رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بصافح وزير المالية بتسلئيل سموتريش في خلال مؤتمر صحفي قبل التصويت على الميزانية الوطنية، في 23 مايو 2023، في البرلمان في القدس. (وكالة الصحافة الفرنسية)

تعزيز السلطة الفلسطينية يتطلّب تحقيق استقرار المالية العامة

تقوم إسرائيل بانتظام باحتجاز الضرائب المستحقّة للسلطة الفلسطينية كوسيلة لممارسة الضغط السياسي. لكن في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي تشهدها الضفة الغربية ما بعد السابع من أكتوبر، قد تكون السلطة الفلسطينية على شفير الانهيار في وقت تجمّد فيه إسرائيل تحويل الضرائب إلّا إذا تدخّلت الولايات المتحدة.

30 يونيو، 2024
روبرت بيشيل، مايكل شيفر

بينما تستمر إسرائيل بهجومها العسكري المدمّر على غزة مستهدفةًمدينة رفح الجنوبية، تزداد الضغوط على علاقتها مع الولايات المتحدة. بيد أنّ دعم إدارة بايدن المطلق للحكومة اليمينة الإسرائيلية قد يواجه أصعب اختبار في الضفة الغربية بالذات. في الواقع، لقد أثار القرار الأخير الذي اتّخذه وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرّف بتسلئيل سموتريتش بحجز ما يعادل 46 مليون دولار من عائدات الضرائب التابعة للسلطة الفلسطينية موجة انتقادات من وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان اللذين اعتبرا أنّ من شأنه تهديد الوضع الاقتصادي الرديء في الضفة الغربية.

 

تعاني مالية السلطة الفلسطينية المتزعزعة منذ زمنٍ طويل انهياراً تاماً حالياً، إذ أشارت الحكومة إلى أنّها لا تستطيع دفع سوى نصف رواتب الموظّفين في مايو. بموجب بروتوكول باريس، وهو اتفاقية وُقّعت عام 1994 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، تجمع إسرائيل عائدات الجمارك الفلسطينية وترسلها إلى السلطة الفلسطينية. وتحصّل إسرائيل كذلك ضرائب الدخل المفروضة على الفلسطينيين العاملين في إسرائيل، ويُحوَّل الجزء الأكبر منها أيضاً. لا تشكّل هذه العائدات مساعدات أجنبية بل تتألّف من رسوم استيراد وضرائب يدفعها الفلسطينيون أنفسهم، وهي المصدر الأكبر للإيرادات في موازنة السلطة الفلسطينية، إذ تبلغ نحو 188 مليون دولار شهرياً، أو ما يقارب 65 في المئة من العائدات المتكرّرة. فهي بالتالي أموال فلسطينية وليست ملك إسرائيل لكي تحتجزها.

 

لقد أعربت إدارة بايدن عن نيّتها تعزيز السلطة الفلسطينية استعداداً لخطّة “اليوم التالي” التي وضعتها لغزّة وتأمل في توجيهها نحو حل الدولتين في نهاية المطاف. بالتالي، سيتطلّب ذلك تحقيق الاستقرار في المالية العامة للسلطة الفلسطينية وجعلها أكثر روتينية وقابلة للتوقّع. وبغية تحقيق هذا الهدف، سيتوجّب على إسرائيل الكف عن استخدام ضرائب السلطة الفلسطينية وعائدات الرسوم الجمركية كورقة ضغط لبلوغ أهداف سياسية كلّما أرادت ذلك. وينبغي ضمان نقل هذه الموارد بانتظام وفي مواعيدها من أجل المحافظة على تدفّق الأموال المستقر إلى المدارس والمستشفيات والخدمات الاجتماعية الفلسطينية.

 

يتمثّل التحدّي المستمرّ في أنّ إسرائيل تدخّلت لعقود في هذه التحويلات، متحكّمةً بإيقافها وبتدفقها، ما أعاث فساداً في المالية العامة الفلسطينية. تجدر الإشارة إلى أنّ إسرائيل قد تدخّلت منذ العام 1997 حتى اليوم ما لا يقلّ عن 13 مرة لوقف هذه التحويلات أو للحدّ منها. في الواقع، تكسب إسرائيل فوائد على هذه الأموال، وفي حالة الضرائب، تحصل على رسوم عالية مقابل جمعها وتوزيعها على السلطة الفلسطينية.

 

في أعقاب الهجمات التي شنّتها حماس في السابع من أكتوبر، أوقفت إسرائيل تدفّق الأموال المخصّصة لدفع رواتب موظّفي القطاع العام والكهرباء في غزة، واحتجزت 275 مليون دولار أو ما يعادل 30 في المئة من عائدات الضرائب المتراكمة. في ظل تدهور الوضع الاقتصادي في جميع أنحاء الأراضي المحتلّة، دفع تدخّل وزير المالية المستمرّ بالأزمة من سيئ إلى أسوأ. في يناير 2023، احتجز سموتريتش 39 مليون دولار من التحويلات بعد قرار السلطة الفلسطينية مطالبة محكمة العدل الدولية بالبتّ في شرعية الاحتلال الإسرائيلي. وفي فبراير، امتنع بشكلٍ تعسّفي عن الإفراج عن 39 مليون دولار أخرى من عائدات السلطة الفلسطينية.

 

لا يمكن لأي حكومة أن تعمل بفعالية عندما تُحتجَز عائداتها أو يتأخّر دفعها لأسباب عشوائية. وهذا هو بيت القصيد بالنسبة إلى البعض في حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو – إذ إنّ سجل سموتريتش حافل باستهداف السلطة الفلسطينية والسعي إلى انهيارها، حتى عندما حذّرت المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية من أنّ ذلك قد يهدّد أمن إسرائيل. نظراً لدعم المجتمع الدولي لحل الدولتين ولإنعاش السلطة الفلسطينية، تأتي هذه الجهود بنتائج عكسية إلى حدّ بعيد. وبحسب التقارير، أجرى الرئيس بايدن ونتانياهو في أواخر ديسمبر مكالمة “محبطة” ومن أصعب المحادثات قال فيها الرئيس الأمريكي لنتانياهو إنّه ينبغي عليه تخطّي معارضة اليمين وتحويل عائدات الجمارك إلى السلطة الفلسطينية. في نهاية المطاف، توصّل الطرفان إلى تسويةٍ مؤقّتة تقضي بتسليم هذه العائدات للنرويج، التي ستحتفظ بها كأمانة ولا تحوّلها إلّا بعد موافقة إسرائيل.

 

في الواقع، يتطلّب الأمر صفقة مالية كبرى. فمن الضروري أن تضمن الولايات المتحدة والجهات المانحة الأخرى تسليم هذه المدفوعات الشهرية إلى السلطة الفلسطينية في موعدها وأن تحمّل إسرائيل المسؤولية المالية عن أي تأخير أو مصادرة أحادية لهذه المدفوعات. وأفضل طريقة لتنفيذ ذلك هي بحجب المنح الأمريكية التي تُقدّم لإسرائيل بموجب برنامج التمويل العسكري الأجنبي بمبلغٍ موازٍ لأي عائدات محتجزة. (لقد توقّفت الولايات المتحدة عن تقديم أي مساعدة اقتصادية لإسرائيل في العام 2007). ونظراً لحجم التمويل المتأتي من برنامج التمويل العسكري الأجنبي، قد يكون أي تخفيض في المنح المقدَّمة من البرنامج بما يتناسب مع التحويلات المحتجَزة بسيطاً وألّا يعرّض أمن إسرائيل للخطر، لكنه يُرسل إشارة مهمّة. وثمة سابقة لمثل هذه الخطوة. في الواقع، على الرغم من معارضةٍ داخلية شرسة، تمكّن وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر في خلال عهد الرئيس جورج بوش الأب من حجز حوالي 10 مليارات دولار من ضمانات القروض الأمريكية المخصّصة للمساعدة في إعادة توطين آلاف المهاجرين الروس حتى تكبح إسرائيل جماح توسّعها الاستيطاني غير القانوني في الأراضي المحتلة.

 

وأمام السلطة الفلسطينية أيضاً عمل جدّي لا بدّ من أن تقوم به. في الواقع، سيتطلّب من المالية الفلسطينية قدراً أكبر من الشفافية والمساءلة، لا سيما في ما يتعلّق بتدفّق الموارد إلى غزة ودفع الرواتب ورسوم الكهرباء. ومن الممكن توسيع قاعدة العائدات المحلية للسلطة الفلسطينية إلى حدّ بعيد ومحاربة التهرب الضريبي – وبوسع السلطة الفلسطينية أن تقوم بهذه الخطوات بمفردها بمساعدة المانحين. على نطاقٍ أوسع، من شأن تعميم المساءلة والشفافية في الإدارة بطريقةٍ تشجّع الإدماج لكي يرى المواطنون أنّ الإدارة تعمل وتحقّق نتائج عادلة، أن يعزّز شرعية الدولة الفلسطينية واستقرارها في نهاية المطاف. من دون إصلاح، ستُهدر الموارد التي يمكن استخدامها لإعادة الإعمار والتنمية وستستمرّ المفاهيم العامة بشأن الفساد وسيتفاقم الاستياء الاجتماعي، ما يزيد من الهشاشة.

 

سيساهم تحقيق الاستقرار في مالية السلطة الفلسطينية بشكلٍ أساسي من خلال انتظام تدفّق العائدات في بقاء الدولة الفلسطينية على المدى البعيد، مهما كانت تركيبتها السياسية في نهاية المطاف، شأنه شأن اعتماد بنى أكثر شفافية وخاضعة للمساءلة على صعيد الإبلاغ والتحسينات في تعبئة العائدات المحلية. وستُعزّز هذه العناصر مجتمعةً مجموعة من الحوافز التي من المفترض أن تحقق الاستقرار المالي في المستقبل.

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: الحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، السياسة الأمريكية الخارجية، عدوان إسرائيل على غزة
البلد: فلسطين

المؤلّفون

زميل أوّل غير مقيم
روبرت بيشيل هو زميل أوّل غير مقيم في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، وهو يقدّم أيضاً استشارات بصفة مستشار أوّل حول الحوكمة وإدارة القطاع العام للبنك الدولي وعدد من الشركات الاستشارية المرموقة.   أشرف بيشيل في السابق على عمل البنك الدولي حول الحوكمة وإدارة القطاع العام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكان أيضاً رئيس… Continue reading تعزيز السلطة الفلسطينية يتطلّب تحقيق استقرار المالية العامة
مايكل شيفر هو ممثل قُطري سابق لمجموعة البنك الدولي في ليبيا ومستشار القطاع العام السابق للبنك الدولي في ليبيا. لديه أكثر من 30 عاماً من الخبرة في الحوكمة واللامركزية والمالية العامة وإدارة الاستثمار العام، اكتسبها في أكثر من 70 دولة. وهو حاصل على ماجستير في الاقتصاد وماجستير في إدارة الموارد الطبيعية من جامعة ميشيغان.