وقّعت جمهوريّة أرض الصومال الانفصالية (إقليم أرض الصومال) المُعلَنة من جانبٍ واحد وإثيوبيا الحبيسة في 1 يناير على مذكّرة تفاهم تمنح هذه الأخيرة منفذاً على البحر الأحمر. وقد وافقت أديس أبابا، مقابل استئجار الخطّ الساحلي بالقرب من ميناء بربرة الإستراتيجي لأغراض تجاريّة وبحريّة لمدة 50 عاماً، على النظر في الاعتراف بإقليم أرض الصومال كدولة – وإن قامت بذلك، فستشكِّل سابقة كأولّ دولة تعترف بها.
لقد أثارت مذكّرة التفاهم ردود فعل عنيفة من الدول المجاورة- لا سيّما من الصومال وإريتريا ومصر- إذ تَعتبر مقديشو إقليم أرض الصومال جزءاً من أراضيها السياديّة. وفي خلال الاسبوع الماضي، سلّمت مصر شحنة كبيرة أخرى من الأسلحة إلى الصومال، ما أثار مخاوف في إثيوبيا من أنّ الأسلحة “ستؤدي إلى تفاقم الوضع الأمني الهش [في المنطقة]”. وفي أعقاب عشر صراعات شاملة بين إثيوبيا والصومال منذ نيل هذه الأخيرة استقلالها في العام 1960، بات تصعيد التوتّرات الأخير يُهدّد استقرارَ القرن الأفريقي برمّته، بالإضافة إلى المصالح الاقتصاديّة الكبيرة في منطقة الشرق الأوسط بدءاً من دول مجلس التعاون الخليجي وصولاً إلى تركيا وإيران.
يقدّم الخبراء في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدوليّة في هذا العدد من آراء من المجلس آراءهم حول جوانب النزاع بين إثيوبيا والصومال المتعدّدة وتداعيات الاتّفاق حول الميناء على القرن الأفريقي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
الصومال يرفض طموحات إثيوبيا البحرية
أثارت مذكّرة التفاهم الموقّعة بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال الانفصالية (صوماليلاند) قلق الدول الساحليّة المجاورة. فقد فجّرت المذكّرة مفاجأةً من العيار الثقيل سواء كان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد يستغلّ الاتفاق للهروب من الضغوط الداخلية أم كورقة مساومة لانتزاع تنازلات من إثيوبيا. بموجب هذه المذكّرةُ، تَعِد إثيوبيا أرض الصومال الانفصالية بإمكانية الاعتراف بها كدولةٍ وبحصّة في الخطوط الجوية الإثيوبية مقابل 20 كيلومتراً من الخطّ الساحلي على طول خليج عدن لبناء قاعدة بحريّة.
لم يرفض الصومال صلاحية مذكّرة التفاهم فحسب، بل ندّد أيضاً بنوايا إثيوبيا العدوانية. لقد أثار طموح إثيوبيا القديم بالتحرّر من حدودها المحصورة باليابسة حروباً إقليميّة ودينيّة بين شعوب المنطقة في الماضي، بما فيها عقود من التدخّل في شؤون الصومال الداخليّة، ما دفع بالقادة الصوماليين إلى تعزيز معاهدات الدفاع مع تركيا ومصر وزيادة التعاون مع إريتريا.
في ردٍ على الاستفزاز الأخير، طرد الصومال سفير إثيوبيا ودعا إلى إقفال القنصليتين في هرجيسا وجروي. علاوة على ذلك، هدّد بعدم تجديد مشاركة القوات الإثيوبية في قوات حفظ السلام الأفريقية في الصومال. وقد طالب المجتمع الدولي الأوسع، بما في ذلك الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، إلى احترام القانون الدولي وسيادة الصومال ووحدة أراضي الدول الأعضاء كافة. ستؤدّي أفعال أديس أبابا العدائية إلى تداعيات سياسيّة وأمنيّة واقتصاديّة خطيرة على منطقة البحر الأحمر وشرق أفريقيا الأوسع.
إثيوبيا قد تشعل حرباً إقليمية في سعيها إلى منفذٍ بحري
تَعتبر إثيوبيا الوصول إلى ميناءٍ بحري حيوياً بالنسبة إلى تنميتها ومكانتها العالميّة. وقد سمحت إريتريا لإثيوبيا باستخدام ميناءَي عصب ومصوع في العام 2018. لكنّ الدولتين تباعدتا منذ ذلك الحين بعدما تجاوزت طموحات إريتريا الوصول إلى ميناء بحري.
أدّى استعداد أرض الصومال الانفصالية مؤخّراً لتأجير قطعة أرض إلى إثيوبيا لتبني منشآت الموانئ وقاعدة بحرية مقابل الاعتراف المحتمل بها كدولةٍ مستقلّة إلى تهدئة التوتّر بين إثيوبيا وإريتريا، وإن بشكلٍ مؤقّت. في حال طُبّقت مذكّرة التفاهم بين أرض الصومال الانفصالية وإثيوبيا الموقّعة في يناير 2024، من شأنها أن تسمح لهذه الأخيرة بالوصول إلى ميناء في خليج عدن.
غير أنّ تركيز إثيوبيا ينصبّ على بسط نفوذها في البحر الأحمر. بالفعل، قال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في خطابه أمام البرلمان في أكتوبر 2023 إنّ بلاده لديها “حقوق طبيعية” في الوصول إلى البحر الأحمر. ويبرز نقاشٌ محموم بشأن ملكيّة إثيوبيا الطبيعيّة والتاريخيّة والقانونيّة لميناء عصب الإريتري حيث يزعم الكثيرون أنّه أُعطي لإريتريا بشكلٍ غير قانوني وعن طريق الخطأ وبالتالي يجب إعادته.
تؤدّي عوامل داخلية دوراً حاسماً في مطالبة آبي بميناء. في الواقع، لقد تآكلت شعبيّته وشرعيّته بسبب عدد من المسائل التي فشل في معالجتها -بما فيها الحروب الإثنية والأزمة الاقتصادية والجمود الناجم عن الفيدرالية الإثنية والإصلاح الدستوري. وهو بالتالي يحاول تعزيز الدعم من الداخل من خلال تأجيج المشاعر القوميّة بشأن المنفذ البحري.
بالفعل، نسفت خطوة آبي الاتّفاق الذي وقّعه الصومال وإثيوبيا وإريتريا في العام 2018. لقد نال آبي جائزة نوبل للسلام لتقاربه مع إريتريا في الفترة التي مهّدت للاتفاق الثلاثي. غير أنّ الآمال الكبيرة التي ولّدها وصوله إلى السلطة قد تبدّدت الآن وبات شبح الحرب يخيّم على منطقة القرن الأفريقي.
مصر والصومال: هل عدو عدوي هو صديقي؟
في خضمّ تصاعد التوتّرات بين الصومال وإثيوبيا، قدّمت مصر مساعدةً عسكريّة للصومال الشهر الفائت للمرّة الأولى منذ أكثر من أربعة عقود. بالإضافة إلى تعزيز العلاقات بين مصر والصومال، ترتبط المساعدةُ ارتباطاً وثيقاً بمخاوف القاهرة الإستراتيجيّة المتعلّقة بسدّ النهضة الإثيوبي الكبير ونزاعها مع إثيوبيا المستمرّ منذ سنوات.
في حين أنّ الدعم الذي قدّمته مصر للصومال مؤخّراً قد يزيد من عداوة أديس أبابا، يُسلّط الضوء على استياء القاهرة من الجمود الحالي في المفاوضات المتعلّقة بتخصيص المياه وسدّ النهضة الإثيوبي الكبير. من جهتها، تعتبر مصر، التي تعتمد أساساً على النيل في إمدادات المياه، سدّ النهضة الإثيوبي الكبير تهديداً لأمنها المائي. وقد أدّى قرار إثيوبيا بناء السدّ وملئه في غياب اتفاق شامل مع دول المصبّ مثل مصر إلى تأجيج التوتّرات. توقّفت المحادثات في ديسمبر الماضي حيث ألقى ممثّل مصر اللوم لفشلها على “رفض إثيوبيا المستمرّ” قبول أيّ حلّ وسط. من ناحيتهم، اتّهم الإثيوبيون مصر بوضع “حواجز“ في المحادثات، ما حال دون التوصّل إلى تسوية.
في هذا السياق، لا بدّ من النظر إلى علاقات مصر العسكريّة والاقتصاديّة المتنامية مع الصومال كجزءٍ من إستراتيجيّتها الأوسع الآيلة إلى مواجهة نفوذ إثيوبيا في القرن الأفريقي وتوسيع نطاق انتشارها في المنطقة. تأمل مصر من خلال توطيد علاقتها مع الصومال بترسيخ التحالف بينهما وتوسيع نفوذها في البحر الأحمر ومضيق باب المندب -الذي يُشكّل نقطة اختناق حيويّة في حركة التجارة البحريّة العالميّة.
صحيح أنّ دعم القاهرة العسكري والاقتصادي لمقديشو يعود بفوائد متبادلة، لكن يبقى أن نرى مدى استدامته في حال تحوّل النزاع بشأن الاتفاق المتعلّق بميناء صوماليلاند إلى مواجهةٍ مباشرة.
تركيا تضطلع بأدوار متعدّدة في القرن الأفريقي
تؤدّي تركيا دوراً ناشطاً للغاية في القرن الأفريقي حيث تنخرط في المجالات كافة بدءاً من روابطها البحريّة والدفاعيّة وصولاً إلى التنقيب عن النفط والغاز وتقديم المساعدات الإنسانيّة وتحقيق الاستقرار ما بعد الصراع. وقد بنت تركيا في الصومال أكبر قاعدة عسكريّة لها في الخارج، كما أنّها ثاني أكبر مستثمر في إثيوبيا.
لذا لم يكن مفاجئاً انخراط أنقرة الكثيف في الدبلوماسيّة الإقليمية، بما فيه في المحادثات المستمرّة بين الصومال وإثيوبيا التي أُطلق عليها لقب “عمليّة أنقرة”. لكنّ الوساطة التركيّة، على نفوذها، لم تُحقّق بعد انفراجاً في الأزمة الحاليّة. وكان من المفترض أن تُعقَد جولةٌ ثالثة من المحادثات في أنقرة في 17 سبتمبر 2024 لكنّها تأجّلت لأجلٍ غير مسمى. غير أنّ وزير الخارجيّة التركي هاكان فيدان بدا متفائلاً في الآونة الأخيرة بشأن احتمال التوصّل إلى حلّ دبلوماسي وقال إنّ تركيا ستتواصل مع الطرفين على حدة لردم الهوة بينهما.
تكمن المسألة الرئيسيّة بالنسبة إلى الصومال في حماية سيادته، أما بالنسبة إلى إثيوبيا الحبيسة فهي الوصول إلى منفذٍ على البحر. وفي وقتٍ تتداخل فيه الديناميّات الأمنيّة بين الشرق الأوسط والدول الخليجيّة والقرن الأفريقي، بغضّ النظر عن نتيجة المحادثات بين إثيوبيا والصومال بوساطةٍ تركية، من المتوقّع أن تُوسّع أنقرة رقعة وجودها الدبلوماسي والجيوسياسي والاقتصادي في القرن الأفريقي.
هل ستواجه الإمارات مأزقاً إستراتيجياً في القرن الأفريقي؟
تُهدّد مذكّرة التفاهم بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال (صوماليالاند) السلام والأمن الهشّين أصلاً في القرن الأفريقي. لا ينبغي التقليل من أهميّة أنّ كل طرف يقدّم تفاصيل مختلفة عن الاتّفاق، لأنّ ذلك قد يؤدّي إلى تبعات غير مقصودة. صحيحٌ أنّ التوتّرات تقتصر حتى الآن على الشعارات والمواقف، إلّا أنّ أيّ تصعيد عسكري قد يجرّ دولاً أخرى إلى الصراع بشكلٍ مباشر أو غير مباشر.
وقد تنجرف دول من خارج القرن الأفريقي، مثل قطر والمملكة العربيّة السعوديّة وتركيا والإمارات العربيّة المتّحدة، نظراً لتزايد انخراطها الاقتصادي والسياسي والأمني في المنطقة. وبينما يبدو أنّ هذه الدول تدعم موقف الصومال الذي يعتبر أنّ الاتّفاق ينتهك سيادته، فقد تضطر بعض هذه الدول إلى إدارة المخاطر وضبط إستراتيجيتها بشكل مختلف في المستقبل.
ينطبق هذا بشكلٍ خاص على الإمارات العربيّة المتّحدة، فقد انتهج الإماراتيّون على مدى أكثر من عقدٍ سياسةً خارجيّة نشطة ومقلقة نوعاً ما تجمع بين أدوات اقتصاديّة وسياسيّة وأمنيّة لكسب النفوذ ودفع مصالحها قدماً بدرجات متفاوتة مع جهات ودول مختلفة داخل المنطقة وخارجها. استخدمت الإمارات العربيّة المتّحدة موانئ دبي العالمية (DP World) والشركات التابعة لها للاستثمار وإدارة (أو تشغيل) العديد من الموانئ على طول الممرّات المائيّة الحيويّة لمضيق باب المندب وخليج عدن، بما فيها ميناء بربرة في إقليم أرض الصومال وميناء بوصاصو في بونتلاند (وهما منطقتان تتمتّعان بالحكم الذاتي في الصومال)، بالإضافة إلى قاعدة عصب العسكريّة في إريتريا وحتى العام 2018 محطة دوراليه للحاويات في جيبوتي.
في حال استمرّ الاتّفاق بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال، كيف سينعكس ذلك على الإمارات العربيّة المتّحدة كونها تمتلك الحصة الكبرى في ميناء بربرة وتُعتَبر المشغّل الرئيسي فيه؟ وهل يمكن أن تعوّل الإمارات على علاقاتها الودّية مع إثيوبيا لبناء وتشغيل المرفق الجديد – مع إمكانيّة تمركز وحدات من البحريّة الإماراتية هناك؟ وفي حال طرأ تصعيدٌ عسكري بين أي من الأطراف، ستواجه الإمارات العربيّة المتّحدة خياراً صعباً: إمّا الانحياز علناً أو سراً مع أحد الأطراف، أو استخدام نفوذها لوقف الصراع.
ميناء بربرة: بؤرة جديدة للتوترات والصراعات في القرن الأفريقي
يمثل تأجير ميناء بربرة لإثيوبيا تهديداً أمنياً متعدّد الأوجه للمنطقة. فعلى الرغم من أنّ هذه الاتفاقية قد تشكّل خطوة إستراتيجية لإثيوبيا في سعيها لتعزيز نفوذها البحري، إلّا أنّها في الوقت ذاته تثير مخاوف أمنية وسياسية جدّية. تكمن التحديات الرئيسية في احتمال تصعيد التوترات الإقليمية القائمة. أولاً، قد يؤدّي هذا التطور إلى تفاقم الخلافات بين الحكومة الصومالية المركزية وإقليم أرض الصومال، ما قد يتسبّب في تداعيات متزايدة. ثانياً، قد يثير وجود إثيوبيا على ساحل البحر الأحمر قلق الدول المجاورة التي قد تعتبره تحدّياً لنفوذها الإستراتيجي.
قد تستغلّ القوى الإقليمية هذا التطوّر لتعزيز نفوذها في المنطقة من خلال دعم الميليشيات المحلّية وتشكيل تحالفات عسكرية جديدة، ما يفاقم النزاعات المسلّحة ويحيل المنطقة إلى ساحة معارك جديدة، وهو ما يهدد الأمن البحري والملاحي. علاوة على ذلك، يزيد هذا التواجد من تعقيد المشهد الأمني في ظل نشاط الجماعات المسلحة سواء على البحر الأحمر ممثلة بجماعة الحوثي أو على البر الصومالي ممثلة كحركة الشباب الصومالية. قد تستغل الأزمة لزيادة نشاطاتها وتسهيل عمليات تهريب الأسلحة، كما استغلت حركة الشباب هذا التطور لتكثيف حملات التجنيد، مستفيدة من الغضب الشعبي الصومالي. يضاف إلى ذلك مخاطر إحياء نشاط القرصنة الصومالية التي عادت للظهور مؤخّراً مع إعادة انتشار القوات البحرية الأمريكية من المحيط الهندي إلى البحر الأحمر. وقد يتطوّر الأمر مع التواجد الإثيوبي على الساحل إلى تحوّل عمليات القرصنة ليأخذ طابعاً قومياً يتمحور حول رواية “الدفاع عن الأراضي الصومالية”، ما يعقّد الوضع الأمني البحري.
رغم الادّعاءات بأنّ وجود قاعدة عسكرية إثيوبية بالقرب من الميناء يمكن أن يسهم في مكافحة القرصنة والإرهاب، إلّا أنّ تجارب القواعد العسكرية الأخرى في المنطقة لم تثبت فعّاليتها في هذا الصدد. بل قد يؤدّي هذا التواجد إلى تأجيج التوترات مع المجموعات المسلّحة المحلّية والإقليمية. في نهاية المطاف، قد يمثّل هذا التطوّر تحوّلاً جيوسياسياً هاماً في منطقة البحر الأحمر في حالة حدوثه، مع تداعيات محتملة واسعة النطاق على الأمن الإقليمي والتجارة العالمية. وستعتمد النتائج في نهاية المطاف على كيفية إدارة هذا التطوّر من قبل جميع الأطراف المعنية وقدرتهم على موازنة المصالح المتضاربة وتجنّب التصعيد.
جيبوتي تسعى لزيادة نفوذها على إثيوبيا
منح اتّفاق السلام الذي وقّعت عليه إثيوبيا وإريتريا في العام 2018 أديب أبابا منفذاً مباشراً على ميناءي مصوع وعصب. لكنّ ذلك لم يُتَرجم على أرض الواقع حتى الآن ولن يتحقّق سياسياً في الأمد القصير، ما يترك أكبر دولة حبيسة في العالم من حيث عدد السكان في أمسّ الحاجة إلى بديل.
قد يُشكّل تأجير ميناء بربرة إنجازاً مهمّاً لإثيوبيا، حيث أنّ جيبوتي تُسيطر حالياً على تجارتها. في الواقع، يمّر نحو 95 في المئة من التجارة الإثيوبيّة عبر ميناء جيبوتي بكلفةٍ لا تقلّ عن 1,5 مليار دولار من رسومٍ سنويّة. وقد عرضت جيبوتي على أديس أبابا تشغيل ميناء تاجوراء الشمالي بشكلٍ مشترك بذريعة تهدئة التوتّرات الإقليمية في أعقاب التوقيع على مذكّرة التفاهم. إلّا أنّ إثيوبيا متردّدة على الأرجح في التنازل عن المزيد من النفوذ الاقتصادي لجيبوتي عوضاً عن الوصول إلى ميناء مباشر بموجب اتّفاق يتضمّن الاستخدام البحري.
لا شكّ في أنّ عرضاً أكثر إنصافاً من جيبوتي لتهدئة التوتّرات بشكلٍ ملموس سيتضمّن تنازلات اقتصاديّة للتخفيف من الرسوم وتيسير التجارة بشفافيّةٍ وشرعيّة أكبر. وهذا بدوره قد يساهم في الحدّ من التجارة غير المشروعة بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال على طول الممرّ التجاري في بربرة. وأمام أديس أبابا خيارات أخرى على الأمد القصير منها الحدّ من مطالبها بمنفذٍ بحري لأغراض تجاريّة وقنونة المفاوضات عبر القطاع الخاص والتركيز على التعاون التجاري.
ويعمل عددٌ من الدول الخليجية، بالإضافة إلى تركيا وإيران، على توسيع تواجدها في منطقة القرن الأفريقي. وفي قلب هذا الانخراط تتجلّى الاستثمارات في قطاعات الأعمال الزراعية والطاقة والمعادن الحيوية والبنية التحتية، بخاصة الموانئ. كما أنّ قرب القرن الأفريقي من البحر الأحمر يجعله نقطة مركزية في طرق التجارة العالمية، حيث يبقى مضيق باب المندب نقطة اختناق إستراتيجية. وفي الوقت نفسه، تواجه الممرّات البديلة الطموحة، مثل الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا المدعوم من واشنطن ومشروع الطريق التنموي، عقبات كبيرة في التمويل والتنفيذ.
تأثير الدول الخليجيّة أساسي لتهدئة التوتّرات في القرن الأفريقي
يعمل عددٌ من الدول الخليجية، بالإضافة إلى تركيا وإيران، على توسيع تواجدها في منطقة القرن الأفريقي. وفي قلب هذا الانخراط تتجلّى الاستثمارات في قطاعات الأعمال الزراعية والطاقة والمعادن الحيوية والبنية التحتية، بخاصة الموانئ. كما أنّ قرب القرن الأفريقي من البحر الأحمر يجعله نقطة مركزية في طرق التجارة العالمية، حيث يبقى مضيق باب المندب نقطة اختناق إستراتيجية. وفي الوقت نفسه، تواجه الممرّات البديلة الطموحة، مثل الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا المدعوم من واشنطن ومشروع الطريق التنموي، عقبات كبيرة في التمويل والتنفيذ.
لقد أجّجت هذه المصالح الاقتصاديّة المنافسةَ المتنامية بين هذه الدول في المجال الأمني، فحوّلت القرن الأفريقي إلى ساحة معركة بالوكالة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا والقوى العالميّة. وفي هذا السياق المتقلّب -وفيما لا تزال حرب إسرائيل على غزة المستمرّة منذ حوالي عام تؤجّح الاضطرابات في البحر الأحمر- يظلّ عمق انخراط الدول الخليجيّة في القرن الأفريقي وتداعياته الجيوسياسيّة سؤالاً مطروحاً إنّما جوهريّاً.
بأيّ حال، فإنّ الدول الخليجيّة في وضعٍ يُخوّلها الاستفادة من قدرٍ أكبر من الاستقرار في القرن الأفريقي ويسمح لها بتهدئة التوتّرات والتوسّط لإبرام اتّفاقات بديلة وضمانها بهدف تبديد المخاوف التي تُساور إثيوبيا والدول المجاورة. غير أنّ تحقيق هذا الهدف سيتطلّب تعزيز التعاون داخل القرن الأفريقي عوضاً عن استغلال الانقاسامات لجني مكاسب سياسيّة واقتصاديّة قصيرة الأمد -وهي إستراتيجيّة لا تزال انعكاساتها الكارثيّة تُلقي بظلالها على السودان واليمن ودول أخرى.
إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّف حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.