لما التلويح بعصا العقوبات على الجزائر قد يرتدّ سلباً على الولايات المتحدة؟

في رسالة موجّهة إلى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في 29 سبتمبر، دعت السيناتورة عن الحزب الجمهوري ليزا ماكلين و26 عضواً آخرين في الكونغرس إلى فرض عقوبات على الجزائر بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (CAATSA). ترتبط هذه الخطوة ظاهرياً بالحرب على أوكرانيا والمنافسة المُحتدمة بين روسيا وحلفاء الولايات المتّحدة وحلف شمال الأطلسي،… Continue reading لما التلويح بعصا العقوبات على الجزائر قد يرتدّ سلباً على الولايات المتحدة؟

20 أكتوبر، 2022
يحيى ح. زبير، هنا الشهابي

في رسالة موجّهة إلى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في 29 سبتمبر، دعت السيناتورة عن الحزب الجمهوري ليزا ماكلين و26 عضواً آخرين في الكونغرس إلى فرض عقوبات على الجزائر بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (CAATSA). ترتبط هذه الخطوة ظاهرياً بالحرب على أوكرانيا والمنافسة المُحتدمة بين روسيا وحلفاء الولايات المتّحدة وحلف شمال الأطلسي، والتي امتدت إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولكنها قد تعود أيضاً إلى التأثير المُتزايد للمغرب، خصم الجزائر اللدود، لدى واشنطن والتنافس بين الدولتين الجارتين. على أي حال، فيما تسعى الولايات المتّحدة للضغط على الجزائر لتبنّي الموقف الغربي الذي يدين تدخّل روسيا في أوكرانيا، لم تأخذ هذه السياسة العدوانية والمضلَلة بالإعتبار مبادئ السياسة الخارجية الجزائرية الراسخة والعواقب المُحتمَلة على العلاقات مع الغرب الذي تشتدّ حاجته إلى الجزائر لتعويض النقص العالمي في إمدادات الطاقة. في الواقع، قد يكون للإجراءات القسرية المُمارسة ضدّ الجزائر تأثير معاكس، يدفع الدولة الشمال-أفريقية إلى تعزيز العلاقات مع روسيا والصين.

 

دعوات أمريكية لفرض عقوبات على الجزائر

 

زعمت ماكلين والأعضاء الآخرون في هذه الرسالة أنّ الجزائر اشترت أسلحة من روسيا العام الماضي في انتهاك فاضح لقانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات لعام 2017، وبالتالي يجب الاقتصاص منها بفرض عقوبات. وتأتي هذه المطالبة تكراراً لدعوة أخرى أطلقها السيناتور الجمهوري ماركو روبيو في سبتمبر الماضي لفرض عقوبات على الجزائر، والتي تزامنت مع اجتماع عُقِد في اليوم نفسه بين رئيس أركان الجيش الوطني والسفير الأمريكي في الجزائر.

 

تتجاهل الدعواتُ لفرض عقوبات على الجزائر بسبب علاقاتها مع روسيا التعاونَ الوثيق والعلاقات التجارية بين الولايات المتّحدة والجزائر، فضلاً عن الحوار الاستراتيجي الطويل الأمد بين البلدين. في الواقع، سلّط بلينكن الضوء على هذا الحوار في خلال رحلته إلى الجزائر في مارس الماضي، وشدّد على أهمّية دور الجزائر في تحقيق الاستقرار في منطقة المغرب العربي والساحل.

 

فضلاً عن ذلك، تنطوي التبريرات التي رافقت الدعوة لفرض هذه العقوبات على ازدواجية في المعايير. في الواقع، كما تستورد الجزائر أسلحة من روسيا، تستورد كذلك أسلحة من الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وتركيا وأوكرانيا وجنوب أفريقيا. صحيح أنّ المغرب يستورد الجزء الأكبر من معدّاته العسكرية من الولايات المتّحدة وفرنسا، إلا أنّه يستورد الأسلحة أيضاً من روسيا والصين. في الواقع، يبدو أنّ هناك تمييز مُمارس ضدّ الجزائر لم يختبره شركاء الولايات المتحدة الآخرون. على سبيل المثال، تربط الهند علاقات تاريخية عميقة واستراتيجية مع روسيا، وعلى الرغم من سعي الولايات المتّحدة إلى إبعادها عن موسكو، إلّا أنّها أكّدت لها أنّها يمكنها الاستمرار في استيراد أسلحتها من روسيا. فلماذا إذاً التهديد بفرض عقوبات على الجزائر التي لديها حوار استراتيجي وعلاقات ممتازة وتعاون وثيق في مجالي الأمن والطاقة مع الولايات المتحدة وحلفائها؟ لماذا يسعى هؤلاء المشرّعون إلى الإضرار بالعلاقات الأمريكية الجزائرية بالتزامن مع رغبة الولايات المتّحدة في إبعاد الدول عن موسكو؟

 

صحيح أنّ العلاقات بين الولايات المتّحدة والجزائر توتّرت في خلال فترة رئاسة ترامب، الذي تخلّى عن السياسة الأمريكية القديمة واعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وهو ما تعارضه الجزائر، ومن ثمّ التزم بايدن بقرار ترامب المثير للجدل، إلّا أنّه ليس تفسيراً مقنعاً لتصعيد الخلاف. وقد تكون القوّة المتزايدة للوبي المغربي في واشنطن في خلال السنوات الأخيرة من الأسباب التي دفعت إلى المطالبة بفرض عقوبات على الجزائر لتعزيز مصالح المغرب الخاصة. الجدير ذكره أنّ السيناتور روبيو وزميله الجمهوري تيد كروز تربطهما صلات وثيقة بشركات اللوبي المغربية في واشنطن مثل “جي بي سي ستراتيجيز” (JPC Strategies)، التي أسّسها جايمس كريستوفرسون، نائب رئيس الأركان السابق لكروز. فضلاً عن ذلك، ونظراً لأنّ السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تتطلّع إلى تحفيز الدول العربية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فمن الممكن استخدام الضغط على الجزائر لتوجيهها نحو خاتمة مماثلة.

 

السياق التاريخي للعلاقات الجزائرية الروسية

 

إنّ السياق التاريخي لسياسة الجزائر الخارجية وعلاقاتها بروسيا مهمّان أيضاً عند تقييم الجهود الممارسة للضغط على الجزائر لقطع تلك العلاقات. تحافظ الجزائر على مبادئ راسخة تتمثّل في عدم الانحياز والاستقلال في سياستها الخارجية. لذلك، تحتفظ بعلاقات جيّدة مع القوى العظمى ومختلف البلدان. مع ذلك، ينبع التقارب الجزائري من روسيا من المواقف التي اتخذها كلّ من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في خلال نضال الدولة الشمال أفريقية من أجل الاستقلال عن فرنسا في خمسينيات القرن الماضي. ففي خلال تلك الفترة، دعم الرئيس الأمريكي جون كينيدي فرنسا للحؤول دون اقتراب الشعوب الأوروبية من الاتحاد السوفياتي، ما ضعضع الثقة بين الولايات المتحدة وحركة الاستقلال الجزائرية. من ناحية أخرى، قدّم الاتحاد السوفياتي والصين الأسلحة والمساعدات الطبية إلى الحركة الوطنية الجزائريّة. وبعد حصول الجزائر على الاستقلال في العام 1962، سعت إلى تحويل المجموعات القتالية المناهضة للاستعمار إلى جيش حديث، لكنّ الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى، بما فيها فرنسا، رفضت مساعدة الحكومة الجزائرية. ويعتقد بعض المسؤولين الجزائريين أنّ الولايات المتحدة دعمت المغرب سرّاً في أثناء غزوه الجزائر في خريف عام 1963 مدّعية حقوقاً على تلك الأراضي. وفي خلال فترة الحرب الباردة لم يكن أمام الجزائريين سوى خيار اللجوء إلى الاتحاد السوفياتي الذي استجاب لنداءاتهم. هذا هو السياق الذي بدأ فيه التعاون العسكري الجزائري مع الاتحاد السوفياتي السابق، واستمرّ مع روسيا حتّى الآن.

 

التنافس الأمريكي الروسي على النفوذ الإقليمي في الجزائر

 

في حين لا يهتم السياسيون الأمريكيون كثيراً بالفروقات الدقيقة للعلاقات الجزائرية الروسية، إلّا أنّ هذا التاريخ قد يوضح ردود فعل الجزائر على التغيير العدائي في السياسة الأمريكية. مع استمرار الحرب في أوكرانيا، تضغط الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون على بعض شركاء روسيا لمقاطعتها، ومن ضمنهم شركاؤها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. تواجه الجزائر موقفاً صعباً. من ناحية، تحاول إسوة بدول المنطقة الأخرى، تحقيق توازن بين روسيا والتحالف الأمريكي-الأوروبي. ومن ناحية أخرى، تشعر بضغوط لقطع شراكتها مع روسيا، التي تمتد إلى مجالات مختلفة، بما فيها القضايا العسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

 

مع ذلك، قد لا يخدم الضغط على الجزائر مصالح التحالف الغربي. فقد أدّت أزمة الطاقة الأوروبية، التي نشأت عن التخلّي عن واردات الطاقة الروسية، إلى زيادة الحاجة إلى بدائل، والجزائر هي ثالث أكبر مورد للغاز الطبيعي إلى أوروبا بعد روسيا والنرويج. عملياً، من المتوقّع أن ترتفع صادرات الغاز الجزائري إلى إيطاليا بأكثر من 20 في المئة هذا العام، فيما تؤمّن إسبانيا حالياً 43 في المئة من وارداتها من الغاز من الجزائر. هذا الاعتماد على الجزائر يتعزّز بسبب البنية التحتية القائمة أساساً لتسهيل الاستيراد والقرب الجغرافي بين الجزائر وأوروبا الغربية، والذي لا يمكن استبداله في وقت قصير. سيعقّد الاعتماد المُتزايد بين الجزائر وأوروبا قدرة الولايات المتحدة على دفع شركائها إلى عزل الجزائر.

 

تخاطر واشنطن من خلال عصا العقوبات بتخلّي الجزائر عن توجّهاتها المعتمدة في سياستها الخارجية غير المُنحازة وإقامة تعاون أوثق مع موسكو. لقد توسّعت العلاقات الجزائرية الروسية بالفعل في خلال السنوات الأخيرة. أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في أغسطس الماضي أنّ بلاده مهتمة بالانضمام إلى مجموعة البريكس، التي تضمّ خمسة اقتصادات رئيسية تشمل البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وعبّر تبون عن هذه الخطوة بوصفها “بديلاً عن مراكز القوة [الغربية] التقليدية“. كان البيان مُعبّراً لأنه يعكس خيبة الأمل من القوى الغربية والضغوط التي تمارسها على دول المنطقة للانصياع لمواقفها.

 

ومع استمرار الحرب واضطرار الدول الإقليمية على الموازنة بين تحالفاتها التقليدية والقوى الغربية وتحويل أنظارها إلى شركاء جدد، سيكون على الجزائر أن تفكّر جيّداً في خياراتها على خلفية العداوات الروسية-الأمريكية. ومن الضروري أن تنظر الولايات المتحدة أيضاً إلى التداعيات المحتملة لقراراتها ودعواتها لعزل شركاء روسيا، لا سيّما الجزائر، الشريك القيّم للولايات المتحدة في الحرب ضد الإرهاب. وبينما تستمرّ الجزائر في محافظتها على مبادئ سياستها الخارجية المتمثّلة في الموازنة بين القوى المتنافسة، قد تجبرها العقوبات على التخلّي عن موقفها التقليدي بعدم الانحياز.

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفيها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: السياسة الأمريكية الخارجية، منافسة القوى العظمى
البلد: الجزائر

المؤلّفون

زميل أوّل غير مقيم
يحيى ح. زبير هو زميل أول غير مقيم في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية وبروفيسور في الدراسات الدولية والجغرافيا السياسية في عدد من الجامعات وكليات الأعمال في فرنسا والولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وغيرها. وكان في العام 2020 زميلاً زائراً في مركز بروكنجز الدوحة. وهو متخصّص في سياسات شمال أفريقيا… Continue reading لما التلويح بعصا العقوبات على الجزائر قد يرتدّ سلباً على الولايات المتحدة؟
باحثة مساعدة
هنا الشهابي هي باحثة مساعدة في برنامج السياسة الخارجية والأمن التابع لمجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية. حصلت على بكالوريوس العلوم في الشؤون الدولية مع تخصص في السياسة الدولية من كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورجتاون في قطر. وقد حصلت أيضاً على شهادة في الإعلام والسياسة بعد إتمامها برنامج مشترك بين جامعة نورث وسترن في قطر وجامعة… Continue reading لما التلويح بعصا العقوبات على الجزائر قد يرتدّ سلباً على الولايات المتحدة؟