لافتة كُتِب عليها "وقف إطلاق النار الآن!" يحملها أحد المشاركين في تظاهرة ضدّ "الانتهاك المستمرّ لحقوق الإنسان" في 11 نوفمبر 2023، برلين، ألماني. (وكالة الأنباء الألمانية عبر وكالة الصحافة الفرنسية)

وقف إطلاق النار في قطاع غزة: السبيل الوحيد نحو سلامٍ دائم في الشرق الأوسط

نُشرت هذه المقالة أصلاً في Barron's في 3 نوفمبر 2023.

10 ديسمبر، 2023
رباح أرزقي

أخذ الهجومُ الصادم وغير المسبوق الذي شنّته حركة حماس ضدّ جنوب إسرائيل قوى الأمن الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي المتطوّر تكنولوجياً على حين غرّة. وقد أسفر هذا هجوم عن مقتل أكثر من 1400 إسرائيلي فيما قُتل آلاف الفلسطينيين في ردّ إسرائيل على قطاع غزة. وقد أعلنت إسرائيل أنّ مئات الرهائن محتجزون في غزة. بالإضافة إلى القتال، يُواجه سكان غزة المحاصَرون مجاعةً متزايدة بعدما أغلقت إسرائيل الحدود أمام الإمدادت كافة تقريباً باستثناء بعض الشحنات الإنسانية. وقد أُجبر سكان غزة على الإخلاء نحو جنوب القطاع تحت تهديد الجيش الإسرائيلي باجتياحٍ بري.

 

في هذه الظروف العصيبة، يشكّل وقفٌ لإطلاق النار السبيل الوحيد نحو سلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين وفي المنطقة ككل. ينبغي على الجميع التشديد على أنّ لحياةٍ إسرائيلية ولحياةٍ فلسطينية القيمة نفسها.

 

تزرع دورة العنف الجديدة بين إسرائيل وفلسطين بذور التطرّف الذي سينعكس على كلا الطرفين لأجيال وأجيال. ويُهدّد العنف بالامتداد إلى المنطقة برمّتها، بما فيها إيران ومصر ولبنان وسوريا وغيرها.

 

بالإضافة إلى الخسائر في الأرواح، يحمل التصعيد العسكري في الشرق الأوسط أخباراً سيئة للاقتصاد العالمي، إذ يؤجّج أزمات الطاقة والغذاء الناجمة عن اجتياح أوكرانيا. وسيشكّل الارتفاع في أسعار الطاقة تحدّياً سياسياً داخلياً بالنسبة إلى القادة الحاليين حول العالم، أكانوا في الولايات المتحدة وأوروبا أم في الصين والهند. وتنتشر الاضطرابات المدنية على المستوى العالمي، في ظلّ تصاعد الاحتجاجات في الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط. وكلّما ازدادت هذه الضغوط، ارتفعت الكلفة السياسية. بالفعل، سيزيد الصراع من دعم ارتفاع أسعار الطاقة ويعطّل تجارة الطاقة فيما لا يزال التضخّم مستشرياً في كل أنحاء العالم.

 

ويجب على الدول الغربية التي لاطالما كانت جليفة وثيقة لإسرائيل تأدية دورها في تهدئة الوضع. بالفعل، ندّد الحلفاء الغربيون، وبحق، بالقتل الوحشي لمئات المدنيين الإسرائيليين. غير أنّهم لم يدينوا باللهجة الشديدة ذاتها مقتل آلاف المدنيين الفلسطينيين جراء الرد الإسرائيلي، على الرغم من تحذيرات شركائهم العرب من خطر توسّع رقعة القتال.

 

وقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى وقفٍ فوري لإطلاق النار وفتح ممرّات إنسانية من أجل مساعدة المدنيين المحتاجين. وأقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً غير ملزم يدعو إلى “هدنة إنسانية”، بعدما فشلت قرارات متعدّدة في مجلس الأمن المختص، ومن ضمنها قرار قدّمته البرازيل يدعو إلى التهدئة ووصول المساعدات الإنسانية، وقد استخدمت الولايات المتحدة حقّ النقض ضده. لقد سُمح بوصول بعض المساعدات إلى غزة، لكن لا يلوح أي وقف لإطلاق النار في الأفق.

 

وقد رفض البيت الأبيض الدعوة إلى وقف لإطلاق النار، وقال إنّه يطالب في المقابل بهدنةٍ إنسانية تتيح إدخال المساعدات والإفراج عن الرهائن. وصرّح متحدّثٌ باسم البيت الأبيض يوم الخميس أنّ هدنة “لن تمنع إسرائيل من الدفاع عن نفسها”. والتقى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الرئيس الإسرائيلي يوم الجمعة. وقال بلينكن للصحافيين: “لقد قدّمنا لإسرائيل نصيحةً لا يمكن أن يُقدّمها سوى أفضل الأصدقاء حول كيفية تقليل الوفيات بين المدنيين مع الاستمرار في تحقيق أهدافها المتمثّلة في العثور على إرهابيي حماس وبنيتهم التحتية للعنف والقضاء عليهم”.

 

من جهته، رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على الفور المطالبة المحدودة بهدنةٍ إنسانية، وأعلن أنّ إسرائيل “ترفض وقفاً مؤقّتاً لإطلاق النار لا يتضمّن عودة رهائننا”. واعتبر نتانياهو أنّ الصراع يدور بين “الحضارة والبربرية”، وتجعل هذه النظرة من استمرار التصعيد أمراً شبه محتّم. رفضت مصر والأردن رفضاً قاطعاً إمكانية استقبال المزيد من الفلسطينيين، باعتبار أنّ هذا التهجير قد يصبح دائماً، وأنّ وحدها تسوية متفاوَض عليها للقضية الفلسطينية يمكنها التوصّل إلى سلامٍ دائم في المنطقة. يعجّ الشارع العربي بالدعوات إلى وقف الضربات على قطاع غزة ووضع حد لسفك الدماء.

 

لا تزال القضية الفلسطينية تُثير شرخاً عميقاً في صفوف المعارضة المتنامية بين الشمال العالمي والجنوب العالمي. وقد ندّد الكثيرون في الجنوب العالمي بما يعتبرونه ازداوجية في المعايير بين دعم الغرب لإسرائيل في الوقت الذي تقصف فيه فلسطين من جهة، ومسارعته إلى إدانة هجوم روسيا على أوكرانيا من جهةٍ ثانية. ويشاطر الكثير من الأمريكيين هذه النظرة.

 

إنّ المجتمع العالمي آخذ بالتفكّك بخطورة بالغة. لطالما نادت الدول الغربية بضرورة المحافظة على نظامٍ قائم على القواعد. وغالباً ما صوّر الغرب نفسه حارساً لحقوق الإنسان وللاتفاقات الدولية، بما فيها اتفاقيات جنيف، التي ترسي قواعد تشمل أزمنة الحرب. تعتبر الشعوب العربية، وغيرها من شعوب العالم، أنّ ما يحصل اليوم يقوّض هذا النظام القائم على القواعد.

 

لا شكّ في أنّ الجهات غير الحكومية تتحدّى الدول بشكلٍ متزايد وبطرقٍ تدفع هذه الأخيرة إلى انتهاك القواعد التي أصدرتها بنفسها والتزمت باحترامها. إلّا أنّ هذا المنحدر محفوف بالمخاطر. فعندما تتخلّى الدول عن قواعدها، يدفع المدنيون الثمن في نهاية المطاف وتصبح الشعوب أكثر عزلةً، كما وأنّ عدم الاتساق في تطبيق القواعد ينسف أي جهد جماعي من أجل إحلال السلام في العالم.

 

في خضم ما يبدو وضعاً مستحيلاً، يبقى وقف إطلاق النار السبيل الوحيد نحو السلام. أمّا البديل، فسيؤدي إلى النتيجة الأسوأ للأطراف كافة. حان الوقت للتوصل إلى تسوية متفاوَض عليها للمسألة الإسرائيلية الفلسطينية، ولوقف إراقة الدماء ووضع حد للتصعيد في العنف. لا تزال الولايات المتحدة تمثّل جهةً محورية في المنطقة لا سيما في ظلّ وجودها العسكري، وإن كان وجودها الاقتصادي يتّجه نحو الانحسار لصالح الصين. صحيح أنّ تحقيق سلام دائم يصبّ في مصلحة القوتين العظمتين اللتين يتمحور حولهما الشمال العالمي والجنوب العالمي، ولكن تقع على عاتقهما أيضاً مسؤوليّة إيجاد الطريق المؤدي إليه. بالتالي، لا بدّ من فرض وقف لإطلاق النار في قطاع غزة.

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّف حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: عدوان إسرائيل على غزة، منافسة القوى العظمى
البلد: إيران، الأردن، سوريا، فلسطين، فلسطين-إسرائيل، لبنان، مصر

المؤلف

زميل أول غير مقيم
رباح أرزقي هو زميل أول غير مقيم في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، ومدير البحوث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، وزميل أول في كلّية جون كينيدي للإدارة الحكومية في جامعة هارفارد. وهو أيضاً زميل باحث في منتدى البحوث الاقتصادية في القاهرة.   قبل ذلك، شغِل أرزقي منصب كبير الاقتصاديين ونائب الرئيس في مجمّع الحوكمة… Continue reading وقف إطلاق النار في قطاع غزة: السبيل الوحيد نحو سلامٍ دائم في الشرق الأوسط