أطفال سوريون يتجمّعون في مخيّم للاجئين في منطقة سعدنايل في وادي البقاع شرق لبنان، 13 يونيو 2023 (وكالة الصحافة الفرنسية)

المساعدات الأوروبية للاجئين السوريين: معالجة الاحتياجات المستمرّة في تركيا ولبنان

إنّ استمرار مساعدات الاتحاد الأوروبي للاجئين السوريين في تركيا ولبنان أمرٌ بالغ الأهميّة، لكن لا بدّ من أن يكون مشروطاً بحماية حقوق اللاجئين وإصلاحات شاملة لضمان استدامة المساعدات وفعّاليتها على المدى الطويل.

23 يونيو، 2024
أوزغي غينج، ميسا بارود

في أواخر مايو من هذا العام، تعهّد الاتحاد الأوروبي وجهات مانحة دولية أخرى بتقديم 7,5 مليار يورو (8 مليارات دولار) في شكل منح وقروض لدعم ملايين السوريين النازحين داخل سوريا وخارج حدودها بسبب الحرب الأهلية المدمّرة والمستمرّة منذ 13 عاماً. وما قد يبدو مبلغاً ضخماً تمّ التعهّد به في مؤتمر بروكسل لـ «دعم مستقبل سوريا والمنطقة»، ليس إلّا استكمالاً لانخفاض المساعدات المستمرّ منذ سنوات، وحتى التعهّدات السابقة لم تُدفع بالكامل دائماً. ويشير ذلك إلى إجهاد الجهات المانحة وتغيّر الأولويات على الرغم من الحاجات الهائلة المستمرّة. فضلاً عن ذلك، نظراً لأنّ الاتحاد الأوروبي يجيّر دوره في أزمة اللاجئين السوريين إلى البلدان المضيفة، فهو يقوّض قدرته على معالجة مسألة الهجرة الناجمة عن الصراع وحماية الحقوق الأساسية وسلامة ملايين السوريين. وعلى الرغم من إنفاق المليارات من اليوروهات في البلدان المضيفة، تحدّ الاحتياجات المتزايدة من فعالية المساعدات الأوروبية.

 

لقد تأثّرت المنطقة بشكلٍ كبير بالحرب في سوريا، لا سيّما تركيا ولبنان المجاورين واللذين تحمّلا العبء الأكبر من أزمة اللاجئين. وعلى الرغم من الاختلافات الكبيرة بين البلدين في الناتج المحلي الإجمالي وعدد السكان والجغرافيا، يواجه كلاهما تحدّيات مماثلة في إدارة تدفّق النازحين. تستضيف تركيا أكثر من 3,6 مليون لاجئ سوري مسجّلين بموجب نظام الحماية المؤقتة، ويشكّل هؤلاء العدد الأكبر من اللاجئين السوريين في أي بلد. أمّا لبنان، وهو بلد صغير جداً بالمقارنة مع تركيا وسوريا، فقد استضاف ما يقدّر بنحو 1,5 مليون سوري بين سكّانه البالغ عددهم 5,5 مليون نسمة فقط، ما يشكّل أعلى نسبة لاجئين إلى المقيمين في العالم. والأسوأ ما في الأمر هو أنّ نحو نصف النازحين السوريين فقط في لبنان مسجّلون لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وأغلبهم ليس لديهم أي وثائق إقامة رسمية. ومنذ بدء تدفّق السوريين، لم يُطبّق الكثير من السياسات التي تهدف إلى دمج اللاجئين (لاسيما كحل دائم)، على الرغم من البرامج التي تهدف إلى تعزيز التماسك الاجتماعي. كما شهد كلا البلدين دعوات متزايدة لإعادة اللاجئين السوريين. وتتجاهل هذه الفجوة في السياسات تعقيدات الصراع السوري، وتترك اللاجئين يعيشون في حالة من انعدام اليقين.

 

وتشير تقارير من تركيا ولبنان إلى أنّ اللاجئين الذين يعودون إلى سوريا يواجهون انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقال التعسّفي والاحتجاز وحتى التعذيب. وعلى الرغم من سوء المعاملة المُزمن في البلدان المضيفة، بما في ذلك التمييز وجرائم الكراهية والحرمان الاجتماعي والاقتصادي والعقبات البيروقراطية وتصاعد المشاعر المعادية للاجئين، بالإضافة إلى رغبة عدد كبير منهم في العودة إلى ديارهم، يفّضل الكثير من اللاجئين البقاء في بلدانهم المضيفة في الوقت الراهن.

 

 

حلول قصيرة الأجل لتحدّيات طويلة الأجل

في العام 2016، توصّل المجلس الأوروبي وتركيا إلى اتفاقية هجرة لوقف تدفّق المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا عبر دعم توطينهم في الأراضي التركية. ومنذ العام 2011، تلقّت تركيا نحو 10 مليار يورو (10,8 مليار دولار) في شكل مساعدات من الاتحاد الأوروبي لتحقيق هذه الغاية. وساهمت هذه المساعدات بشكل أساسي في توفير الحمايات القانونية والاجتماعية، والرعاية الصحية، والتعليم، والدعم الاجتماعي والاقتصادي، والتحويلات النقدية للسوريين، فضلاً عن دعم البنية التحتية للبلديات.

 

ولكن الاتفاقية تعرّضت لانتقادات بسبب تركيزها المتصوَّر على الحفاظ على حدود الاتحاد الأوروبي آمنة من دون المساهمة بشكلٍ كافٍ في الحلول طويلة الأجل في مجالات التوظيف أو التعليم أو التكامل الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، تضمن هذه الاتفاقية الإغاثة المؤقّتة بدلاً من أن تقدّم حلولاً بنيوية ومستدامة للتكامل والاستقلالية الاجتماعية والاقتصادية. ويحاجج الناقدون بأنّ دور الاتحاد الأوروبي، كجهة مالية أولاً، قد أسفر عن جهود معزولة لأزمة المهاجرين بدلاً من إنتاج خطّة شاملة. وقد دعم الاتحاد، بسبب فشله بالضغط لتطبيق سياسات شاملة، بشكلٍ ضمنيّ الحالة المؤقّتة التي قدّمتها تركيا للاجئين.

 

ورُبِط هذا النهج أيضاً بخطاب السياسيين عن العودة وغذّى العقبات البيروقراطية والأمنية الداخلية التي يواجهها السوريون، كما واصلت تركيا مساعيها لمنع تعاظم أزمة اللاجئين وتحوّلها إلى أزمة اجتماعية. وفي خلال الحملات الانتخابية الأخيرة، تفاقمت هذه التحدّيات بفعل تسييس قضيّة المهاجرين السوريين والدعوات إلى عودتهم. وتواجه المؤسّسات في تركيا كذلك تحدّيات في ضمان حقوق الإنسان وكرامة اللاجئين، ما يصعْب دمج اللاجئين في الحياة الاجتماعية والاقتصادية. وغالباً، لا يتمّ الإبلاغ عن حالات العنف والتعسّف بين المجتمعات المضيفة واللاجئين السوريين، وبالتالي تستمرّ التوترات.

 

وعلى نحو مماثل، فشلت الاتفاقات التي أبرمها الاتحاد الأوروبي مع لبنان، مثل الاتفاقية الموقّعة في العام 2016، في تحقيق النتائج المرجوّة ولا سيما في ما يتعلّق بتعزيز «الاستقلالية الذاتية» للاجئين عبر توفير فرص العمل وتنظيم وضعهم. وأفادت التقارير أنّ نحو 95 في المئة من السوريين في لبنان كانوا يعملون بشكل غير نظامي في العام 2021، بينما استحصل 20 في المئة من السوريين فقط على إقامة قانونية في العام الماضي. ومنذ دخول الاتفاقية حيّز التنفيذ، دفعت الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة، والسياسات التقييدية، وتناقص المساعدات، وزيادة الحملات الأمنية والقمع الممارس من القوى الأمنية الكثير من اللاجئين السوريين إلى طرق الهجرة غير النظامية باتجاه أوروبا.

 

جاء ردّ الاتحاد الأوروبي بالإعلان عن حزمة بقيمة مليار يورو ( 1,08 مليار دولار) للبنان في العام 2024، يهدف الجزء الأكبر منها إلى تحقيق استقرار الاقتصاد اللبناني المنهار ودعم الخدمات الأساسية ومن ضمنها الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية. وتتضمّن الاتفاقية أيضاً دعماً لضبط الحدود والهجرة بهدف إعاقة هجرة اللاجئين السوريين إلى أوروبا. غير أنّ هذه الاتفاقية لا تتطرّق إلى الإصلاحات الاقتصادية أو البنيوية الضرورية لدعم لبنان في مواجهة أزمته المالية والاقتصادية المستمرّة، بالتالي، فهي لا تعالج الأسباب الجذرية لهذه الأزمة، لذلك من غير المرجح أن توفّر حلولاً مستدامة طويلة الأجل للاجئين ومجتمعاتهم المضيفة. وعلى الرغم من تلقّي لبنان مساعدات بنحو 3 مليار يورو منذ بداية الأزمة لتعليم للاجئين وتوفير الخدمات الصحية والحماية وتحسين سبل عيشهم والتنمية المحلية، كان نحو 90 في المئة من السوريين في لبنان يعيشون في فقر مدقع في العام 2023. وقد أدّى تنامي خطاب الكراهية تجاه اللاجئين من قبل الحكومة والأحزاب السياسية إلى تقويض الاستقرار الاجتماعي.

 

والواقع أنّ هذه الاتفاقات، التي تهدف في المقام الأول إلى تأمين حدود الاتحاد الأوروبي والحفاظ على توازنه السياسي الداخلي، قد أعطت الدولَ المضيفة نفوذاً متزايداً، ما حدّ بشكل كبير من قدرة الاتحاد الأوروبي على الدفع نحو سياسات أفضل تجاه اللاجئين السوريين. وقد خلق ذلك بدوره حالة تحوّل ملايين السوريين بموجبها إلى مجرّد أوراق مساومة في المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي والدول المضيفة، لا سيّما تركيا ولبنان والأردن.

 

من المستفيد حقّاً؟

أحد المقاييس الرئيسة لفعالية هذه المساعدات هو تبيان ما إذا كانت تصل إلى الأشخاص الذين يحتاجون إليها، أو إذا كانت عالقة في بيروقراطيات المنظّمات الحكومية أو غير الحكومية. في تركيا ولبنان، تقسّمت المساعدات بشكل أساسي بين الحكومات والمنظمات الدولية، ومن ضمنها مؤسّسات التنمية في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ووكالات الأمم المتحدة، والمؤسّسات المالية الدولية. ومع ذلك، أثار مدقّقو الحسابات في الاتحاد الأوروبي مخاوف بشأن تأثير هذه الأموال واستدامتها. وقد ألقى الافتقار إلى الشفافية شكوكاً على فعّالية المساعدات، التي أصبحت محدودة أيضاً بسبب استبعاد الجهات الفاعلة المحلية من المفاوضات المتعلّقة بها.

 

وفي الوقت نفسه، يذهب جزء كبير من الأموال لتغطية التكاليف الإدارية للمنظّمات العاملة في البلدان المضيفة. وتتفاقم هذه المشكلة بسبب اعتماد المنظّمات على خبراء من دول أخرى، غربية في الغالب، لإدارة المشاريع، ما يرفع الكلفة ويستبعد الخبراء المحليين. وعلى الرغم من بعض الدعم المقدّم للمنظّمات المحلية، لا تصل أموالاً كافية إلى الأشخاص الأكثر اطّلاعاً على الواقع الميداني. وتبرز أيضاً فجوة كبيرة في الأجور بين عمّال الإغاثة المحليين والأجانب، ما يخلّ بتوازن القوى ويحدّ من التأثير المحتمل لهذه الأموال في تنمية المجتمع المدني.

 

وفي الوقت الذي يرزح فيه ملايين اللاجئين السوريين تحت ظروف تهدّد سبل عيشهم، يصبح استمرار الدعم والمساعدات من الاتحاد الأوروبي أمراً بالغ الأهميّة. مع ذلك، يجب أن تقترن هذه المساعدات بشروط وإصلاحات شاملة لضمان استدامتها وفعّاليتها على المدى الطويل. في لبنان، لا بدّ من أن يشكّل ضمان حماية اللاجئين من خلال تسهيل إقامتهم القانونية شرطاً أساسياً. وفي كلّ من لبنان وتركيا، يجب أن تعطي الجهود الأولوية لإدراج اللاجئين السوريين في سوق العمل النظامية. وفي النهاية، لا بدّ من أن تكون اتفاقيات المساعدات مشروطة بضمان حماية حقوق اللاجئين حتى يتمكّنوا من العيش بكرامة وأمان في البلدان المضيفة.

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفيها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: الحرب الأهلية
البلد: تركيا، سوريا، لبنان

المؤلّفون

زميلة زائرة
أوزغي غينج هي زميلة زائرة في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية. وكانت سابقاً مديرة البحوث في مركز دراسات السياسة العامة والديمقراطية في مدينة إسطنبول التركية. وشغلت قبل ذلك منصب مديرة برنامج تحقيق الديمقراطية في المؤسسة التركية للدراسات الاقتصادية والاجتماعية. وكانت أيضاً خبيرة أولى في مجال الحوكمة الديمقراطية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وفي مؤسسة التعليم… Continue reading المساعدات الأوروبية للاجئين السوريين: معالجة الاحتياجات المستمرّة في تركيا ولبنان
زميلة زائرة مشتركة
ميسا بارود هي زميلة زائرة مشتركة بين مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية ومعهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية.    كانت بارود سابقاً باحثة أولى في شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، حيث تولّت تنسيق إعداد تقرير الراصد العربي حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مع التركيز على الحق في الصحة(2022 – 2023). وعملت بارود أيضاً في… Continue reading المساعدات الأوروبية للاجئين السوريين: معالجة الاحتياجات المستمرّة في تركيا ولبنان