المرشّح الرئاسي الجمهوري، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، يعتلي المنصة في خلال فعالية انتخابية في ساحة القمة الأولى في النصب التذكاري للحرب في مقاطعة كامبريا في 30 أغسطس 2024 في جونستاون، بنسلفانيا. (وكالة الصحافة الفرنسية)

عودة ترامب قد تطلق قانون العواقب غير المقصودة

لا بدّ من أن تتوقّع الدول الخليجيّة ما هو غير متوقّع حيث أنّ أجندة "أمريكا أولاً" قد تؤدّي إلى تفتّت التجارة العالمية.

10 سبتمبر، 2024
ناصر السعيدي

قبل مئة يوم من الانتخابات المقرّرة في نوفمبر، يحظى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب بتأييد قوي في استطلاعات الرأي، على الرغم من صعود نائبة الرئيس كامالا هاريس كمرشحة ديمقراطية. كيف ستنعكس عودة ترامب إلى الرئاسة على الدول الخليجية والعالم؟ 

 

تمكّننا تصريحات ترامب العلنية وسجلّه في ولايته السابقة بين 2017 و2021 من تحديد المبادئ الأساسية لرئاسة مقبلة ممكنة تتّصف بالقومية والانعزالية والحمائية التجارية والشعبوية والتضييق على الهجرة. بعبارة أخرى: “سياسة ماغانوميكس الاقتصادية” (على غرار شعار ترامب، اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى). 

 

ويقدّم مشروع 2025، وهو مخطط للرئاسة مكوّن من 900 صفحة أعدّته مؤسسة فكرية محافظة، مزيداً من الأدلّة على الاتجاه الذي ستتّخذه حكومة ترامب الراديكالية الجديدة، سواء اعتُمد بشكل كليّ أو جزئي. 

 

وقد تنعكس سياسات هكذا إدارة على أنحاء العالم كافة، لتطال تداعياتها المباشرة وغير المباشرة منطقة الشرق الأوسط. 

 

ففي المقام الأول، تتّسم السياسات التجارية والمالية وتلك المتعلّقة بالطاقة وإلغاء القيود التنظيمية التي يتبنّاها ترامب، إلى جانب التضييق على الهجرة، بطبيعة تضخميّة. 

 

وقد تؤدّي هذه السياسات إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في الولايات المتحدة، غير أنّها تعني ضمناً عجزاً أعلى في الميزانية الأمريكية ــ الذي يبلغ حالياً 6,7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ــ وديوناً فيدرالية، والتي تتجاوز أساساً 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. 

 

وقد يلزم ارتفاع معدّلات التضخّم من جديد بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على تثبيت أسعار الفائدة عند أعلى مستوياتها لفترة أطول، ما من شأنه أن يؤخّر تخفيف القيود النقدية. وقد يعزّز ذلك من قيمة الدولار في وقت تعمل فيه بنوك مركزية أخرى في مجموعة الدول السبع الصناعيّة الكبرى، بما في ذلك البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا، على تخفيض أسعار الفائدة. 

 

وقد ينعكس ارتفاع أسعار الفائدة لفترة أطول وقوة الدولار الأمريكي سلباً على الأسواق الناشئة من خلال ارتفاع معدّلات التضخّم وزيادة العجز في الميزانية والميزان التجاري 

 

وقد تتأثّر بشكل خاص دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مثل مصر وتونس التي ترزح تحت ديون خارجية مرتفعة بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. ويمكن أن يؤدّي ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية إلى تفاقم الأزمة المتنامية التي يتجاوز فيها الدين العام العالمي أساساً 100 تريليون دولار، ما يعني ارتفاع أعباء خدمة الديون . 

 

كما سترتفع مخاطر الاقتصاد الكلّي – العجز عن سداد الديون السيادية، وانهيار السوق، والصدمات غير المتوقّعة. 

 

ثانياً، تركّز سياسة ماغانوميكس الاقتصادية على سياسة الحمائية التجارية. وتنطوي أجندة “أمريكا أولاً” على فرض تعريفات جمركية أعلى. وقد تحدّث ترامب عن فرض تعريفات جمركية أعلى بنسبة 10 في المئة على الواردات كافة و60 في المئة على السلع الصينية، ما سيؤدّي إلى مزيد من التفتت في التجارة والاستثمار على المستوى العالمي. 

 

وقد تنعكس تدابير مكافحة الإغراق على صادرات دول مجلس التعاون الخليجي الصناعيّة إلى الولايات المتحدة، بما فيها الفولاذ والألمنيوم والبتروكيماويات. 

 

وقد يؤدّي الصراع مع الصين حول التجارة والتكنولوجيا وتدابير فكّ الارتباط ــ ناهيك عن تايوان ــ إلى تباطؤ النمو في الصين وانخفاض واردات النفط والغاز في ثاني أكبر اقتصاد في العالم. 

 

ينطوي ذلك على تداعيات سلبية على صادرات دول مجلس التعاون الخليجي ونموّها. ومن الممكن التخفيف من حدّتها من خلال الروابط غير النفطية المتنامية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، والتي تشمل الطاقة النظيفة والتكامل المالي والسياحة والتكنولوجيا. 

 

وقد يحظى تصعيد الحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين بجانب إيجابي بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي. وفي مثال على “قانون العواقب غير المقصودة“، قد تعمل الصين على تحويل التجارة والاستثمار إلى دول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط. 

 

ثالثاً، تعتبر الطاقة ركيزة أساسية في سياسة ماغانوميكس الاقتصادية. فباستثناء إلغاء قانون الحدّ من التضخّم أو قانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف، ستسعى إدارة جديدة تحت ترامب إلى إزالة الضوابط الفدرالية بشكل صارم. وستعمل سياساتها على زيادة الاستثمار في بنية الطاقة التحتية ومواردها. كما ومن المرجح أن تعمل على رفع القيود المفروضة على أعمال التنقيب في ألاسكا وخليج المكسيك، وعلى خفض دعم الطاقة النظيفة. 

 

ويتمثّل الهدف من ذلك في تعزيز الولايات المتحدة كمصدّر رئيسي للنفط والغاز، بينما تخضع روسيا للعقوبات ويتمّ إبعادها عن أسواق الاتحاد الأوروبي. وقد سجّلت صادرات النفط الخام الأمريكية رقماً قياسياً في العام 2023، بمتوسط 4,1 مليون برميل يومياً. كما تصدّرت الولايات المتحدة قائمةَ أكبر مصدّري الغاز الطبيعي المسال في العام 2023، بمتوسط ​​11,9 مليار قدم مكعّب يومياً. 

 

ومن شأن تحرير صناعة النفط والغاز من القيود التنظيمية أن يعزّز الصادرات الأمريكية ويخفّض من أسعار النفط، ما يولّد المنافسة بين أوبك+ ودول مجلس التعاون الخليجي. 

 

رابعاً، قد تتراجع إدارة ترامب الجديدة عن التزامات الولايات المتحدة المتعلّقة بالمناخ ــ مع أنّها ثاني أكبر مصدر لانبعاثات غازات الدفيئة في العالم ــ وتقلّل من الإنفاق على تدابير الحدّ من آثار تغيّر المناخ والتكيّف معه وعلى تكنولوجيا المناخ. ما يعني أنّ درجات الحرارة سترتفع عالمياً بما يتجاوز الـ1,5 درجة مئويّة. 

 

لقد شهد هذا العام الصيف الأكثر حرّاً على الإطلاق. ومن المرجّح أن يكون العقد القادم أكثر حرارة. ومع ذلك، قد يوفّر ذلك فرصة لدول مجلس التعاون الخليجي لزيادة صادراتها من الطاقة المتجدّدة والنظيفة وتكنولوجيا المناخ. 

 

وبالتالي، تنذر سياسة ماغانوميكس برياح معاكسة لدول مجلس التعاون الخليجي. وستتزايد المخاطر الجيوسياسية الإقليمية، إلى جانب عدم اليقين بشأن الآثار المحتملة. 

 

ولمواجهة هذا التحدّي، يتعيّن على دول مجلس التعاون الخليجي، بصورة مستقلّة وجماعية، أن تحافظ على مسارها الإستراتيجي. كما يتعيّن عليها أن تعمل على زيادة الانفتاح من خلال اتفاقيات التجارة والاستثمار، والتركيز على تنويع الاقتصاد والتكامل الإقليمي، وانتهاج سياسات صناعية خضراء، فضلاً عن الاستثمار في الطاقات المتجدّدة وتكنولوجيا المناخ. 

 

نُشرت هذه المقالة في الأصل على Arabian Gulf Business Insight وهذه ترجمتها.
إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّفان حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

 

القضية: الاقتصاد السياسي، السياسة الأمريكية الخارجية، منافسة القوى العظمى
البلد: الإمارات العربية المتحدة، البحرين، الكويت، المملكة العربية السعودية، عُمان، قطر

المؤلف

رئيس شركة ناصر السعيدي وشركاه، وزير سابق للاقتصاد والتجارة والصناعة في لبنان