1. واجهت الكويت مأزقاً سياسياً نتجت عنه أربعة انتخابات في خلال السنوات الأربعة الماضية وأدّى إلى تدهور الخدمات الاجتماعية. في الانتخابات البرلمانية التي جرت في أوائل الشهر الجاري، حافظت المعارضة على غالبية من 29 مقعداً في المجلس المؤلَّف من 50 نائباً، وهذه نتائج شبيهة بنتيجة العام الفائت إلى حدّ بعيد. فما الذي تعنيه بالنسبة إلى المشهد السياسي والإصلاحات المحتملة في الكويت؟
صحيحٌ أنّ ينبوع الأمل لا ينضب، إلّا أنّ الواقع السياسي يفرض نفسه دائماً بأسلوبه الخاص. على غرار الكثير من الدول، واجهت الكويت أزمة سياسية خطيرة في الآونة الأخيرة. في الواقع، يبدو أنّ القوى السياسية المتباينة متوازنة بشكلٍ دقيق، ولم تظهر بعد أي غالبية حاسمة أو توافق اجتماعي على نطاقٍ أوسع حول الطريق الذي يجب سلوكه للمضي قدماً. سيشبه البرلمان المنبثق عن انتخابات الرابع من أبريل إلى حد بعيد البرلمان الذي حُلَّ في فبراير 2024. وسيُعاد انتخاب 11 نائباً من أصل 50، كما أنّ عدداً من “الوجوه الجديدة” كان في مجلس الأمة سابقاً. كما أشرتم، احتفظت المعارضة بغالبية من 29 مقعداً. لقد طرأ بعض التغييرات الطفيفة في التركيبة -إذ نال المسلمون الشيعة مقعداً إضافياً على سبيل المثال. غير أنّ أياً من المسائل أو الانقسامات السياسية الجوهرية لم يُحَل. وكما قال المحلّل السياسي الكويتي البارز بدر السيف، قد تكون مواجهة جديدة في طور الإعداد، حيث أنّ بعض الوجوه الجديدة “صريحة للغاية”.
2. قبل أيام من الانتخابات، حثّ أمير الكويت الجديد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح المواطنين على التصويت في ظل مخاوف من المقاطعة والإقبال الضعيف. هل تحقّقت هذه المخاوف، وكيف انعكس التغيير الأخير في القيادة على الانتخابات؟
بلغت نسبة الإقبال 62 في المئة- محقّقةً ارتفاعاً مقارنة مع نسبة 50 في المئة تقريباً في العامين 2022 و2023، لكنّها لم تختلف كثيراً عن أي من هذه الانتخابات السابقة. إنّما الخبر السار فهو أنّ الخوف من الإرهاق والضيق السياسيين لم يتحقّق، فصوّت الكويتيون بأعداد شبيهة بالأعوام السابقة. وعلى الرغم من أنّ دعوة الأمير الجديد المواطنين إلى التصويت لم ترفع نسبة الإقبال كثيراً، إلّا أنّها قد تكون منعت استمرار التدهور في أعداد المقترعين.
3. شكّل نظام الرعاية الاجتماعية في الكويت والإعفاء المحتمل من الديون الخاصة موضوعي نقاش رئيسيين في البلاد. إلى أي مدى تعبّر النتائج عن المشاعر الشعبوية المتعلّقة بهاتين المسألتين؟ ما موقف النواب الجُدد، وماذا سيكون على جدول أعمالهم في الأشهر المقبلة؟
بالنسبة إلى الإصلاحيين، من المرجّح أن تكون النتائج مخيبة للآمال. على الرغم من تسلّم مقاليد الحكم أميرٍ جديد يشجّع على التغيير البنّاء ومن وجود رئيس وزراء جديد ودينامي، من المرجّح أن يستمرّ الخلل في الوضع الراهن. إنّ الكويت، على ثروتها النفطية، معرّضةٌ لخطر الانزلاق إلى العجز الهيكلي إن لم تتّخذ قرارات صعبة، وستواجه البلاد تحدّيات ديموغرافية كبيرة في خلال العقد المقبل ستؤدّي إلى تفاقم هذه المشاكل. الكويت بحاجةٍ ماسة إلى إقرار قانون بشأن الديون يسمح للحكومة بالاقتراض في الأسواق الدولية. (لقد انتهت صلاحية قانونها السابق في العام 2017، وتُسجّل الكويت حالياً إحدى أدنى نسب الدين إلى إجمالي الناتج المحلّي في العالم). وسينبغي تقليص النمو السريع لفاتورة الأجور التي تتخطّى معدّلات التضخم بكثير من خلال إنشاء لجنة مستقلّة معنيّة بالرواتب. لكن من غير المرجّح أن يحدث هذا، بل سيستمرّ البرلمان في دفع الإجراءات الشعبوية قدماً، على غرار التخفيف من عبء الديون على المواطنين، وهي غير ضرورية وتخلق مشاكل تتعلّق بالمخاطر الأخلاقية.
بيد أنّ الواقع المالي، شأنه شأن الواقع السياسي، يفرض نفسه أيضاً بأسلوبه الخاص –وبطرقٍ قد تكون أكثر إقناعاً في بعض الأحيان. سيتطلّب الوضع المالي الكويتي المرهق بشكل متزايد اتخاذ إجراءات في نهاية المطاف، ربما عاجلاً وليس آجلاً. نأمل بأن تتمكّن الكويت، بتشجيعٍ من الأمير وتحت القيادة القديرة لرئيس الوزراء الشيخ محمد صباح السالم الصباح، من مقاومة النزعات الشعبوية المدمّرة وفي نهاية المطاف من بناء حلقةٍ حميدة من الإصلاحات التي ستساعد البلاد على تحقيق الأهداف الطموحة لرؤية 2035.