سكان مخيّم البريج يشاهدون آخر الأخبار معاً في 14 يناير 2025. (وكالة الصحافة الفرنسية)

هل سيواصل ترامب الضغط على إسرائيل لضمان تطبيق كامل لوقف إطلاق النار؟

بعد 15 شهراً من الحرب في قطاع غزة، توصّلت إسرائيل وحركة حماس إلى اتفاق لوقف إطلاق النار على مراحل. ولكن عودة ترامب إلى البيت الأبيض تطرح تساؤلات حول إمكانية تطبيق الاتفاق بشكل كامل في خلال ولايته الرئاسية الثانية.

16 يناير، 2025
آنا جاكوبس

يبدو أنّ الرئيس الأمريكي المنتخَب دونالد ترامب قد وفى بوعده بالتوصّل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة قبل تنصيبه المقرّر في 20 يناير الجاري. فقد نجحت الإدارة المقبلة حيث أخفقت إدارة بايدن، ما يثبت أنّ الضغط على إسرائيل يؤتي ثماره. وبينما قلّل كثيرون من شأن تصريحات ترامب عن “فتح أبواب الجحيم” في حال عدم تحرير الرهائن، واعتبروها مجرّد تهديدات فارغة، صعّد الرئيس المنتخَب، بمشاركة مبعوثه الحازم إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ما يبيّن أنّ هذا الضغط كان العامل المفقود في السابق. 

 

وفقاً للوسطاء، وافقت حركة حماس وإسرائيل على صفقة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى كانت مطروحة على الطاولة منذ نحو عام بدون أن تتمكّن إدارة بايدن من إيصالها إلى خواتيمها. ومع ذلك، لا يزال الموقف الإسرائيلي غامضاً. فبينما أكّد المفاوضون موافقة إسرائيل وأعلن الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ دعمه الصفقة، أصدر مكتب رئيس الوزراء بياناً يشير إلى أنّ تفاصيل الاتفاق لا تزال قيد النقاش. 

 

في هذه الأثناء، واصلت الحملة العسكرية الإسرائيلية تصعيدها الدموي. وحتى بينما كان الوسطاء يضعون اللمسات الأخيرة على اتفاق وقف إطلاق النار، شنّ الجيش الإسرائيلي غارات جوية مكثّفة أسفرت عن مقتل 62 شخصاً في الساعات الأربع والعشرين التي سبقت الإعلان، و40 على الأقل بعد الإعلان. وكانت الهجمات الإسرائيلية على غزة على مدى الأشهر الخمسة عشر الماضية قد أودت بحياة ما لا يقلّ عن 46000 شخص، معظمهم من النساء والأطفال، فيما لا يزال آلاف آخرون في عداد المفقودين، يُرجَّح أن يكونوا قد لقوا حتفهم. وقد اتّهمت كبرى منظمات حقوق الإنسان إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية بعد شهور من القتل الممنهج للمدنيين وتدمير البنى التحتية الصحية ومنع دخول المساعدات الإنسانية، ما تسبّب في مجاعة جماعية. 

 

رغم أنّ وقف إطلاق النار لن يدخل حيّز التنفيذ حتى 19 يناير، وسط مؤشّرات إلى أنّ نتنياهو قد يحاول إفساد الاتفاق في اللحظات الأخيرة، فإنّ الوصول إلى هذه المرحلة من المفاوضات خطوة إيجابية بالغة للفلسطينيين والإسرائيليين على حدّ سواء. فقد بذلت قطر والولايات المتحدة ومصر جهوداً حثيثة لإنهاء الحرب، ولكن القلق الحالي يكمن في قدرة الوسطاء على الاستمرار في الضغط على الطرفين لتنفيذ المراحل الثلاثة من الاتفاق، الذي من شأنه أن يؤدّي إلى وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من غزة وإعادة مئات الرهائن الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين، بالإضافة إلى إطلاق جهود إعادة الإعمار. 

 

لماذا الآن؟ 

 

واجهت عملية الوساطة التي استمرّت خمسة عشر شهراً كثيراً من الصعاب، وقد سخّر في خلالها الوسطاء علاقاتهم من أجل الضغط على الفريقين للتوصّل إلى اتفاق، من دون تحقيق أي نجاح يذكر قبل الآن. على الرغم من أنّ هذه الجهود كانت قد أثمرت عن هدنة مؤقّتة في نوفمبر 2023، أُفرج في خلالها عن مئات الأسرى الإسرائيليين والفلسطينيين، ظلّت تلك الصفقة محدودة، ولم يتم التوصّل إلى أيّ اتفاق شامل منذ ذلك الحين. في غضون ذلك، كادت قطر أن تنسحب نهائياً من جهود الوساطة، حتى وردت تقارير تفيد أنّها في صدد دراسة طرد حركة حماس من الدوحة، بعد أن تعرّضت طوال شهور لانتقادات وضغوطات من صنّاع السياسات في واشنطن وإسرائيل. بالتالي، كان توقيع اتفاق وقف إطلاق النار انتصاراً كبيراً للدوحة على وجه الخصوص، التي أثبتت أهمية قنواتها الخلفية مع حماس في إبرام الصفقة. 

 

يمثّل قرار إسرائيل بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار تحوّلاً كبيراً في سياسة حكومة نتنياهو. فالاتفاق يعتمد على الإطار نفسه الذي كان مطروحاً منذ مايو، ووافقت عليه حماس سابقاً، بينما رفضه الجانب الإسرائيلي مرّات متعدّدة. إذ كان يصرّ نتنياهو في السابق على استمرار الحرب والحفاظ على وجود عسكري دائم في غزة بدعوى الضرورات الأمنية، زاعماً أنّ حماس لم تُهزم بالكامل وما زالت تشكّل تهديداً. ولم يُخفِ بعض الوزراء الإسرائيليين، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير اليمينيين المتطرّفين، طموحهم في إعادة المستوطنات اليهودية إلى غزة. إذاً كيف يمكن شرح هذا التحوّل في الموقف الإسرائيلي؟ 

 

يبدو أنّ ضغوط ترامب قد أثمرت. ورغم عدم اتّضاح طبيعة النفوذ الذي استخدمه لإقناع نتنياهو، الواضح أنّه تجاوز ما كانت إدارة بايدن مستعدّة للقيام به، ويبدو أنّ ذلك كان كافياً لدفع رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الموافقة. مع ذلك، يتعلّق القلق الرئيسي بمدى عزم نتنياهو للالتزام بالاتفاق، أو أنّه وافق عليه لمجرّد استرضاء ترامب ومن أجل إعادة بعض الرهائن وتخفيف الضغوط الدولية ريثما يجد وسيلة لاستئناف العمليات العسكرية وتجنّب الانسحاب. لم تكن علاقة ترامب ونتنياهو متناغمة دائماً، وثمّة احتمال أن تتوتّر على خلفية تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في المستقبل. فرغم دعم نتنياهو خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط في العام 2020، عاد وأثار استياء الرئيس الأمريكي بإعلانه خططاً لضمّ أجزاء من الضفة الغربية بعد فترة وجيزة، وهو ما اعتبره ترامبتجاوزاً للحدود“. وكان ترامب قد صرّح للصحفي باراك رافيد الذي قابله في إطار إعداد كتابه عن “اتفاقات أبراهام”، بأنّ نتنياهو “لم يرغب يوماً في السلام” مع الفلسطينيين. 

 

الاحتمال الآخر هو أن يكون ترامب قد عرض صفقة مقايضة لإقناع نتنياهو ووزرائه اليمينيين المتطرّفين بقبول وقف إطلاق النار، حيث تتضمّن هذه الصفقة موافقة إسرائيل على الانسحاب من غزة مقابل حصولها على دعم ترامب الرسمي لضمّ المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية ورفع العقوبات الأمريكية عن بعض المجموعات الاستيطانية. ورغم أنّ الوزراء اليمينيين المتطّرفين أعربوا عن رفضهم لاتفاق وقف إطلاق النار وهدّدوا بالانسحاب من الحكومة، فمن المحتمل أن يكون هذا الموقف مجرّد دور يؤدونه في إطار خطة سياسية مدروسة. 

 

كان للوضع السياسي الداخلي في إسرائيل تأثيره المهمّ أيضاً على الأرجح. فقد تصاعدت الضغوط الداخلية لإعادة الرهائن، وزادت الخلافات داخل المؤسّسة العسكرية الإسرائيلية في الأشهر الأخيرة التي تعثّرت في خلالها مفاوضات وقف إطلاق النار. كما أدّت الضغوط الدولية المتصاعدة على إسرائيل دوراً مهمّاً، وإن كان محدوداً. فقد عطّلت حرب غزة طموحات نتنياهو لتطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، حيث وصف ولي العهد السعودي ما تقوم به إسرائيل في غزة بالإبادة الجماعية، وطالب بتعليق عضوية إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالإضافة إلى سلسلة من الإجراءات الأخرى. وقد أدانت الأمم المتحدة بدورها الحرب الإسرائيلية في غزة، لا سيّما القتل الممنهج للمدنيين ورفض دخول المنظّمات الإنسانية الضرورية إلى القطاع. ومن المحتمل أن تكون هذه الإدانات المستمرّة طوال خمسة عشر شهراً بدأت تُلقي بظلالها على المؤسّسة السياسية الإسرائيلية. 

 

لم تكن موافقة حماس على الصفقة في هذه المرحلة مفاجئة، إذ كانت قد أعلنت قبولها لصفقة مشابهة في العام الماضي. ولكن الديناميات الإقليمية ربما دفعت فريق المفاوضين للسعي أكثر للتوصّل إلى اتفاق وتقديم تنازلات حيث يمكن. فقد أثارت الضغوط الأمريكية على قطر لقطع علاقاتها بحماس، بما في ذلك إغلاق مكتب الحركة في الدوحة وطرد أعضائها، قلقاً داخل الفريق المفاوض، على الرغم من أنّ ذلك لم يحدث في نهاية المطاف. بدأت حماس في تقديم تنازلات بشأن النقاط الرئيسة التي كانت محلّ خلاف في العام الماضي، مثل إصرارها على وقف إطلاق نار دائم وفوري من أجل الإفراج عن أي رهائن، بدلاً من اتفاق مؤقّت ومرحليّ لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن. ومن المحتمل أن تكون حماس قد قدّمت تنازلات أخرى في ما يتعلّق بالتوقيت وقوائم الأسرى خلال الأشهر الماضية، ولكن الإطار المرحليّ نفسه والانسحاب كانا على الطاولة منذ مايو. 

 

وعلى الرغم من أنّ غياب الإرادة السياسية في التوصّل إلى حلّ في تل ابيب كان العائق الرئيس طوال هذه الفترة، فإنّ رغبة حماس في الحلّ ازدادت في الأسابيع الماضية، بعد الضربات التي تلقّاها شركاؤها الإقليميون. إذ من الواضح أنّ إيران وما يُسمى بـ “محور المقاومة”، الذي دعم حماس عسكرياً وسياسياً، تعرّض لانتكاسة كبيرة بعد قضاء إسرائيل على قيادة حزب الله وبنيته التحتية العسكرية، ثمّ انهيار نظام بشار الأسد في سوريا، وتدمير إسرائيل للبنية التحتية العسكرية في إيران. 

 

الخطوات التالية 

 

اليوم، العبرة في التطبيق. فضامِنو الصفقة هم نفسهم الوسطاء، أي قطر ومصر والولايات المتحدة، وستستمر هذه الدول الثلاثة في تأدية دور محوري على هذا الصعيد. لكن السؤال الأكثر إلحاحاً في المرحلة المقبلة هو ما إذا كان ترامب مستعدّاً وقادراً على مواصلة الضغط على نتنياهو. إذ كان تركيز ترامب في هذه الصفقة منصبّاً على الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين والأمريكيين ذوي الجنسية المزدوجة، وليس على جوانب أخرى. وهذا يبعث إشارات مقلقة تفيد بأنّ ترامب قد يفقد اهتمامه بالقضية بعد إتمام المرحلة الأولى من الصفقة، خاصةً مع تحوّل انتباهه نحو أجندته الداخلية. من هنا، ستكون قطر ومصر، بالإضافة إلى القوى الإقليمية الكبرى مثل السعودية والإمارات، حاسمة في الحفاظ على انخراط ترامب واهتمامه في هذه المسألة. 

 

نظراً لأهداف حكومة نتنياهو المعلَنة حيال غزة، فمن الصعب تصوّر أن يبلغ الاتفاق مراحله المتقدّمة، أيّ الانسحاب الإسرائيلي الكامل وعودة الفلسطينيين من الجنوب إلى الشمال. ولكن حتى في حال بلوغ المرحلة الثالثة، ستبقى أسئلة أصعب من دون جواب، مثل تمويل إعادة إعمار القطاع، والمصالحة بين حركتَي فتح وحماس وإصلاح السلطة الفلسطينية وترتيبات حكم غزة ومشاركة حماس في “اليوم التالي” ورفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة وإنهاء احتلالها للضفّة الغربية، بالإضافة إلى استئناف عملية سياسية جادّة نحو إقامة دولة فلسطينية. فقد كانت الحكومة الإسرائيلية واضحة في رفضها الانخراط في أيّ عملية سياسية تفضي إلى إنشاء دولة فلسطينية، معتبرة ذلك مكافأة لحماس على هجوم السابع من أكتوبر. زد على ذلك أنّ القتل والدمار الذي شهدته غزة على مدى الأشهر الخمسة عشر الماضية كان كفيلاً بالقضاء على أيّ ثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.  

 

مع ذلك، مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، أوّلها احترام وقف إطلاق النار بمراحله الثلاثة. وليحصل ذلك، فإنّ ضغط ترامب على إسرائيل يبقى العامل الأساسي. 

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّف حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

 

القضية: السياسة الأمريكية الخارجية
البلد: فلسطين، قطر

المؤلف

زميلة غير مقيمة، معهد دول الخليج العربية في واشنطن