لقطة من مقطع فيديو تظهر فيه سفينة الشحن "Galaxy Leader"، المملوكة لشركة إسرائيلية، يختطفها عناصر حوثيون المدعومون من إيران، في البحر الأحمر، في 20 نوفمبر 2023. (المركز الإعلامي للحوثيين/ الأناضول عبر وكالة فرانس برس)

تدخّل الحوثيين في حرب غزة: ما بين التكتيك والتأثير

تأثيير هجمات الحوثيين في الحرب على غزة، وما هو دور الهجمات البحرية والجوية والاستيلاء على السفن في البحر الأحمر وعلى القدرات العسكرية للحوثيين. اقرأ المزيد!

7 ديسمبر، 2023
فوزي الغويدي

في 19 نوفمبر، اختطف الحوثيون في اليمن سفينة شحن في البحر الأحمر واحتجزوا طاقمها كرهائن، مشيرين إلى ارتباط السفينة بمصالح تجارية إسرائيلية، كما هاجموا سفينتين تجاريتين إسرائيليتين في 3 ديسمبر. وقد أطلقت الجماعة المعروفة باسم أنصار الله، عدداً من الهجمات بالصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار على إسرائيل منذ عملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها حماس في السابع من أكتوبر 2023.

 

وفي ظلّ تصاعد العنف الإسرائيلي في غزة، تعهّد الحوثيون بمواصلة استهداف الأراضي والسفن الإسرائيلية حتى يتوقّف العدوان على غزة. وعلى الرغم من ذلك، لم تردّ القوات الإسرائيلية بعد، واعتمدت على أنظمة الدفاع وتقديم شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ليس إلّا. ومع تزايد الوجود العسكري للولايات المتحدة في المنطقة، ينخرط الحوثيون في عملية توازن يمكن أن تغيّر مسار الحرب. ومع ذلك، يبدو اليمن في وضع مثالي – سياسياً وجغرافياً على حدّ سواء – لاستهداف إسرائيل دون إضفاء الطابع الإقليمي على الحرب على غزة أو تصعيدها، مما يمكّن الحوثيين من إعادة تنشيط الدعم الشعبي بين قاعدتهم من دون مواجهة كبيرة.

 

دوافع الحوثيين وإستراتيجيتهم

تأسّست جماعة أنصار الله على أيديولوجية تشجّع المقاومة ضدّ “قوى الاستكبار” – أمريكا وإسرائيل – وتبنّت في خطابها الحثّ على تحرير الأقصى ومقاومة القوى الإمبريالية، كما ينعكس ذلك في شعارها “الصرخة“: (الله أكبر،..، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام) ولطالما برّرت الجماعة تمرّدها وانقلابها في اليمن على أنّه جزء من مشروع المقاومة. ولذلك عندما بدأ العدوان على غزة، كانت تلك لحظة مناسبة بالنسبة إليهم لحشد قاعدتهم من خلال إعادة تأكيد التزامهم بهذه الأهداف الأيديولوجية.

 

أشار القادة الحوثيون بدايةً بعد 7 أكتوبر إلى عدم وجود حدود مع فلسطين ورفض المملكة العربية السعودية السماح بعبور القوات أو المقذوفات عبر أراضيها كقيود على قدرتها على الاشتباك. إلّا أنّ نهجهم تغيّر مع بداية الهجوم البرّي الإسرائيلي على غزة وارتكاب المجازر ضدّ المدنيين. ممّا دفع بالحوثيين إلى إرسال الصواريخ والطائرات المسيّرة إلى إيلات ومن ثمّ التهديد بضرب السفن الإسرائيلية المارّة في البحر الأحمر. ومع تطوّر إستراتيجيتهم العسكرية وأنظمة اتصالاتهم بشكل متزايد، نشر الحوثيون لقطات لإحدى مروحياتهم وهي تختطف السفينة في البحر الأحمر، والتي انتشرت على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي.

 

وفي حين أنّ صواريخهم كانت غير فعّالة إلى حدّ كبير حتى الآن، إلّا أنّها زادت من الاشتباك غير المباشر بين الجماعة والجيش الأمريكي. وبحسب ما ورد، اعترضت السفن الحربية الأمريكية المتمركزة في البحر الأحمر ما لا يقل عن خمسة صواريخ متجهة إلى إسرائيل و16 طائرة بدون طيار في خلال الشهرين الماضيين. علاوة على ذلك، يُحكى عن وجود أمريكي مزعوم على الأرض في اليمن من شأنه أن يغيّر حسابات الحوثيين في حال تدخّل مباشرة معهم، إلّا أنّ الهدف الرسمي للقوات الأمريكية هو تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وليس أنصار الله.

 

وقد أدّت تصرفات الحوثيين حتى الآن في المقام الأول إلى تعزيز تضامنهم مع القضية الفلسطينية و”محور المقاومة” المتحالف مع إيران، لاستعادة شعبيتهم المتضائلة وتعزيز سمعتهم لدى الشعب اليمني والعربي. ومن المرجح أنّ تؤمّن لهم هذه الخطوة نفوذاً إقليمياً، سواء داخل “محور المقاومة” أو في الصراع اليمني المستمرّ. ومع ذلك، فإنّ إضفاء طابع إقليمي أكبر على الحرب من شأنه أن يخاطر بتقويض موقف الحوثيين والتنازلات التي قدّمتها المملكة العربية السعودية في خلال محادثات السلام، وبالتالي من غير المرجّح أن تخدم مصالح الحوثيين.

 

القدرات العسكرية الحوثية

يتباهى الحوثيون بترسانة عسكرية كبيرة، ورثوا جزءاً منها من الجيش اليمني وزودتهم إيران بالجزء الآخر. وتشمل هذه الترسانة صواريخ باليستية إيرانية متقدّمة يصل مداها إلى 2000 كيلومتر. بالإضافة إلى صواريخ “طوفان” و”قدس-4″. وهي صواريخ إيرانية متقدّمة من الطراز غدير-F وشهاب-3. ويملكون أيضاً تشكيلة غنية من صواريخ كروز تابعة لعائلة Soumar الإيرانية، ويبلغ مداها حوالي 2000 كيلومتر ووزنها نصف طن. وإلى جانب ذلك، تمتلك المجموعة تشكيلة هائلة من الطائرات المسيرة، منها: “صماد 3” التي يتراوح مداها بين 1500 و2000 كيلومتر، وطائرات “صماد 4” التي يصل مداها إلى أكثر من 2000 كيلومتر. ويضاف إلى ذلك طائرة المسيرة “وعيد” التي يبلغ مداها 2500 كيلومتر، والتي يمكنها الوصول ليس فقط إلى إيلات، بل أيضاً إلى تل أبيب. واستخدمت هذه الصواريخ والطائرات المسيرة في هجماتها الأخيرة، لكن فعاليتها انخفضت بشكل كبير بسبب أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية المتقدّمة، مثل “القبة الحديدية” و”مقلاع داوود” ونظام “آرو 3” بعيد المدى الذي اُستخدم لأول مرّة رداً على هجوم الحوثيين في 31 أكتوبر.

 

علاوة على ذلك، تسمح القواعد العسكرية الإسرائيلية على الجزر الإريترية في جنوب البحر الأحمر، بالقرب من الساحل اليمني، بالكشف المبكر عن التهديدات. وعزّزت الولايات المتحدة كذلك قواتها في البحر الأحمر وتقدّم لإسرائيل دعماً عسكرياً هائلاً، بما في ذلك نظامين إضافيين للدفاع الصاروخي “القبة الحديدية”، ممّا يزيد من تحييد هجمات الحوثيين.

 

وبالرغم من ذلك، فإنّ اليمن في موقع جغرافي جيد لشن هجمات رمزية على إسرائيل دون فتح جبهة إقليمية جديدة. ومن أجل تحقيق تأثير أكبر، سيحتاج الحوثيون إلى تكثيف هجماتهم، وإغراق المجال الجوي لمدينة إيلات بجنوب إسرائيل بالصواريخ أو الطائرات بدون طيار لتعطيل أنظمة الدفاع وتحقيق أهدافهم المعلنة.

 

ومن الناحية البحرية، يمتلك الحوثيون ترسانة تضمّ نحو عشرة أنظمة صاروخية مختلفة، بما في ذلك صواريخ باليستية مضادة للسفن يصل مداها إلى 500 كيلومتر، وصواريخ كروز يصل مداها إلى 800 كيلومتر ويمتلكون زوارق انتحارية من نوع ندير وعاصف.

 

بالإضافة إلى ذلك، لدى الحوثيين وحدات بحرية أثبتت براعتها في الماضي؛ فقد هاجمت الفرقاطة السعودية في يناير 2017، واستطاعت مهاجمة ناقلة من طراز Muskie MT في مايو 2017، واحتجزت سفينة سعودية وأخرى كورية جنوبية في نوفمبر 2019، واستهدفت سفينة إم في هيليوس راي الإسرائيلية (MV Helios Ray) في فبراير 2021 في خليج عدن.

 

خيارات التدخل وعواقبه

إنّ خيارات التدخل المتاحة للحوثيين في الحرب الإسرائيلية على غزة مقيّدة جغرافياً وعسكرياً، وتهدف إلى وقف الحرب أكثر من توسيعها. تتضمّن هذه الخيارات سيناريوهين رئيسيين.

 

الأول سيكون استمراراً لنهجهم الأخير، المتمثّل في إطلاق صواريخ باليستية وطائرات بدون طيار على إيلات وأهداف إسرائيلية أخرى. وقد تتضمّن هذه الإستراتيجية أيضاً استهداف السفن في البحر الأحمر، كما رأينا في عملية الاختطاف الأخيرة. مع ذلك، من غير المرجّح أن تنعكس على العدوان الإسرائيلي في غزة أو تغيّر مسار الحرب. قد يتسبّب نهجهم في أضرار مادية بسيطة وفي تجنّب السفن للمياه اليمنية، لكنّه يهدف في المقام الأول إلى تعزيز شعبية الحوثيين محلّياً وإقليمياً.

 

سيكون هذا التدخّل بمثابة طوق النجاة لجماعة أنصار الله وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية في مناطق سيطرتهم وعدم قدرتهم على تشكيل حكومة جديدة بعد إقالة حكومة بن حبتور المتّهمة بالفشل والفساد منذ أكثر من شهر. ومن شأنه أيضاً أن يحسّن موقفهم في محادثات السلام مع المملكة العربية السعودية، ويرفع الروح المعنوية، ويعزّز موقعهم في “محور المقاومة”. وهذا السيناريو مرجّح، كونه يقلّل من خطر إثارة ردود فعل سلبية كبيرة ويهدف إلى وقف الحرب بدلاً من توسيعها. ومع ذلك، اعتماداً على وتيرة هذه الهجمات والأضرار التي تتسبّب بها، قد تضطر السفن الحربية الأمريكية إلى التدخل لكبح جماح القوات البحرية الحوثية وتستهدفهم بغارات تحت ستار الحفاظ على أمن البحر الأحمر.

 

أما السيناريو الثاني، فهو إغلاق مضيق باب المندب ذي الأهمية الجغرافية الاقتصادية للضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على غزة. يمتلك الحوثيين القدرة العسكرية لتنفيذ هذا الخيار، إلّا أنّه يبدو غير مرجّح بسبب عواقبه غير المتوقّعة. فقد يؤدّي الإغلاق إلى تعطيل أنظمة إمداد الطاقة والشحن والتجارة العالمية. علاوة على ذلك، تقوم قوات بحرية من دول مختلفة، بما في ذلك الولايات المتحدة ومصر وفرنسا والصين، بحماية مضيق باب المندب والمناطق المحيطة به من القرصنة والتخريب. وهذا من شأنه أن يجعل قرار الحوثيين بإغلاق المضيق مكلفاً. ومع ذلك، يظلّ السيناريو محتملاً إذا استمرّت الحرب في غزة في التصاعد وتزايدت مشاركة أطراف أخرى، مثل حزب الله وإيران.

 

وفي نهاية المطاف، من المرجّح أن يستمرّ الحوثيون بشكل متقطّع في إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار واستهداف السفن المرتبطة بإسرائيل، لممارسة الضغط على إسرائيل لوقف الحرب مع تعزيز موقفهم في الوقت نفسه.

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: الحرب الأهلية، العلاقات الإقليمية، عدوان إسرائيل على غزة
البلد: اليمن، فلسطين، فلسطين-إسرائيل

المؤلف

زميل زائر مبتدئ
فوزي الغويدي هو زميل زائر مبتدئ في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية ويحمل ماجستير في التاريخ من معهد الدوحة للدراسات العليا في قطر. تشمل اهتماماته البحثية التاريخ الحديث في اليمن والخليج، بالإضافة إلى الحركات الاجتماعية وحلّ الصراعات وتشكيل الدولة. وساهم في البحث والتحليل حول الديناميكيات السياسية والاجتماعية التي تشكّل اليمن والخليج، والعلاقات بينهما. وقد ألّف… Continue reading تدخّل الحوثيين في حرب غزة: ما بين التكتيك والتأثير