الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يتفقّد حرس الشرف التابع لقوات الدفاع الكينية في قصر الرئاسة في خلال جولته إلى ثلاث دول أفريقيّة، في إطار جهود تخفيف عزلة إيران الاقتصادية، في نيروبي، كينيا، 12 يوليو 2023 رويترز / مونيكا موانجي

إيران توسّع علاقاتها التجارية في أفريقيا، إنّما للطموح حدود

ردّاً على العقوبات المعوِّقة المفروضة على إيران، أطلقت الحكومة الجديدة في طهران هجمة دبلوماسية موسّعة في الجنوب العالمي من أجل تعزيز علاقاتها التجارية والاقتصادية. لكن هل ستحصد هذه الجهود النتائج المرجوّة؟

17 أغسطس، 2023
نيما خورامي

في يوليو الماضي، قام الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بجولة في ثلاث دول أفريقية من أجل توسيع علاقات بلاده في القارة، وهي الزيارة الأولى من نوعها لمسؤول إيراني منذ أكثر من عقدٍ. تلت هذه الرحلة التي شملت كينيا وأوغندا وزيمبابوي زيارة مماثلة إلى أمريكا اللاتينية. وقد شكّلت كلاهما جزءاً من اندفاعة إستراتيجية أطلقها المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي من أجل تجاوز العقوبات المعوِّقة المفروضة من الغرب من خلال تطوير علاقات تجارية قوية في الجنوب العالمي.

 

توظِّف المبادرة الإيرانية الخطاب المناهض للإمبريالية، الذي يُعدُّ ركيزة أساسية للنظام في طهران، على أمل جمع الدول حول كراهية مُشتركة تجاه الهيمنة الأمريكية. وتسعى إلى الاستفادة من التقنيات والخبرات منخفضة التكلفة في إيران من أجل تطوير علاقاتها التجارية مع مناطق يعدُّ وجودها فيها محدوداً حالياً. وعلى الرغم من الجهود المبذولة، تقف طهران عاجزة أمام تولّي هذه المهمّة الضخمة بسبب نقص الموارد اللازمة، فضلاً عن أن التزامها الأيديولوجي بمعارضة الولايات المتّحدة يزيد تكاليف التعامل معها.

 

التنويع الجذري

التزم رئيسي منذ توليه منصبه في أغسطس 2021، بسياسة خارجية تتماشى مع نظرة خامنئي للعالم التي تعتبر أنّ جهود رفع العقوبات الأمريكية غير مُجدية. وفي حين لا يقف خامنئي بالكامل ضدّ الدبلوماسية النووية مع واشنطن، يرى أنّ خرق العقوبات هو الوسيلة الفضلى لمواجهة الجهود الأمريكية الرامية إلى احتواء إيران. وهذا ما يتّضح من دفعه باتجاه تبنّي نهج تبادلي حازم في الدبلوماسية الإيرانية مع الولايات المتّحدة؛ بحيث يقابل أي قيد على البرنامج النووي تقبل به إيران برفع عقوبة معيّنة عنها.

 

في موازاة ذلك، يدعو خطاب خامنئي عن المقاومة إلى تنويع جذري في سياسة إيران الخارجية تجاه القوى الآسيوية الناشئة والمستعمرات الأوروبية السابقة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وعلى نطاق أوسع، البلدان في الجنوب العالمي، التي يشارك قادتها منظور خامنئي المناهض للإمبريالية الغربية، وخصوصاً الإمبريالية الأمريكية. بعبارة أخرى، لا تحصر عقيدة خامنئي الامتداد الجيوسياسي لإيران في جوارها المباشر، وإنّما تدعو إلى رعاية تكتلات مقاومة في جميع أنحاء العالم. في العام 2019، حثّ خامنئي قادة الحرس الثوري الإيراني، وهو فرع من الجيش الإيراني يمتلك مصالح اقتصادية واسعة، على “عدم تفويت هذه الجغرافيا الشاسعة للمقاومة؛ لا يجب أن نكتفي بمنطقتنا [فقط]”.

 

إنّ تاريخ أفريقيا في النضال ضدّ الاستعمار يعني أنّ طهران تنظر إلى القارة على أنّها أرض خصبة لتوسيع العلاقات. ومع ذلك، يعتقد رئيسي أنّ سلفه حسن روحاني أهملها تماماً كأولوية إستراتيجية. وقد تمحورت أجندة سياسة روحاني الخارجية حول رفع العقوبات من خلال السعي إلى الاتفاق مع الولايات المتّحدة، وهي السياسة التي اصطدمت لاحقاً بقرار الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاقية.

 

في المقابل، شجّع رئيسي على التعاون الإيراني الأفريقي، وقال إنّ حكومته لن تتردّد في توظيف كامل الموارد الدبلوماسية للبلاد في جهود “تفعيل” التعاون مع الدول الأفريقية.

 

في هذا السياق، تتّبع إيران خطى منافسيها الإقليميين في الخليج وتركيا، الذين عملوا بجهد على توسيع العلاقات الاقتصادية والسياسية في أفريقيا وخارجها منذ أكثر من عقدٍ. مع ذلك، إنّ تكثيف الدبلوماسية الإيرانية في أفريقيا ليس جديداً. وعلى الرغم من أنّ روحاني ربّما تجاهل القارة كثيراً، لم تفعل الحكومات السابقة الأمر نفسه.

 

ففي خلال الولاية الأولى للرئيس محمود أحمدي نجاد التي بدأت في العام 2005، ومع تصاعد الضغط الغربي على إيران، سعت طهران إلى إقامة علاقات ثنائية مع عدد من الدول الأفريقية وتعميقها من خلال دبلوماسية المساعدات والطاقة. في ذلك الوقت، اعتُبر تعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية سياسة حكيمة ومربحة لمواجهة العقوبات وتعزيز الدعم وكسب الأصوات المؤيّدة في الأمم المتّحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية. تمّ التراجع عن المبادرة في النهاية بسبب تدهور الوضع الاقتصادي في إيران، والذي تسارع بسبب انخفاض أسعار الطاقة وتشديد العقوبات في خلال ولاية أحمدي نجاد الثانية.

 

إنّ مغامرة رئيسي في أفريقيا مدفوعة بالأهداف نفسها التي وضعها أحمدي نجاد. وهذا ما يظهر بوضوح في تصريحاته الحادّة المناهضة للإمبريالية، والتي تهدف إلى تعزيز الشعور بالتضامن بين إيران والدول التي استضافته وكذلك الاتفاقيات المختلفة الموقّعة في خلال رحلة رئيسي.

 

مع ذلك، وعلى عكس أحمدي نجاد، إنّ انخراط رئيسي مدفوع جزئياً أيضاً بالمنافسة مع خصوم إيران الإقليميين الذين وسّعوا نفوذهم في أفريقيا مؤخّراً. وبينما تفتقر إيران حالياً إلى موارد نظرائها الخليجيين والأتراك، يعتقد المسؤولون الإيرانيون أنّ لديهم مزايا تنافسية من حيث الموارد البشرية والشركات القائمة على المعرفة والخبرة التقنية الرخيصة، لا سيما في مجالات الطاقة والطب والدفاع وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

 

للمفارقة، لقد قوّى العيش في ظلّ العقوبات إيران في هذا المجال. بعد عزلها عن سلاسل التوريد العالمية، ومع قلّة الموارد المالية المُتاحة لتمكينها من شراء السلع، كان على إيران أن تطوّر نظاماً تقنياً محلّياً لتلبية احتياجاتها الأمنية والتجارية. عدا أنّ ضعف عملتها وانخفاض كلفة العمالة والإنتاج كانا ذي فائدة، ومكّناها من تسويق تقنيّاتها كبديل أرخص من التقنيات الغربية، وخلق سوق متخصّصة بين الدول الأخرى العاملة في القارة. وبدورها، تستكمل هذه البراعة التقنية بسياسة تصدير ليّنة وحرص على استخدام خبراتها لتوليد الإيرادات والتأثير.

 

قد تكون إستراتيجية مماثلة جذّابة في منطقة حيث تحدّ قيود الموازنة من قدرة البلدان على إقامة علاقات تجارية طويلة الأمد ومفيدة للطرفين. وتجدر الإشارة إلى أنّ بيت إيران للابتكار والتكنولوجيا، وهي شركة ناشئة في طهران، افتتحت فرعاً في كينيا، وبدأت كلّية الطب في جامعة طهران التعاون مع مركز التنمية الصحّية الأفريقي في غانا، كما أنشِئ مكتب متخصّص لتصدير منتجات التكنولوجيا الحيوية الإيرانية في كمبالا بأوغندا.

 

للاستهلاك المحلي؟

وعلى الرغم من الضجّة المثارة في وسائل الإعلام المحافظة في طهران، من المرجّح أن تواجه أجندة رئيسي الأفريقية المصير نفسه الذي واجهته أجندة أحمدي نجاد. ونظراً لوضع الاقتصاد الإيراني المزري والقيود المعوِّقة التي تفرضها العقوبات على علاقاتها التجارية مع العالم الخارجي، فقد لا تثمر طموحات طهران في توسيع حضورها في أفريقيا. صحيحٌ أنّ التقنيات والخبرة الفنية الرخيصة قد تكون بديلاً جذّاباً عن بعض التقنيات الغربية في بعض أركان القارة، إلّا أنّ الجمهورية الإسلامية تعيق نفسها بنفسها.

 

فقد أدّى التزام طهران المُفرط بمعاداة أمريكا إلى رفع تكاليف التعاون معها إلى مستويات أعلى بكثير ممّا لو تبنّت موقفاً مغايراً. من منظور الدول الأفريقية، لا تزال الأسواق المالية الأمريكية ذات أهمّية حيوية لسلامة اقتصاداتها الهشّة بالأساس، وسيتردّد كثيرون بالمخاطرة بالحدّ من وصولهم إلى تلك السوق لقاء إقامة علاقات تجارية ودبلوماسية كاملة مع طهران.

 

وهذا يطرح السؤال عن سبب شروع طهران بجهود مماثلة ومن دون امتلاكها الموارد اللازمة من أجل تحقيق أهدافها. تكمن الإجابة في سياسة إيران الداخلية وحاجة رئيسي إلى عرض إنجازاته في السياسة الخارجية أمام النقّاد والمؤيِّدين على حدّ سواء. بالنسبة لرئيسي، تركّز أجندته الرئيسية في السياسة الخارجية على تعزيز علاقات إيران مع الجنوب العالمي، ويمكن استخدام رحلات مماثلة والاتفاقيات الناتجة عنها “كدليل على الإنجازات” من أجل إسكات المعارضة ذات الميول الغربية كما يُزعم أو تدمير مصداقيّتها. ومثال على ذلك تصوير عضوية إيران في منظّمة شنغهاي للتعاون كانتصار لرئيسي، على الرغم من أنّ حكومة روحاني وضعت أسسها بالكامل.

 

بالإضافة إلى ذلك، قد تفيد رحلة رئيسي بشكل مباشر قاعدته الداعمة التي يمكنها الالتفاف على العقوبات من خلال احتكار الفوائد التجارية المُحتملة لأي صفقة. وبالنظر إلى هيمنة المتشدّدين في القطاع الخاص الإيراني وسيطرتهم الاحتكارية على موارد البلاد المالية، فإنّهم قادرون بمفردهم على الاستفادة من صفقات مشابهة لتلك التي وقّعها رئيسي في يوليو الماضي. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ بناء مصافي نفط وإنشاء مصانع أدوية هي مشاريع تتطلّب رساميل كبيرة، لا تملك الكيانات الإيرانية غير المُسيّسة في القطاع الخاص القدرة على المشاركة فيها.

 

وبالتالي، إنّ أجندة رئيسي في أفريقيا وخطاب المقاومة بكلّيته لن يفعلا الكثير للتخفيف من آثار العقوبات على الشعب الإيراني. لكن الأمر غير مهم في نظام شمولي خاضع للعقوبات، طالما أنّ السياسة الخارجية تغذّي مصالح النخب الأساسية للنظام.

 

المنطق هنا واضح: زيادة الفرص التجارية للمتشدّدين في الداخل، وترجمتها بدعم سياسي مستمرّ لرئيسي في الخارج.

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّف حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: الاقتصاد السياسي، العلاقات الإقليمية، خطة العمل الشاملة المشتركة، منافسة القوى العظمى
البلد: إيران

المؤلف

نيما خورامي هو باحث مشارك في أكاديمية OSCE (منظمة الأمن والتعاون في يوراسيا) في بيشكيك وباحث مشارك في معهد القطب الشمالي في واشنطن دي سي.