وزير الخارجية الياباني يوشيماسا هايشي (يمين) ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان يبتسمان قبل حضور اجتماع في دار الضيافة إيكورا في طوكيو في 19 يوليو 2022. (الصورة بواسطة كازوهيرو نوجي / وكالة الأنباء الفرنسية)

اليابان والدول الخليجية أمام فرصة لتعزيز العلاقات الإستراتيجية في عالم متعدّد الأقطاب

ينبغي على اليابان ودول مجلس التعاون الخليجي الارتقاء بعلاقاتهما إلى مستوى يتجاوز الطابع المعاملاتي الذي يميّزها حالياً للاستفادة من الفرص التي يتيحها النظام العالمي الناشئ.

10 فبراير، 2025
راشد المهنّدي

في ديسمبر الماضي، اختتم مجلس التعاون الخليجي واليابان جولتهما الأولى من المناقشات بشأن اتفاقية التجارة الحرّة. ويشير التاريخ إلى أنّ هذه الخطوة تمثّل بداية عملية قد تتطلّب سنوات إن لم يكن عقوداً. فقد استغرق التوصّل إلى اتفاقية التجارة الحرّة بين مجلس التعاون الخليجي وكوريا الجنوبية 15 عاماً، وتخلّلها الكثير من العقبات. ومع ذلك، تبقى هذه الخطوة الأولى مهمّة وتشير إلى تحوّل في أولويات الطرفين، وخصوصاً مع عودة النظام العالمي المُتعدّد الأقطاب والاتجاه الناشئ نحو تفكيك العولمة وفي ظلّ تزايد الاضطرابات العالمية. 

وفي حين تعيد الولايات المتّحدة تقييم التزاماتها تجاه الشرق الأوسط، تحدّث مسؤولون في نفس الوقت عن التوجّه نحو آسيا. وللمفارقة تسلك دول مجلس التعاون الخليجي المسار نفسه، وتبرز اليابان وهي دولة ذات مصالح إستراتيجية واقتصادية كبيرة في الخليج – بين الشركاء المُحتملين لدول المجلس. وعلى الرغم من مرور عقود على انطلاق التعاون بينهما، لا سيّما في قطاع صادرات الطاقة، لم تصل العلاقات إلى ذروة إمكاناتها. والآن، يقف كلا الطرفين عند مفترق طرق حرجة ويعيدان النظر في أدوارهما العالمية والإقليمية في عالم لم تعد تهيمن عليه الولايات المتّحدة بعد أن كانت الضامن الأمني ​​لهما لعقود. 

ومع اعتماد اليابان على الخليج في مجال الطاقة وأهدافها الإستراتيجية الأوسع، لديها أسباب كافية لتعميق انخراطها في المنطقة. ولكن لكي تتطوّر هذه العلاقة، يتعيّن على الجانبين تجاوز قيود انخراطهما المحصور حالياً في التبادلات التقليدية واغتنام الفرص التي يقدّمها عالم مُتعدد الأقطاب. 

لطالما تمحورت علاقات اليابان مع الدول الخليجية حول المصالح الاقتصادية المتبادلة، إذ تعتمد اليابان بشكل أساسي على المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتّحدة لتلبية احتياجاتها من الطاقة، وخصوصاً الهيدروكاربونات. وفيما استفادت دول المجلس من خبرة اليابان التكنولوجية واستثماراتها الرأسمالية، لم تحقّق هذه العلاقة سوى مكاسب محدودة في التعاون الإستراتيجي الأوسع. 

يغيّر المشهد العالمي اليوم المعادلة بالنسبة إلى الطرفين. تتخبّط اليابان ودول مجلس التعاون الخليجي مع أسئلة بشأن موقعهما وأهدافهما في عالم مُتعدّد الأقطاب. وفي حين تهيمن منطقة المحيطين الهندي والهادئ على سياسة اليابان الخارجية، يُشار إلى الشرق الأوسط في المسائل المرتبطة بأمن الطاقة وحماية طرق التجارة البحرية. ومع ذلك، يبرز مجلس التعاون الخليجي كجهة فاعلة أكثر حزماً، مستفيداً من ثروته النفطية لتعزيز نفوذه على المستويين الإقليمي والعالمي. 

كثّفت دول مجلس التعاون الخليجي مساعي تنويع شراكاتها الخارجية والحدّ من الاعتماد على الحلفاء الغربيين التقليديين وبناء روابط أقوى مع القوى الآسيوية مثل الصين والهند. لكن اليابان لم تستفد بالقدر نفسه في المقابل. لقد حدّت سياسة طوكيو الخارجية الحذرة وتركيزها على منطقة المحيطين الهندي والهادئ من إمكانات توسيع انخراطها مع الدول الخليجية، ما ترك فجوة في نهجها الإستراتيجي لا يمكنها تحمّلها في مواجهة هذه المنافسة. 

العقبات والفرص 

لقد حالت عوامل متعدّدة دون تطوّر العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي واليابان وتحوّلها إلى شراكة إستراتيجية، أهمّها غياب الانخراط الثقافي والمؤسّسي المستمرّ. وعلى عكس تفاعلات اليابان مع الدول الغربية، تفتقر علاقاتها مع الدول الخليجية إلى العمق الذي تغذّيه التبادلات الأكاديمية والتعاون بين مراكز الفكر والدبلوماسية الثقافية، ما يمكن أن يبني أساساً أقوى للتفاهم المتبادل. 

كما أغفلت وسائل الإعلام والخطاب السياسي الياباني إلى حدّ كبير دول مجلس التعاون الخليجي، وحصرتها في دور هامشي. قلّص هذا الاهتمام المُحدود من بروز المنطقة أمام صنّاع السياسات اليابانيين وساهم في إغفال مجلس التعاون الخليجي من الملفات السياسية الرئيسة في اليابان، بما في ذلك إستراتيجيات الأمن القومي والدفاع. ويساهم هذا الإهمال في تعزيز التصوّر أنّ العلاقات بين الطرفين تبادلية بحتة، وليست جزءاً أساسياً من طموحات اليابان الإستراتيجية الأوسع. 

فضلاً عن ذلك، لا يزال الجمود المحيط بالافتراضات السابقة يؤثّر في هذا العلاقات. على مدى عقود، عملت اليابان ودول مجلس التعاون الخليجي ضمن نظام عالمي تهيمن عليه الولايات المتّحدة حيث أدّت كلّ منها دراً ثابت ومحدّد. بيد أنّ هذا التحوّل الجاري نحو التعدّدية القطبية يتطلّب إعادة تقييم لهذه الأدوار. وعلى الرغم من الحاجة الشديدة لهذه التحوّلات، غالباً ما تكون بطيئة وتواجه المقاومة التي، حتّى الآن، حالت دون وصول العلاقات إلى إمكاناتها الكاملة. 

وعلى الرغم من هذه التحدّيات، تبرز إمكانات كبيرة أمام اليابان ودول مجلس التعاون الخليجي لتعميق شراكتهما. ويظلّ أمن الطاقة جزءاً أساسياً في علاقتهما التي يمكن توسيعها إلى ما هو أبعد من الهيدروكاربونات ليشمل الطاقة المُتجدّدة وتكنولوجيا الهيدروجين. ويشكّل مجلس التعاون الخليجي شريكاً موثوقاً لليابان في جهودها لتنويع مصادر الطاقة. وبالنسبة إلى الدول الخليجية، توفّر خبرات اليابان التكنولوجية مساراً لتسريع الانتقال نحو اقتصاد أخضر، بما يتماشى مع خطط التنويع الاقتصادي الطموحة لدول مجلس التعاون الخليجي. 

ويبرز أمن الملاحة البحرية كمجال آخر مهم. تعتمد المنطقتان على ممرّات بحرية آمنة للتجارة ونقل الطاقة. وفضلاً عن أنّه يمكن لهذه المبادرات المشتركة أن تساهم في مكافحة القرصنة وسلامة الملاحة البحرية وحماية الطرق الحيوية، تساهم كذلك في تعزّز الثقة والتنسيق بين الطرفين. وفي ظلّ التوترات الجيوسياسية المتزايدة في المحيطين الهندي والهادئ والشرق الأوسط، يصبح هذا التعاون أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. 

ويقدّم التعاون التكنولوجي طريقاً آخر للنمو. تتوافق قيادة اليابان في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات والتقنيات الخضراء مع جهود دول مجلس التعاون الخليجي لتنويع اقتصاداتها بعيداً من الهيدروكربونات. على سبيل المثال، يمكن للمشاريع المشتركة في مجال الروبوتات أن تحدث ثورة في الصناعات مثل الرعاية الصحّية والتصنيع والخدمات اللوجستية، في حين يمكن للشراكات في مجال التكنولوجيا الخضراء أن تتصدّى للمخاوف المشتركة بشأن تغيّر المناخ والاستدامة. 

وتُعتبر المشاركة الثقافية والأكاديمية مهمّة بالقدر نفسه. ومن الممكن أن تساهم برامج تبادل متينة ومبادرات بحثية تعاونية وجهود الدبلوماسية العامة أن تساهم في تخطّي هذه النواقص التي تعيق بناء علاقات أعمق. ويثبت النجاح الذي حقّقته مبادرات القوة الناعمة في مناطق أخرى قدرتها على تحويل العلاقات بين دول المجلس واليابان وتعزيزها. 

نحو شراكة إستراتيجية 

يقدّم النظام العالمي المتغيّر فرصة لليابان ودول مجلس التعاون الخليجي لتجاوز الطبيعة التبادلية لعلاقاتهما التاريخية، في ظلّ تحدّيات المشتركة، بدءاً من ضمان أمن الطاقة والملاحة البحرية ووصولاً إلى التعامل مع عدم اليقين في عالم مُتعدّد الأقطاب. ومن خلال تبنّي شراكة متجذّرة في المصالح المُشتركة والتعاون المستقبلي، يمكنهما إطلاق العنان للإمكانات الكاملة لعلاقتهما. 

لن تخدم الشراكة الإستراتيجية بين اليابان ودول مجلس التعاون الخليجي مصالحهما فحسب، بل ستوفّر أيضاً نموذجاً للتعاون في عالم يتجزّأ بشكل مُتزايد. بالنسبة إلى اليابان، توفّر هذه الشراكة فرصة لتعزيز نفوذها العالمي وتأمين إمدادات الطاقة الحيوية. وبالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، يشكّل تعميق العلاقات مع اليابان وسيلة لتنويع تحالفاتها والاستفادة من التكنولوجيا المتقدّمة لتحقيق نموها الاقتصادي. 

يعتمد المسار المستقبلي على اعتراف اليابان والدول الخليجية بالإمكانات غير المُستغلّة في علاقتهما والالتزام برؤية مشتركة تعطي الأولوية للإبداع والمرونة والاحترام المتبادل. بالتالي، لا بدّ من أن تعملا بفعّالية وحزم لتجاوز الافتراضات السابقة والبناء على حقائق العالم المتغيّر. ويمكن أن يتردّد صدى نجاح هذا التعاون خارج حدودهما، ليكون نموذجاً جديداً للشراكات الدولية يُحتذى به. 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّف حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية. 

القضية: العلاقات الإقليمية، منافسة القوى العظمى
البلد: الإمارات العربية المتحدة، البحرين، الكويت، المملكة العربية السعودية، عُمان، قطر

المؤلف

زميل غير مقيم
راشد المهنّدي هو زميل غير مقيم في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، وهو خبير في قطاع الدفاع والاستشارات في مجال المخاطر الجيوسياسية.    تشمل اهتماماته البحثية أمن الدول الصغيرة وتطوير قطاع الدفاع والاستقرار الإقليمي، بالإضافة إلى الشؤون الإستراتيجية. شارك المهنّدي في مناقشات إقليمية وعالمية، حيث قدّم رؤى حول السياسات الأمنية والدفاعية.    قبل ذلك، عمل… Continue reading اليابان والدول الخليجية أمام فرصة لتعزيز العلاقات الإستراتيجية في عالم متعدّد الأقطاب