في 6 نوفمبر وقبل ساعات قليلة من إغلاق صناديق الاقتراع، أُعلن عن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكيّة للعام 2024 بفارقٍ كبير على نائبة الرئيس كامالا هاريس. ويأتي انتصارُ ترامب المُلفت، الذي يُعيده إلى البيت الأبيض بعد هزيمته أمام جو بايدن في العام 2020، في وقتٍ يشهد فيه الشرق الأوسط موجة عنيفة من الاضطرابات. وعلى الرغم من رئاسة ترامب السابقة التي تُعطي فكرةً عن سياساته المحتملة تجاه قضايا مثل الملف الإسرائيلي الفلسطيني والعلاقات الأمريكيّة الخليجيّة وإيران، تبرز أسباب تدعو للاعتقاد بأنّ مقاربته حيال المنطقة قد تختلف هذه المرّة.
عندما دخل ترامب إلى البيت الأبيض في العام 2016، كان وافداً جديداً إلى عالم السياسة يعتمد على الحزب الجمهوري الحذر لإرشاد انتقاله وإجراء التعيينات السياسيّة، لا سيّما في أعلى مستويات الحكم. فكانت النتيجة حكومةً مضطربة شهدت معدّلات غير مسبوقة في تبديل الموظفين. أمّا اليوم، وبعد ثماني سنوات، فأصبح ترامب يهيمن على حزبه مثل قلّة قبله، فخلق حركةً من الأتباع المستعدّين لتنفيذ السياسات وفق رؤيته. في الوقت نفسه، شهدت المنطقة تغيّرات جذرية منذ ولاية ترامب السابقة، لا سيّما في خلال السنة الماضية حين ساهم تعاملُ بايدن مع ردّ إسرائيل على هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023 في إنتاج إبادة جماعية محتملة في غزة والحرب على لبنان وفي أجزاء أخرى من المنطقة، ما يجعل من الصعب على ترامب العودة إلى سياسته الإقليمية السابقة.
يُقدّم الخبراء في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدوليّة في هذا العدد من آراء من المجلس وجهات نظرهم حول فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية والتبعات المحتملة على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك قضايا السلم والحرب وصولاً إلى السياسة المناخيّة.
عمر حسن عبدالرحمن، المحرّر
عودة الرئيس “غير التقليدي”؟
لا يجب أن يُشكّل انتخاب دونالد ترامب مرّة أخرى ليكون الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة مفاجأةً، نظراً للاستقطاب المجتمعي وإخفاقات الحزب الديمقراطي وقيادته. ومع ذلك، من المرجّح أن تفاقم عودة ترامب إلى سدّة الرئاسة حالة عدم اليقين التي تلفّ السياسات الأمريكية الداخلية والخارجية على حدّ سواء. وستعود شعارات “أمريكا أولاً” و”لنجعل أمريكا عظيمة مجدّداً” إلى الواجهة، حتى وإن لم تُترجم إلى مكاسب فوريّة وملموسة على المستوى الوطني.
لم تنجز السياسات الخارجيّة الأمريكية كل وعودها في ولاية ترامب الأولى بين العامين 2016 و2020، لا سيما في ما يتعلّق بالعلاقات مع الصين وروسيا والحلفاء في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. غير أنّ ولايته الجديدة تبدأ في ظلّ الحروب الدائرة في أوكرانيا وفلسطين والتي ساهمت إدارة الرئيس جو بايدن فيها بالسلاح والمال. من المرجّح أن يدفع ترامب وفريقه باتجاه وقف لإطلاق النار أو اتفاقات سلام مؤقّتة لإظهار براعتهم في بناء السلام وقدرتهم على “وقف الحروب”، كما أعلن في خطاب الفوز بالانتخابات في فلوريدا. لكن بحلول وقت تنصيب ترامب في يناير، قد تتغيّر أمور كثيرة، كما يمكن أن تقوم إدارة بايدن بمحاولات لوقف إطلاق النار أو إصدار أوامر تنفيذية رمزية في اللحظة الأخيرة.
يشكّل الافتراض بأنّ رئاسة ترامب ستحقّق السلام في الشرق الأوسط رهاناً عالي المخاطر، لا سيما نظراً للعلاقات الوثيقة بين ترامب والكثير من معاونيه مع إسرائيل. بالتالي، من غير المرجّح أن يساهم ذلك في تحسين ظروف الفلسطينيين أو خلق مسار حقيقي نحو إقامة دولة فلسطينية. وعلى الأرجح أنّ الروابط التي تجمعه بزعماء وملوك بعض الدول الخليجية والشرق الأوسط ستعيد إحياء المقاربة القائمة على الصفقات وتحميل بعض المسؤوليّات الأمنيّة إلى جهات أو قوى إقليميّة فاعلة، كما ستقلّل من اهتمام إدارته بمعايير الديمقراطيّة وحقوق الإنسان في تلك الدول. وفي حال ركّزت إدارة ترامب الجديدة على قضايا تهمّها في الشرق الأوسط، فستكون إيجاد مسار للتطبيع السعودي الإسرائيلي وعودة سياسة الضغط الأقصى وفرض العقوبات على إيران.
الاستمراريّة في السياسة الأمريكيّة أكثر أهميّة من الاختلافات
لا تتشابه إدارتان رئاسيّتان أمريكيّتان، لكنّ الاختلافات بينهما تميل إلى الإلقاء بظلالها على الاستمراريّة، لا سيّما في ما يتعلّق بالسياسة الخارجيّة. إذا ما نظرنا إلى سياسات إدارة بايدن تجاه الشرق الأوسط، أكانت تتعلّق بإسرائيل أم بإيران أم بالتطبيع العربي الإسرائيلي أم بالصحراء الغربيّة أم بالسياسات المتعلّقة بالطاقة أم بأيّ مسألة أخرى تقريباً، نلاحظ أنّ الفوارق تكاد تكون معدومة مقارنة بما كان يُتوقع من إدارة ثانية لترامب.
وكذلك، يمكن التوقّع أن يكمل ترامب من حيث توقّف بايدن. لا شكّ في أنّ إدارته ستُضيف لمستها الخاصة، لكن لا يُتوقّع تغييرات جذرية. بالفعل، من الأفضل اعتبار المبادرات التي قامت بها إدارة ترامب الأولى بشأن القدس ومرتفعات الجولان السوري والأونروا تتويجاً منطقيّاً لعقودٍ من السياسات الأمريكية أكثر منه تحوّلاً مفاجئاً.
تكمن المشكلة في التنبؤ بمقاربة إدارة ترامب الثانية في أنّ الرئيس ترامب أصبح أكثر تقلّباً وغير قابلاً للتوقّع. من هذا المنطلق، يبدو تأييد ضمّ إسرائيل للأراضي المحتلّة ونشوب صراع مباشر مع إيران أمرَين محتملَين، كما أنّ اتّخاذ إجراءات لضمان عدم جرّ إسرائيل واشنطن إلى حرب جديدة تجعل العراق يبدو كأمر بسيط. لكن حري بنا مجدّداً أن نركّز على الاستمراريّة حتى عندما تتّخذ شكل التغيير. فإعطاءُ الأولويّة لمصالح أمريكا، الذي غالباً ما يأتي على حساب المنطقة وشعوبها، ليس ابتكاراً سياسياً من صنع دونالد ترامب.
هل يعلن فوز ترامب نهاية الليبراليّة الاقتصاديّة؟
في حال وفى الرئيس دونالد ترامب بالوعود التي قطعها في حملته الانتخابيّة بفرض رسوم جمركيّة على جميع السلع المستوردة من الخارج وبتوسيع سياسات “أمريكا أولاً” دعماً للقطاعات الاقتصاديّة المحلّية، ستُسرّع رئاستُه تراجعَ العولمة الذي سبق أن أخذ مجراه منذ ولايته الأولى والذي عزّزته السياساتُ الصناعية التي اعتمدتها إدارة بايدن. علاوة على ذلك، إذا اختارت الدول المتأثّرة، مثل الصين التي هدّد ترامب بفرض رسوم جمركية عليها بنسبة 60 في المئة، الردّ باتخاذ إجراءات حمائيّة وبتعليق الآليات المتعدّدة الأطراف لحل النزاعات في منظمة التجارة العالميّة، فقد يثبت أنّ الضرر الذي ألحق بنظام التجارة الدولي لا يمكن إصلاحه.
ستواجه الدول تحدّيات هائلة في تكييف سياساتها واقتصاداتها مع نظام دولي ناشئ تقوده بشكلٍ متزايد القومية الاقتصادية المتنامية والحروب التجاريّة بالإضافة إلى المنافسة الجيوسياسية المكثّفة بين أقوى عضوين فيه، الولايات المتحدة والصين. وستواجه دول الجنوب العالمي قيوداً متزايدة في سعيها لتحقيق توازن بين مصالحها الاقتصاديّة مع القوتين العظميين. وستضطر البلدان إلى تفضيل طرف على آخر في حالات كثيرة مثل الحصول على التكنولوجيا المتقدّمة والصناعات الدفاعيّة. وسيُعاد تشكيل سلاسل الإمداد العالميّة بحيث تأخذ بعين الاعتبار المخاوف الأمنية القومية، لكنّها ستُستخدَم أيضاً كأداة لتحقيق أهداف جيوسياسيّة. وستبحث الاقتصادات الأصغر عن حمايةٍ من عدم الاستقرار في اندفاعةٍ متجدّدة نحو النزعة الإقليميّة، وستنتشر أنظمة الدفع عبر الحدود غير القائمة على الدولار.
قد يؤدّي الاضطرابُ الذي تتسبّب به أجندة الرئيس ترامب الاقتصاديّة الانعزاليّة والأحادية الداعية إلى “أمريكا أولاً” إلى نهاية حقبة الليبراليّة الاقتصاديّة.
فوز ترامب خبر سيّء لوكالة الأونروا وللفلسطينيين المعتمدين عليها
عندما كان ترامب رئيساً للولايات المتحدة، قام في العام 2018 بإلغاء التمويل الأمريكي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، لكن أعاده بايدن بشكلٍ جزئي في العام 2021. حين يعود ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025، من المرجّح أن تعود العلاقات التضاربية مع المؤسّسات الدوليّة، بما فيها الأونروا، التي طبعت ولايته الأولى. هذا لا يُبشّر بالخير للنازحين الفلسطينيين الذين يعتمدون على الأونروا وغيرها من وكالات الأمم المتحدة في الخدمات الأساسية من رعايةٍ صحيّة وتعليم. يُعدّ دعمُ الأونروا حيوياً اليوم أكثر من أي وقت مضى، فيما تُحاول الوكالةُ التعامل مع تداعيات الهجوم الإسرائيلي المدمّر على غزة الذي أودى بحياة أكثر من 43 ألف شخص، بمن فيهم 28 ألف من نساء وأطفال، وشلّ الخدمات العامة الأساسية ووضع سكّان غزة تحت خطّ المجاعة. في مطلع هذا الأسبوع، سدّدت إسرائيل ضربة جديدة للشعب الفلسطيني عندما ألغت اتفاقيّة التعاون مع الأونروا التي تعود إلى العام 1967.
في حال قطع ترامب التمويل المخصّص للوكالة مجدّداً، قد يشكّل ذلك ضربةً ثانية لن تتمكّن الوكالة من التعافي منها. ينبغي على القيادة الفلسطينية والمجتمع الدولي الاستعداد لهذا الاحتمال. ويجب عليهما أيضاً الاستعداد لاستخدام الأوراق القليلة التي بحوزتهما اليوم بنجاح، بما فيها تحميل إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، مسؤوليّة تأمين الخدمات للشعب الفلسطيني. في نهاية المطاف، تؤدّي الأونروا وظيفةً حاسمة ولا يجوز التخلّي عنها ما لم يتم التوصّل إلى حلّ أفضل وأكثر ديمومة.
منطق الصفقات الترامبي سيفيد البعض ويضرّ بآخرين في الشرق الأوسط
تمكّن الرئيس دونالد ترامب من الإعلان عن فوزه كالرئيس الأمريكي السابع والأربعين ليلة الانتخابات، تاركاً أنصار النزعة المؤسّساتيّة من اليمين واليسار في حالةٍ من الصمت والذهول. من المرجّح أن يُنذر انتصارُ ترامب بأربعة أعوام إضافيّة من الفوضى في السياسة الداخليّة الأمريكيّة، إذ تمنحه الانتصارات الجمهوريّة في الولايات الرئيسيّة كونغرساً سيُمكّنه من إعطاء الأولويّة للتشريعات والسياسات التي تندّد بها النخب التقليديّة وسكّان المدن الساحليّة الأمريكيّة. أمّا في ما يتعلّق بباقي العالم، لا سيما الشرق الأوسط، سيؤدّي انتصاره إلى عودة منطق الصفقات الذي اتّسمت به ولاية ترامب الأولى. وقد فهم عدد من القادة في الشرق الأوسط طبيعتَه الميّالة إلى الصفقات منذ مطلع ولايته الأولى واستغلّوها لمصلحتهم.
سيسمح منطقُ الصفقات هذا لإسرائيل والدول الخليجيّة على مدى الأعوام الأربعة المقبلة بالتأثير على إدارة ترامب إلى حدّ بعيد ودفعها باتجاه خططها السياسية الفوريّة وطموحاتها الإقليمية. لكن في ما يتعلّق بدور أمريكا الإستراتيجي على المدى الطويل، يُنذر عجز ترامب عن رؤية الفائدة في التحالفات وشكوكُه بحلفاء أمريكا التقليديين وهَوَسُه بالرسوم الجمركيّة وبالحمائية الاقتصاديّة، بتغييرات جذرية ومُقلقة في الإطار الإستراتيجي العالمي وبتسريع انسحاب الولايات المتحدة من العولمة. ورغم أنّها ستخلق فرصاً لبعض القادة في الشرق الأوسط، من المرجّح أن تؤدّي، بالنسبة إلى معظم شعوب المنطقة، إلى صعود موجةٍ من عدم الأمان السياسي والاقتصادي لم يسبق لها مثيل في حقبة ما بعد الحرب العالميّة الثانية.
دفعة للطموحات النفطيّة الخليجيّة لكن لا تغيير في الأهداف المتعلّقة بالمناخ
قد تُحيي إعادة انتخاب دونالد ترامب طموحات الدول الخليجيّة في مجال الهيدروكربونات، لكن من غير المرجّح أن تعرقل أجنداتها المناخيّة. لطالما كانت سياساتُ ترامب بشأن الطاقة مؤيّدة للوقودَ الأحفوري، وقد تدعم رئاستُه مجدّداً الصناعةَ النفطيّة محلّياً وعالمياً، ما يعود بالفائدة على الاقتصادات الخليجيّة المعتمدة على الصادرات الهيدروكربونيّة. كما أنّ إدارة أمريكيّة أقل تركيزاً على القوانين المناخيّة قد تخفّف الضغط على الدول المنتجة الأخرى لتسريع عملية إزالة الكربون، ما يمنحها مرونةً اقتصاديّة على المدى القصير.
صحيحٌ أنّ رئاسة ترامب ستحفّز أسواق الهيدروكربونات، لكنّها لن تغيّر مسار إستراتيجيّات الدول الخليجيّة بشأن المناخ والتحوّل في مجال الطاقة، لأنّ الدافع وراء قرارات هذه الدول في هذا المجال ليس مرتبطاً بهويّة الرئيس في البيت الأبيض، بل بمصالحها الوطنيّة على صعيد الاقتصاد والطاقة.
يتمثّل المحرّك الرئيسي للسياسات الخليجية بشأن المناخ، مثل الالتزامات بانبعاثات صفرية صافية وبالطاقة النظيفة، بإستراتيجيّات التنويع الاقتصادي الإقليميّة الرامية إلى الحدّ من الاعتماد على عائدات النفط، بالإضافة إلى المخاوف المحلّية المتزايدة بشأن أمن الطاقة. لا تتأثّر هذه الأهداف الطويلة الأجل بالتغيّرات في السياسة الأمريكيّة بقدر ما تتأثّر بحاجة الدول الخليجية إلى المحافظة على استقرارها الاقتصادي في ظل التحوّلات التي تشهدها سوق الطاقة العالميّة. وفي وقت تتزايد فيه الاستثمارات العالمية في الطاقة الخضراء، تدرك الدول الخليجيّة بأنّه من أجل الحفاظ على تنافسيّتها، يجب عليها أن تتطوّر في مجال الطاقة النظيفة والتنمية المستامة، من خلال تحقيق توازن بين طموحاتها الهيدروكربونيّة والخطوات الضروريّة نحو مستقبلٍ متنوّع وقادر على الصمود.
رئاسة ترامب استمرارية لسياسات بايدن على الأرجح رغم الاختلافات في الأسلوب
في ما يتعلّق بالشرق الأوسط، لم يكن ترامب في ولايته الأولى مناهضاً لأوباما ولم يكن بايدن مناهضاً لترامب، ومن غير المرجّح أن يتبنّى ترامب في ولايته الثانية موقفاً مناهضاً لبايدن. هذا لا يعني أنّ مواقفهم تجاه المنطقة متشابهة، لأنّها ليست كذلك على الإطلاق. فهم مختلفون تماماً، لا سيّما من حيث الأسلوب. لقد اتّسمت ولاية ترامب الأولى بعلاقات متمحورة حول الشخصية وتقلّبات في المواقف وميل الولايات المتحدة إلى تقليص دورها الإقليمي. علاوة على ذلك، ارتكز المفهوم الأمريكي لنظامٍ إقليمي بشكلٍ أساسي على فكرة التطبيع والتعاون العربي الإسرائيلي، معزّزاً بدعمٍ أمريكي، ما يؤدّي إلى تهميش القضيّة الفلسطينية أو منح إسرائيل الحريّة المطلقة للقيام بما تريد.
كذلك، رسمت هذه الخصائص معالم مقاربة بايدن. لقد انسحب ترامب من سوريا حزئياً وبتسرّع، وحذا بايدن حذوه في أفغانستان. لم تُحلّ مسألة التقلّب في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة في خلال حقبة بايدن. وستزداد تعقيداً الآن في ولاية ترامب الثانية. لقد سار بايدن بفعاليّة على خطى ترامب في سعيه لتحقيق نظامٍ إقليمي قائم على التطبيع العربي الإسرائيلي -على حساب الفلسطينيين- بدعم من الولايات المتحدة. والأخطر من ذلك أنّ بايدن سهّل حرب إسرائيل على غزة وساندها من دون حسيب أو رقيب. ومن المرجّح أن يواصل ترامب هذه السياسة بحزمٍ أكبر.
يكمن الاختلاف الرئيسي بينهما في أنّ ترامب انتهج سياسة احتواء صارمة تجاه إيران وركّز بشكلٍ رئيسي على الصين من حيث وجود القوى الدوليّة في المنطقة. في المقابل، لم يعتمد بايدن سياسة الاحتواء الصارمة تجاه إيران هذه، إلى حين حرب غزة، ولم يُركّز على الصين فحسب بل على روسيا أيضاً، إن لم يُعطِ الأولوية لوجود موسكو الإقليمي على وجود بكين، من حيث انخراط القوى الخارجيّة في المنطقة. ورغم ذلك، حدّدت الاستمراريّةُ، أكثر منه التغيير، سياسات الرؤساء الأمريكيين إزاء المنطقة، بدءاً من أوباما وصولاً إلى ترامب وبايدن، والآن مع ترامب مجدّداً. وأخيراً، ستؤدّي الخصائص التي تُميّز ترامب، أي تقلّباته وتهوّره، دوراً في قيادة سياسته في الفترة المقبلة. يمكنه أن يفاقم الوضع ويضع المنطقة على شفير حرب شاملة بين إيران وإسرائيل؛ أو يمكنه تهدئة التوتّر وتجنّب نشوب حرب. وستؤدّي عدم القدرة على التنبؤ إلى تعميق قناعة الجهات الفاعلة الإقليميّة بأنّ إستراتيجياتها للتحوّط والتوازن تظل مساراً حكيماً للسياسات.
انتصار ترامب فرصة
سيولّد انتصارُ دونالد ترامب مزيجاً من التفاؤل والإحباط والانزعاج في الشرق الأوسط، لكنّه لن يؤدّي إلى تغييرات جذريّة في السياسة الخارجية الأمريكيّة تجاه المنطقة. لن تتزعزع التحالفات والشراكات والإلتزامات التي نسجتها الولايات المتحدة على مرّ السنين، بما في ذلك تعاونها مع حلفائها لهزم داعش ودعمها لإسرائيل وروابطها المتنامية مع الدول الخليجيّة. وفي الوقت نفسه، قد تتصاعد التوتّرات القائمة منذ وقت طويل مع إيران، لكن يعتمد ذلك على طريقة تحرّك طهران لإشراك المنطقة في أعقاب تصعيدها مع إسرائيل وتراجع وكلائها.
قد يخضع بعض هذه السياسات لإعادة ضبط أو مراجعة بشكل يراعي مقاربة ترامب القائمة على الصفقات في صناعة السياسات. لكن لا بدّ أن تَعتبره الدول الخليجيّة فرصةً لتطوير بنية أمنيّة جماعيّة تقوم على مصالح الدول الخليجيّة والمنطقة ككلّ واستقرارها، بقدر ما ترتكز على مصالح الولايات المتحدة. ويقدّم ذلك فرصة أيضاً للدول الخليجيّة للاضطلاع بدورٍ استباقي بغية التأكّد من أنّ التصعيد مع إيران لن يؤدّي إلى صراعٍ إقليمي.
سياسة ترامب الخارجيّة القائمة على التغريد تضرّ بأمريكا والعالم
الخاسر الأكبر في الانتخابات الأمريكية هو الاستقرار في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية والقدرة على التنبّؤ بها. في الواقع، على الرغم من الأخطاء التي ارتكبتها إدارةُ بايدن من إهمال وأفعال -وقد اقترفت كلاهما- كانت كامالا هاريس ستحترم على الأرجح رأي الخبراء والنتائج بشأن السياسات التبادلة بين الوكالات. وكان قد يؤدّي ذلك إلى سياسات أكثر استقراراً وقابليّة للتوقّع وإلى قدرٍ أكبر من الانسجام والتماسك في السياسة الخارجية الأمريكيّة بشكلٍ عام.
ستكون مقاربة دونالد ترامب شخصّيةً ومخصّصةً إلى حدّ بعيد وتتّسم بثقةٍ هائلة -ولا أساس لها في الغالب- في قدرته على تحليل الأوضاع واتّخاذ القرارات والتفاوض على الحلول. تقوم مقاربته بشكلٍ كبير على منطق الصفقات وعلى انعدام الثقة في التحالفات والمؤسّسات المكلّفة بصياغة السياسة الخارجية الأمريكيّة. لطالما رفض ترامب، عندما كان رئيساً أم في حملته الانتخابية، توجيهات مستشاريه أو تحذيراتهم.
لن نعرف أبداً ما إذا كانت مقاربة هاريس ستكون على قدر المسؤولية في ظلّ بيئةٍ دوليّة متقلّبة ومحفوفة بالمخاطر. ومع ذلك، فإنّ العودة إلى سياسةٍ خارجية قائمة على التغريد والقرارات الإندفاعية ستكون أسوأ لا محالة وستخلق طبقةً إضافيّة من الفوضى وعدم اليقين تصبّ في مصلحة خصوم الولايات المتحدة وحدهم.
سياسات ترامب المناخيّة: التحوّل البنيوي نحو الطاقة النظيفة العالميّة
جاستين دراغين
فيما أبدى الرئيس ترامب المنتخَب علنياً شكوكه بشأن التوافق حول تغيّر المناخ وأعاد التأكيد على التزامه بالمحافظة على استقلال الطاقة الأمريكيّة القائمة على الهيدروكربونات، قد يكون لسياسات إدارته تأثيرٌ محدود في التخفيف من آثار تغيّر المناخ العالمي، لا سيّما نظراً للميول البنيويّة الكامنة. وعلى الرغم من أهميّة الاتفاقات المناخية الدوليّة، شهدت السنوات الماضية ارتفاعاً قوياً في الاستثمار في الطاقة المتجدّدة على الصعيد العالمي. ففي العام 2023 على سبيل المثال، فاقت المنشآت الجديدة للطاقة الريحيّة والشمسيّة كل المساهمات الأخرى في مزيج الطاقة العالمي، ومن المتوقّع أن تتخطّى الاستثمارات في الطاقة النظيفة 2 تريليون دولار بحلول نهاية العام 2024، أي ما يمثّل نحو ثلثي استثمارات الطاقة العالميّة.
تُعزّز وجهة نظر تاريخيّة هذا المسار: فعلى الرغم من أنّ إدارة بوش امتنعت عن التصديق على بروتوكول كيوتو بسبب مخاوف متعلّقة بتأثيره المحتمل على الصناعات الأمريكيّة، تمكّنت هذه المقاومة في نهاية المطاف من إبطاء الزخم العالمي نحو التخفيف من انبعاثات غازات الدفيئة لكنها لم توقفه. بالتالي، بينما تحتلّ الولايات المتّحدة مكانةً مركزيّة في البنية الاقتصادية العالمية، من غير المرجّح أن تُعيق معارضةُ إدارة واحدة مدّتها أربعة أعوام الإنجازات البنيويّة -والحتميّة على ما يبدو-في مجال الاستثمار في الطاقة المتجدّدة بشكلٍ جذري. تستمرّ هذه الإنجازات، المدعومة بنمو سريع في اعتماد السيارات الكهربائية، في تحويل نموذج الطاقة العالمي بعيداً عن الاعتماد التقليدي على النفط.
ترامب قد يحرز تقدّماً مجدّداً في ملف التطبيع الإسرائيلي الخليجي
دفعت عودةُ دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة لولايةٍ ثانية بالكثيرين في دول مجلس التعاون الخليجي إلى التساؤل عن تداعياتها على المنطقة. في ما يتعلّق بالقضايا الأمنيّة بشكلٍ خاص، قد يكون انتصار ترامب مفيداً بالنسبة إلى معظم هذه الدول، لا سيّما بالنسبة إلى الإمارات العربيّة المتّحدة التي من المرجّح أن تستأنف الصفقات التي تعثّرت في السابق بشأن بيع طائرات مقاتلة من طراز F-35 ومسيّرات مسلّحة. بالإضافة إلى ذلك، سيُحفّز توجّهَ دول إضافية إلى الانضمام إلى اتفاقات أبراهام إلى جانب الإمارات والبحرين اللتين وقّعتا على اتفاقات للتطبيع مع إسرائيل في العام 2020 تحت رعاية ترامب.
منذ أن ترك ترامب منصب الرئاسة، تلقّت المملكة العربيّة السعوديّة وعوداً متكرّرة من إدارة بايدن بتعزيز الروابط الأمنيّة مع الولايات المتحدة وبالحصول على تكنولوجيا عسكرية متقدّمة على غرار التي نالتها الإمارات العربية المتحدة بعد توقيعها على الاتفاقات. بيد أنّ ذلك لم يكن كافياً لإحراز أيّ تقدّم نظراً للاضطرابات التي عصفت بالمنطقة في أعقاب السابع من أكتوبر. لكن إذا نجح ترامب في إخماد نيران الشرق الأوسط، بما في ذلك وقف مجزرة إسرائيل في غزة ووضع حد للحرب على لبنان وتهدئة التوتّرات مع إيران، قد تقتنع المملكة العربية السعوديّة بالانضمام إلى هذه الاتفاقات وتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، ما سيُشكّل انتصاراً هائلاً لسياسة ترامب الخارجيّة.
عودة ترامب تعني تكثيف الضغوط على الحوثيين واليمن
يُمثّل انتصار ترامب على الأرجح تحوّلاً كبيراً في السياسة الأمريكيّة بشأن اليمن، إذ من المتوقّع أن تتبنّى إدارته موقفاً أكثر صرامةً ضد الحوثيين في إطار العودة إلى سياسة “الضغط الأقصى” تجاه إيران. على الصعيد العسكري، من المرجّح أن يُوسّع ترامب إطار العمليّات العسكريّة الجارية في اليمن، بما في ذلك احتمال استهداف القادة الحوثيين والبنى التحتيّة العسكريّة. وقد يمنح القوات الأمريكيّة هامشاً أكبر للتصدّي للتهديدات في ظلّ تصعيدٍ محتمل في العمليّات البحريّة والجوّية عبر مناطق أوسع.
أمّا على الصعيد الاقتصادي، فمن المتوقّع أن يُركّز ترامب على تكثيف العقوبات ضد الحوثيين وأنصارهم، ويحثّ المجتمع الدولي على الانضمام إلى هذه الجهود. وفي حين أنّ هذه الإستراتيجيّة قد تفاقم الأزمة الإنسانيّة في اليمن، من الممكن أن يَعتبرها ترامب ثمناً مقبولاً مقابل تحقيق أهدافه الإستراتيجيّة. علاوة على ذلك، قد تقلّل هذه المقاربة فرص التوصّل إلى حلّ سياسي على المدى القصير، لكنّ يُمكنها أن تُغيّر ميزان القوى على الأرض.
في ما يتعلّق بالعلاقات مع الدول الخليجيّة، من المرجّح أن يستجيب ترامب أكثر للمواقف السعوديّة والإماراتيّة ويدعم أيّ عمل يقوم به التحالف العربي والحكومة المعترف بها دولياً ضد الحوثيين، في ظلّ دعمٍ استخباراتي ولوجستي موسّع. وقد يكون هذا الدعم مرتبطاً بصفقات عسكريّة وتجاريّة أوسع مع الدول الخليجيّة.
منطق الصفقات الترامبي قد يفيد السودان
لا تزال الحرب في السودان متقلّبة بسبب هشاشة إعلان جدّة الذي لم يُطبَّق بنجاح بعد. لقد جسّدت المعاهدة التي وُقّعت في مايو 2023 محاولةً من جانب الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والحزبين السودانيين الرئيسيين للتوصّل إلى وقفٍ لإطلاق النار وخلق قنوات إغاثة إنسانيّة في خضمّ أزمة السودان المتفاقمة.
قد تُعزّز ولاية ترامب الثانية السلام عوضاً عن ترسيخ الحرب في السودان. لقد تبنّت إدارة ترامب الأولى إلى حدّ ما منطق الصفقات مع السودان وركّزت على شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب مقابل انضمامه إلى اتفاقات أبراهام ودفع 335 مليون دولار كتعويضٍ للضحايا الأمريكيين في هجمات إرهابيّة سابقة.
من المرجّح أن تواصل رئاسة ترامب الجديدة هذه المقاربة فتُعطي الأولوية لتحالفات الولايات المتحدة مع جهات فاعلة إقليمية رئيسيّة، على غرار المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة التي لها مصالحها الخاصة في صراع السودان. وقد تتيح روابط ترامب الوثيقة مع السعودية وغيرها من الدول الخليجية الحليفة فرصة لتسخير النفوذ الإقليمي من أجل التوصّل إلى وقفٍ مستدام لإطلاق النار، أكان بموجب إعلان جدّة أم مبادرات أخرى. وبضغطٍ أمريكي، يمكن تشجيع جهات فاعلة إقليمية على دعم محادثات السلام عوضاً عن المقاربات العسكريّة والمحافظة على الضغط لترسيخ وقف إطلاق النار وتعزيز الاستقرار في السودان.
عودة ترامب قد تخلق مساحة مربكة للحكومة الإسرائيلية
فاز الرئيس الأمريكي السابق دونالد بالانتخابات الأمريكية ليصبح بالتالي الرئيس الأمريكي السابع والأربعين. وجاء هذا الفوز بجزء منه بسبب تردّد إدارة الرئيس جو بايدن في التعامل مع عدد من الملفّات، بالإضافة إلى التشدّد في فرض سياسات ليبرالية لا تحظى بقبول واسع في الولايات المتحدة. ولكن شكّل تردّدها في إيقاف الإبادة الجماعية في غزة والدعم غير المشروط لسياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو، العامل الحاسم في تغيير توجّهات الكثير من الأمريكيين، سواء كانوا عرباً أو غير عرب. رفضت إدارة بايدن أن ترى التحالف الإنساني ضد الإبادة الجماعية. بالإضافة إلى ذلك، لم تتجاوز كامالا هاريس، رغم محاولتها الخروج من دائرة التردّد، في مواقفها حدود الانتقاد الخجول من دون أن تدفع نحو تغيير حقيقي من خلال موقعها كنائب للرئيس.
يثير فوز دونالد ترامب تساؤلات حول سياسته المتوقّعة بشأن الشرق الأوسط. قبل الإجابة، لا بدّ أوّلاً النظر إلى شخصية الرئيس المنتخَب التي تختَلف عن الشخصية السياسية التي تولّت الرئاسة في العام 2017، نظراً لخبرته في السلطة. كما ينبغي التركيز على أنّه بطبيعته متمرّداً سياسياً على القواعد المتّبعة في ممارسة السياسة الداخلية والخارجية. بعبارة أخرى، لديه وجهه نظر قويّة بشأن الأحداث ويعرف تماماً كيف يفرضها. في هذا السياق وبالنظر إلى موقفه المعلًن والمعارِض لاستمرار الحرب على غزة، فإنّه إن لم يكن قادراً على وقفها بشكل فوري، فهو بالتأكيد سيخلق مساحة مربكة للحكومة الإسرائيلية ونتنياهو حتى في ظلّ الضغوط السياسية المتوقّعة. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه الولاية ستكون الثانية والأخيرة لترامب، فلا شكّ في أنّ طريقة تفاعله مع الأحداث ومواقفه تجاهها سترتبط بهذا الواقع.
الأمريكيّون العرب وترامب: العلاقة المتناقضة بين الحب والكراهية
اختلفت الانتخاباتُ الرئاسيّة الأمريكيّة للعام 2024 عن كلّ سابقاتها بنظر الأمريكيّين العرب الذي يبلغ عددهم 3,7 مليون نسمة في الولايات المتحدة والذين وجدوا أنفسهم بين المطرقة والسندان، مجبرين على الاختيار بين مرشّحَين رئاسيَّين غير مرغوب بهما على الإطلاق.
من جهة، تمثّل نائبة الرئيس كامالا هاريس بالنسبة إليهم امتداداً للرئيس جو بايدن ولدعمه غير المشروط لإسرائيل في هجماتها المستمرّة على المدنيّين في غزة التي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من الأبرياء، وكذلك في حربها الدائرة في لبنان، في ظلّ خطر تصعيدٍ محتمل على نطاق المنطقة. من جهةٍ أخرى، لا يعتبرون أنّ ترامب أقلّ دعماً لإسرائيل نظراً لوعوده بتوسيع الأراضي الجغرافيّة الإسرائيليّة، ناهيك عن خطابه المعادي للمسلمين وسياساته المناهضة للهجرة، على غرار قرارَي حظر سفر المسلمين.
وقد دفع ذلك بالكثير من الأمريكيّين العرب إلى معاقبة هاريس وبايدن تحت شعار “في نوفمبر نتذكّر”. كما قرّر البعض التصويت لصالح مرشّحة الحزب الثالث، جيل ستاين، التي كانت صريحة للغاية في دعمها للقضيّة الفلسطينية. أمّا غيرهم، مثل عمدة مدينة هامترامك ذات الأغلبية المسلمة في ميشيغان وأعضاء الجالية اللبنانية الأمريكيّة ورجال أعمال عرب أمريكيين بارزين، فقد أيّدوا ترامب.
وفي الخطاب الذي ألقاه ترامب بعد فوزه، أقرّ بداعميه على اختلاف انتماءاتهم العرقيّة والإثنيّة، بمن فيهم الأمريكيّين العرب والأمريكيّين المسلمين، في لحظة تقدير فريدة لشريحةٍ من المجتمع الأمريكي غالباً ما تُهمَّش أو تصوَّر بصورةٍ سلبيّة.
لكن ما إذا كان ترامب سيفي بالتزاماته تجاههم يبقى مسألة أخرى، لا سيّما على خلفيّة وعوده لإسرائيل وسياساته المتشدّدة المتعلّقة بالهجرة وتعهّده بـ”جعل أمريكا عظيمة مجدّداً” الذي فسّرته أقليّات متعدّدة على أنّه تعهّد بجعل أمريكا “بيضاء” مجدّداً.
قد يكون الأمريكيّون العرب قد عاقبوا هاريس بعدم التصويت لها في هذا السباق الرئاسي، لكنّ المشكلة الأكيدة هي أنّهم عاقبوا أنفسهم في الوقت عينه بمساهمتهم غير المقصودة في عودة ترامب التاريخيّة إلى البيت الأبيض رغم كل العقبات.
حلفاء مهما كان الثمن
في ظلّ ولاية دونالد ترامب الرئاسيّة الثانية، من شبه المؤكّد أنّ الاستمراريّة، أكثر منه التغيير، ستهيمن على السياسة الأمريكيّة تجاه الشرق الأوسط. فلا تنوي واشنطن وضع حدّ لدعمها غير المشروط لإسرائيل؛ بل ستستمرّ في إرسال شحنات الأسلحة لإسرائيل والسماح لنتنياهو بمواصلة الإبادة الجماعيّة والتطهير العرقي في غزة والضفة الغربية. لا شكّ في أنّ إدارة ترامب ستستمرّ في تفضيل استخدام القوة العسكريّة على الدبلوماسيّة في المنطقة. وحتى أنّها قد ترضخ، ولو على مضض، لنيّة نتنياهو جرّ الحليف الأقرب لبلاده إلى حرب ضد إيران، لا سيّما إذا لجأ ترامب مجدّداً إلى أمثال مايك بومبيو وروبرت غرينواي لملء المناصب الوزاريّة في إدارته. ونظراً لأنه من غير المرجّح أن يضعف نفوذ لجنة الشؤون العامة الأمريكيّة الإسرائيليّة (أيباك) ومجموعات الضغط الأخرى الداعمة لإسرائيل، يبدو هذا السيناريو ممكناً.
ويتّضح ذلك في التصريحات الصادرة عن الكونغرس الأمريكي حيث وقّع عددٌ من أعضائه على رسالةٍ موجّهة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حذّروه فيها من تعليق إرسال شحنات الأسلحة إلى إسرائيل. وستواصل الولايات المتحدة الضغط على الحكومات العربيّة لثنيها عن اتّخاذ أيّ إجراء صارم ضد إسرائيل.
لكن إذا كانت تصريحات ترامب المناهضة للحرب صادقة، فمن المعقول أن يحدث تغيير، وإن كان طفيفاً، على السياسة. إلّا أنّ السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن تستمرّ الأمور على حالها بما أنّ الولايات المتحدة ستسعى إلى المحافظة على الوضع الراهن.