مصلون شيعة يحملون أعلام حزب الله في الضواحي الجنوبية لمدينة بيروت، لبنان، وذلك بتاريخ 6 يوليو 2025. (تصوير: نايل شاهين/ صور الشرق الأوسط/ وكالة الصحافة الفرنسية).

تحت تصاعد الضغوط: هل يستطيع لبنان التعامل مع نزع سلاح حزب الله؟ 

يقف لبنان أمام مفترق طرق. تمارس ضغوط كبيرة على حزب الله لنزع سلاحه، من دون وجود أي ضمان يحفظ مصالح جميع الأطراف على المستويين الوطني والإقليمي، خصوصاً في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان.

16 يوليو، 2025
سعود المولى

جاءت الزيارة الأخيرة للمبعوث الأمريكي الخاص، توم برّاك، إلى بيروت لتعيد إلى الواجهة السؤال التاريخي عن مصير حزب الله في حال نزع سلاحه. فبعد ثلاثة أسابيع على تسليم الحكومة اللبنانية رسالة تطالب باتخاذ خطوات فورية لنزع سلاح الحزب، قدّم برّاك خارطة طريق للتنفيذ، منحت بيروت مهلة أشهر لتحقيق تقدّم ملموس نحو هذا الهدف، إلى جانب بدء الإصلاحات المالية والاقتصادية المطلوبة من المؤسّسات الدولية. 

 

وعلى الرغم من أن لبنان قدّم رداً أولياً على الرسالة لم تُعلَن تفاصيله رسمياً، عبّر برّاك عن رضاه عن الردّ من دون أن أي توضيح إضافي. لكن تسرّبت معلومات من مصادر قريبة من مسؤولين لبنانيين التقوه، أشارت إلى أنّ بيروت جدّدت التزامها بنزع سلاح حزب الله جنوب نهر الليطاني ضمن المهلة المحدّدة، على أن يُرحَّل نزع السلاح الكامل إلى مرحلة لاحقة. 

 

 

الجزرة الأمريكية والعصا 

 

على الرغم من أن توم باراك يمثّل إدارة ترامب في هذه المفاوضات، تبرز ضغوط في واشنطن لاعتماد موقف أكثر تشدّداً بشأن نزع سلاح حزب الله، وهو موقف يتعارض مع موقف باراك، لكنه يتقاطع معه من حيث المضمون والدلالات. وقد عبّر عن هذا الموقف ديفيد شينكر، الدبلوماسي المخضرم والداعم الصريح لإسرائيل، الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط في خلال الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب. 

 

أثناء وجوده في بيروت، شدّد برّاك على أنّ مهمّة نزع سلاح حزب الله هي مسؤولية لبنانية بحتة، نافياً أي خطّة أمريكية لتفكيكه. وأوضح أنّ حزب الله مُصنَّف كمنظمة إرهابية دولية، لكنّه في الوقت نفسه لديه 13 نائباً في البرلمان، وبالتالي التوفيق بين جناحيه العسكري والسياسي هو شأن داخلي. كما دعا الحكومة اللبنانية إلى معالجة مسألة ترسيم الحدود مع إسرائيل وسوريا في سلّة واحدة، واقترح هدنة تسعين يوماً لاختبار الثقة. وذكّر باتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية في العام 1989، وبالدستور، وكلاهما ينصّ على حصر السلاح بيد الدولة. وأكد أنّ الدول الخليجية لن تموّل إعادة الإعمار ما لم ترَ التزاماً جدّياً وتقدّماً ملموساً في ملف نزع السلاح. 

 

في المقابل، اعتبر شينكر أنّ طرح برّاك متساهل وأنّ الوقت لا يسمح بمسايرة حزب الله. فيما دعا إلى فرض عقوبات على رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي وبعض النوابٍ المعرقِلين للمسار، وتعطيل تمويل البنك الدولي وصندوق النقد الذي يفترض أن يستخدم في إعادة الإعمار، فضلاً عن استهداف مسؤولي الدولة المتعاونين مع الحزب، والضغط على الجيش وقوى الأمن لوقف التنسيق معه، بالإضافة إلى تقليص مهمّة اليونيفيل. وخَلُص إلى أنّ الغارات الإسرائيلية ستستمر، وربما تراها بيروت خياراً مفضّلاً طالما تتهرّب من مواجهة الحزب مباشرة. 

 

يرى البعض في كلام شينكر الوجه الآخر لدبلوماسية برّاك، أي أنّه الطرف الآخر في معادلة «العصا والجزرة». ففي حين يسمح كلام برّاك بنوم حزب الله على «حرير»، يرمي كلام شينكر مسألة سلاح «حزب الله» على الدولة اللبنانية، ويترك تدبير الأمر لإسرائيل لتنهي ما بدأت به. 

 

 

مصالح متضاربة متفجّرة 

 

بعيداً من الوضع الداخلي في لبنان، تؤثّر الحسابات السياسية في واشنطن وطهران على سير المفاوضات. تسعى إدارة ترامب إلى تحقيق إنجاز ملموس في الشرق الأوسط بعد أو واجهت خيبات أمل في ثلاث جبهات أخرى. أولًاً، فشلها في فرض حل سريع في أوكرانيا على الرغم من الرهان على إخضاع بوتين حتى على حساب أوروبا. ثانياً، توقف التصعيد الأمريكي الإسرائيلي ضد إيران بنتيجة أشبه بـ«التعادل السلبي»، ما دفع ترامب للبحث عن انتصارات خارجية تعزّز موقفه قبل الانتخابات النصفية المقبلة. وثالثاً، تعثّر مفاوضات الهدنة في غزّة على الرغم من الضغوط التي مارسها ترامب على نتنياهو في خلال محادثات 7 و8 يوليو في واشنطن، والتي انتهت، وفق المبعوث ستيف ويتكوف، إلى حل 3 من أصل 4 نقاط خلافية، باستثناء مطلب انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزّة 

 

لا تبدو طهران بدورها مستعدة لتقديم تنازلات مجّانية، خصوصاً بعد أن خرجت من المواجهة الأخيرة مع الولايات المتّحدة أكثر تماسُكاً داخلياً وأكثر حضوراً على الساحة الدولية. ترفض إيران أنّ تحقّق واشنطن بالتفاوض ما عجزت عن تحقيقه بالحرب، ولن تدخل في أي مسار تفاوضي جدّي ما لم يُقرّ الغرب بأنها لاعب إقليمي لا يمكن تجاوزه. وقد ترجمت طهران هذا التصلّب السياسي في تعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتكتّم بشأن مخزونها من اليورانيوم ما وفّر لها ورقة تفاوضية إضافية، كما ينعكس ذلك على ملفين حساسَين آخرين وهما رفض الحوثيين وقف الحرب في البحر الأحمر، وتمسّك حزب الله بموقفه المتشدّد إزاء نزع السلاح، وهو الملف الأكثر حساسية بالنسبة إلى جميع الأطراف.  

 

 

مأزق حزب الله الداخلي  

 

عملياً، يواجه لبنان معضلات عدّة: أولها مرتبط بردّ إسرائيل على أي موقف رسمي قد يصدر عن الدولة اللبنانية، نتيجة استمرار انتهاكاتها لاتفاق وقف إطلاق النار وتنفيذ عمليات اغتيال داخل الأراضي اللبنانية. ثانيها، كيفية إدارة ملف سلاح حزب الله داخلياً من دون الانزلاق إلى صدام يهدّد السلم الأهلي. المطلوب اليوم هو حراك سياسي داخلي وخارجي، لا سيما مع المملكة العربية السعودية وقطر وفرنسا، للوصول إلى صيغة تضمن لحزب الله أمنه السياسي في مقابل تسليم سلاحه، ضمن تسوية أشمل تعيد إنتاج توازن لبناني، وتحدّد دور الجيش وتوزيع السلطة. 

 

في هذه الأثناء، يواصل حزب الله تعبئة قاعدته الشعبية من خلال تجمّعات جماهيرية كبرى، مثل إحياء ذكرى عاشوراء في أوائل يوليو الجاري. وقد أعلن الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم أنّ على إسرائيل تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار والانسحاب من النقاط الخمس التي لا تزال تحتلها قبل بدء معالجة المسائل داخلياً، وحذّر قاسم من أنّ الحزب لن يبقى ساكتاً وأنّه قادر على هزيمتها. 

 

وعلى الرغم من حدّة الخطاب، يبدو حزب الله مرتبكاً. فالتصعيد في جنوب لبنان متواصل بلا ردّ عسكري منه خشية انكشافه، وفي المقابل بدأت تحالفاته الداخلية تتفكّك، ما يترك الحزب أسير مواقف متناقضة تارة تدعو إلى التهدئة وتارة أخرى تستخدم لغة التخوين والتهديد. اللافت أنّ حزب الله، الذي شكّل في السابق رأس حربة «الدفاع المتقدّم» الإيراني في المنطقة، لم يشارك في الحرب التي اندلعت في يونيو بين إسرائيل وإيران. 

 

إلى ذلك، يتفادى رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الوزراء نوّاف سلام فتح ملفّ السلاح، ما يتيح للحزب كسب الوقت بانتظار ما تقرّره طهران في مفاوضاتها مع الغرب؛ فإيران، بعد خسائرها في سوريا ومحاولات زعزعة وضعها، لن تفرّط بورقة سلاح الحزب. فهل يتّجه الحزب إلى ملاقاة التصعيد الإسرائيلي والتهديد الأمريكي بالذهاب إلى مواجهة عسكرية جديدة مكلفة؟  

 

وسط هذا الجمود يَعتبر البعض أنّ مواجهة جديدة، مهما بلغت كلفتها، قد تشدّ عصب الجمهور الشيعي قبيل انتخابات صعبة، فيما قرى الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية مُدمّرة وأهلها مهجّرون. فهل سيعمل الحزب على ترسيخ هذه المشاعر وتعزيزها، فيقدّم نفسه على أنه الضحية والبطل في آن لتعزيز «شرعية» سلاحه؟ لقد حصل ذلك في السابق، ولا يوجد ما يمنع تكراره مجدّداً. لذلك تكمن المسألة الأساسية اليوم في معرفة ماذا يمكن للبنان واللبنانيين تقديمه لحزب الله في مقابل قبوله بتسليم سلاحه والتحوّل إلى قوّة سياسية مدنية لا عسكرية. لقد ظهر من كلام برّاك أنّ الولايات المتّحدة مستعدة للقبول بهذا الحلّ، ولكن هل تقبل به إسرائيل من دون ضمانات أمنية مقابلة، ما قد يُبقي السلاح معلَّقاً بين «شرعيّة المقاومة» والحاجة إلى الدولة. 

 

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: الحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، السياسة الأمريكية الخارجية، العلاقات الإقليمية
البلد: لبنان

المؤلف

زميل أول زائر
سعود المولى هو زميل أول زائر في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.    وكان المولى سابقاً أستاذاً زائراً في العلوم الاجتماعية في معهد الدوحة للدراسات العليا. وعمل لأكثر من عقدَين أستاذاً في علم الاجتماع في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية في بيروت، فضلاً عن دوره كأستاذ زائر في مؤسسات أخرى. وشغل كذلك منصب باحث… Continue reading تحت تصاعد الضغوط: هل يستطيع لبنان التعامل مع نزع سلاح حزب الله؟