وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحانبير (في يمين الصورة) يحضر اجتماع وزراء خارجية دول البريكس في كيب تاون بجنوب أفريقيا في 2 يونيو 2023. وكالة أنباء الأناضول عبر وكالة فرانس برس.

دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر حزماً في عالم متعدّد الأقطاب

مع تصاعد المنافسة بين القوى العظمى وتراجع هيمنة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، أصبحت دول المنطقة تدرك أهميّة تنويع شراكاتها الإستراتيجية. وبالإضافة إلى تعميق علاقاتها مع الصين وروسيا، أبدى بعضها اهتماماً بالانضمام إلى مجموعات تتحدّى النظام الاقتصادي والسياسي الذي يهيمن عليه الغرب.

22 يونيو، 2023
عادل عبدالغفار، يحيى ح. زبير

في وقت تتراجع فيه الهيمنة الأمريكيّة على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتكثّف قوى عالميّة أخرى جهودها لكسب أصدقاء في المنطقة والتأثير فيها، أصبح حلفاء الولايات المتحدة القُدامى أكثر حزماً تجاه واشنطن، ويعيدون ضبط علاقاتهم مع الدول الأخرى من أجل تأمين مصالحهم الخاصّة بشكلٍ أفضل.

 

سينعكس التنافس الإستراتيجي المُتزايد بين الولايات المتحدة والصين بشكلٍ عميق على المنطقة في خلال العقود المُقبلة، بحيث تسعى الدول إلى تحقيق التوازن في علاقاتها مع كلتا القوّتين، وكذلك مع روسيا. صحيح أنّ التحوُّل في النظام الدولي نحو التعدّديّة القطبيّة يحمل في طيّاته المخاطر، إلّا أنّه يجلب معه لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فرصاً تتمثّل بمزيدٍ من الخيارات في الأمن والدفاع، بالإضافة إلى العلاقات التنمويّة والماليّة والاقتصاديّة.

 

وفي حين لا تزال علاقات القوى الإقليميّة مع الولايات المتحدة مهمّة، أشارت هذه الدول، ومن ضمنها المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة ومصر، إلى نيّتها بالاستفادة من هذه الفرص الجديدة ورسم مسارات أكثر استقلاليّة في سياستها الخارجيّة.

 

التعدّديّة القطبيّة والجيش

في خلال العام الماضي، كتب ريتشارد إن. هاس وتشارلز كوبتشان عن “مرور النظام الدولي بنقطة انعطاف تاريخيّة. ومع استمرار آسيا في صعودها الاقتصادي، يبدو أنّ قرنين من الهيمنة الغربيّة على العالم على وشك الانتهاء؛ الأول هو فترة السلام التي تلت الاستعمار البريطاني، والثاني هو الفترة التي تلت الهيمنة الأمريكيّة على المنطقة”. وبينما يجادل آخرون بأنّ الولايات المتحدة ستبقى القوّة العظمى الوحيدة، تستعدّ دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوضوح للخوض في عالم مُتعدّد الأقطاب ما بعد أمريكا. ويظهر ذلك من خلال الدور المتزايد الذي تؤدّيه الصين في المنطقة، سواء من الناحية الاقتصاديّة باعتبارها الشريك التجاري الأكبر للمنطقة، أو على الصعيدين الدبلوماسي والسياسي، كما عكسته وساطتها الأخيرة بين الخصمين الإقليميين اللدودين المملكة العربيّة السعوديّة وإيران.

 

لا تزال علاقات روسيا أيضاً قويّة مع دول المنطقة، على الرغم من غزوها أوكرانيا ومحاولات واشنطن الضغط على الدول العربيّة من أجل معارضة موسكو وعزلها. فقد سلّط التسريب الأخير عن البنتاغون الضوءَ على التعاون الإماراتي الروسي المتنامي في قضايا الدفاع والاستخبارات. وفي خلال الشهر الماضي، رفضت مصر طلباً أمريكياً من أجل منع الرحلات الجوّية العسكريّة الروسيّة من العبور عبر مجالها الجوّي، فيما استضافت المملكة العربيّة السعوديّة مصنِّعي أسلحة روس على هامش فعالية تجارية. وعلى الرغم العقوبات الغربيّة الفروضة على هذه الشركات، وصلاتها المباشرة مع الجيش الروسي، تنظر وزارة الاستثمار السعوديّة في إمكانيّة فتح مكتب في موسكو من أجل تعميق هذه العلاقات.

 

في الواقع، قد تكون الخطوات الرامية إلى تنويع مُشتريات الأسلحة بعد عقود من الاعتماد على الأسلحة الأمريكيّة وبنيتها الأمنيّة، الانعكاس الأوضح على التغيير الذي تُحدِثه التعدّديّة القطبيّة في سلوك دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

 

في مايو الماضي، أشارت تقارير إلى مفاوضات مُتقدّمة تُجريها مصر والمملكة العربيّة السعوديّة بشأن صفقات أسلحة كبيرة مع الصين. وتنخرط الكويت بمحادثات مع روسيا من أجل شراء دبّابات. وبالفعل، أثارت هذه التحرّكات دهشة واشنطن، وقالت مارا كارلين، مساعدة وزير الدفاع، في مايو الماضي، إنّ مقاربة الولايات المتحدة تجاه المنطقة تشهد”نقلة نوعيّة”، وحثّت حلفاء الولايات المتّحدة على الاستمرار في استخدام المعدّات العسكريّة الأمريكيّة لأنّ “التخلّي عنها من شأنه أن يقوِّض شراكاتنا ويقضي على عناصر في مقاربتنا الإستراتيجية في المنطقة”.

 

خيارات إضافيّة للتنمية

توفّر التعدّديّة القطبيّة المُتنامية لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فرصاً تتجاوز العلاقات الدفاعيّة والأمنيّة البديلة. وقد مثّل صعود الصين الاقتصادي وقوّة روسيا العسكريّة، بالتوازي مع ظهور قوى وسطى مثل البرازيل والهند وتركيا، تحدّياً للهيمنة الغربيّة وقدّم بدائل للدول التي يقلقها ما تعتبره تدخّلاً في شؤونها الداخليّة ومحاولات فرض “قيم الغرب” عليها. وتشكّل مجموعات مثل البريكس – أي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا – ومنظّمة شنغهاي للتعاون، والمؤسّسات الماليّة مثل بنك التنمية الآسيوي، ثقلاً موازياً للهيمنة الغربيّة على النظام المالي الدولي من خلال مؤسّسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

 

وقد واجهت جهود إدارة بايدن لكسب ولاء الدول الإقليمية مقاومةً من الحكومات التي تريد التنعّم بمزيد من الاستقلاليّة في سياستها الخارجيّة، وترى روسيا والصين كشريكين محتملَين. وكان ذلك جليّاً في أكتوبر 2022 عندما قرّرت مجموعة أوبك+، التي تضمّ عدداً من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وروسيا، خفض إنتاج النفط في تحدِّ لرغبة الولايات المتّحدة بالعكس.

 

لقد أثار إنشاء بنك التنمية الجديد التابع لمجموعة البريكس في العام 2014 كبديل عن مؤسّسات بريتون وودز، اهتمام عددٍ من بلدان الجنوب العالمي، لا سيّما تلك التي عانت شروطاً مؤلمةً – وأحياناً مُزعزعة للاستقرار السياسي – بسبب برامج التكيّف الهيكلي التي يفرضها صندوق النقد الدولي وتدابيره التقشّفيّة. ويساعد هذا في تفسير زيادة الاهتمام بالبريكس بين القادة العرب في الآونة الأخيرة. فقد أعربت كلّ من الجزائر ومصر والإمارات العربيّة المتّحدة والمملكة العربيّة السعوديّة وتركيا والبحرين وسوريا وتونس والسودان عن رغبتها في الانضمام إلى كتلة البريكس. وهذا من شأنه، في حالة حدوثه، أن يسمح للدول الأعضاء بالتداول في عملاتها الخاصّة، ممّا يزعزع هيمنة الدولار الأمريكي. وبالفعل، تتّجه مصر نحو التخلّي عن الدولار في تجارتها مع دول البريكس.

 

وقد أبدى عدد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كذلك اهتماماً بالانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، التي تُهيمن عليها الصين وروسيا. ومنحت منظمة شنغهاي للتعاون صفة “شريك” في الحوار لمصر وقطر والمملكة العربية السعوديّة، فيما تتوق البحرين والكويت والإمارات العربيّة المتّحدة للانضمام. تغطّي المجموعة 40 في المئة من سكّان العالم و30 في المئة من الناتج الاقتصادي العالمي، وهي لا تخلو من التحدّيات، إنّما على المدى الطويل، لو استطاعت الدول الأعضاء التنسيق بفعالية على المستويين السياسي والاقتصادي، من المرجّح أن تزيد مجموعة البريكس من نفوذها وانتشارها العالميين.

 

الاستفادة من منافسة القوى العظمى

مع ذلك، من الخطأ الاعتقاد أنّ بمجرّد انضمام دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى هذه المجموعات، فهي تقف في صفّ الصين وروسيا ضدّ الغرب. بدلاً من ذلك، تسعى هذه الدول إلى كسب المزيد من الاستقلاليّة السياسيّة داخل نظام عالمي مُتعدِّد الأقطاب وتحقيق التوازن في علاقاتها مع القوى العظمى. في النهاية، لم تكن خطوة أوبك+ لخفض إنتاج النفط الخام ازدراءً لواشنطن بقدر ما كانت خطوة للدفاع عن مصالحها الخاصّة. أمّا الدعوة السعوديّة إلى الرئيس الفنزويلي نيكولا مادورو، الخاضع لعقوبات أمريكيّة، لزيارة المملكة رسمياً في يونيو 2023 – قبل أيام من زيارة وزير الخارجيّة الأمريكي أنتوني بلينكين للمملكة – فهي إشارة أخرى إلى أنّ حلفاء واشنطن يريدون اتّخاذ مسار أكثر استقلاليّة عنها. أيضاً، هدفت زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى روسيا بين 13 و17 يونيو إلى تعزيز العلاقات الثنائيّة وحشد دعم روسيا لعضويّة الجزائر في مجموعة البريكس. أيضاً، أظهرت تركيا لسنوات رغبتها في الاستقلاليّة عن الولايات المتّحدة على الرغم من عضويّتها في حلف الناتو.

 

مع ذلك، يمكن للدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي والدول الأخرى في الجنوب العالمي تنويع علاقاتها الاقتصاديّة في آسيا من دون تعريض شراكاتها الجيوسياسيّة مع الولايات المتحدة للخطر. من شأن الانضمام إلى مجموعات مثل البريكس ومنظّمة شانغهاي للتعاون، أن يسمح للحكومات المستاءة من النظام العالمي الأحادي القطب بتعزيز استقلاليّة سياستها وزيادة خياراتها. ومن خلال بناء علاقات مع الدول القويّة الأخرى مثل روسيا والصين والهند، يمكن لهذه الدول تعزيز أمنها والتنمية الاقتصاديّة والحصول على استقلاليّة إستراتيجية في صنع القرار. مع اقتراب انتهاء قرنين من الهيمنة الغربيّة على العالم، ليس أمام واشنطن من خيار سوى أن تعتمد مقاربة براغماتية إزاء هذه الديناميّة الجديدة المُتعدّدة الأقطاب.

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفيها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: الاقتصاد السياسي، الحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، السياسة الأمريكية الخارجية، منافسة القوى العظمى
البلد: الإمارات العربية المتحدة، البحرين، الجزائر، السودان، المملكة العربية السعودية، تركيا، سوريا، مصر

المؤلّفون

زميل ومدير برنامج
عادل عبد الغفار هو زميل ومدير برنامج السياسة الخارجية والأمن في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية. كان سابقاً زميلاً غير مقيم في برنامج السياسة الخارجية بمعهد بروكنجز وزميلاً في مركز بروكنجز الدوحة حيث كان مديراً للبحوث بالإنابة. وهو أيضاً أستاذ غير متفرّغ في كلية الشؤون الدوليّة بجامعة جورجتاون في قطر. عبد الغفار متخصّص في الاقتصاد… Continue reading دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر حزماً في عالم متعدّد الأقطاب
زميل أوّل غير مقيم
يحيى ح. زبير هو زميل أول غير مقيم في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية وبروفيسور في الدراسات الدولية والجغرافيا السياسية في عدد من الجامعات وكليات الأعمال في فرنسا والولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وغيرها. وكان في العام 2020 زميلاً زائراً في مركز بروكنجز الدوحة. وهو متخصّص في سياسات شمال أفريقيا… Continue reading دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر حزماً في عالم متعدّد الأقطاب