّع عدد من الدول الخليجية على التعهّد العالمي لغاز الميثان، وهو عضو في المنتدى الرامي إلى تحقيق صافي انبعاثات صفرية (Net Zero Producers Forum )، والمنتدى الوزاري للطاقة النظيفة التابع للاتحاد الأوروبي ومبادرة مهمة الابتكار. وتُظهر هذه الالتزامات تصميم هذه الدول على التخلّص التدريجي من انبعاثات غازات الدفيئة إنّما ليس بالضرورة على حساب عائدات النفط والغاز، التي تمكّنها من تمويل مشاريع تحوّل الطاقة والتعامل مع آثار تغيّر المناخ. وباسم المجموعة العربية، قال كبير المفاوضين السعوديين، البراء توفيق، أمام الجلسة العامة لمؤتمر الأطراف السابع والعشرين إنّ الأمم المتّحدة «بحاجة إلى معالجة الانبعاثات وليس مصادرها». وكرّر رئيس مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين سلطان الجابر هذا الموقف قائلاً: «يجب أن يركّز هدفنا على التخلّص التدريجي من انبعاثات الوقود الأحفوري». إنّ التركيز على القضاء على الانبعاثات بدلاً من القضاء على إنتاج الوقود الأحفوري هو موقف مشترك بين الدول الخليجية المنتجة للنفط ويضع مسؤولية الحدّ من غازات الدفيئة على عاتق المستهلكين.

 

على الصعيد المحلي، تعمل دول مجلس التعاون الخليجي الستة على تسريع وتيرة تنويع مصادر الطاقة والحدّ من البصمة الكربونية لقطاع الطاقة التقليدية، وإنشاء مؤسّسات وطنية ووضع سياسات وأطر تنظيمية لتحقيق هذه الأهداف. وتطمح خمسة منها إلى الوصول إلى صافي انبعاثات صِفرية بحلول العام 2050. وتتزايد الاستثمارات في تكنولوجيات الطاقة المنخفضة الكربون مثل احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهو ما يدلّ على الالتزام بالاستدامة المناخية والحدّ من هيمنة المواد الهيدروكربونية في إنتاج الطاقة المحلّية.

 

على سبيل المثال، تلتقط ثلاث منشآت كبيرة لاحتجاز وتخزين الكربون في قطر والإمارات العربية المتّحدة والمملكة العربية السعودية نحو 10 في المئة من ثاني أكسيد الكربون الذي يتمّ احتجازه سنوياً في جميع أنحاء العالم. وقد استثمرت الإمارات العربية المتّحدة بكثافة في الطاقة النووية والهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية، وبنت أكبر محطّة للطاقة الشمسية في العالم (5 غيغاوات بحلول العام 2030). وعزّزت شركة أدنوك، المملوكة من الحكومة الإماراتية، هدفها بالوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول العام 2045، وتعمل بنشاط على توسيع تكنولوجيا احتجاز الكربون. إلى ذلك، تدفع المملكة العربية السعودية باتجاه إنتاج مستدام للكهرباء (11,8 غيغاواط بحلول العام 2025)، وتستعدّ لبناء أكبر مصنع لإنتاج الأمونيا الخضراء في العالم. وتقوم شركة قطر للطاقة ببناء مصنع للأمونيا الزرقاء مع استخدام تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه بتكلفة مليار دولار. أيضاً منحت شركة هيدروم العمانية عقوداً بقيمة 10 مليارات دولار لتطوير مصنع لإنتاج الأمونيا الخضراء، ومن المقرّر أن يبدأ البناء في العام 2027. وارتفع إجمالي قدرة الطاقة المُتجدّدة المركّبة في دول مجلس التعاون الخليجي من 67 ميغاوات في العام 2012 إلى 5672 ميغاوات في العام 2022، بزيادة 85 ضعفاً في عقدٍ واحدٍ فقط.

 

في حين يعدّ إنتاج الوقود الأحفوري مسبّباً أساسياً للانبعاثات وتغيّر المناخ، تبقى عائدات النفط ضرورية للتخفيف من آثار المناخ. ومن المُمكن أن تساعد إعادة استثمار هذه الإيرادات في قطاعات أنظف بيئياً، بما في ذلك الزراعة العمودية، والاستزراع المائي، ومشاريع تحلية المياه، في معالجة انعدام الأمن الغذائي والمائي على المستوى الإقليمي. وتستحوذ دول مجلس التعاون الخليجي على أكثر من 60 في المئة من قدرة تحلية المياه العالمية، وتولّد ما يقرب من 40 في المئة من إجمالي المياه المُحلاة عالمياً عبر أكثر من 400 منشأة لتحلية المياه، وقد خصّصت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي 100 مليار دولار لزيادة هذه القدرة بنسبة 37 في المئة إضافية.

 

هل استضافة COP28 مهمّة للعمل المناخي الإقليمي؟

لقد عززت دول مجلس التعاون الخليجي مشاركاتها في المفاوضات الدولية بشأن المناخ، بحيث تنخرط في خفض الانبعاثات وتمويل المشاريع المناخية والتعاون في البحث عن سبل فعّالة من أجل التكيّف مع تغيّر المناخ. ويضع المراقبون هذه الالتزامات الدبلوماسية تحت المجهر بسبب تعارضها مع استمرار هذه الدول بإنتاج النفط والغاز. مع ذلك، يشير تطوّر طموحات والتزامات التخفيف من آثار تغيّر المناخ والتكيّف معه، إلى جانب استضافة الفعاليات الكبرى في هذا المجال إلى اتجاه جديد لدى القادة الإقليميين بشأن العمل المناخي. لذلك، عند إطلاق الأحكام على صدقية هذه المبادرات، من المهم إدراك الصعوبة التي تواجهها هذه البلدان في إحداث تحوّل مفاجئ وفوري. ففي حين تواجه جميع الدول صعوبات اقتصادية ناجمة عن تحوّل الطاقة، تبقى هذه الصعوبات أكثر حدّة بالنسبة إلى الاقتصادات التي تعتمد على إنتاج الطاقة وتصديرها.

 

وتوفّر استضافة مؤتمر الأطراف فرصة للدفع نحو المزيد من التغيير الإقليمي والدولي في مكافحة تغيّر المناخ. وستركّز مناقشات المؤتمر على استكمال أول تقييم عالمي في تاريخ مفاوضات المناخ، والذي يُعد آليّة مهمّة لقياس التقدّم الجماعي نحو تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ. فأين تقف البلدان والأطراف المعنية الأخرى وكيف يمكنها التوصّل إلى التزامات مناخية طموحة بحلول العام 2025؟ وبالفعل، ركّز التقرير التجميعي الأول للّجنة الفنية للتقييم العالمي الأوّل على تجاوز الكوكب سقف 1,5 درجة مئوية من الاحترار، وتشير التقديرات إلى أنّ حرارة الأرض سترتفع بنحو 2,4 إلى 2,6 درجة مئوية بحلول نهاية القرن بالاستناد إلى التعهّدات المناخية الحالية. ومن المتوقّع أن تدفع نتائج التقييم العالمي إلى تسريع العمل المناخي على مستوى العالم وفي منطقة الخليج.

 

وبالبناء على الزخم الذي حقّقته الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في مصر، يمكن للإمارات العربية المتّحدة أن تعزّز الزخم الإقليمي للتصدّي لتداعيات تغيّر المناخ. بالإضافة إلى ذلك، تدلّ الاستثمارات الإستراتيجية التي وضعتها الإمارات العربية المتّحدة في الطاقة المتجدّدة، والهيدروجين الأخضر، والطاقة الشمسية، وتقنيات احتجاز الكربون، على نموذج إقليمي للابتعاد عن الاعتماد على الهيدروكربون. إنّ المنافسة والتعاون المثمرين بين الدول الخليجية لتسريع العمل المناخي يكتسبان زخماً بالفعل. فعلى هامش مؤتمر الأمم المتّحدة المعني بتغيّر المناخ للعام 2022 (COP27)، أعلنت سلطنة عمان عن إستراتيجية وطنية لتصفير انبعاثات الكربون، وتعهّدت الكويت بالوصول إلى انبعاثات صفرية بحلول العام 2050. وفي أواخر العام 2022، تعهّدت مجموعة التنسيق العربية بمبلغ 24 مليار دولار لتمويل العمل المناخي بحلول العام 2030، وأعلنت بورصات الخليج عن مقاييس موحّدة للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة للشركات العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي. كما سيوفّر مؤتمر الأمم المتّحدة المعني بتغير المناخ (COP28) منصّة للتعاون الإقليمي في مجال المناخ، لاسيّما من خلال مواصلة مبادرة الشرق الأوسط الخضراء لزراعة 50 مليار شجرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

 

وتهدف الإمارات العربية المتّحدة، كونها الدولة المضيفة لمؤتمر الأطراف، إلى ضمّ مجموعة واسعة من الجهات المعنية، كالشباب والمجتمع المدني والمنظّمات غير الحكومية والقطاع الخاص والسكّان الأصليين لتعزيز الحوار والوعي بشأن العمل المناخي بين مختلف شرائح المجتمع. وبالتالي، فهي توفّر منصّة للأشخاص غير المُعتمدين لحضور المؤتمر الذي تسعى الإمارات من خلال استضافته إلى توحيد الجهود العالمية وتعزيز التعاون الدولي وتسريع العمل المناخي في منطقة الخليج وخارجها. وعلى الرغم من الشكوك، يمكن الإعتراف بأنّ التزام دول مجلس التعاون الخليجي بالحدّ من انبعاثات الكربون وتنويع اقتصاداتها قد تحوّل من مجرّد جهد دبلوماسي إلى عمل مناخي مستدام.

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفاها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: الحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، العمل المناخي
البلد: الإمارات العربية المتحدة، البحرين، الكويت، المملكة العربية السعودية، عُمان، قطر، مصر

المؤلّفون

زميلة غير مقيمة
عائشة السريحي هي زميلة غير مقيمة في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، وزميلة بحوث في معهد الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية. وهي أيضاً زميلة غير مقيمة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن. وتشتمل مواضيع بحث السريحي على الاقتصاد السياسي، والاستدامة البيئية، وسياسات الطاقة، ومصادر الطاقة المتجددة، والسياسات المناخية، مع تركيزها على المنطقة العربية.… Continue reading مؤتمر COP28 وانعكاسه على تعزيز العمل المناخي في الخليج وخارجه
زميل زائر مبتدئ
عبد الفتاح حامد علي هو زميل زائر مبتدئ في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية. تخرّج مؤخراً من معهد الدوحة للدراسات العليا في قطر، حاملاً شهادة الماجستير في السياسات العامة.   تشتمل مواضيع بحثه على التنمية الاقتصادية، والسياسات العامة، والتحوّلات في الطاقة، والاستدامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.   كان في السابق باحثاً متدرّباً في… Continue reading مؤتمر COP28 وانعكاسه على تعزيز العمل المناخي في الخليج وخارجه