متظاهر يحمل لافتة كُتِب عليها "لا حرب على إيران" بينما يتجمّع متظاهرون مؤيّدون للفلسطينيين خارج محطة يونيون في خلال تجمّع حاشد في تورونتو، أونتاريو في 21 أبريل 2024. (وكالة الأناضول عبر وكالة الصحافة الفرنسية)

الحرب بين إيران وإسرائيل: إلى أين؟

بعد أوّل هجوم مباشر تشنّه إيران على إسرائيل، وردّ تل أبيب، هل ستشهد المنطقة توسّعاً للحرب على غزة في أرجاء المنطقة؟

2 مايو، 2024
رانج علاء الدين

كان الهجوم المباشر الذي شنّته جمهورية إيران الإسلامية على إسرائيل الأول من نوعه منذ استلام رجال الدين مقاليد الحكم في العام 1979. ففي عرضٍ بارز لقوّتها، أطلقت إيران أكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيّرة من أراضيها -في خروجٍ عن مقاربتها السابقة لم يسبق له مثيل. وتمكّنت إسرائيل وحلفاؤها، بمن فيهم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والأردن، من اعتراض الصواريخ في أغلبها، وردّت تل أبيب بضربة محدودة في منطقة أصفهان حيث تقع المنشآت النووية الرئيسية. غير أنّ هجوم طهران الجريء يشكّل منعطفاً يغيّر قواعد اللعبة في التاريخ الطويل للحرب غير المباشرة بين الطرفين.

 

حرب الظل

هاجمت إسرائيل لسنوات المجموعات الموالية لإيران في المنطقة، لا سيما في سوريا. وتركّزت هذه الضربات في أغلبها في المناطق المحيطة بدمشق والمناطق العسكرية في الشمال الغربي والجنوب الغربي بالقرب من مرتفعات الجولان. استهدفت تل أبيب وواشنطن منشآت الحرس الثوري الإيراني وعمليّات نقل الأسلحة، بما في ذلك على الحدود مع العراق حيث اشتبكت الولايات المتحدة مع المجموعات الإيرانية بالوكالة.

 

يتمثّل هدف إسرائيل الرئيسي بتعطيل محاولات إيران الرامية إلى تحويل سوريا إلى منصّة لإطلاق الهجمات عبر الحدود، في حين ركّزت الولايات المتحدة على حماية القوى المشارٍكة في الائتلاف الذي يهدف إلى هزم داعش. بالإضافة إلى ذلك، شنّت إسرائيل عمليات بارزة في لبنان، حيث اغتالت قياديين في حزب الله وضربت أصول الحزب ومنشآته، لا سيما منذ السابع من أكتوبر. يُزعَم أيضاً أنّ إسرائيل اغتالت لسنوات طويلة علماء داخل إيران في محاولةٍ لعرقلة برنامجها النووي، إلّا أنّ تل أبيب لم تؤكّد مسؤوليّتها كما لم تنفِها.

 

من ناحيته، استهدف النظام الإيراني بشكلٍ مباشر وغير مباشر – من خلال وكلائه – قواعد الائتلاف في مختلف أنحاء العراق وسوريا في إطار جهود منسّقة لسنوات بهدف طرد القوات الأمريكية من كلا البلدين. بالفعل، شكّلت هذه إحدى الركائز الأساسية لسياسة طهران الخارجية على مدى عقود. منذ السابع من أكتوبر، نسّقت إيران ووكلاؤها، لا سيما الحوثيون في اليمن، حملةً من الضربات بواسطة الصواريخ والطائرات المسيّرة على المصالح التجارية الإسرائيلية والقواعد الأمريكية والسفن الغربية في البحر الأحمر وشمال بحر العرب. تعتبر إيران أنّ الولايات المتحدة وإسرائيل وجهان لعملةٍ واحدة؛ فقد ساعد استهداف الولايات المتحدة طهران، ردّاً على الهجمات الإسرائيلية، على الحدّ من رد الفعل السلبي وحصر هذه الأعمال العدائية خارج حدودها، حتى وقتٍ قريب.

 

المواجهة المباشرة

في ظلّ هذه الخلفية تحديداً، يشكّل هجوم إيران المباشر على إسرائيل نقلةً نوعية محتملة، ما يقلب قواعد الاشتباك غير المكتوبة التي ارتكز عليها الصراع بين الدولتين في خلال الأعوام الأخيرة والتي واصلت احتواءه. يمكن أن يُعزى جزء من هذا التغيّر إلى بيئة التصعيد ما بعد السابع من أكتوبر. غير أنّه يمثّل أيضاً ذروة سياسة إيران المنهجية لتنمية الميليشيات لعقودٍ طويلة- أكانت قائمة أصلاً أم التي تُمكّنها طهران بهدف إبراز نفوذها في المنطقة – والتي اكتسبت قدرات عبر وطنية لا تتمتّع بها إلّا قلّة من الجهات الفاعلة المسلّحة غير الحكومية الأخرى.

 

قد يكون الشرق الأوسط في خضم إعادة رسم البنية الأمنية الإقليمية برعايةٍ إيرانية. من العراق إلى لبنان ومن سوريا إلى اليمن، سبق أن أُرسيت ركائز هذه البنية، ما سمح لإيران باستغلال الحرب في غزة لتعزيز نفوذها الإقليمي. في الواقع، يسمح الاعتماد على قوات الحشد الشعبي في العراق وعلى حزب الله في لبنان وسوريا وعلى الحوثيين في اليمن لطهران بالضغط على خصومها وبصدّ الجزء الأكبر من رد الفعل السلبي وتحويله إلى دول أخرى.

 

السياسة الأمريكية حفّزت إيران

من جانبه، فشل الغرب في التصدّي لهذه التطوّرات. خير دليل على ذلك الحوثيون الذين سيطروا على النقل البحري الدولي في مضيق باب المندب المهم على مدى أشهر منذ السابع من أكتوبر. وقد عزّز فشلُ الولايات المتحدة في ردع الحوثيين، رغم الائتلاف الدولي الذي حشدته لهذا الهدف،ل مكانةَ جماعة الحوثي الجيوسياسية ومكّن إيران. وقد سمحت الجماعة لطهران باستهداف خصومها مع الحدّ من مخاطر تعرّضها والمحافظة على الإنكار المعقول. علاوة على ذلك، زادت هجمات الحوثيين من نفوذ إيران في مفاوضاتها النووية مع الولايات المتحدة ومن الضغط الدولي على إسرائيل.

 

وقد عزّز الفشلُ في ردع الحوثيين نفوذ إيران الإقليمي إزاء قوى شرقية. وأشارت تقارير إلى أنّ الحوثيين قد سمحوا بعبور سفن صينية وروسية في حين أجبروا الهند – التي اقتربت من إسرائيل والغرب في السنوات الأخيرة – على التفاوض على ممر آمن لسفنها مع إيران، الراعي الوحيد للحوثيين. وتمكّن هذه الديناميات القيادة الإيرانية من تعزيز سلطتها محلياً في مواجهة الاضطرابات الواسعة النطاق.

 

بيد أنّ الفشل أعمق بكثير. فقد أيّدت الولايات المتحدة لسنوات سياسة إبقاء التوتّرات مع إيران في الظل، لا سيما في ساحات مثل سوريا. وقد استندت إلى الفكرة بأنّ ذلك يساهم في تجنّب مواجهة إقليمية ويحافظ على هامشٍ للتهدئة مع إيران في الوقت الذي كان فيه الجانبان يتفاوضان حول برنامجها النووي. إلاّ أنّ ذلك كان سوء تقدير إذ استغلّت إيران الغطاء الدبلوماسي الذي منحته المفاوضات من أجل تعزيز قبضتها على المنطقة وتوسيع علاقاتها مع روسيا والصين. أمّا في سوريا، فقد سرّعت إيران تعبئة وكلائها في البلاد – بمن فيهم المقاتلين من العراق ولبنان وأفغانستان – بعدما انخرطت روسيا في الحرب الأهلية في العام 2015 وفشلت واشنطن في دعم مجموعات المعارضة بشكلٍ حاسم.

 

في العراق، وسّعت الميليشيات الموالية لإيران نطاق نفوذها بعدما فشل الغرب في دعم قوات البشمركة الكردية في مدينة كركوك الغنية بالنفط في العام 2017، ما أدّى إلى انسحاب حليف غربي أساسي من المحافظة ومنح إيران وحلفائها أرضاً مهمّة إستراتيجياً وغنية بالموارد، وأسفر عن تداعيات عبر الحدود في سوريا. وتكثر الأمثلة الأخرى حيث أدّى الجمود والحسابات الأمريكية والغربية الخاطئة إلى تمكين إيران ووكلائها، بما في ذلك نقطة تحوّل ملحوظة في العام 2019 حين ضرب الحوثيون منشآت النفط السعودية. أفلتت إيران من المساءلة عن هذا الهجوم غير المسبوق، ما مهّد الطريق أمام المزيد من هذه الهجمات.

 

بينما عزّزت المجموعات الموالية لإيران سلطتها في عددٍ من الدول، نمت قدرتها الجماعية على إبراز نفوذها على الساحة الإقليمية. إلّا أنّ ذلك قد يؤدّي أيضاً إلى المبالغة. فإذا أفرطت إيران في ذلك، من الممكن أن يكون تقييمها بأنّها قادرة على تجنّب ردّ فعلي سلبي كبير في الداخل سوء تقدير. ويظهر هجوم إسرائيل المضاد وتصفيتها لكبار قادة الحرس الثوري الإيراني هشاشةَ إيران.

 

علاوةً على ذلك، بالكاد تستطيع إيران الادّعاء بالتفوّق الأخلاقي في أعقاب الغارة الجوية الإسرائيلية على قنصليتها في دمشق. فقد شنّت طهران ووكلاؤها عدداً لا يُحصى من الضربات بالصواريخ والطائرات المسيرة على المنشآت الدبلوماسية في دول أخرى، بما في ذلك إطلاق صواريخ بالقرب من القنصلية الأمريكية في إربيل، وشنّ هجوم على السفارة الأمريكية في بغداد في العام 2021 وتنفيذ عدد من التفجيرات الانتحارية في الثمانينيات على سفارتَي الولايات المتحدة في الكويت ولبنان، وكذلك على سفارة إسرائيل في الأرجنتين في العامين 1992 و1994.

 

قد تواجه إيران عقوبات عسكرية واقتصادية موسّعة بعد هجومها على إسرائيل. ومن الممكن تماماً أن توسّع الولايات المتحدة عقوباتها على إيران وتدخلها حيز التنفيذ، فيما تلجأ المملكة المتحدة والدول الأوروبية إلى عددٍ من حزم العقوبات وحتى تصنّف الحرس الثوري الإيراني كمنظمةٍ إرهابية. ويمكن لواشنطن أن تصل إلى حدّ استخدام العقوبات الاقتصادية بهدف الحدّ من قدرة إيران على اللجوء إلى المصارف والمؤسسات المالية العراقية للتحايل على العقوبات الغربية. غير أنّ تنفيذ العقوبات الأمريكية والغربية قد يؤدّي إلى تداعيات كارثية على الداخل الإيراني.

 

في الوقت نفسه، لا تستطيع إسرائيل تحمّل فتح جبهة كبيرة مع إيران في الوقت الذي تواصل فيه تل أبيب حملتها العسكرية على غزة، لا سيّما إذا حشدت طهران بنيتها التحتية بالوكالة بالكامل. بالتالي، تشكّل العودة إلى حرب الظل التي تعيد فرض خط أحمر يحظّر الهجمات المباشرة، أفضل أمل لتجنّب اندلاع حرب إقليمية. قد تميل إسرائيل إلى إلحاق ضربتها الأخيرة في أصفهان بالمزيد من العمليات، لكن هذا لا يستبعد احتمال تعليق المزيد من التبادلات المباشرة المكثّفة. ويبدو أنّ هذا السيناريو يتحقّق بالفعل.

 

لا يُعتبر حصر الحرب في أراضٍ خارج إيران وإسرائيل مثالياً وسيثير اعتراضات من دول على غرار سوريا والعراق. بيد أنّه يشكّل الخيار الأقل إثارةً للاعتراض بهدف تجنّب المزيد من التصعيد – وهو خيار قد يسمح كذلك بتهدئة التوتّرات وباحتواء توجّه المنطقة نحو حربٍ واسعة النطاق.

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّف حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: العلاقات الإقليمية، منافسة القوى العظمى
البلد: إيران، العراق، سوريا، فلسطين

المؤلف

رانج علاءالدين هو زميل في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، وكان سابقاً زميلاً غير مقيم في برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكنجز وباحثاً زائراً في جامعة كولومبيا. علاءالدين متخصص في السياسة الخارجية وتركّز بحوثه حول قضايا الأمن الدولي والحوكمة الرشيدة والتحديات الأمنية المرتبطة بالمناخ، بالإضافة إلى دبلوماسية المسار الثاني والتداخل بين السياسات العامة والأمن البشري.… Continue reading الحرب بين إيران وإسرائيل: إلى أين؟