الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يلقي خطاباً في خلال فعالية لتقديم أوّل صاروخ باليستي إيراني تفوق سرعته سرعة الصوت "فتح" في طهران، إيران في 6 يونيو 2023. سيباه نيوز / وكالة الأناضول عبر وكالة الأنباء الفرنسية

هل يتجاوز التقارب الإيراني السعودي معاداة طهران للغرب؟

منذ استئناف العلاقات الدبلوماسيّة في مارس الماضي، أحرزت المملكة العربيّة السعوديّة وإيران تقدّماً سريعاً في إعادة بناء العلاقات بينهما والسعي إلى خفض التصعيد. وبينما يسود التفاؤل، تبرز أسباب حقيقيّة للقلق تنبع من وجهات نظرهما المُتباينة حول السياسات الإقليمية والعالمية والتهديدات التي تنطوي عليها.

13 يوليو، 2023
شهرام أكبر زاده

عندما زار وزير الخارجيّة السعودي الأمير فيصل بن فرحان إيران في يونيو الماضي، اعتبر كثيرون هذا الحدث دليلاً إضافياً على التحسّن السريع في العلاقات بين الخصمين الإقليميين اللذين استأنفا العلاقات الدبلوماسيّة في مارس الماضي بعد سنوات من العداء المفتوح. ونقلت صورة الأمير السعودي إلى جانب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، رسالةً مفادها أنّ الطرفين وضعا خلافاتهما جانباً. مع ذلك، أشارت تعليقاتهما إلى استمرار الاختلافات حيال النظرة المستقبليّة لبلديهما. ففي حين أكّد الأمير فيصل أنّ عدم التدخّل في الشؤون الداخليّة للبلدان المجاورة هو حجر الزاوية للدبلوماسيّة الجيّدة، استغلّ رئيسي المناسبة ليعلن عن أنّ “وحدهم أعداء المسلمين، وعلى رأسهم النظام الصهيوني، منزعجون من تطوّر التعاون الثنائي والإقليمي بين إيران والمملكة العربيّة السعوديّة”.

وجاءت تعليقات رئيسي تذكيراً بأنّ أي تحليل للعلاقات السعوديّة الإيرانيّة يجب أن يأخذ بعين الإعتبار تركيز السياسة الخارجيّة الإيرانيّة حول العداء المؤسّسي تجاه الولايات المتّحدة وإسرائيل. في الواقع، يعمي هذا العداء الزعماء السياسيين في إيران، ويضيّق خيارات سياستهم الخارجيّة، ويضعهم على مسار من المواجهة اللامتناهية مع واشنطن. ويعيق كذلك مساعي خفض التصعيد مع المملكة العربيّة السعوديّة بسبب مواصلة إيران إستراتيجيّتها الإقليميّة التي تجدها المملكة العربيّة السعوديّة إشكاليّة والتي تقوم على دعم شبكة واسعة من وكلائها المُتشدّدين، ونشر الأسلحة الإيرانية في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من بعض التوتّرات بين الرياض وإدارة بايدن، لا تزال المملكة العربيّة السعوديّة حليفاً للولايات المتّحدة.

عندما استأنفت إيران والمملكة العربيّة السعوديّة العلاقات الدبلوماسية بموجب اتفاقية توسّطت في تحقيقها الصين، مُنافِسة الولايات المتّحدة، رحّب الكثير من المعلّقين بما اعتبروه خطوة غير متوقّعة نحو تهدئة التوتّرات بين القوّتين الإقليميتين. وبالفعل، شكّل هذا التطوّر مؤشّراً واضحاً على أنّ طهران والرياض كلاهما يرى أنّ استمرار العداء المفتوح يضرّ بمصالحهما الوطنيّة. ومع ذلك، تختلف هذه المصالح بشكل كبير.

ترى المملكة العربيّة السعوديّة في الدبلوماسيّة مع إيران طريقاً لإخراج نفسها من حرب استنزافيّة وطاحنة في اليمن، تدخّلت فيها في العام 2015 بسبب مخاوف من استيلاء جماعة الحوثي المدعومة من إيران على السلطة. وتأمل المملكة العربيّة السعوديّة كذلك في تقليل اعتمادها على الولايات المتّحدة، التي تعتبرها ضامناً لأمنها لا يمكن التعويل عليه أكثر فأكثر، لا سيّما عند النظر إليها من منظور المواجهة المفتوحة مع إيران. وبات هذا واضحاً عندما فشلت الولايات المتّحدة في حشد الدعم الكافي للردّ على الهجمات المُتكرّرة على البنية التحتيّة التجاريّة السعوديّة من وكلاء إيران منذ العام 2019.

لكن بالنسبة لإيران، يبرّر الابتعاد السعودي عن المواجهة سياسات طهران المُتشدّدة ورفضها المساومة في قضايا رئيسة، من ضمها دعم الرئيس السوري بشّار الأسد، والاستمرار في برنامجها النووي على الرغم من المعارضة الدوليّة الشرسة، وتطوير شبكة إقليميّة من جهات فاعلة غير حكوميّة في جميع أنحاء العالم العربي.

وبينما ترسل القيادة الإيرانيّة إشارات للتعاون وحتّى التطبيع مع جيرانها الإقليميين، تستمرّ في اتّباع سياسات تقوِّض بشكلٍ مباشر الثقة مع هذه الدول المجاورة والاستقرار الإقليمي عموماً. وتُعدُّ المحادثات الأخيرة مع واشنطن بشأن برنامج إيران النووي مثالاً على ذلك. وقد فاجأ المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الكثير من المراقبين في يونيو الماضي بإعلانه أنّ “ما من خطأ” في التوصّل إلى اتفاق مع الغرب بشأن برنامج إيران النووي شرط عدم المساس بالبنية التحتيّة النوويّة للبلاد والخبرة التكنولوجيّة التي كوّنتها في هذا المجال. يبدو أنّ هذا الإعلان يعطي الضوء الأخضر لاستئناف المفاوضات المتوقّفة بهدف إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، الذي انسحبت منه الولايات المتّحدة في العام 2018. وقد جاء الاتفاق الأساسي، الذي توصّل إليه الرئيس حسن روحاني، بعد أن أيّد خامنئي بشكلٍ مماثل إجراء محادثات نوويّة مع القوى العالميّة في العام 2013، وهذا ما يُظهر “المرونة البطوليّة” لإيران.

لكن على الرغم من التقارير التي تشير إلى محادثات تهدف إلى التوصّل إلى اتّفاقٍ مؤقّتٍ، قامت إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60 في المئة، وتبرز تقارير عن العثور على جزيئات مُخصّبة تصل إلى 83 في المئة في موقع فوردو النووي، وهي نسبة ليست بعيدة عن نسبة الـ90 في المئة المطلوبة لإنتاج أسلحة نوويّة.

يبرز تطوّر آخر مُقلق للمنطقة، وكذلك الولايات المتّحدة وحلفائها، يتمثّل بتقدّم إيران في تكنولوجيا الصواريخ والطائرات من دون طيّار – وهي مجالات لم يشملها الاتفاق النووي لعام 2015. في أوائل يونيو الماضي، كشفت إيران النقاب عن “فتّاح”، وهو أحدث صاروخ باليستي تفوق سرعته سرعة الصوت، ويصل مداه إلى 1,400 كيلومتر، وتزعم إيران أنّه قادرٌ على اختراق أنظمة الدفاع المُضادة للصواريخ. وفيما احتفل رئيسي بهذه القفزة التكنولوجيّة كركيزة لإستراتيجيّة الردع الإيرانيّة أو الدفاع الأمامي، سارع الإعلام التابع للحرس الثوري الإيراني للإشارة إلى أنّ هدف هذه الصواريخ هو إسرائيل. تمّ الاحتفال علناً بإزاحة الستار عن صاروخ “فتاح”، ووضع لافتاتٍ للصاروخ في شوارع طهران مذيّلة بعبارة “400 ثانية إلى تل أبيب” بالفارسيّة والعبريّة والعربيّة.

في الشهر نفسه، تمّ الكشف عن إنشاء مصنع في روسيا لإنتاج طائرات هجوميّة من دون طيّار من تصميم إيراني. وتستخدم روسيا في حربها ضدّ أوكرانيا طائرات إيرانيّة من دون طيّار رخيصة الثمن وإنّما فتّاكة، ممّا أدّى إلى دمار كبير. يمكن أن يصل مدى الطائرات الإيرانيّة من دون طيّار إلى 2,000 كيلومتر وأن تحمل أكثر من 200 كيلوغرام من المتفجّرات. ويمكنها أيضاً التغلّب على الدفاعات الجوّيّة عند استخدامها ضمن سرب. تشكّل هذه الأسلحة تحدّيات جديدة للدول المجاورة لإيران. وتفيد التقارير امتلاك حزب الله اللبناني مخزوناً من الطائرات الإيرانيّة من دون طيّار، واستخدامه لها. والأهمّ هو استخدام الطائرات من دون طيّار والصواريخ الباليستية لمهاجمة المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة في السنوات الأخيرة، علماً أنّ حقول النفط السعوديّة أقرب إلى إيران من 400 ثانية.

إنّ معاداة إيران لأمريكا، وهي أحد أعمدة هوية الدولة، أدّت بالقادة الإيرانيين إلى تحويل حالة الدولة المنبوذة إلى وسام شرف. وعلى الرغم من سعيهم لتوقيع اتفاق نووي، إلّا أنّه يُنظر إليه كمجرّد مناورة تكتيكيّة لتخفيف العقوبات، وإنقاذ الاقتصاد من الانهيار، وضمان بقاء النظام. لا تزال إستراتيجيّة إيران الإقليميّة مدفوعة بنظرتها العالميّة. والدولة غير مستعدّة للتفاوض بشأن تكنولوجيّتها العسكريّة أو نظام الرعاية الإقليمي الذي يسمح لها بإبراز قوّتها.

من المرجّح أن تتجاوز أي صفقة لإحياء الاتفاق النووي مُجدّداً المسألة الخلافية بشأن تكنولوجيا الطائرات من دون طيّار والصواريخ، فضلاً عن وكلاء إيران الإقليميين. وهو ما يثير مخاوف جدّية لدى المملكة العربيّة السعوديّة، التي كانت الطرف المُتلقّي لكلّ من الأسلحة الإيرانيّة والجهات المدعومة من إيران التي استخدمتها. ومن غير المرجّح أن يقلّص أي اتفاق محدود مع الولايات المتّحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني من هذه المخاوف بالنسبة لجيرانها.

على الرغم من هذه المخاوف، فإنّ القرار السعودي باتباع الدبلوماسيّة مع إيران ليس خاطئاً. يتطلّب الاستقرار الإقليمي مزيداً من التهدئة وفتح قنوات اتصال مع إيران. وفي حين من غير المرجّح أن تتغيّر نظرة إيران العالمية بشكل كبير، من شأن تعزيز العلاقات أن يقلّل من احتمالات نشوب أعمال عدائيّة مفتوحة. ولهذه الغاية، يُعدُّ استئناف العلاقات الدبلوماسيّة بين الرياض وطهران خطوة مرحّب بها ولو أنّ الطريق أمامهما وعرة.

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: العلاقات الإقليمية، خطة العمل الشاملة المشتركة، منافسة القوى العظمى
البلد: إيران، الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، اليمن

المؤلف

زميل أول غير مقيم
شهرام أكبر زاده هو زميل أول غير مقيم في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، وأستاذ باحث في سياسات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. ويشغل منصب نائب مدير الوحدة الدولية في معهد ألفريد ديكين للمواطنة والعولمة في جامعة ديكين في أستراليا.   وتشتمل مواضيع بحثه على العلاقات العابرة للحدود الوطنية والعلاقات الدولية في الشرق الأوسط. وتولّى مؤخراً… Continue reading هل يتجاوز التقارب الإيراني السعودي معاداة طهران للغرب؟