في 12 سبتمبر الجاري، جدّد مجلس الأمن الدولي بالإجماع قرار حظر الأسلحة المفروض على إقليم دارفور غربي السودان. ويمدّد هذا القرار لعام إضافي الحظر الإقليمي على تزويد الإقليم بالأسلحة والذخائر والمعدّات العسكرية والمواد ذات الصلة. كما يجدّد العقوبات الموجّهة ضد أفراد محدّدين، وتشمل حظر السفر وتجميد الأصول، في مسعى لوقف تدفّق السلاح إلى الأطراف المتحاربة المتورّطة في ارتكاب فظائع في المنطقة.
ويأتي هذا التجديد وسط معاناة إنسانية هائلة مع استمرار الحرب الأهلية المدمّرة في السودان، التي تدخل عامها الثالث. وقد دعا مجلس الأمن الأطراف المتحاربة إلى استئناف المحادثات بهدف التوصّل إلى وقف دائم لإطلاق النار، وهو ما لم يتحقّق. ومع ذلك، يعكس تجديد المجلس بالإجماع قرار حظر الأسلحة المفروض على دارفور وجود توافق بين أعضائه على أنّ وقف تدفّق الأسلحة والدعم الخارجي إلى أطراف الصراع يمثّل عنصراً أساسياً لإنهاء الصراع.
غير أنّ التحدّي الحاسم اليوم يكمن في التنفيذ، ولا سيّما في ضمان إعادة تشكيل فريق الخبراء، الذي أُنشئ بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1591 لعام 2005 ويعاد تعيينه سنوياً، ومنحه الصلاحيات الكاملة لتقديم تقارير دقيقة وموثوقة عن انتهاكات الحظر. إذ تعدّ تقارير الفريق أساسية لترجمة قرار التجديد وتحويله إلى خطوات عملية تحدّ من الفظائع وتعزّز مساءلة مرتكبي الانتهاكات.
أمّا التأخير في الاتفاق على تشكيل فريق الخبراء فلم يُقدّم له تفسير علني، على الرغم من ورود تقارير تفيد بأنّ بعض أعضاء المجلس اعترضوا على شغل بعض المناصب. والواضح هو حجم الضرر الناجم عن هذا التأخير، إذ إنّ غياب الفريق يعني فقدان مصدر معلومات موضوعي بشأن الانتهاكات.
وكانت بعثة تقصي الحقائق المستقلّة بشأن السودان، التي فوّضها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتّحدة، قد أصدرت تقريراً أوائل هذا الشهر وثّقت فيه ارتكاب كلّ من القوّات المسلّحة السودانية وقوّات الدعم السريع جرائم حرب واسعة النطاق، فضلاً عن جرائم ضد الإنسانية ارتكبتها قوّات الدعم السريع التي تفرض حصاراً على مدينة الفاشر في دارفور.
ودعت بعثة تقصّي الحقائق الأطراف المتحاربة إلى وقف العنف العرقي والجنسي، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، والتوقف عن مهاجمة مخيّمات المدنيين وضمان المساءلة. غير أنّ نتائج هذه البعثة لا تتمتّع بذات الثقل السياسي الذي تحظى به تقارير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن.
وفي غياب هذه المساءلة، يواصل المدنيون السودانيون دفع ثمن باهظ. ففي أغسطس الماضي، قالت إخلاص أحمد من منظمة (Darfur Advocacy Group) الشبابية أمام مجلس الأمن إنّ «12 مليون شخص، معظمهم من النساء والفتيات، معرضون لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي في السودان».
وبحسب التقارير، فقد شهدت مفاوضات مجلس الأمن بشأن العقوبات خلافات عما إذا كانت خطورة الوضع الميداني تبرّر طرح مقترحات جديدة، مثل توسيع نطاق العقوبات ليشمل مناطق أخرى من السودان خارج دارفور، حيث تدور معارك أيضاً وتسود حالة من انعدام الأمن.
وقد أشارت روسيا في خلال جلسة مجلس الأمن إلى أنّها صوّتت لصالح التجديد، لكنها «ترفض جملةً وتفصيلاً» مقترحات توسيع العقوبات إلى مناطق أخرى في السودان، ودعت بدلاً من ذلك إلى «تعاون بنّاء» مع حكومة السودان.
إنهاء التدخّلات الخارجية
تُظهر المواقف المتباينة بين أعضاء مجلس الأمن أنّ القرار الأخير بشأن عقوبات السودان كان في جوهره مجرّد تجديد فني للإجراءات القائمة. ومع ذلك، فإنّ تجديد المجلس بالإجماع، على الرغم من غياب التوافق على تدابير محدّثة لمواكبة تطوّرات الصراع، يعكس وجود قدراً من التوافق المشترك بين أعضائه في نيويورك.
تتضمّن بيانات المجلس الصحفية، وآخرها في 13 أغسطس، تأكيد أنّ الصراع في السودان يجب أن ينتهي عبر الحوار والانتقال نحو حكومة منتخبة ديمقراطياً، مع التشديد على رفض التدخّلات الخارجية في السودان.
وينسجم ذلك مع دعوات أوسع صدرت من خارج مجلس الأمن. ففي اليوم نفسه الذي جُددت فيه العقوبات، أصدرت مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة والولايات المتّحدة بياناً مشتركاً دعا إلى هدنة إنسانية وأكّد أنّ «إنهاء الدعم العسكري الخارجي شرط أساسي لإنهاء الصراع». وبالمثل، طالب مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي بوقف الدعم العسكري والمالي الخارجي للأطراف المتحاربة.
كما شدّد بيان مشترك صادر عن الأعضاء الأفارقة الثلاثة زائد واحد في مجلس الأمن، أيّ الجزائر وغيانا وسيراليون والصومال، على أنّ الصراع «يُغذّى أساساً من خلال الدعم العسكري المقدّم من أطراف خارجية»، ودعا إلى محاسبة المسؤولين عن المجازر العرقية والعنف الجنسي المرتبط بالصراعات، وهي انتهاكات سهّل ارتكابها خرق الحظر المفروض على الأسلحة.
وينبغي الآن تحويل الجهود نحو تعزيز تنفيذ العقوبات المقرّرة. فإلى جانب حظر الأسلحة المفروض على دارفور، يشمل نظام العقوبات بموجب القرار 1591 حظر السفر وتجميد الأصول بحق أفراد «يشكلون تهديداً لاستقرار دارفور والمنطقة بأسرها». وفي نوفمبر 2024، استخدم المجلس هذه الأدوات عبر فرض عقوبات جديدة على قياديين في قوّات الدعم السريع، هما عبد الرحمن جمعة بارك الله وعثمان محمد حامد محمد.
ودعت المملكة المتّحدة إلى توسيع نطاق استخدام هذه العقوبات ليشمل ذلك استهداف مرتكبي العنف الجنسي المرتبط بالصراعات. ويُعد المضي قدماً في إدراج أسماء إضافية خطوةً مهمةً لتعزيز المساءلة.
لكن لتحقيق ذلك، من الضروري تمكين فريق خبراء معنيّ بالسودان من إعداد تقارير موثوقة عن انتهاكات حظر الأسلحة لتوجيه خطوات المجلس المقبلة. فالتأخّر في تشكيل الفريق يترك أثراً بالغاً، ويؤدّي إلى نقص في المعلومات عن انتهاكات حظر الأسلحة وغياب الرصد الفعّال لها.
وكما قالت الخبيرة في المجتمع المدني شاينا لويس أمام مجلس الأمن في يونيو: «القرارات ليست سوى أوراق بلا قيمة من دون الإرادة السياسية لتنفيذها». ويُعدّ تجديد مجلس الأمن لنظام العقوبات خطوةً إيجابيةً. لكن الأهم الآن هو تنفيذها بصرامة وفعاليّة.