الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني مسعود بزشكیان يتصافحان خلال اجتماع في الكرملين بموسكو في 17 يناير 2025.(وكالة الصحافة الفرنسية)

هل تنضمّ روسيا إلى المفاوضات النووية بين الولايات المتّحدة وإيران؟ 

في السنوات الأخيرة، عزّزت روسيا دورها في البرنامج النووي الإيراني، ومن المرجّح أن يتّسع هذا الدور في ظل الظروف الجيوسياسية والإستراتيجية الراهنة لكلا الطرفين. لكن مع انخراط واشنطن في مفاوضات مع موسكو بشأن أوكرانيا، وسعيها لاستئناف المحادثات النووية مع طهران، هل يمكن أن ينشأ حوار ثلاثي بين هذه الأطراف؟ 

17 مارس، 2025
فرانشيسكو شيافي

تتشكّل «رقصة ثلاثية» بين واشنطن وموسكو وطهران بشأن البرنامج النووي الإيراني. في الآونة الأخيرة، وجّه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسالة مباشرة إلى المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، يحثّه على الدخول في مفاوضات، بينما أشار في تصريحات إعلامية منفصلة إلى أنّ البديل سيكون حملة عسكرية لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية. وسرعان ما جاء ردّ خامنئي بالتأكيد على أنّ طهران لن تُجبَر على دبلوماسية تُترجم إلى فرض مزيد من القيود على سياساتها الخارجية والأمنية. ولكن وراء الكواليس، عزّرت موسكو بالفعل دورها في البرنامج النووي الإيراني، وقد تصبح لاعباً أساسياً في المفاوضات مع واشنطن، لا سيّما في ظلّ سعي الطرفين إلى اتفاق منفصل بشأن الحرب في أوكرانيا. ففي أوائل مارس الجاري، كشف الكرملين أنّ البرنامج النووي الإيراني كان من بين المواضيع التي نوقشت في المحادثات الأمريكية الروسية رفيعة المستوى التي عُقِدت في الرياض الشهر الماضي، وأنّ موسكو وافقت، وفق التقارير المتداولة، على مساعدة الإدارة الأمريكية في التواصل مع طهران. 

 

في وقتٍ سابق من هذا العام، وقّعت إيران وروسيا اتفاقية شراكة إستراتيجية شاملة، ما عزّز تعاونهما المُتزايد عبر قطاعات متعدّدة، ومن بينها التكنولوجيا النووية. وعلى الرغم من تأطير الاتفاق رسمياً كمبادرة للطاقة المدنية، فقد أثار مخاوف كبيرة بشأن احتمالية استخدامه لأغراض مزدوجة. وبالنظر إلى طموحات إيران النووية الراسخة والتقارير الاستخباراتية التي تشير إلى تزايد الدعم الروسي، تحمل هذه الصفقة تداعيات عميقة على الأمن الإقليمي. ويبقى السؤال الجوهري: هل يقتصر التعاون الروسي على الأغراض المدنية ليس إلّا، أم أنّه يمنح طهران الوسائل للاقتراب من عتبة القوّة النووية؟ 

 

 

حسابات إيران النووية: الردع أم أمن الطاقة؟ 

عانت عقيدة «الدفاع الأمامي» الإيرانية، التي كانت تعتمد على شبكات الوكلاء والحروب غير المتكافئة، انتكاسات كبيرة في خلال العام الماضي. فقد أسفرت الضربات الإسرائيلية المُمنهجة عن تصفية ضباط بارزين في الحرس الثوري الإيراني وقادة الشبكات الوكيلة، مثل حسن نصرالله أمين عام حزب الله في لبنان، ويحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ما أضعف بشكل كبير قدرة طهران على فرض نفوذها في المنطقة. كما أنّ انهيار نظام الأسد في سوريا في ديسمبر 2024 قطع الطريق اللوجستي الرئيس لإيران إلى لبنان، في حين دمّرت الضربات الجوّية الإسرائيلية منشآت رئيسة لمحرّكات الصواريخ في مدينتي شاهرود وخوجير الإيرانيتين، فضلاً عن منشأة لاختبار مكوّنات الرؤوس النووية. وقد أثارت هذه الانتكاسات نقاشات داخلية في إيران بشأن الجدوى من إعادة بناء قوّاتها التقليدية أو التحوّل نحو الردع النووي. 

 

وفي هذا السياق، أشار محمد السلمير، رئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، إلى ضرورة فهم الطموحات النووية لطهران تبعاً لنقاط ضعفها الإستراتيجية، ما يعني أنّ «سعي إيران نحو الردع النووي هو في آنٍ واحد ورقة مساومة جيوسياسية وتهديد أمني متصاعد. إذ لا تقوم سلطة إصلاحية باستثمارات ضخمة من دون أن تسعى في النهاية لامتلاك قدرات نووية». 

 

وباعتبارها دولة على عتبة القدرة النووية، تمتلك إيران معظم المكوّنات الأساسية لصنع السلاح النووي، على الرغم من أنّ التقييمات الاستخباراتية الأمريكية الأخيرة تشير إلى أنّ طهران لا تقوم راهناً بتطوير سلاح نووي. ومع ذلك، تثير قدرتها على تخصيب اليورانيوم إلى مستويات قريبة من مستوى صنع الأسلحة قلقاً دولياً. ووفق التقرير الفصلي للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي صدر في فبراير الماضي، بلغ مخزون إيران من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60 في المئة نحو275 كيلوغراماًفي 25 أكتوبر الماضي. وبحسب المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، تكفي هذه الكمّية لتطوير أجهزة نووية متعدّدة إذا تمّ تخصيبها إلى 90 في المئة. كما حذّر مسؤولون إيرانيون، ومن ضمنهم وزير الخارجية الأسبق كمال خرازي، من أنّ طهران قد تعيد النظر في عقيدتها النووية ردّاً على تصاعد التهديدات. 

 

وعلى الرغم من أنّ هذا الخطاب يبقى نظرياً، ويصدر عن شخصيّات لا تملك سلطة مباشرة على السياسة النووية، فإنّه يعكس جهود التيّار المتشدّد لاستغلال وضع إيران كدولة على العتبة النووية كأداة للردع. ويمثّل هذا الغموض الإستراتيجية المحسوبة لإيران، وهي الحفاظ على وضع العتبة النووية لزرع الحذر في نفوس الخصوم، مع ترك المجال مفتوحاً للمناورة الدبلوماسية.ومع ذلك، قد تزداد إغراءات تجاوز العتبة النووية مع تآكل قدرة طهران على الردع التقليدي. 

 

وكما أظهرت المناقشات الأخيرة بين الولايات المتّحدة وروسيا، يبدو أنّ واشنطن تدرك أنّ المسار النووي لإيران يتطلّب اهتماماً دبلوماسياً يتجاوز العقوبات الاقتصادية. وعلى الرغم من أنّ موسكو تدّعي دعم «حلول سلمية وسياسية ودبلوماسية» بشأن الطموحات النووية الإيرانية، لا تزال دوافعها الإستراتيجية غير واضحة. ومن جهتها، أبدت طهران اهتماماً باستغلال الموقف المتغيّر لموسكو للحصول على مزيد من التعاون التقني مع الحفاظ على قنواتها الدبلوماسية مفتوحة. 

 

 

لماذا تساعد موسكو إيران؟ 

أدّت روسيا دوراً محورياً في القطاع النووي الإيراني لعقود، حيث قامت ببناء محطّة بوشهر للطاقة النووية ودعمت البنية التحتية النووية المدنية لإيران. ومع ذلك، تشير التطوّرات الأخيرة إلى أنّ دعم موسكو قد يتجاوز المشاريع المدنية البحتة. 

 

ومع تراجع قدرة إيران على الردع الإقليمي، وتزايد القيود العسكرية المفروضة على روسيا في أوكرانيا، عزّزت الدولتان تعاونهما الإستراتيجي. أصبحت طهران مورّداً أساسياً للأسلحة لموسكو، وزوّدتها بمسيّرات «شاهد»وصواريخ باليستية قصيرة المدى لدعم العمليات الروسية في أوكرانيا. وفي المقابل، تشير تقارير استخباراتية أمريكية وبريطانية من سبتمبر 2024، إلى أنّ روسيا وسّعت مساعدتها النووية لإيران، وقدّمت لها خبرات في تصنيع الوقود النووي وغيرها من التكنولوجيا الحسّاسة مقابل العتاد العسكري الإيراني. 

 

وقد أثار هذا التعاون المتزايد مخاوف من أنّ موسكو قد تكون بصدد إعادة النظر في موقفها التقليدي المعارض لامتلاك إيران سلاحاً نووياً. ففي الماضي، عارضت روسيا تطوير إيران لسلاح نووي خشية أن يؤدّي ذلك إلى سباق تسلّح إقليمي. لكن مع تصاعد الخلاف بين موسكو والغرب بسبب أوكرانيا، واعتمادها المتزايد على الدعم العسكري الإيراني، قد تكون حساباتها الإستراتيجية قد تغيّرت. ففي حين لا تدعم روسيا صراحة امتلاك إيران سلاحاً نووياً، إلّا أنّها قد تتسامح مع ذلك أو حتّى تتيحه ضمنياً – بهدف الحفاظ على نفوذها الإستراتيجي ضدّ خصومها الغربيين المشتركين. 

 

يرتبط التعاون النووي بين موسكو وطهران أيضاً بتعاونهما في مجال الصواريخ وتكنولوجيا الفضاء. قدّمت روسيا دعماً لبرنامج إيران في مجال مركبات الإطلاق الفضائي، ما زوّد طهران بتقنيات صاروخية متقدّمة، من ضمنها محرّكات صواريخ سائلة يمكن إعادة توظيفها لتطوير صواريخ باليستية عابرة للقارات. ويثير هذا التداخل بين تطوير تكنولوجيا الفضاء والصواريخ مخاوف من مساهمة روسيا، بشكل غير مباشر، في تعزيز قدرات إيران الصاروخية بعيدة المدى. 

 

على المدى القريب، تركّز إيران على تأمين دعم روسي لإعادة بناء دفاعاتها الجوّية، التي تعرّضت لتدمير كبير جرّاء الضربات الجوّية الإسرائيلية في خلال العام 2024. ومع ذلك، تتجاوز طموحاتها بعيدة المدى مجرّد استعادة قدراتها الدفاعية. وعلى الرغم من أنّ إيران لا تحتاج إلى مساعدة روسيا في تخصيب اليورانيوم، تبقى مساهمة موسكو المحتملة فيتطوير الرؤوس الحربية النووية وعلم المعادن وتصغير الأسلحة، مصدر قلق رئيس للقوى الغربية والإقليمية. وإذا كانت الحسابات الروسية قد تغيّرت فعلاً نحوتمكين إيران نووياً، بشكل غير مباشر، سيمثّلذلك نقطة تحوّل رئيسةفي جهود منع الانتشار النووي على الصعيد العالمي. 

 

 

منظور الدول الخليجية: التداعيات الأمنية على المنطقة 

لطالما نظرت الدول الخليجية إلى الطموحات النووية الإيرانية بقلق، واعتبرتها تهديداً أمنياً وأداة للمساومة الجيوسياسية. ومع اقتراب إيران من وضع «الدولة على العتبة النووية»، من المرجّح أنّ تسرّع الإمارات العربية المتّحدة والمملكة العربية السعودية برامجهما النووية الخاصّة. فقد صرّح ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان،سابقاً بأنّ الرياض ستسعى للحصول على قدرات نووية إذا طوّرت إيران سلاحاً نووياً. أمّا الإمارات، التي تدير برنامجاً نووياً مدنياً منذ العام 2020، فقد تعيد النظر أيضاً فيسياستها الرافضة للتخصيب. 

 

ويزيد التعاون العسكري الأوسع بين روسيا وإيران وتوفير التكنولوجيات المتقدّمة، ومن ضمنهاتوريد المقاتلات الحربية وأنظمة الدفاع الجوّي والبحري، من المخاوف الخليجية بشأن توازن القوى في المنطقة.  

 

والسؤال الأهمّ هو: هل ترى الدول الخليجية في روسيا وسيطاً محتملاً للحدّ من الطموحات النووية الإيرانية، أم أنها شريك متواطئ في تقدّم إيران النووي؟ وفقاً لمحمد السلمي، قد لا يكون الانفتاح الدبلوماسي الخليجي على موسكو كافياً لكبح هذا التحالف. ومع اعتماد روسيا المتزايد على الصادرات العسكرية الإيرانية لدعم حربها في أوكرانيا، وتموضعها حالياً كوسيط دبلوماسي محتمل بين طهران وواشنطن، قد تخشى الدول الخليجية منتراجع الحوافز الروسية للحدّ من التطوّر النووي الإيراني. 

 

وإذا واصلت إيران توسيع برنامجها النووي بدعم روسي،فإنّ الهيكل الأمني الإقليمي سيشهد تحوّلات جذرية. لقد أبدت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة بالفعل اهتماماً بتطوير قدراتهما النووية، وقد يسرّع برنامج إيراني غير مُراقب من انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. كما قد تشعرتركيا ومصر، وهما قوّتان إقليميتان بارزتان، بالضغط لاتخاذ خطوات مماثلة. 

 

ومع تآكل قدرة إيران على الردع التقليدي،من المرجّح أن يزداد اعتمادها على الغموض النووي كأداة إستراتيجية. والسؤال المطروح هو ما إذا كانت روسيا ستواصلالسير على حبل مشدود، أم أنّها ستسرّع مسار إيران النووي. وتشير التطوّرات الدبلوماسية الأخيرة إلى أنّموسكو قد دمجت البرنامج النووي الإيراني ضمن حساباتها الإستراتيجية الأوسع، وربّما تستخدمه كأداة ضغط في مفاوضاتها مع واشنطن. ففي حين تواصل روسيا تعاونها النووي مع طهران، قد تؤثّر المفاوضات المتطوّرة مع الولايات المتّحدة على نهجها على المدى الطويل. 

 

وعلى الرغم من أنّ إيران لم تتّخذ بعد الخطوة الحاسمة نحوامتلاك السلاح النووي، إلّا أنّ تفاعل العوامل الجيوسياسية، مثل انتكاسات إيران الإقليمية وتحوّلات المصالح الروسية وتصاعد المخاوف الخليجية، يشير إلى أنّالملف النووي لا يزال بعيداً عن الحسم. وستكون الأشهر المقبلةحاسمةفي تحديد ما إذا كانت طهران ستظلّ دولة على على عتبة امتلاك السلاح النووي، أم سيدفعها التعاون الروسي إلىحافة التسلّح النووي. وفيكلا الحالتين، ستكون التداعيات الأمنية على المنطقة وجهود منع الانتشار النووي عالمياً عميقة للغاية. 

 

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّف حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: السياسة الأمريكية الخارجية، العلاقات الإقليمية، خطة العمل الشاملة المشتركة، منافسة القوى العظمى
البلد: إيران

المؤلف

مستشار مستقل ومحلّل لشؤون الشرق الأوسط
فرانشيسكو شيافي خبير في مجال العلاقات الدوليّة وشؤون الشرق الأوسط. ويركّز عمله على الأمن والدفاع والحوكمة في المشرق ومنطقة الخليج. وهو زميل غير مقيم في معهد الشرق الأوسط في سويسرا ومساهم في وسائل إعلام دولية متعدّدة ، بما فيها موقع “المونيتور” (Al-Monitor) الإخباري ومؤسّسة كليّة الدفاع التابعة لحلف شمال الأطلسي. وكان باحثاً على مدى خمسة… Continue reading هل تنضمّ روسيا إلى المفاوضات النووية بين الولايات المتّحدة وإيران؟