إنّ دور إيران في الشرق الأوسط تاريخي ومتغيّر، يميّزه تداخل إستراتيجي بين الدين والأيديولوجيا والسياسة والديناميات الإقليمية. ونظراً لموقعها في قلب منعطفات جيوسياسية حيوية، تترتّب على تصرّفات إيران آثارٌ بعيدة المدى يتردّد صداها في جميع أنحاء المنطقة وخارجها. يفكّك هذا الملفّ التعقيدات التي تحيط بسياسة إيران الإقليمية، والتي تشكّلت من مزيج من الموروثات التاريخية والتوجهات الأيديولوجية والمصالح الإستراتيجية والتطلّعات السياسية.
وتشكّل أهمية علاقات إيران مع الدول المجاورة لها – الممتدّة من تركيا في الشمال الغربي إلى الدول الخليجية في الجنوب – جانباً أساسياً من سياستها الإقليمية. ويميّز التداخل المعقّد بين التعاون والمنافسة هذه التفاعلات، مع ما يترتّب على ذلك من عواقب كبيرة على استقرار المنطقة وأمنها. لقد كانت علاقة إيران مع جوارها متقلّبة، حيث تأرجحت ما بين الخطاب العدائي والحوار ومواقفها الإستراتيجية. (…)
يقدّم هذا الملف نظرة شاملة عن الموضوعات ذات الصلة بسياسة إيران الخارجية، بالإضافة إلى فهم دقيق لدور إيران في الشرق الأوسط والاستجابات التي يثيرها من الجهات الفاعلة الإقليمية والخارجية.
لقد أدّت الحرب المستمرّة على غزة وحملة الإبادة الجماعية العسكرية التي تشنّها إسرائيل إلى زيادة التوتّرات بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل. وتعزو واشنطن وحلفاؤها هذه التوتّرات أيضاً إلى دعم طهران المستمرّ للجهات الفاعلة الإقليمية – أعضاء ما يسمى بـ “محور المقاومة“. ويتألّف المحور، بالإضافة إلى حماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، من الحوثيين في اليمن ونظام الأسد في سوريا، بالإضافة إلى عدد من الميليشيات الشيعية العراقية. وكما بيّنت فصول هذا الملف بالتفصيل، لقد ردّت القيادة الإيرانية في خضم الحرب على غزة مشدّدة على دورها كمحرّك لهذا المحور. ويؤكّد هذا الرّد من جديد ادّعاء طهران القديم بدعم القضية الفلسطينية، وعلى نطاق أوسع، مصالح العالم الإسلامي. وهو ما يميّز إيران عن الدول المجاورة لها من خلال تذكير المراقبين بمعارضتها المستمرّة لإسرائيل، بعد أن أُزهِقت الدماء والأموال في مقاومة الهيمنة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية.