أحد زوار يتفحّص الأنظمة الجوية بدون طيار من طراز " Hunter 2-S" من مجموعة EDGE للتكنولوجيا المتقدمة للدفاع المعروضة في معرض UMEX الذي يعرض الطائرات بدون طيار والروبوتات والأنظمة غير المأهولة في مركز أبو ظبي الوطني للمعارض 22 فبراير 2022. (تصوير وكالة الصحافة الفرنسية)

البرازيل والإمارات العربيّة المتّحدة توسّعان الروابط أبعد من البريكس

العضوان في مجموعة البريكس يعزّزان تعاونهما الدفاعي بعيداً عن الشركاء الأمنيين التقليديين.

23 أكتوبر، 2024
تانر مانلي، فرانشيسكو شيافي

تُعَدّ قمّة مجموعة البريكس+ التي انعقدت في روسيا يومي 22 و23 أكتوبر الأولى التي تُشارك فيها الإمارات العربيّة المتّحدة بصفتها عضواً كاملاً. في الواقع، زادت الدولة الخليجيّة، منذ انضمامها إلى التكتّل في مطلع العام الجاري، من تعاونها مع سائر أعضاء المجموعة، لا سيّما البرازيل. وتبرز البرازيل، التي تمثّل أكبر شريك تجاري للإمارات في أمريكا الجنوبيّة، كشريكٍ أمني جديد وكسوق محتملة لصادرات الأسلحة من الصناعة الدفاعية الإماراتية الناشئة. ويعكس هذا الانخراط المتزايد تحوّلاً في أولويّاتهما نحو تعزيز التعاون بين دول الجنوب والحدّ من الاعتماد على الشركاء التقليديين على غرار الولايات المتّحدة.

 

 

وتشرف على العلاقة الدفاعيّة بين الإمارات العربيّة المتّحدة والبرازيل من الجانب الإماراتي مجموعةُ الشركات “إيدج” (EDGE) – التي تضمّ أكثر من 35 كياناً والتي تُعدّ لاعباً أساسيّاً في مجال التكنولوجيا المتقدّمة والصناعات الدفاعيّة لأغراض مدنيّة وعسكريّة. ومن المقرّر أن تفتتح “المجموعة أول مكتب دولي لها في برازيليا كمقرّها الرئيسي في أمريكا اللاتينيّة وقد سعت بنشاط إلى امتلاك أغلبيّة الأسهم في الشركات الدفاعيّة البرازيليّة منذ العام 2023.

 

 

تماماً كما قاد شركة الخدمات اللوجستيّة الإماراتية العملاقة “DP World” والشركات التابعة لها الإنجازات التي حقّقتها الإمارات العربيّة المتّحدة في مجال الموانئ والبنى التحتيّة للمواصلات في أمريكا اللاتينيّة، توسّع مجموعةُ الشركات “إيدج” نطاق تأثير الإمارات في القطاع الأمني، إذ تراهن على أنّ المنطقة تشكّل استثماراً أكثر أماناً من بعض الأسواق الناشئة الأخرى – بمنأى عن الصراعات العالميّة إلى حد ما، بما في ذلك الحرب المتصاعدة في أوكرانيا والحربين على غزة ولبنان.

 

 

وفيما تواصل أبو ظبي الاستفادة من علاقتها مع واشنطن، التي رفعت مؤخّراً تصنيف الإمارات العربية المتحدة إلى شريكٍ دفاعي رئيسي، يُعتبر توثيق الروابط مع برازيليا أقلّ خطراً أيضاً من التقرّب من أعضاء آخرين في البريكس ويقدّم تنوّعاً في العلاقات الأمنيّة الخليجيّة. ومع ذلك، تظلّ الولايات المتّحدة جزءاً أساسياً من إستراتيجيات الدول الخليجيّة الأمنيّة، ما تستغلّه واشنطن في محاولتها لاحتواء روسيا والتفوّق على الصين. ورغم التحوّط الاقتصادي والسياسي المستمر مع الدولتين الشرقيتين ورغم الاستياء مما يُعتبر دعماً أمريكياً غير مناسب، لا يزال الضغط التي تمارسه واشنطن يؤثّر في حسابات الإمارات العربيّة المتّحدة.

 

 

من هذا المنطلق، تفتح أمريكا اللاتينيّة آفاقاً واعدة أمام مجموعة “إيدج” لتصدير التكنولوجيا المتقدّمة والحلول الدفاعيّة والإستفادة من الأسواق الناشئة التي تسعى إلى تحديث قواتها العسكريّة من دون الانخراط بشكلٍ مباشر في الصراعات. وتجدر الإشارة إلى أنّ المجموعة سعت إلى إقامة شراكات مع شركات برازيليّة للتعاون في مجال نقل التكنولوجيا وإنتاج المعدّات العسكريّة المتطوّرة والبحوث والتطوير. وقد وقّعت في أغسطس 2024 على اتّفاق إستراتيجي مع سلاح الجو البرازيلي بغية تطوير الدفاع عن الأنظمة غير المأهولة والأنظمة الذاتية التحكّم بشكلٍ مشترك. وعلى مدى العام الماضي، اشترت “إيدج” أيضاً حصصاً كبيرة في شركتين برازيليّـتين: “كوندور للتكنولوجيّات غير الفتّاكة” (Condor Non-Lethal Technologies) و”سيات”( Sistemas Integrados de Alto Teor Tecnológico).

 

 

يُعزّز الاستحواذ على شركة “كوندور” قدرات مجموعة “إيدج” في مجال الخدمات والتكنولوجيّات غير الفتّاكة- وهو قطاع دفاعي فرعي متخصّص للغاية يشهد توسّعاً سريعاً. تُعدّ “كوندور” الشركة الرائدة عالمياً في تصنيع الغاز المسيّل للدموع، وتنتج أيضاً الرصاص المطّاطي وأجهزة الصعق الكهربائي، بالإضافة إلى كاميرات الجسم المجهّزة بتقنية التعرّف على الوجه.

 

 

في المقابل، تهدف الشراكة بين مجموعة “إيدج” وشركة “سيات” إلى تطوير أسلحة ذكيّة وأنظمة عالية التقنيّة. وفي إطار هذا الجهد، وقّعت المجموعة في سبتمبر 2024 على اتفاقية مع البحريّة البرازيليّة للمساهمة في تطوير الصاروخ الوطني المضاد للسفن أرض-أرض (MANSUP) المقرّر اكتماله بنهاية العام 2025. بالإضافة إلى ذلك، حصلت شركة “سيات” في أكتوبر على التراخيص من الجيش البرازيلي اللازمة لتطوير الصاروخ الموجّه المضاد للدبّابات من طراز “MAX 1.2 AC” بواسطة استثمارات إماراتيّة.

 

 

دوافع هذا التحوّل

 

 

لعلّ التعاون الدفاعي المتنامي بين البلدين نتيجة طبيعيّة لعلاقتهما الاقتصادية العميقة. تُعتبر البرازيل الشريك الاقتصادي الأهم للإمارات العربيّة المتّحدة في أمريكا اللاتينيّة، بينما تستثمر شركة “DP World” بكثافة في الموانئ في مختلف أرجاء القارة، بما في ذلك في مشروع حديث بقيمة 500 مليون دولار لتوسيع ميناء سانتوس البرازيلي.

 

 

تشكّل الاستثمارات المتنامية في قطاع الدفاع إشارةً مبكرة إلى أنّ الإمارات العربيّة المتّحدة قد تعتمد الإستراتيجيّة نفسها في أمريكا الجنوبية التي استخدمتها في القرن الأفريقي وفي أماكن أخرى، بحيث تستفيد من الانخراط الاقتصادي والأمني لتحقيق نفوذ أكبر. علاوة على ذلك، يندرج قرار الإمارات بالانضمام إلى البريكس في إطار إستراتيجيّة أوسع في مجال السياسة الخارجيّة التي تغيّرت في السنوات الأخيرة فأصبحت أكثر مرونة وانفتاحاً على مجموعةٍ أوسع من الشراكات.

 

 

وعزّزت الإمارات العربيّة المتّحدة قطاعها الدفاعي المحلّي، ما قلّل من اعتمادها على واردات الأسلحة. وفي الوقت الذي تحافظ فيه على روابط متينة مع واشنطن، اتّخذت الدولة الخليجيّة قرارات براغماتيّة تهدف إلى تقليل المخاطر وتنويع اقتصادها وأمنها. وتُشير بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام على مدى العقد الفائت إلى أنّ الإمارات العربية المتحدة خفّفت من اعتمادها على واردات الأسلحة بنحو 40 في المئة، بما في ذلك انخفاض كبير في الواردات من الولايات المتحدة. في هذه الأثناء، عادت الإمارات إلى الواجهة كثالث أكبر مصدّر للأسلحة في الشرق الأوسط بعد تركيا وإسرائيل. وهذا يُشير إلى أنّها تسعى في الأمد الطويل إلى تنويع اعتمادها على الأسلحة الغربيّة وفي الوقت نفسه إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي بشكلٍ عام.

 

 

بدا وكأنّ النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط شهد تراجعاً في السنوات الأخيرة. ورغم أنّ واشنطن تُخصّص المزيد من الموارد الدبلوماسيّة والعسكريّة للمنطقة في خضم الحرب على غزة وتداعياتها الإقليميّة، إلّا أنّ الإمارات العربيّة المتّحدة تبدو قلقة من الاعتماد المفرط على واشنطن في غياب ضمانات ملحوظة بشأن أمنها. غير أنّ الولايات المتّحدة تبقى شريكاً أمنياً لا غنى عنه، لا سيما بالنسبة إلى الدول الخليجيّة، نظراً لبنيتها التحتيّة العسكريّة التي لا تُضاهى في المنطقة. وبهدف التكيّف مع الموقف العسكري الأمريكي المتغيّر وغير القابل للتنبؤ من الالتزامات الأمنيّة، تعمل الإمارات على تنويع علاقاتها الأمنيّة لتطوير صناعتها الدفاعيّة، وتعزيز منافذها إلى الأسواق الناشئة الكبرى البعيدة جغرافياً عن مناطق الصراع الأكثر احتداماً في العالم.

 

 

إنّ هذه الخطوات، على أهميّتها، لا ترقى إلى إستراتيجيّة استبدال لا رجعة فيها للمظلّة الأمنيّة الأمريكيّة. ستبقى الإمارات العربية المتّحدة، شأنها شأن عددٍ من الدول المجاورة في المنطقة، معتمدةً على بنية واشنطن الأمنيّة في حاجاتها الأمنية الجوهريّة. لكنّ هذه الخطوات مجتمعةً تعكس رغبة متزايدة في إيجاد شركاء دفاعيين بديلين وتعزيز التعاون داخل مجموعة البريكس بغية تحقيق استقلاليّة إستراتيجيّة أكبر في عالمٍ يتّجه نحو تعدّد الأقطاب أكثر فأكثر.

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّفَين حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: العلاقات الإقليمية
البلد: الإمارات العربية المتحدة

المؤلّفون

باحث مساعد
تانر مانلي هو باحث مساعد في برنامج الصراعات والتحولات التابع لمجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية. حصل مانلي على بكالوريوس العلوم من كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورجتاون في قطر. وقد نال تقدير امتياز عن أطروحته عن الحركات الناشطية في الولايات المتحدة في القرن العشرين. تركّز اهتماماته البحثيّة على السياسات العمالية والهجرة والوساطة في الصراعات في منطقة الشرق الأوسط… Continue reading البرازيل والإمارات العربيّة المتّحدة توسّعان الروابط أبعد من البريكس
مستشار مستقل ومحلّل لشؤون الشرق الأوسط
هو خبير في مجال العلاقات الدوليّة وشؤون الشرق الأوسط. يركّز عمله على الأمن والدفاع والحوكمة في المشرق ومنطقة الخليج. هو مساهم مستقل في عددٍ من الشركات الدوليّة، بما فيها موقع “المونيتور” ومؤسّسة كليّة الدفاع التابعة لحلف شمال الأطلسي. كان باحثاً على مدى خمسة أعوام لدى المعهد الإيطالي للدراسات السياسيّة الدوليّة ومنسّقاً لقسم الشرق الأوسط في… Continue reading البرازيل والإمارات العربيّة المتّحدة توسّعان الروابط أبعد من البريكس