المقدّمة: إيران في الشرق الأوسط

أبريل 2024
زميل أول غير مقيم

زميل غير مقيم

19 أبريل، 2024

إنّ دور إيران في الشرق الأوسط تاريخي ومتغيّر، يميّزه تداخل إستراتيجي بين الدين والأيديولوجيا والسياسة والديناميات الإقليمية. ونظراً لموقعها في قلب منعطفات جيوسياسية حيوية، تترتّب على تصرّفات إيران آثارٌ بعيدة المدى يتردّد صداها في جميع أنحاء المنطقة وخارجها. يفكّك هذا الملفّ التعقيدات التي تحيط بسياسة إيران الإقليمية، والتي تشكّلت من مزيج من الموروثات التاريخية والتوجهات الأيديولوجية والمصالح الإستراتيجية والتطلعات السياسية. 

 

وتشكّل أهمية علاقات إيران مع الدول المجاورة لها – الممتدّة من تركيا في الشمال الغربي إلى الدول الخليجية في الجنوب جانباً أساسياً من سياستها الإقليمية. ويميّز التداخل المعقّد بين التعاون والمنافسة هذه التفاعلات، مع ما يترتّب على ذلك من عواقب كبيرة على استقرار المنطقة وأمنها. لقد كانت علاقة إيران مع جوارها متقلّبة، حيث تأرجحت ما بين الخطاب العدائي والحوار ومواقفها الإستراتيجية. 

 

وكان من شأن التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة في العام 2015 أن يساهم في تسوية مسألة الملف النووي وإعادة إيران إلى الصورة. ومع ذلك، فقد أدّى الانسحاب الأحادي الجانب للولايات المتحدة في العام 201 وإعادة فرض العقوبات من خلال سياسة “الضغط الأقصى” إلى شلّ الإتفاق، ما دفع إيران إلى الردّ من خلال تقليص إلتزامها بالإتفاق تدريجياً. علاوة على ذلك، فقد أدّت هيمنة الفصيل المتشدّد في عهد الرئيس إبراهيم رئيسي، وعدم قدرة الطرفين على التوصّل إلى إتفاق بشأن التعويضات أو الترتيبات التي قد تثبط الإجراءات الأحادية المستقبلية (مثل الانسحاب الأمريكيإلى الحدّ بشكل كبير من نطاق المحادثات النووية، على خلفية التوترات الإقليمية المتزايدة. 

 

ومن حيث النطاق الجغرافي، يمتدّ نفوذ إيران إلى دول رئيسية، مثل سوريا والعراق واليمن. فقد شكّل انخراط طهران في سوريا عاملاً حاسماً في إنقاذ نظام الرئيس بشار الأسد، وفسح المجال أمام تعاون أوثق بين إيران وروسيا، تجلّى لاحقاً في الحرب في أوكرانيا. أمّا في العراق، فقد وسّعت إيران نفوذها بشكل مباشر أو من خلال حلفائها داخل الفصائل الشيعية. كما تحوّل العراق إلى ساحة معركة بالوكالة بين إيران والولايات المتحدة. وعلى نحو مماثل، يؤكّد دعم إيران لحركة أنصار الله (جماعة الحوثيين) في اليمن على نيّتها الإستراتيجية لتوسيع نفوذها في شبه الجزيرة العربية، وموازنة انخراط السعودية في البحرين وسوريا. 

 

ويشكّل “محور المقاومة”، وهو شبكة من الجهات الفاعلة المسلّحة غير الحكومية المدعومة من إيران، عنصراً مهماً في إستراتيجية إيران الإقليمية. وتضمّ هذه الشبكة مجموعات مثل حزب الله في لبنان وحماس في غزة، وتمثّل أداةً رئيسية في سياسة إيران الخارجية. والأهمّ من ذلك، يسمح “محور المقاومة” لإيران بإظهار قوّتها ونفوذها في خارج حدودها ويحدّ من خطر المواجهة المباشرة مع خصومها الرئيسيين مثل الولايات المتحدة وإسرائيل. توضّح مشاركة المجموعات المدعومة من إيران، وهي حزب الله والحوثيين، في الحرب المستمرّة بين حماس وإسرائيل في غزة، بشكل أكبر موقف طهران الإستراتيجيّ ضمن السياق الإقليمي الأوسع. 

 

وتحدث هذه التطوّرات في ظلّ تغيّر سياسة إيران الداخلية التي تميّزت بالميل نحو زيادة الأمننة والسلطوية. وفيما تصبح إيران أكثر سلطوية في الداخل وتواجه ضغوطاً دولية متزايدة من الغرب، برز تحوّل ملحوظ نحو التعاون مع القوى الشرقية مثل روسيا والصين. ويشكّل هذا التحوّل جزءاً من إستراتيجية “التوجه شرقاً” التي تنتهجها إيران، ما يعكس إعادة تنظيم إستراتيجي استجابةً للديناميات العالمية والداخلية. وتنعكس هذه التحوّلات على انخراط إيران على المستوى الإقليمي، ما ينعكس على تفاعلاتها وسياساتها وتحالفاتها. 

 

يقدّم هذا الملف نظرة شاملة عن الموضوعات ذات الصلة بسياسة إيران الخارجية، بالإضافة إلى فهم دقيق لدور إيران في الشرق الأوسط والاستجابات التي يثيرها من الجهات الفاعلة الإقليمية والخارجية. 

 

في الفصل الأول، يناقش مهران كامرافا “سياسة الجوار” المتغيّرة التي انتهجتها إيران في عهد الرئيس إبراهيم رئيسي، مؤكّداً على التحوّل نحو تحسين العلاقات مع البلدان العربية المجاورة لها، وتحديداً المملكة العربية السعودية. ويتناول كامرافا اختلاف هذه المقاربة عن الجهود السابقة بسبب اعتمادها رسمياً كعقيدة رئيسية في السياسة الخارجية. ويحلّل هذا الفصل العوامل المختلفة التي تساهم في فعالية السياسة، بما في ذلك تقبّل المملكة العربية السعودية والتغيّرات الهيكلية الأوسع في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، فهو يتناول السياق التاريخي للعلاقات بين إيران والدول العربية منذ ثورة 1979 والمبادرات الدبلوماسية الأخيرة، مثل مبادرة هرمز للسلام والتقارب مع المملكة العربية السعودية، مسلّطاً الضوء على أثر الديناميات الدولية والإقليمية على سياسة إيران الخارجية. 

 

أمّا الفصل الثاني بقلم حميد رضا عزيزي، فيقيّم التحالف المتجذّر بين إيران وسوريا، وتحديداً منذ الأزمة السوريّة التي بدأت في العام 2011، في سياق التحوّلات الإقليميّة الأخيرة. ويناقش عزيزي تأثير الديناميات الجديدة على هذا التحالف، الأمر الذي يتّسم بأهميّة بالغة لمصالح إيران الإقليميّة الإستراتيجيّة، مثل عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وتحسين العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية، والتطبيع العربي الإسرائيلي. ويتناول هذا الفصل أثر هذه التغيّرات الإقليمية المحتمل على العلاقة بين إيران وسوريا، مشيراً إلى أنّه على الرغم من الفرص الجديدة التي توفّرها إعادة التنظيم الدبلوماسي في سوريا، إلّا أنّها لا تحدّ بالضرورة من نفوذ إيران، وخاصةً في المسائل العسكرية والأمنية.

 

بعد ذلك، يتناول فصل فاطمة الصمادي ديناميات العلاقة الإيرانية السعودية المتطوّرة. وهي تركّز على السياق التاريخي لتفاعلاتهما، والتي شهدت فترات من الصراع الشديد، والمنافسة، والعلاقات الدبلوماسية العرضيّة. ويناقش الفصل طبيعة الخلافات بين الجانبين، والتي تشمل مجموعة واسعة من القضايا ومنها المنافسة الإقليمية، والطاقة، والعلاقات الخارجية، ووجهات النظر الأيديولوجية المختلفة في السياسة الخارجية. تتعمّق الصمادي في النجاح المحتمل والقيود المفروضة على التقارب بين المملكة العربية السعودية وإيران، مع الأخذ في الاعتبار العوامل التي تؤثّر في مسار العلاقة بين الدولتين. 

 

أمّا في الفصل الرابع، فيركّز فوزي الغويدي على دور إيران في حرب اليمن، ونفوذها الفعلي، ومكاسبها الإقليمية. ويناقش الغويدي وجهات النظر المختلفة حول انخراط إيران، وما إذا كان الحوثيون وكلاء لطهران أو كياناً مستقلاً لها أهداف مشتركة مع إيران. ويتناول هذا الفصل دوافع السياسة الخارجية الإيرانية في اليمن، مشدّداً على دعمها للمجموعات المنشقّة المعارِضة للنفوذ الغربي. ويتتبّع العلاقة التاريخية بين إيران والحوثيين، من خلال المقارنة ما بين عواملهما الدينية والسياسية والمذهبية. 

 

وفي ختام القسم الأول، يتناول الفصل الخامس بقلم مهند سلوم العلاقة الدينامية بين إيران والعراق، ويعرض مسيرتهما التاريخية من التنافس إلى التحالف. كما يتناول هذا الفصل النفوذ الإيراني المتزايد في العراق ما بعد العام 2003، ولا سيما في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية. ويضع سلوم العلاقات بين البلدين في سياق تاريخي، مسلّطاً الضوء على التحوّل الكبير من الحرب الإيرانية العراقية إلى التعاون المفاجئ في الألفية الجديدة. ويتطرّق هذا الفصل أيضاً إلى ضرورات إيران الإستراتيجية في العراق، مثل استخدام البلاد كرادع، وقناة للتحالفات الإقليمية وشريك اقتصادي. كما ويناقش هذا الفصل استخدام إيران المتطوّر للديناميات بالوكالة في العراق، الأمر الذي عزّز مكانتها على الساحة السياسية العراقية. 

 

في بداية القسم الثاني، يتناول شهرام أكبر زاده التعقيدات المحيطة بمحاولة إعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة وسط ديناميات عالمية وإقليمية متغيّرة. ويتطرّق هذا الفصل إلى آثار انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في عهد الرئيس دونالد ترامب، وتصاعد التوترات في الشرق الأوسط، فضلاً عن بروز الإدارة المتشدّدة في إيران. ويحلّل أكبر زاده الأسس الأيديولوجية للسياسة الخارجية الإيرانية، وتحوّلها الإستراتيجيّ نحو روسيا والصين في ظلّ سياسة “التوجه شرقاً”، فضلاً عن التحديات التي يفرضها ذلك أمام إحياء الاتفاق النووي. كما يناقش الفصل قدرات إيران العسكرية غير المتكافئة وطموحاتها الإقليمية. ويجادل بأنّ هذه التطوراتإلى جانب انضمام الدولة إلى منظمات مثل منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة البريكسقد خفّفت من حاجة إيران لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة وزادت من تعقيد الوضع بالنسبة إلى الولايات المتحدة. 

 

بعد ذلك، يحلّل لوتشيانو زاكارا في الفصل السابع طريقة تعامل رئيسي مع العلاقات الدولية، والتي تحدّت التوقّعات بزيادة العزلة. ويشير زاكارا إلى أنّ نجاح رئيسي قد اعتمد إلى حدّ كبير على الاستناد إلى الأسس الإستراتيجية التي وضعها أسلافه. ويسلّط هذا الفصل الضوء على استمرار السياسات، مثل الردع غير المتماثل، والأقلمة، وسياسة “التوجه شرقاً”، والتي تعود جذورها إلى رئاستي محمود أحمدي نجاد وحسن روحاني. كما ويشدّد على إحياء سياسة “حسن الجوار” التي تنتهجها طهران تجاه الدول الخليجيّة وإعادة انخراطها في أمريكا اللاتينية. باختصار، يرى زاكارا أنّ ولاية رئيسي تمثّل استمراراً للسياسات الخارجية المتّبعة في الجمهورية الإسلامية. 

 

تتناول آزادي زاميريراد في الفصل الثامن والأخير سياسة إيران الخارجية المتغيّرة في عهد رئيسي، وتركّز بشكل خاص على سياسات “الجوار” و”التوجه شرقاً“. وتستكشف زاميريراد ترابط هذه السياسات بشكل متزايد بسبب التطورات مثل حرب روسيا ضد أوكرانيا وانخراط الصين في منطقة الخليج. ويقيّم هذا الفصل حزم إيران المتنامي وسعيها لتحقيق هدف إصلاحي في تشكيل نظام ما بعد الغرب. كما تناقش نجاح إدارة رئيسي في العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية، فضلاً عن التوافق الإستراتيجي مع القوى الشرقية ردّاً على العقوبات الغربية والتطوّرات الإقليمية. 

 

 

يودّ المحرّران التنويه بأنّ العمل على هذا الملف اكتمل قبل الهجوم الإيراني بالطائرات المسيّرة والصواريخ على إسرائيل في 13 أبريل. وكانت الضربات أول هجوم مباشر لطهران على إسرائيل، والذي اعتُبِر كردّ انتقامي على الغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق في 1 أبريل. يقدّم هذا الملف نظرة معمّقة على إيران ورؤيتها السياسية، ولا يعكس التحليل التطوّرات الأخيرة. 
إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّفين حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.