صورة التُقِطت في 25 يونيو 2024 يظهر فيها (من اليسار إلى اليمين) المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، ورئيس بلدية طهران المحافظ علي رضا زاكاني، ورجل الدين الوحيد المرشّح مصطفى بور محمدي، ونائب الرئيس الحالي أمير حسين غازي زاده هاشمي، والمرشح الرئاسي المحافظ محمد باقر قاليباف، والمفاوض النووي السابق المحافظ سعيد جليلي في خلال مناظرة متلفزة في استوديو التلفزيون الحكومي الإيراني في طهران. (وكالة الصحافة الفرنسية)

إنتخابات إيران المبكرة تلقي بظلالها القاتمة على الدولة

على الرغم من قضايا السياسة الداخلية والخارجية الملحّة، قد يبتعد الإيرانيون عن صناديق الاقتراع بأرقام قياسية تعبيراً عن خيبة أملهم.

27 يونيو، 2024
شهرام أكبر زاده

في الوقت الذي تتحضّر فيه إيران لإجراء انتخابات مبكرة لانتخاب رئيس للجمهورية، تعود من جديد إلى الواجهة التساؤلات حول شرعية الحكومة السياسية. بعد مصرع الرئيس إبراهيم رئيسي المفاجئ في حادث تحطم مروحية في 19 مايو، إلى جانب وزير الخارجية وعدد من المسؤولين الآخرين، حدّدت طهران يوم 28 يونيو موعداً لانتخاب رئيس جديد، أي قبل عام من الموعد المقرّر. ولكن، كما حدث عند انتخاب رئيسي في العام 2021 في عمليّة انتخابية شهدت أدنى نسب الاقتراع منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية، من المتوقّع أن يمتنع الكثير من الإيرانيين مرّة أخرى عن التصويت. وفي حين أنّه من غير المرجّح أن تغيّر النتيجة توجّهَ سياسات طهران الداخلية والخارجية في المستقبل، إلّا أنّها ستسلط الضوء مرّة أخرى على خيبة الأمل السياسية تجاه النظام الحاكم.

 

في الداخل، تواجه القيادة الإيرانية تذمّراً شعبياً. ففي العام 2022، تمرّدت شريحة كبيرة من الإيرانيين ضد القمع الخانق الذي تمارسه الدولة ضمن حركة “المرأة والحياة والحرية”، والتي بدأت كاحتجاج على الحجاب الإلزامي لتتحوّل إلى مطالبة بإنهاء الديكتاتورية.

 

 أمّا في الخارج، فقد عبرت إيران عتبة حاسمة ومصيرية في صراعها الطويل مع إسرائيل. فبعد أن استهدفت إسرائيل السفارة الإيرانية في دمشق في الأول من أبريل، شنّ الجيش الإيراني هجوماً مباشراً على الأراضي الإسرائيلية للمرة الأولى، منهياً بذلك حرب الظل التي دامت لسنوات، لينخرط في حرب مفتوحة، ولو لفترة وجيزة. وفي حين سلّط ردّ إيران الضوء على قدرتها على إلحاق الضرر بإسرائيل بشكل مباشر أو من خلال حلفائها ووكلائها الإقليميين، إلّا أنّه فتح فصلاً جديداً محفوفاً بالمخاطر أمام الرئيس القادم.

 

ومن أصل 80 شخصاً سجّلوا ترشّحهم لخوض الانتخابات الرئاسية، أجاز مجلس صيانة الدستور الإيراني ترشيح ستة منهم فقط، جميعهم رجال. وقام المجلس، الذي يضمّ 12 عضواً ويعيّنه المرشد الأعلى علي خامنئي والسلطة القضائية (التي يعينها المرشد الأعلى أيضاً) بالتدقيق في خلفية المرشحين، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى آرائهم السياسية وولائهم المشكوك فيه لخامنئي. وتجدر الإشارة إلى أنّ المجلس استبعد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بسبب علاقته المتوتّرة مع المرشد الأعلى. كما استُبعِد رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني الذي انحرف بشكل متزايد عن المعسكر المحافظ، وأعرب عن قلقه بشأن الإجراءات القصوى في فرض الحجاب. وقد أثار ذلك التساؤلات حول عدم استبعاد مسعود بيزشكيان، على الرغم من اعتباره إصلاحي على صعيد واسع في إيران ومرتبط بالرئيس السابق حسن روحاني.

 

وعلى الأرجح أنّ قرار مجلس صيانة الدستور بالسماح لبيزشكيان بالترشّح هو حيلة مريبة لزيادة نسبة إقبال الناخبين. فقد شكّل تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات مصدر قلق كبير للقيادة وشرعيتها. إذ بلغت نسبة الاقتراع في العام 2021 ما يزيد قليلاً عن الـ40 في المئة، وهو تراجع كبير بعدما وصلت نسبة الاقتراع في العام 2017 إلى 73 في المئة والتي أبقت حسن روحاني، سلف رئيسي، في منصبه لولاية ثانية. وتعتبر القيادة الإيرانية نسبة المشاركة المنخفضة في الانتخابات مؤشّراً مهمّاً على تراجع شعبيتها.

 

وقد أعرب خامنئي مراراً وتكراراً عن أهمية رفع نسبة المشاركة الانتخابية كمقياس لشرعية النظام السياسية. وتكمن المفارقة في أنّ مكتب الرئيس والبرلمان يعملان في مجال سياسي مقيّد بسلطة محدودة. ففي النظام السياسي الإيراني، يُعتبر المرشد الأعلى رأس الدولة ويحدّد التوجّهات الإستراتيجية في الشؤون الداخلية والخارجية. فهو يعيّن قائد الحرس الثوري الإسلامي، ورئيس السلطة القضائية، ورئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، كما يعيّن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الذي يتّخذ القرارات الرئيسية بشأن الحرب والسلام. وبالتالي، لا يبقى الكثير من الصلاحيات بيد الرئيس ليأخذ قرارات عكس ذلك.

 

بالتالي، لا يُمكن توقُّع حدوث تغييرات كبيرة بعد الانتخابات المقبلة. ومن المرجّح أن يكون المرشّحان المعروفان محمد قاليباف وسعيد جليلي الأوفر حظاً، إذ تجمعهما صلاتٌ وثيقة بالحرس الثوري الإيراني ويمثّلان المعسكر المحافظ المهيمن على الساحة السياسية الإيرانية. وقد شغل قاليباف منصب عمدة طهران ورئيس البرلمان، وانتهج عن قرب الخط السياسي الذي حدّده خامنئي. فعلى سبيل المثال، في خلال المفاوضات النووية التي جرت في عهد روحاني، ردّد قاليباف الدعم المؤهل الذي قدّمه المرشد الأعلى ليس إلّا. ويُعدّ قاليباف من المطّلعين على بواطن الأمور ويتمتّع بإدراك واضح لتسلسل السلطة الهرمي والخطوط الحمراء السياسية. وفي حال فوزه في الانتخابات، من غير المرجّح أن يتغيّر مجرى الأمور في عهده.

 

أمّا جليلي، فهو ممثّل المرشد الأعلى في المجلس الأعلى للأمن القومي وشغل سابقاً مناصب مختلفة في وزارة الخارجية. ويُعتبَر على نطاق واسع أنّه مدفوع أيديولوجياً ويمثّل وجهات نظر متشدّدة ضمن المعسكر المحافظ. وقد دعا علناً إلى قطع المفاوضات النووية رسمياً ورفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 90 في المئة التي تُعتبر مرتفعة لدرجة لا تصلح لأغراض مدنية، وتقوّض نفي طهران المتكرّر سعيها إلى استخدام برنامجها النووي لأغراض عسكرية. وقد يؤدّي ذلك إلى تفاقم العلاقة المتوتّرة أساساً بين إيران والولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، يدعو جليلي إلى تطبيق القانون بشأن الحجاب الإلزامي بصرامة.

 

وتتلاشى فرص بيزشكيان في نشر الحماس والأمل بالتغيير بسبب الخيبة من فشل الرئيسين السابقين خاتمي وروحاني في الوفاء بالتغيير الذي وعدا به بسبب النظام السياسي المنغلق. وفي غياب مشاركة واسعة من الناخبين، يقتصر الخيار على اختيارات متقاربة من المعسكر المحافظ. ومن الصعب توقّع تغييرات في مقاربة طهران للقضايا الرئيسية التي تواجهها نتيجة الانتخابات، غير أنّ أهمية النتائج تكمن في قدرتها على إظهار مستوى الدعم الشعبي للنظام أو غيابه.

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: الإنتخابات، الاحتجاجات والثورات، الحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
البلد: إيران

المؤلف

زميل أول غير مقيم
شهرام أكبر زاده هو زميل أول غير مقيم في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، وأستاذ باحث في سياسات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. ويشغل منصب نائب مدير الوحدة الدولية في معهد ألفريد ديكين للمواطنة والعولمة في جامعة ديكين في أستراليا.   وتشتمل مواضيع بحثه على العلاقات العابرة للحدود الوطنية والعلاقات الدولية في الشرق الأوسط. وتولّى مؤخراً… Continue reading إنتخابات إيران المبكرة تلقي بظلالها القاتمة على الدولة