جنود إسرائيليون يتشاجرون مع مستوطنين يهود من مستوطنة عيناف القريبة، بعد أن حاولوا اقتحام بلدة دير شرف في محافظة نابلس في الضفة الغربية المحتلة في 2 نوفمبر 2023 (صورة: جعفر أشتية / أ ف ب)

على واشنطن القيام بالمزيد لمعالجة عنف المستوطنين في الضفة الغربية

تشهد الضفّة الغربيّة المحتلّة تصعيداً في عنف المستوطنين في ظلّ الحرب المستعرة في غزة. وفي حين اتّخذت الولايات المتحدة عدداً من الخطوات للضغط على إسرائيل من أجل وضع حدّ لهذا العنف، يمكنها القيام بأكثر بكثير.

21 ديسمبر، 2023
روبرت بيشيل

بينما كان اهتمام العالم منصباً بحق على الكارثة الجارية في غزة، كانت مأساةٌ قاتلة أخرى تجري في الضفة الغربية المحتلّة المجاورة. فمنذ السابع من أكتوبر، صعّد المستوطنون اليهود إلى حدٍّ بعيدٍ الهجمات العنيفة ضد الفلسطينيين، فهجرّوا المئات من قراهم واستولوا على المزيد من الأراضي لصالح إسرائيل. وفي أول شهر ونصف من الصراع، سجّلت منظمة ييش دين الحقوقيّة الإسرائيليّة 225 حادثة عنف ارتكبها مدنيون إسرائيليون بحق 93 مجتمعاً فلسطينياً في الضفة الغربية. وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أنّه منذ العام 2022، أدّت هكذا أعمال إلى تهجير 2000 فلسطيني، 43 في المئة منهم بعد السابع من أكتوبر من هذا العام. وقد قتل مستوطنون متطرفون 8 فلسطينيين وخرّبوا ممتلكات وشرّدوا مجتمعات بأكملها.

 

لا يملك الفلسطينيون الذين يواجهون عنف المستوطنين سوى حفنة قليلة من الخيارات للدفاع عن النفس. لقد وثّق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أمثلة متعدّدة عن تواطؤ الشرطة الإسرائيلية والقوى العسكريّة أو رفضها التدخّل في الهجمات. وبحسب ييش دين، يتمّ إغلاق 93 في المئة من ملفّات التحقيق في الجرائم ذات الدوافع الأيديولوجية ضدّ الفلسطينيين دون توجيه أي اتهامات. وتقول منظمة بتسيلم الإسرائيلية الحقوقية إنّ المستوطنين يلجأون إلى غطاء الحرب لمهاجمة الفلسطينيين “من دون أي مراقبة فعلية، ولا أحد يحاول ردعهم قبل الهجوم أو في خلاله أو بعده.”

 

ندّد مسؤولون رفيعو المستوى في واشنطن بأعمال العنف علناً. وقال الرئيس جو بايدن في أكتوبر إن عنف المستوطنين “يصبّ الزيت” على وضع مشتعل أصلاً “ويجب أن يتوقف الآن”. وفي منتصف شهر نوفمبر، حثّ وزير الخارجيّة أنتوني بلينكن إسرائيل على اتّخاذ إجراءات فوريّة “لتهدئة الوضع في الضفة الغربية، بما فيه من خلال مواجهة التصعيد في مستويات عنف المستوطنين المتطرف”. وأعلنت الإدارة الأمريكيّة في 5 ديسمبر عن سياسة جديدة للتأشيرات تستهدف أفراداً يُعتقد أنهم متورطون في نسف السلام والأمن والاستقرار في الضفة الغربية، بما في ذلك من خلال العنف أو تقييد حصول المدنيين على الخدمات والضرورات الأساسية.

 

لا شكّ في أنّ بايدن وبلينكن صادقان في اهتمامهما. في الواقع، تشكّل المسألة تهديداً للمصالح الإقليمية الأمريكيّة الرئيسية. لقد دافعت واشنطن عن حل الدولتين (بدرجات حماس متفاوتة) طوال عقود واعترفت منذ فترة طويلة بأنّ المستوطنات تمثّل عائقاً أساسياً أمام حلّ الصراع. وتريد واشنطن أيضاً احتواء القتال الجاري حالياً في غزة وتفادي أي تصعيد إقليمي. فمن شأن انفجارٍ للعنف في الضفة الغربية أن يزيد من خطر تورّط جهات أخرى، على غرار حزب الله، وأن يزعزع ربما حلفاء الولايات المتحدة، لا سيما الأردن. ومن شأن الحالتين أن تلحقا ضرراً عميقاً بـأهداف السياسة الخارجية الأمريكية.

 

في مطلع شهر نوفمبر، أدان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عنف بعض المستوطنين وتعهّد بالتعاطي معهم بكل قسوة القانون.” لكن بعد بضعة ساعات على هذا التصريح، أصدر مكتبه توضيحاً، زاعماً أنّ اتّهامات بايدن بحق المستوطنين “لا أساس لها” وملقياً اللوم على “حفنةٍ من الأفراد الذين يطبّقون القانون بأنفسهم.” في الممارسة، تتراوح مقاربة نتانياهو بين اللامبالاة والإذعان الضمني.

 

يبين ذلك حدود قدرة نتانياهو على المناورة لإرضاء محاوريه الأمريكيين، نظراً للأعضاء المتشددين عقائدياً في حكومته الذين هم إما مستوطنون أنفسهم وإما متعاطفون بشدّة مع الحركة الاستيطانيّة. على سبيل المثال، قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إن الفلسطينيين غير موجودين كشعب، ودعا مؤخراً إلى “محو” قرية حوارة في الضفة الفلسطينية. واقترح لاحقاً إقامة مناطق عازلة حول المستوطنات الإسرائيلية ومنع الفلسطينيين من دخولها. من جهته، قلّل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير من أهمية عنف المستوطنين في خلال جلسة للحكومة في مطلع شهر نوفمبر وحيّا المستوطنين والجنود الذين يستفزّون الفلسطينيين ووزّع شخصياً أسلحة أوتوماتيكية في مناسبات حظيت بتغطيةٍ إعلامية واسعة.

 

ان نتتياهو في موقع ضعيف ويناضل من أجل إنقاذ حياته السياسية ، فهو يدين بالفضل لأعضاء اليمين المتشدّد في ائتلافه. بالتالي لا يمكن أن تتوقّع أمريكا من حكومة نتانياهو مراقبة نفسها والعمل بصورة استباقية على منع عنف المستوطنين. ستحتاج واشنطن إلى ممارسة المزيد من الضغوط لضمان احترام المصالح الأمريكية والمحافظة على قيمها الإنسانية الأوسع.

 

وفي حين تُعتبر سياسة التأشيرات الجديدة التي اعتمدتها إدارة بايدين خطوة إيجابية، إلا أنّها غير كافية، وينبغي على الولايات المتحدة القيام بأكثر بكثير لكبح جماح عنف المستوطنين.

 

أولاً، يجب عليها التراجع عن بعض السياسات الفظيعة الداعمة للمستوطنين التي أصدرتها في خلال الأيام الأخيرة من ولاية ترامب السابقة. وينبغي عليها استعادة موقف وزارة الخارجية القانوني الثابت الذي يعتبر أنّ المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلّة تتنافى مع القانون الدولي. صيغت هذه السياسة للمرة الأولى في العام 1978 واستمرّت في ظلّ إدارات ديمقراطية وجمهورية متعدّدة. وفي العام 2019، عدّلها وزير الخارجية آنذاك مايك بومبيو، في جهدٍ لكسب تأييد الناخبين الإنجيليين لحملته الرئاسية المحتملة. ويمكن لإدارة بايدن أيضاً معاودة التمييز بين السلع المنتجة في إسرائيل وتلك الآتية من الضفة الغربية، الذي أُلغي في تعديلٍ آخر دافع عنه بومبيو ليصعّب على المستهلكين الأمريكيين مقاطعة منتجات المستوطنات.

 

ثانياً، يجب أن تُحسّن الإدارة رصد عنف المستوطنين. وينبغي دعم المنظمات غير الحكومية الفلسطينية والإسرائيلية التي تتعقب الهجمات وتوثّقها، على غرار بتسيلم وييش دين وتحالف حماية الضفة الغربية، مالياً ومن خلال اجتماعات متواترة مع طاقم السفارة الأمريكية. ويجب على واشنطن أيضاً مراقبة المحاكمات الإسرائيلية لعنف المستوطنين بشكلٍ دقيق بالإضافة إلى الإجراءات التأديبية بحق القوى الأمنية المتواطئة في العنف والترهيب. وينبغي إتاحة هذه المعلومات لعامّة الجمهور.

 

ثالثا، يجب أن تُعيد وزارة الخارجية الأمريكية النظر في صفقة بيع 24 ألف بندقية هجومية لإسرائيل التي تمت الموافقة عليها مؤخراً. وقد أعرب الكثيرون داخل الإدارة وخارجها عن مخاوفهم من احتمال وصول هذه الأسلحة إلى مستوطنين عنيفين، على الرغم من التعهدات الإسرائيلية بعدم حصول ذلك. ويبدو أنّ هذه المخاوف أدت إلى تأخير الشحنة الأولى المؤلّفة من 4500 م-16. وينبغي على الإدارة تعليق هذه الشحنات إلى حين توافق إسرائيل على آليات متينة للتأكّد من عدم وصول أي أسلحة أمريكية الصنع إلى أيدي مستوطنين عنيفين. ويتوجب عليها أيضاً تحديد مراحل الشحنات بعناية على مدى فترة من الزمن وعدم تسليمها إلا على أساس الامتثال الكامل.

 

أخيراً، على وزارة الخارجية إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، في ظل وجود فريق متخصص لمراقبة عنف المستوطنين. لقد تعهدت إدارة بايدن بإعادة فتح القنصلية التي أغلقتها إدارة ترامب في العام 2019 لكنها أجلت هذه الخطوة بسبب المعارضة الإسرائيلية المستمرّة. من شأن قرار إعادة فتحها، مع التركيز على رصد عنف المستوطنين وكبح جماحه، أن يرسل إشارة قوية مفادها أنّ الإدارة جديّة في هذه المسألة.

 

غضّ صانعو السياسة الأمريكيون الطرف لفترة  طويلة جداً عن التوسع الاستيطاني غير القانوني بموجب القانون الدولي والمسيء إلى هدف الدولتين. ويمثّل تصعيد العنف على يد المستوطنين مرحلة خطيرة من الصراع الحالي. ثمة توافق آراء في واشنطن على أنه يشكّل تهديداً لمصالح الأمن القومي الأمريكي. لكن يمكن ويجب القيام بأكثر بكثير لمقابلة القول بالفعل. بالفعل، تمثّل هذه المسألة توفيقاً بين الدواعي الأخلاقية والسياسة الواقعية: وهي فرصة نادرة ينبغي على واشنطن أن تقتنصها سانحةً.

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: السياسة الأمريكية الخارجية، عدوان إسرائيل على غزة
البلد: فلسطين

المؤلف

زميل أوّل غير مقيم
روبرت بيشيل هو زميل أوّل غير مقيم في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، وهو يقدّم أيضاً استشارات بصفة مستشار أوّل حول الحوكمة وإدارة القطاع العام للبنك الدولي وعدد من الشركات الاستشارية المرموقة.   أشرف بيشيل في السابق على عمل البنك الدولي حول الحوكمة وإدارة القطاع العام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكان أيضاً رئيس… Continue reading على واشنطن القيام بالمزيد لمعالجة عنف المستوطنين في الضفة الغربية