مأزق الطاقة الأردني في الأردن يدفع عمّان إلى التقارب مع الصين 

فرضت الحرب الإسرائيلية على غزّة معضلة ملحّة على الأردن. فالمملكة محدودة الموارد وتفتقر إلى الوقود الأحفوري، اضطرّت منذ زمن طويل إلى الاعتماد الهائل على واردات الطاقة، ولا سيّما من الدول الخليجية، ولكن أيضاً من جارتها إسرائيل. غير أنّ الرأي العام الأردني، وخصوصاً في أوساط المواطنين من أصول فلسطينية، غاضب بشدّة من العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرّة… Continue reading مأزق الطاقة الأردني في الأردن يدفع عمّان إلى التقارب مع الصين 

18 أكتوبر، 2025
جيسي ماركس

فرضت الحرب الإسرائيلية على غزّة معضلة ملحّة على الأردن. فالمملكة محدودة الموارد وتفتقر إلى الوقود الأحفوري، اضطرّت منذ زمن طويل إلى الاعتماد الهائل على واردات الطاقة، ولا سيّما من الدول الخليجية، ولكن أيضاً من جارتها إسرائيل. غير أنّ الرأي العام الأردني، وخصوصاً في أوساط المواطنين من أصول فلسطينية، غاضب بشدّة من العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرّة في غزّة. ومع تزايد الحديث في إسرائيل عن احتمال ضمّ الضفة الغربية، التي تتاخم حدود الأردن، يتصاعد الضغط الداخلي على عمّان لإلغاء صفقة الغاز طويلة الأمد مع إسرائيل، البالغة قيمتها 10 مليارات دولار. وتدفع هذه التطوّرات المملكة إلى البحث عن بدائل جديدة للطاقة تكون مستدامة ومقبولة سياسياً، ولا تمسّ باستقرارها الاقتصادي على المدى الطويل. ويبرز الهيدروجين الأخضر في مقدّمة أولوياتها. 

 

وهنا تدخل الصين على الخط. ففي الشهر الماضي، وقّع مسؤولون أردنيون اتفاقاً أولياً مع شركة UEG Green Hydrogen Development Holding Limited الصينية لإعداد دراسة جدوى لمشروع إنتاج هيدروجين أخضر بقيمة 1,15 مليار دولار في الأردن، تماشياً معالإستراتيجية الوطنية الأردنية للهيدروجين الأخضر. ويأتي هذا الاتفاق بعد عام واحد فقط من خسارة عمّان دعوى تحكيم ضد مشروع صينيّ ضخم لاستخراج الصخر الزيتي بسبب ارتفاع الرسوم، في خطوة تعكس استعداد الأردن لإعادة الانخراط مع بكين في قطاع الطاقة واستعداد بكين بدورها للعودة إلى الساحة الأردنية. 

 

مآزق الطاقة في الأردن 

 

الحساسية الداخلية إزاء استيراد الطاقة من إسرائيل ليست وليدة اللحظة. فقد أثار اتفاق لشراء الغاز مدته 15 عاماً، وُقّع في العام 2014، موجة غضب شعبي عارم امتدّت إلى شوارع عمّان، حيث اندلعت احتجاجات في عامي 2016 و2020 ضد الصفقة، وعدّتها أحزاب المعارضة والنقابات وعدد من النوّاب تهديداً لسيادة الأردن. وقد جعل هذا المناخ السياسي قضية الاستقلال الطاقوي، ولا سيّما عبر الطاقة المتجدّدة، أولوية وطنية كبرى، فيما تسعى المملكة إلى تقليص اعتمادها الطويل الأمد على الوقود الأحفوري المستورد من الموردين الإقليميين، والحدّ  من تداعيات التحوّلات الأمنية المفاجئة في المنطقة. وهذه المخاطر ليست نظرية. ففي أغسطس الماضي، وقّعت مصر صفقة بقيمة 35 مليار دولار مع إسرائيل لتزويدها بالغاز الطبيعي، ما أثار انتقادات شعبية لاذعة، قبل أن يهدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد شهر بإلغاء الصفقة، ردّاً  على خلفية خلافات مع القاهرة بشأن أمن الحدود في سيناء. 

 

ساهم بناء مصادر إمدادات محلّية أكثر صلابة في تعزيز قدرات الأردن تدريجياً على إنتاج الطاقة المحلّية، والانتقال من الغاز المستورد إلى مصادر الطاقة المتجدّدة. وبحلول العام 2024، خفّضت المملكة نسبة الغاز الطبيعي في مزيج توليد الكهرباء إلى 58 في المئة، وتبنيها نهج  أكثر ابتكاراً في استثماراتها في قطاع الطاقة، مستهدفةً استغلال الطاقة الشمسية والرياح والصخر الزيتي. وقد جعلها ذلك من الدول الرائدة إقليمياً في قطاع الطاقة المتجدّدة، إذ تشكّل الكهرباء المُنتجة من الشمس والرياح نحو 30 في المئة من مجمل إنتاج الكهرباء، وتسعى عمّان إلى رفع هذه النسبة إلى النصف. 

 

وإلى جانب الطاقة المتجدّدة، تمكّن الأردن من توطين استخدام نسبة مُطّردة من الصخر الزيتي في توليد الكهرباء، على الرغم من الكلفة السياسية. فهذه المادة، التي كانت تعدّ في السابق ملوِّثةً ومكلفةً للغاية، أصبحت اليوم تؤمّن نحو 15 في المئة من الكهرباء في البلاد، ارتفاعاً من 12,6 في المئة في العام 2023، ومتجاوزة الهدف المحدّد لعام 2025 عند 10 في المئة. 

 

غير أنّ دور الصين في هذا القطاع ظلّ مثيراً للجدل. فمحطّة العطّارات لتوليد الكهرباء، المموّلة بقرض صيني بقيمة 2,1 مليار دولار، شكّلت ركيزةً أساسيةً لنمو الصخر الزيتي وإنتاج الطاقة المحلّية، غير أنّه أثقل كاهل البلاد بالديون. وبموجب اتفاق شراء الطاقة بين عمّان وشركة العطّارات للطاقة بقيادة صينية، التزم الأردن بدفع مليارات الدولارات على مدى سنوات المشروع، ما جعله خاضعاً لبعضٍ من أعلى تعريفات الكهرباء في المنطقة، بواقع 0,17 دولار للكيلوواط/ساعة. وقد قدّر أنّ ذلك سيزيد كلفة الطاقة على المستهلكين بنسبة 17 في المئة، وأن يكلف الأردن نحو210  ملايين دولار سنوياً. لجأت عمّان إلى التحكيم الدولي بحجة أنّ العقد غير مستدام، لكنها خسرت القضية في العام 2024 وتحمّلت 13 مليون دولار إضافية كرسوم قانونية. 

 

مع ذلك، لا تزال محطة العطارات قيد التشغيل. وعلى الرغم من التحدّيات السياسية والاقتصادية، فقد ساعدت الأردن في تحقيق أهداف تنويع مصادر الطاقة والحدّ من مخاطر الأمن الطاقوي في خلال فترات التوتّر الإقليمي. كما يشهد قطاع الكهرباء المحلّي توسعاً تدريجياً في الشبكة الوطنية. ويرى بعض الأردنيين أنّ التعاون مع الصين ضروري لمستقبل الطاقة الكهربائية في المملكة، فيما يعدّ مراقبون صينيون أنّ الطاقة تمثّل ركيزةً طويلة الأمد في العلاقات الصينية الأردنية، ويلقون باللوم على الولايات المتّحدة في ترويج «سردية فخّ الديون» المرتبطة بمشروع محطة العطارات. 

 

 

إعادة الانخراط مع الصين 

لم تُثنِ تجربة مشروع العطارات الأردن عن استكشاف مشاريع طاقة جديدة مع الصين، في إطار سعيه إلى تحقيق قدر أكبر من التنويع والاستقلال في الطاقة وتعزيز قدراته التصديرية. فالاتفاق الذي أُبرم في سبتمبر الماضي ينصّ على استخدام الطاقة المتجدّدة ومياه البحر المحلّاة لإنتاج نحو200  ألف طن سنوياً من الأمونيا الخضراء، وهي الشكل السائل للهيدروجين الذي يسهل تخزينه ونقله بالمقارنة مع الغاز. ويفترض أن يهدف الإنتاج إلى استبدال الوقود الأثقل المستخدم في الصناعات الأردنية الأساسية، فضلاً عن التصدير إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية. ويبدأ الاتفاق بإجراءدراسة جدوى لتقييم تخصيص الأراضي، وتوفر موارد المياه، والتكلفة التقديرية، والتصميم الفني. 

 

تعتمد جدوى الشراكة في مجال الهيدروجين الأخضر ونجاحها على مدى قدرة الأردن على تحقيق طموحاته في تطوير  البنية التحتية الأخرى بالتوازي. وسيشكل هذا اختباراً حقيقياً لقدرة الأردن على تنسيق إستراتيجياته المتعلّقة بالمياه والطاقة والتصدير ضمن منظومة متكاملة. فإنتاج الهيدروجين والأمونيا على نطاق واسع يستهلك موارد ضخمة، ما يتطلّب توفير إمدادات موثوقة من المياه المحلّاة، وتوسيع قدرات الطاقة المتجددة، وتحديث البنية التحتية لشبكة الكهرباء. وبما أنّ الأردن من أكثر الدول فقراً بالمياه، سيعتمد نجاح المشروع إلى حدّ كبير علىمشروع تحلية ونقل المياه من العقبة إلى عمّان، الذي يفترض أن يؤمّن إمدادات ثابتة من المياه العذبة. كما سيكون هذا المشروع محورياً في توفير الكميات اللازمة لعمليات التحليل الكهربائي وتحقيق أهداف الإنتاج. 

 

ستتطلّب الخطوات المقبلة في ملف الهيدروجين من الأردن اتباع نهج أكثر وضوحاً وشفافيةً بالمقارنة مع ما شهدته تجربة العطارات. فقد أظهرت قضية الصخر الزيتي أنّ غياب الشفافية وسوء توزيع المخاطر قد يقيّدان الحكومة بعقود مُرهقة ذات تعريفات مجحفة، تُضعف ثقة الرأي العام. وتكرار هذا الخطأ في مشروع الهيدروجين لن يثقل كاهل الاقتصاد فحسب، بل قد يعرّض أيضاً العلاقات مع الصين، القوة الاقتصادية الكبرى في المنطقة، للتوتّر. لذلك، فإنّاعتماد الشفافية في جميع مراحل المشروع، بدءاً من دراسات الجدوى وصولاً إلى صياغة العقود، سيكون ضرورياً لحماية الاستقرار المالي للمملكة، وإظهارها كوجهة موثوقة للاستثمار في الطاقة النظيفة. وإذا أُدير المشروع بكفاءة، فقد يشكّل نموذجاً ناجحاً يبرهن على أنّ الأردن استخلص الدروس من تجربة العطارات، وأصبح مستعداً لتوفير بيئة استثمارية أكثر استقراراً. 

 

أما إذا تعثّر تنفيذ هذه المتطلّبات، فقد يجد الأردن نفسه أمام خطر تكرار النمط نفسه من الاتفاقيات الطموحة التي تنهار عند مرحلة التنفيذ. فبينما أثبتت الصين أنّها شريك فعّال في مشاريع الطاقة الخليجية، يتعيّن على عمان إدارة صفقة الهيدروجين الأخضر بطريقة مختلفة جذرياً عن التجربة السابقة، خصوصاً إذا تجاوز المشروع مرحلة دراسة الجدوى. وعلى الرغم من أنّ مشروع العطارات لا يزال يزوّد الشبكة بالكهرباء، إلّا أنّ كلفته المالية باهظة جداً. لذلك، من الضروري أن يضع  الطرفان إطاراً أكثر توازناً لإدارة المخاطر وتصميم العقود وتسوية النزاعاتلتفادي الأخطاء الماضية. ويمكن في هذا السياق اللجوء إلى آليّات بديلة لتسوية النزاعات المحتملة، مثلالمنظمة الدولية للوساطة في هونغ كونغ، التي تتيح اعتماد وساطة غير ملزمة قانونياً بين الدول. ومع ذلك، يمكنلاتفاق محكم ومبني على أسس واضحة منذ البداية أن يضع الأردن على مسار النجاح طوال مراحل المشروع.  

 

 

التطلّع قدماً نحو المستقبل 

من خلال إعادة الانخراط مع بكين، بعث الأردن رسالة واضحة مفادها أنّه لا يعتزم إغلاق الباب أمام الشركاء المستعدين للمساهمة في تمويل عملية تحوّله الطاقوي. غير أنّ نجاح هذا التعاون يتطلّب فهماً متبادلاً وواضحاً للخطوط الحمراء لدى كل طرف. بالنسبة إلى عمّان،لا ينفصل الاستقرار الاقتصادي عن الاستقرار السياسي، وقد أدّى اعتمادها على عقود الغاز الإسرائيلية سابقاً إلى تغذية استياء داخلي عميق. وإذا كانت الصين راغبة في التدخّل مجدداً كما فعلت في مشروع العطارات، فعليها أن تكون مستعدة للتعامل مع تعقيدات المشهد الداخلي الأردني. أمّا الأردن، فعليه أن يبرهن قدرته علىتوفير الشفافية والضمانات الموثوقة والعوائد المتوقعةالتي تطمئن المستثمرين وتمنع تكرار إخفاقات الماضي. 

 

ويمكن للطرفين تخفيف مخاوفهما المتبادلة من خلال توسيع دائرة استثماراتهما بالتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجيمثل الإمارات العربية المتّحدة والمملكة العربية السعودية، وإشراك طرف ثالث ينعم بثقة الجانبين. ومع ذلك، سيبقى نجاح هذه الشراكة مرهوناً بمدى تفهّم بكين للحساسيات السياسية التي تحكم خيارات عمّان، وبقدرة الأخيرة على توفير بيئة استثمارية مستقرة تستند إلى قواعد واضحةفي مجال الطاقة النظيفة. 

 

 

 

القضية: منافسة القوى العظمى
البلد: الأردن

المؤلف

الرئيس التنفيذي والمدير الإداري لشركة "رحلة للبحوث والاستشارات" ذ.م.م
جيسي ماركس هو الرئيس التنفيذي والمدير الإداري لشركة “رحلة للبحوث والاستشارات” ذ.م.م، ومقرّها في واشنطن العاصمة تركّز على العلاقة المتشابكة بين الشرق الأوسط والصين. بين عامي 2020 و2022، شغل منصب مستشار سياسات الشرق الأوسط في وزارة الدفاع الأمريكية، خدم خلال فترتي حكم كلّ من إدارتي ترامب وبايدن. كما سبق له أن كان زميلاً غير مقيم… Continue reading مأزق الطاقة الأردني في الأردن يدفع عمّان إلى التقارب مع الصين