الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع يستقبل السفير الصيني في دمشق شي هونغ وي - 21 شباط 2025 (رئاسة الجمهورية السورية)

تقييم موقف الصين المتغيّر تجاه سوريا

بينما تحافظ على علاقات دبلوماسية مع دمشق، تُبقي بكين الحكومة الجديدة على مسافة، مشترطة تعميق العلاقات ودعم تخفيف العقوبات الأممية بإخراج المقاتلين الأجانب من سوريا.

14 أغسطس، 2025
جيسي ماركس

يواجه المسؤولون الصينيون تحدّياً كبيراً في إدارة العلاقات مع الحكومة السورية المؤقّتة الجديدة عقب انهيار نظام بشّار الأسد في ديسمبر 2024. وعلى الرغم من رغبة الطرفين في إيجاد طرق لإعادة التواصل، لا تزال الفجوة بين توقعاتهما واسعة جداً. تطالب بكين في إزالة التهديد الإرهابي الأجنبي من سوريا، لكن من غير المرجّح أنّ تستجيب السلطات السورية لذلك، على الأقل في المدى القريب، بسبب مخاوف تتعلّق باستقرار النظام. بالنسبة إلى دمشق، قد يؤدّي التخلّص من هؤلاء الفاعلين إلى تفكّك الائتلاف الحاكم الهشّ بالأساس، بينما ترى بكين أنّ استمرار وجودهم يشكّل تجاوز لخط أحمر.

 

في 29 يوليو، التقى السفير الصيني شي هونغوي بوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في دمشق، في وقت كانت تتصاعد فيه الأعمال العدائية في محافظة السويداء بين مجموعات مسلّحة سنية وقوّات من المجتمع الدرزي، ما أسفر عن مقتل العشرات. وجدّد شي تأكيد احترام بكين لسيادة سوريا، وأدان الهجمات الإسرائيلية والتدخّلات على الأراضي السورية، وهي مواقف لاقت ترحيباً من دمشق. غير أنّ القراءة بين السطور تكشف عن تردّد الصين الواضح. إذ اكتفت بكين بفعل الحدّ الأدنى الممكن، وفي الوقت نفسه، الحدّ الأقصى الذي هي مستعدّة للمضي فيه.

 

قبل ذلك بيوم، وفي نيويورك، خاطب سفير الصين لدى الأمم المتّحدة فو كونغ مجلس الأمن بشأن الاضطرابات في سوريا، لكنّه اتّخذ نبرة أكثر دقة ونقداً. فبينما أكّد دعمه لمسار الانتقال السياسي في سوريا، أعرب عن قلق بالغ إزاء العنف في السويداء، ودعا السلطات السورية إلى التحقيق في سقوط ضحايا مدنيين. وذهب أبعد من ذلك، مشيراً إلى تزايد قلق الصين من دمج المقاتلين الأجانب السوريين في صفوف الجيش السوري، فيما الكثير منهم خاضعون لعقوبات الأمم المتّحدة بتهم الإرهاب. وربط على وجه التحديد بين المقاتلين الذين شاركوا في مجازر اللاذقية مطلع العام الجاري، وبين الاشتباكات الأخيرة في السويداء، محذّراً من أنّ التساهل مع وجودهم يرقى إلى «تربية نمر قد ينقلب على صاحبه». واللافت هو إشارة السفير فو إلى «السلطات السورية المؤقتة»، لا الحكومة السورية، ما ينمّ عن إشارة لغوية مقصودة تعبّر عن مسافة بلاغية واعية.

 

يُشكّل هاذان اللقاءان، شي في دمشق وفو في الأمم المتّحدة، تطوّرات مهمة. إذ تواصل الصين اتصالاتها الدبلوماسية وتسعى إلى حدّ أدنى من أشكال التعاون. غير أنّ استعدادها لتطوير العلاقات يظلّ مقيّداً بقضيتين رئيستين هما، قلق بكين من وجود المقاتلين الأجانب داخل سوريا وقدرتهم على تعزيز نفوذهم، ولا سيما الأويغور الصينيين، وخشية تحوّل سوريا إلى منصّة تنطلق منها هذه القوى لتصبح تهديداً أكبر داخل حدود الصين.

 

 

ماذا تريد بكين من سوريا

كانت الصين واضحة في تحديد توقعاتها من السلطات السورية الجديدة: تنفيذ انتقال سياسي شامل وفق مبادئ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015، وإخراج المجموعات الجهادية من سوريا. وعلى نحو أكثر تحديداً، تطالب بكين بالتخلّص من العناصر المسلّحة التابعة للحزب الإسلامي التركستاني، ذي الغالبية الأويغورية، التي تنشط في سوريا وتتحالف مع السلطات السورية الحالية.

 

على الرغم من دعم بكين الثابت لنظام الأسد وخيبة أملها اللاحقة من انهياره، قرّر المسؤولون الصينيون الحفاظ على علاقات دبلوماسية مع السلطات السورية الجديدة. وتأمل بكين في إبقاء قناة مفتوحة تتيح لها البحث عن سبل محتملة للتعاون في ما يخصّ أهدافها الأساسية، مع الاحتفاظ بحقها في التعبير عن استيائها عند الضرورة من السياسات التي تتعارض مع هذه الأهداف. وبالنسبة إلى القيادة الصينية، فإنّ أيّ أمل في تحقيق الهدف الأول، أيّ الانتقال السياسي الشامل، تقوّضه بقايا تهديد الجهادية العابرة للحدود وما تحمله من آثار مزعزعة للاستقرار.

 

تعزّز هذا الموقف لدى المسؤولين الصينيين في ثلاث مناسبات على الأقل. تمثّلت الأولى في قرار السلطات السورية بدمج المقاتلين الأجانب في وزارة الدفاع السورية بموافقة من إدارة ترامب بحسب ما أفيد، وترقية مقاتل أويغوري إلى منصب قيادي. أمّا المناسبة الثانية، فكانت مشاركة المجموعات الجهادية السنية في مجازر ضدّ المدنيين في معاقل العلويين في اللاذقية وطرطوس. والمناسبة الثالثة هي الاشتباكات المستمرّة والتقارير عن سقوط ضحايا مدنيين بين الدروز والقبائل المسلّحة في مدينة السويداء.

 

بالنسبة إلى بكين، يُعدّ وجود المقاتلين الأجانب في سوريا، ولا سيّما الأويغور المنضوين تحت لواء الحزب الإسلامي التركستاني، تحدّياً مباشراً لسرديتها المتعلّقة بالأمن الداخلي. ولطالما حذّر المسؤولون الصينيون من المخاطر التي يشكّلها المقاتلون، وخصوصاً عناصر الحزب الإسلامي التركستاني، الذين يتلقون تدريبات قتالية في مناطق صراع مثل سوريا. أمّا استعداد دمشق لاستيعاب هذه المقاتلين أو حتى ترقيتهم ضمن بنيتها الأمنية بعد الحرب، فتراه بكين استفزازاً يُقوّض الثقة اللازمة لإقامة شراكة إستراتيجية.

 

تجلى هذا الموقف في الاجتماع الأخير لمجلس الأمن، حين استشهد السفير فو بتقرير لجنة العقوبات الذي يشير إلى أنّ استمرار وجود المقاتلين الجهاديين ودمجهم في القوات المسلّحة يشكل تهديداً لاستقرار سوريا. وعلى الرغم من أنّ جميع الدول الأعضاء في اللجنة لم تشارك هذا التقييم، سيبقى دور الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا بعد الأسد نقطة توتر دائمة مع الصين. وإذا أرادت القيادة السورية الجديدة رفع العقوبات الأممية، فهي تدرك تماماً ما هو مطلوب منها لنيل موافقة بكين.

 

 

ما تحتاجه سوريا من الصين

يُشكّل موقف الصين عائقاً أمام سوريا. فمن ناحية، يمكن لدمشق الاستفادة من الدعم الاقتصادي الصيني لبدء إعادة الإعمار، لكن التحدّي الأكبر يكمن في ضمان دعم الصين، أو على الأقل امتناعها عن التصويت، لرفع العقوبات الأممية. وتعتمد هذه المسألة على تصويت في مجلس الأمن، حيث تمتلك الصين أحد المفاتيح بصفتها عضواً دائماً. وقد منحت روسيا بالفعل دعمها الضمني، ودعت الرئيس السوري أحمد الشرع لحضور قمة روسيا وجامعة الدول العربية المقبلة في أكتوبر. أمّا الصين، فقد ظلّت متحفظة، إذ أنّ دعمها مشروط ومرتبط بخطوات محدّدة تتعلّق بمكافحة الإرهاب والحفاظ على الاستقرار الداخلي.

 

ومع ذلك، تبدو دمشق متردّدة في الاستجابة الكاملة لمطالب بكين بسبب مخاوف تتعلّق باستقرار النظام. فالمقاتلون الذين تريد بكين إزاحتهم هم نفسهم الذين ساعدوا «هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع على الإطاحة بقوّات الأسد في ديسمبر. ويمشي الشرع على حبل مشدود، محاولاً الموزانة بين الضغوط الداخلية والخارجية لإصلاح العناصر المتطرفة داخل القاعدة العسكرية للنظام أو إقصائها، ومدركاً أنّ الإقدام على هذه الخطوة تُهدّد بتفكيك ركائز السلطة الحالية. ويزداد هذا التوازن هشاشة في ظلّ التوتّرات الطائفية التي تعصف بالبلاد الآن. كما أنّ انتقادات الصين للعنف في مناطق مثل السويداء واللاذقية، وربطها بسياسة الدولة في استيعاب المجموعات الجهادية، تعزّز احتمال لجوء بكين إلى استخدام حق الفيتو ضد أيّ مشروع قرار في مجلس الأمن يهدف إلى رفع العقوبات عن سوريا.

 

حتى الآن، لم يُحرَز تقدّم كبير يُذكر في التوصّل إلى تفاهم. وفي هذه الأثناء، يسعى المسؤولون السوريون إلى تعزيز علاقاتهم مع أطراف أخرى تُعدّ من الشركاء المقرّبين للصين، وقد يكون بوسعها التأثير في موقف بكين لاحقاً. وعلى الرغم من التركة الثقيلة من الخلافات التاريخية مع روسيا، فقد رحّبت القيادة السورية الجديدة بحذر بمبادرات موسكو لإعادة الانخراط، وسرّعت وتيرة توسيع علاقاتها مع الدول الخليجية. وإذا أبدت روسيا أو دول مجلس التعاون الخليجي استعداداً لدعم مساعي رفع العقوبات الأممية عن سوريا، فمن المحتمل أنّ يبذلوا جهداً لإقناع الصين بالانضمام إلى هذا التوجّه. إذ لا ترغب بكين في أن تُصوّر على أنّها تعرقل التوافق داخل المجتمع الدولي.

 

وفي ظلّ غياب أيّ تقدّم مع بكين، تمكّنت السلطات السورية في وقت سابق من هذا العام من إحداث تحوّل جذري في سياسة الولايات المتّحدة. فقد رفعت إدارة ترامب العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا أو علّقتها، وعدّلت تصنيفاتها الإرهاب لإزالة كبار القادة السوريين من القائمة، ودعت مجلس الأمن إلى إعادة تقييم العقوبات الأممية المفروضة على سوريا. وكانت هذه الخطوات بمثابة تجاوز لأكبر العقبات الأوّلية. وإلى جانب ذلك، حصلت دمشق على سلسلة من الالتزامات في مجالات التجارة والاستثمار وإعادة الإعمار من الدول الخليجية وتركيا والأردن، وحدث كلّ ذلك من دون أيّ تعهّدات صينية بالمشاركة في إعادة الإعمار أو إبرام صفقات جديدة مع سوريا.

 

 

الحفاظ على «ممرّ المترين»

سيكون من الصعب إيجاد مسار يمكّن سوريا والصين من تعزيز علاقاتهما. ويبدو أنّ الصين تتبع ما وصفه وزير الخارجية وانغ يي بـ«ممر المترين»، أيّ الحفاظ على مسافة احترام متبادل مع صون مصالحها الذاتية. ويتجلّى هذا النهج في نمط انخراط الصين الحالي: استمرار التواصل الدبلوماسي مع الحدّ من التعاون الفعلي. وهذا يعني غياب مشاريع جديدة ضمن مبادرة الحزام والطريق وعدم تقديم حزم مساعدات وعدم الدفع لتسريع رفع العقوبات. وبهذا تبقى بكين قريبة بما يكفي للتأثير في النتائج عند الحاجة، ولكن على مسافة تقيها التورّط المباشر أو المجازفة بسمعتها.

 

من الصعب توقّع تحسّن الوضع في المستقبل القريب، فيما يظلّ احتمال تدهوره قائماً بل وراجحاً. وإذا ضغطت الولايات المتّحدة على مجلس الأمن لرفع العقوبات عن سوريا، ستجد الصين نفسها أمام خيارين أحلاهما مرّ: إمّا للامتناع عن التصويت أو استخدام الفيتو. أمّا الخيار الأخير، فسيشكّل ضربة جديدة للعلاقات الصينية السورية ويعمّق الفجوة بين الطرفين.

 

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية:
البلد: سوريا

المؤلف

المدير المساعد لشؤون الشرق الأوسط والصين في إيدلمان العالمية الاستشارية.
خبير في الشؤون الخارجية والسياسات، ودراسات السلام والصراع، والاستجابة الإنسانية، والعلاقات بين الصين والشرق الأوسط. يشغل حاليًا منصب المدير المساعد لشؤون الشرق الأوسط والصين في إيدلمان العالمية الاستشارية.