متظاهرون يتجمّعون في ساحة الحرية للمشاركة في مسيرة لدعم الفلسطينيين في واشنطن العاصمة، في 4 نوفمبر 2023. (علي خليج / صور الشرق الأوسط / وكالة فرانس برس)

اعتقلوا نتنياهو وأوقفوا الإبادة الجماعية في غزّة

نُشرت هذه المقالة في الأصل على Sunday Times في 12 نوفمبر 2023. وهي ملخّص عن كلمة سعادة الدكتورة ناليدي باندور وزيرة العلاقات الدولية والتعاون في جمهورية جنوب أفريقيا، بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمرّ، أمام الجمعية الوطنية لجنوب أفريقيا في 7 نوفمبر 2023.

14 نوفمبر، 2023
سعادة الدكتورة ناليدي باندور

فيما يتظاهر آلاف الأشخاص في العالم تضامناً مع الفلسطينيين، تقوم حكومات بعض الدول بمساندة إسرائيل ودعمها في جرائم الحرب التي ترتكبها.

 

لقد حُرِم شعب فلسطين طويلاً من الحقّ في الوجود كبشر والتمتّع بالحرّيات التي ناضلنا من أجلها بشدّة في جنوب أفريقيا. وهذه الحقوق ليست حكراً على البعض ومحرّمة على البعض الآخر. لقد أعربنا عن غضبنا إزاء جرائم الحرب المُرتكبة في فلسطين، وخصوصاً استهداف المدنيين الذين بغالبيتهم هم من الأطفال الأبرياء، وتدمير البنية التحتية المدنية، ومدارس الأمم المتّحدة، وحوالى نصف مستشفيات غزة.

 

حتى في أحلك أيام الفصل العنصري، لم تتعرّض مستشفياتنا ومدارسنا والمباني السكنية لقصف مستهدف. استمرّت أهوال نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا لعقود متعدّدة، لكن المشاهد التي نشهدها في غزّة هي مستوى آخر من الوحشية.

 

لقد خرج الناس في جميع أنحاء العالم إلى الشوارع بمئات الآلاف للتعبير عن تضامنهم مع شعب فلسطين، ومن ضمنهم يهود رافضين ارتكاب هذه الجرائم باسمهم.

 

في المقابل، تعهّدت حكومات بعض الدول بتقديم دعم غير مشروط لإسرائيل، حتّى أنّها قدّمت دعماً مالياً ومادياً بما في ذلك الأسلحة، وبالتالي تكون قد شاركت في التحريض على ارتكاب الجرائم.

 

فهي، بعدم تحميلها إسرائيل المسؤولية عن انتهاكاتها المستمرّة للقانون الدولي، تشجّعها على ذلك من دون أي عقاب، وتقوّض بالتالي النظام القانوني الدولي العادل.

 

تستدعي الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة للمعايير الدولية والقتل المتعمّد للمدنيين، ومن ضمنهم الأطفال، فرض حظر فوري على بيع الأسلحة لإسرائيل. ولضمان وقف التصعيد فعلياً، ينبغي أن يشمل ذلك فرض حظر مماثل على المجموعات الفلسطينية المسلّحة.

 

لن يتحقّق سلام عادل ودائم من خلال استخدام القوّة سواء من سلطة الاحتلال أو المقاومة المسلّحة من جانب الفلسطينيين. فالسلام العادل والدائم يتطلّب من الأمم المتّحدة والمجتمع الدولي وضع حدّ لظاهرة الإفلات من العقاب التي تعمل إسرائيل وقادتها في ظلّها منذ عقود.

 

فتحت المدعية العامّة للمحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً في الوضع في فلسطين. وندعوها إلى تسريع التحقيق والنظر في انتهاكات لثلاثة من بين الجرائم الأربعة الخاضعة لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية وهي جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية.

 

ونتوقّع أن تنفّذ أوامر الاعتقال بحق الأشخاص الأكثر مسؤولية تبعاً لمبادئ المحكمة الجنائية الدولية المتعلّقة بمسؤولية القادة والأفراد ذي المناصب العليا، من بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وبعض أعضاء حكومته. وإلّا سيزيد الشك في أنّ القانون الدولي يُطبَّق بشكل انتقائي لأغراض سياسية.

 

إنّ الدمار الذي خلّفه الصراع الحالي موثق جيّداً وهو مروّع. ونظراً لخطورة الوضع، لقد دعت جنوب أفريقيا مراراً وتكراراً إلى وقف فوري وشامل لإطلاق النار، والسماح بفتح جميع الممرّات الإنسانية لإيصال المساعدات والخدمات الأساسية التي تشتدّ الحاجة إليها إلى السكّان المدنيين في غزة. وفي 27 أكتوبر الماضي، كانت جنوب أفريقيا من بين أكثر من ثلثي أعضاء الجمعية العامة للأمم المتّحدة الذين دعوا إلى وقف فوري لإطلاق النار. ولكن تمّ تجاهل هذه الدعوة.

 

تشكّل الممارسات الإسرائيلية التي نشهدها يومياً انتهاكاً للقانون الدولي، بما في ذلك ميثاق الأمم المتّحدة واتفاقية جنيف وبروتوكولاتها. وقد انتهكت حماس أيضاً القانون الدولي من خلال هجماتها على المدنيين واحتجاز الرهائن المدنيين، كما أنّنا طالبنا بإطلاق سراح الرهائن.

 

يتضمّن القانون الإنساني الدولي الالتزام بعدم استهداف السكّان المدنيين ومسؤولية حمايتهم في النزاعات المسلّحة. كما يجب حماية المستشفيات بموجب اتفاقية جنيف. وتنصّ المادة 12 بوضوح على أنّه «يجب احترام الوحدات الطبّية وحمايتها في جميع الأوقات، ولا يجوز أن تكون هدفاً للهجوم».

 

وتنصّ المادة 14 بشكل قاطع على «حظر تجويع المدنيين كوسيلة من وسائل القتال. ولذلك يُحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكّان المدنيين على قيد الحياة، مثل المواد الغذائية والمناطق الزراعية المخصّصة لإنتاج المواد الغذائية والمحاصيل والماشية ومنشآت المياه وإمداداتها وأعمال الري».

 

وفي تجاهل تام لاتفاقية جنيف، استمرّت عمليات القصف الإسرائيلية وتكثّفت في جميع أنحاء قطاع غزة في خلال الأسابيع الخمسة الماضية. ولكي يكون القانون الدولي ذي مصداقية، يجب تطبيقه بشكل موحّد وليس انتقائياً. ومن المؤسف أنّ جريمة الإبادة الجماعية تلوح في الأفق بشكل كبير في غزة.

 

تعود الأسباب الجذرية لهذه الحرب إلى القمع الإسرائيلي الممنهج ضدّ الفلسطينيين على مدى السنوات الخمس والسبعين الماضية، والاحتلال غير القانوني لأراضيهم، وتوسّع شبكة المستوطنات غير القانونية بعمق في الأراضي الفلسطينية.

 

وقد وصفت منظّمات حقوق الإنسان الدولية – 17 منها على الأقل إسرائيلية – ومن بينها هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية وبتسيلم، الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بأنّه يعادل جريمة الفصل العنصري. وأدانت الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة منذ 17 عاماً، ممّا أدّى إلى أكبر سجن في الهواء الطلق في العالم، حيث لا يستطيع 2,4 مليون فلسطيني الخروج منه أو الدخول إليه بحرية، مع إخضاع توفير المياه والكهرباء والسلع لاستنسابية المحتل.

 

كما وأنّ طبيعة الأزمة العميقة في غزة لا يجب أن تحجب حقيقة أن الضفّة الغربية والقدس الشرقية تعيشان حالة من الاضطراب. منذ توقيع اتفاقيات أوسلو في العام 1993، ارتفع عدد المستوطنين الإسرائيليين غير الشرعيين الذين يحتلّون الأراضي الفلسطينية من 250 ألف إلى أكثر من 700 ألف اليوم. وقد تفاقم الوضع بسبب الاعتداءات المتكرّرة على المسجد الأقصى، فيما وصلت هجمات العصابات على المصلّين وسكان القدس الشرقية إلى ذروتها هذا العام.

 

إنّ القمع الذي يعانيه الفلسطينيون سواء في غزّة أو الضفة الغربية هو ما أشار إليه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بقوله مؤخراً إنّ «هجمات حماس لم تحدث من فراغ».

 

إسرائيل هي سلطة احتلال، كما أكّدت محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة. ومن هنا، يمكن لإسرائيل استخدام الأدوات اللازمة للحفاظ على سيادة القانون. لا يمكن لدولة محتلّة أن تمارس سيطرتها على الأراضي التي تحتلّها، وفي الوقت نفسه أن تهاجم تلك الأراضي عسكرياً على أساس أنّها «أراضٍ أجنبية» وتشكّل تهديداً خارجياً للأمن القومي.

 

ينصّ القانون الدولي على أنّ المقاومة بكافة أشكالها حق مشروع للشعب الواقع تحت الاحتلال ويعترف بالمقاومة المسلّحة ضدّ قوة احتلال استعمارية وقد أُدرِجت حروب التحرير الوطني في البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1949 كحقّ محمي وأساسي للشعوب الخاضعة للاحتلال في كل مكان.

 

يكمن الحلّ النهائي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني في إقامة دولتين ضمن المعايير المتّفق عليها دولياً. ونحن نواصل دعم هذه المقاربة مع إدراكنا أيضاً بأنّ الكثير من الفلسطينيين والإسرائيليين يرون أنّ الحل العادل والدائم قد يشمل أساليب تسهّل على الفلسطينيين والإسرائيليين العيش معاً بسلام بموجب ترتيبات تضمن جميع حقوق الإنسان الخاصة بهم وتحميها.

 

لا بدّ من إطلاق عملية سلام ترعاها الأمم المتحدة على وجه السرعة. فإنسانيتنا المشتركة قائمة على مبدأ أنّ حياة جميع البشر مهمة، وقد حان الوقت لكي يتحرّك المجتمع الدولي.

 

نُشرت هذه المقالة في الأصل على Sunday Times في 12 نوفمبر 2023. وهي ملخّص عن كلمة سعادة الدكتورة ناليدي باندور وزيرة العلاقات الدولية والتعاون في جمهورية جنوب أفريقيا، بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمرّ، أمام الجمعية الوطنية لجنوب أفريقيا في 7 نوفمبر 2023.

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّفة حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: عدوان إسرائيل على غزة
البلد: فلسطين، فلسطين-إسرائيل

المؤلف

وزيرة العلاقات الدولية والتعاون في جمهورية جنوب أفريقيا