مبنى متضرر إثر هجوم إسرائيلي على قادة حماس في الدوحة، قطر، 9 سبتمبر/أيلول 2025.

الغارة الإسرائيلية على الدوحة: ماذا تعني للمنطقة؟

في هذا العدد من آراء من المجلس، يتفاعل خبراء مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية مع الخطوة الإسرائيلية غير المسبوقة وتداعياتها على الخليج وعلاقاته مع الولايات المتّحدة وعلى المنطقة ككل.

11 سبتمبر، 2025

في 9 سبتمبر الجاري، أطلقت القوّات الإسرائيلية عدداً من الصواريخ على حيّ سكني في الدوحة، استهدفت اجتماعاً لقيادات رفيعة من حركة حماس كانوا يناقشون المقترح الأمريكي الأخير لوقف إطلاق النار في غزّة. أسفر الهجوم عن مقتل ستة أشخاص، من بينهم مسؤول أمني قطري، من دون أن يُصاب أحد من المستهدفين الرئيسيين. أثار الاعتداء ردود فعل غاضبة على مستوى العالم، وفيما تعهّدت قطر بالردّ، زعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه لم يكن على علم بالهجوم المُخطّط له، وأنه حاول تحذير قطر لكن بعد فوات الأوان.

 

في هذا العدد من آراء من المجلس، يتفاعل خبراء مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية مع الخطوة الإسرائيلية غير المسبوقة وتداعياتها على الدول الخليجية وعلاقاتها مع الولايات المتّحدة، وعلى المنطقة والدبلوماسية بشكل عام.

 

موت الدبلوماسية؟ هجوم إسرائيل على قطر ومستقبل الوساطةداليا غانم

من ساعٍ إلى الردع إلى ساعٍ إلى الهيمنة: يجب إيقاف إسرائيل – عمر عبد الرحمن

على دول الخليج إعادة تشكيل تصوّرها للتهديدات الإقليمية والتصرّف على هذا الأساس – راشد المهندي

الهجوم الإسرائيلي على الدوحة قد تكون له تداعيات بعيدة المدى – رانج علاء الدين

تفكّك إسرائيل الأخلاقي والانزلاق نحو الجنون – نادر قباني

تريليونا طريقة للضغط على إدارة ترامب؟ – عادل عبد الغفار

 

 

موت الدبلوماسية؟ هجوم إسرائيل على قطر ومستقبل الوساطة

داليا غانم

 

شكّل الهجوم الإسرائيلي على الدوحة صدمة عميقة إلى الممارسات الدبلوماسية الدولية، وألقى بظلال من الشكّ على مستقبل الوساطة. فبضربها دولة ذات سيادة تستضيف محادثات بطلب من الولايات المتّحدة، تجاوزت إسرائيل حدود العمل العسكري التقليدي، في اعتداء مباشر على مبدأ الحياد الذي يعدّ أساس أي تسوية سلمية للنزاعات.

 

أدان رئيس الوزراء القطري آل ثاني الهجوم، الذي أودى بحياة ضابط أمني قطري وعدد من أعضاء من وفد حركة حماس، واصفاً إياه بـ «إرهاب دولة»، وهو توصيف دقيق يضع الضربة في إطار جهد متعمّد لعرقلة مسار التفاوض، لا كعمل دفاعي. ومن المرجّح أنّ تدفع هذه الخطوة الإسرائيلية الفجّة، التي تجاهلت بوضوح مصالح حلفائها الأمنيين المتضرّرين، قطر إلى إعادة النظر في دورها كوسيط. وإذا أفضت هذه المراجعة إلى انسحاب قطر من طاولة المفاوضات، فقد يؤدّي ذلك إلى تعطيل مباحثات وقف إطلاق النار، وإجبار قيادة حماس على الانتقال إلى أماكن أشدّ تعقيداً من حيث الوصول، ما سيجعل أي محادثات مستقبلية أكثر صعوبة.

 

غير أنّ التداعيات تتجاوز هذا النزاع المباشر ما لم يُواجَه الهجوم بعقاب رادع. فاستعداد إسرائيل لاستهداف أرض دولة وسيطة يبعث برسالة مرعبة إلى أي بلد يفكّر في تأدية دور ضمن عملية سلام شاقة: فالانخراط في الدبلوماسية قد يحوّل الدولة نفسها إلى هدف. وبهذا يؤسّس هذا السلوك الخطير لسابقة جديدة تهدّد بنية الحلول السلمية برمّتها، وتنبئ بتحوّل نحو عالم أكثر اضطراباً، حيث لا تعود الدبلوماسية درعاً بل هدفاً، وإلى عالم تُقوّض فيه مساعي الوساطة أكثر فأكثر بفعل إجراءات عسكرية أحادية تقدم عليها دول مارقة مثل إسرائيل، تاركة الوسطاء أمام سؤال مُقلق: هل بات ثمن السعي إلى السلام اليوم هو المخاطرة بخوض الحرب؟

 

 

من ساعٍ إلى الردع إلى ساعٍ إلى الهيمنة: يجب إيقاف إسرائيل

عمر عبد الرحمن

 

يؤكّد هجوم إسرائيل على الأراضي السيادية لقطر – إن لم يكن ذلك قد اتضح بالفعل بعد نحو عامين من الإبادة الجماعية في غزة – أنها الخطر الأكبر على الأمنين الإقليمي والعالمي. فإسرائيل دولة مارقة، تعمل خارج حدود القانون والأعراف الدولية، ويهدّد إفلاتها الفجّ من العقاب النظام الدولي برمّته.

 

إقليمياً، انتقلت إسرائيل من موقع الساعي إلى الردع إلى الساعي إلى الهيمنة، إذ باتت تهاجم من تشاء، أينما تشاء، وساعة تشاء، مدفوعة بوهم التحوّل إلى القوة المهيمنة في الشرق الأوسط تحت مظلة الحماية الأمريكية. وقد أثارت هذه النزعة تحذيرات متصاعدة في المنطقة، بعدما تجاوزت إسرائيل كل الخطوط الحمراء المُمكنة بمهاجمتها سبع دول منذ 7 أكتوبر 2023، في حين جاء اعتداؤها الأخير على دولة تتوسّط للتوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار كأكثر تلك الهجمات فجوراً.

 

غير أنّ استهداف دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي يضع واشنطن أمام موقف بالغ الحرج، بعدما أخفقت في الوفاء بضماناتها الأمنية للدول الخليجية في مواجهة إسرائيل التي تقوّيها من دون أن تستطيع السيطرة عليها. وبينما يواصل ترامب محاولة التبرؤ من العملية الإسرائيلية في الدوحة، تبقى الأسئلة قائمة عن مدى معرفة إدارته بالهجوم مسبقاً، ولماذا لم يتمّ إيقافه. لكن السؤال الأهم الذي يواجه شركاء الولايات المتّحدة في المنطقة اليوم هو: ماذا ستفعل إدارة ترامب لوقف إفلات إسرائيل من العقاب وكبح جماح هذه الدولة المارقة؟ وفي هذه الأثناء، ينبغي على جميع الأطراف المعنية تقييم سبل العمل الجماعي الممكنة قبل أن تتعاظم الطموحات الإسرائيلية للهيمنة مستندة إلى حصانتها من العقاب، مع توسّع تعريفها لما يعدّ تهديداً.

 

 

على دول الخليج إعادة تشكيل تصوّرها للتهديدات الإقليمية والتصرّف على هذا الأساس

راشد المهندي

 

تزداد البيئة الإستراتيجية في الخليج خطورة بوتيرة متسارعة. فقد اخترقت الهجمات الإيرانية والإسرائيلية الأخيرة على قطر شعور الأمان السائد في المنطقة وكشف عن هشاشة أمنية عميقة. ولا ينبغي النظر إلى هذه الهجمات كحوادث استثنائية، إذ إنها تأتي ضمن مسار أوسع من فشل الردع، بدأ بالهجوم على منشآت النفط في بقيق في المملكة العربية السعودية في العام 2019، ثم هجمات الطائرات المسيّرة والصواريخ على الإمارات العربية المتحدة في العام 2022، وكلاهما ارتبط بإيران ووكلائها. أمّا الهجوم على الدوحة هذا الأسبوع فليس الأول الذي تنتهك فيه إسرائيل سيادة دولة خليجية؛ ففي العام 2010 دخل عملاء إسرائيليون إلى الإمارات العربية المتّحدة بجوازات سفر مزوّرة ومسروقة لاغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح داخل أحد فنادق دبي.

 

وعند وضع أحداث الأشهر الثلاثة الماضية في سياق العقد الأخير، يتبيّن أن على الدول الخليجية إعادة تشكيل تصوّرات للتهديدات الصادرة عن كلٍّ من إيران وإسرائيل على نحو جذري. فمع استمرار التهديد المتصاعد من هاتين القوتين الإقليميتين، تصبح مراجعة السياسات الأمنية والدفاعية والسياسية للدول الخليجية ضرورة ملحّة، خصوصاً في ظل الإخفاقات المتكرّرة للضمانات الأمنية الغربية، التي بلغت اليوم حدّ التواطؤ. فعندما طُرِحت أمام الغرب معادلة دعم الدول الخليجية أو دعم إسرائيل، كان الاختيار واضحاً لصالح الأخيرة، على الرغم من كونها دولة مارقة ترتكب مجازر وتتهيّأ لفرض هيمنة إقليمية.

 

ولا تملك الدول الخليجية خياراً آخر لتحقيق أهدافها الدفاعية والأمنية سوى ببناد منظومة دفاعية وأمنية جماعية تتمحور حول مجلس التعاون الخليجي. كما يتعيّن عليها تنويع شراكاتها الأمنية بعيداً عن الترتيبات التقليدية التي لم تفشل في جعل الخليج أكثر أمناً فحسب، بل عزّزت مستوى خطيراً من التبعية، وهو ما سيتطلب جهداً وموارد ووقتاً وإرادة سياسية لتصحيحه.

 

لا ينبغي أن يمرّ هجوم الثلاثاء بلا رد من مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي. فإذا لم يواجه بخطوة حاسمة، ستتكرر حوادث مماثلة بوتيرة متزايدة، وقد تتحوّل إلى أمر اعتيادي في هذا العالم المتغيّر.

 

 

الهجوم الإسرائيلي على الدوحة قد تكون له تداعيات بعيدة المدى

رانج علاء الدين

 

أحدثت الغارات الإسرائيلية على الدوحة صدمة قوية في مختلف أنحاء منطقة الخليج العربي. ويحمل هذا الهجوم تداعيات على مستويات عدّة. أولًا، يلقي بظلاله على تحالف قطر مع الولايات المتّحدة، إذ من غير المرجّح، إن لم يكن من المستحيل، أن لا تكون واشنطن على علم مُسبق بالهجوم، وهو ما يجعلها متواطئة. وقد يترتب على ذلك تداعيات تمسّ المصالح الأمنية الأمريكية، بالنظر إلى أن قطر حليف قديم لواشنطن وتستضيف أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة، فضلًا عن دورها المحوري في مكافحة الإرهاب.

 

قد يحاول البعض عقد مقارنات بين الهجوم الإسرائيلي وبين الضربات الأمريكية الموجّهة في أفغانستان أو باكستان، لكن هذه الحجّة غير منطقية. لا تضطلع قطر بأي دور تمكيني لحماس أو لهجماتها ضدّ إسرائيل، بينما استضافت كلّ من باكستان وأفغانستان أجزاء واسعة من بنية تنظيم القاعدة التحتية، وقدّمت له دعماً استخباراتياً وعسكرياً ومالياً واسعاً. والواقع أنّ قطر استضافت المكتب السياسي لحركة حماس بناءً على طلب من واشنطن، وقد استعانت كلٌّ من إدارتَي ترامب وبايدن بوساطتها وبقنوات تواصلها مع الحركة. صحيح أن وجود المكتب السياسي لحماس في الدوحة يمكن أن يكون موضع جدل، لكن شنّ غارة جوّية في عمق أراضي حليف رئيس للولايات المتحدة يُحدث تحوّلاً خطيراً لصالح أعداء أمريكا في المنطقة.

 

سيستمد النظام الإيراني وحلفاؤه ووكلاؤه، فضلاً عن جماعات متشدّدة أخرى هاجمت علاقات قطر الوثيقة مع الغرب، شعوراً بالقوة من الهجوم الإسرائيلي. وقد تكون التداعيات بعيدة المدى فعلاً، إذ يثير الهجوم على حليف لواشنطن الشكوك والقلق بين حلفاء آخرين للولايات المتحدة – في مجلس التعاون الخليجي وخارجه – حيال التزامات إدارة ترامب وضماناتها الأمنية، في توقيت شديد الحساسية، إذ تستعد المنطقة لاحتمال تجدّد الحرب بين إسرائيل وإيران، واستمرار حالة عدم اليقين في سوريا، وإمكانية عودة تنظيم الدولة الإسلامية.

 

 

تفكّك إسرائيل الأخلاقي والانزلاق نحو الجنون

نادر قباني

 

تنخرط حكومة إسرائيل، بشكل منهجي وواسع، في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية، وفق ما تؤكد منظمات دولية بارزة وأكاديميون. لكنك لست بحاجة إلى أن تكون خبيراً قانونياً لتدرك ما يجري في غزة. يكفي أن تشهد المأساة الإنسانية هناك: أكثر من 65 ألف قتيل، 80 في المئة منهم مدنيون، تدمير أكثر من 70 في المئة من مباني غزة، بما في ذلك المدارس والمستشفيات، وتشريد 90 في المئة من السكان، كثير منهم يواجه ظروف المجاعة.

 

فماذا تفعل دولة تجاوزت خط الإبادة الجماعية الأحمر؟ أي شيء تشاء. لقد استهدفت إسرائيل مراراً أهدافاً عسكرية ومدنية في لبنان وسوريا وإيران واليمن: غزت أراضٍ في سوريا واستولت عليها، وسرّعت وتيرة الاستيلاء على الأراضي في الضفة الغربية الفلسطينية، وهاجمت كل من تجرأ على انتقادها. وفي 9 سبتمبر 2025، استهدفت اجتماعاً لقيادات من حماس في قطر كانوا يناقشون مقترحاً للسلام، ما أسفر عن مقتل ستة أشخاص، من بينهم مسؤول أمني قطري. كما استهدفت قوارب مساعدات متّجهة إلى سكّان غزة في تونس.

 

مع كل عمل عنف، ومع كل تقويض للأعراف الدبلوماسية، ومع كل خط أحمر تتجاوزه، تواصل إسرائيل الادعاء بأن أفعالها مبررة. إنها تعاني مزيجاً ساماً من الهوس والبرّ الذاتي والشعور بالحصانة، فتضرب أصدقاءها وأعداءها على السواء. على المجتمع الدولي أن يتحرّك بسرعة وحزم لوقف هذا الجنون. وتشكّل الجمعية العامة المقبلة للأمم المتحدة فرصة لتوجيه رسالة لا لبس فيها. ويجب على الدول الخليجية أن تقف صفاً واحداً خلف قطر، وأن تتبنّى موقفاً موحّداً ضد العدوان الإسرائيلي، بما في ذلك تجميد اتفاقات أبراهام، إلى أن توقف إسرائيل عدوانها. يجب أن يكون الهجوم على قطر جرس إنذار للجميع، ولا سيما للولايات المتحدة، التي قوّضت إسرائيل مصالحها ومصداقيتها عن عمد وبتهوّر.

 

 

تريليونا طريقة للضغط على إدارة ترامب؟

عادل عبد الغفار

 

قد لا تمتلك الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي قوّة عسكرية ذات ثقل عالمي، ولكنها باتت تؤكّد حضورها أكثر فأكثر ضمن اللاعبين الإقليميين والدوليين المؤثرين. على مدى العقود الماضية، طوّرت دول مجلس التعاون الخليجي أدوات سياسية خارجية معقّدة ومتعدْدة الأبعاد، كان للسياسات الاقتصادية دور مركزي فيها. وتشمل هذه الإستراتيجية توظيف الاستثمارات، والصفقات التجارية، والمساعدات الإنسانية لتعزيز العلاقات الدبلوماسية وتوسيع النفوذ العالمي.

 

وفي خلال زيارته إلى دول مجلس التعاون الخليجي في مايو الماضي، تباهى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتوقيع صفقات تتجاوز قيمتها تريليوني دولار مع قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وتمنح هذه الاستثمارات، إلى جانب النفوذ المتنامي للدول الخليجية في دوائر صنع القرار الأمريكية، مجلس التعاون الخليجي أوراق ضغط بالغة الأهمّية. فإذا قرّر القادة الخليجيون التحرك بشكل جماعي، يمكنهم تعليق أو تأجيل هذه الاستثمارات لاستخدامها كوسيلة ضغط على ترامب لكبح نتنياهو وإسرائيل، ومنع تكرار الهجمات على قطر، كما جرى التهديد به. كما يمكن أن يسهم هذا الضغط في تعزيز الضمانات الأمنية الأمريكية، والدفع نحو إنهاء الصراع المستمرّ في غزة الذي يواصل زعزعة استقرار المنطقة برمّتها.

 

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: آراء من المجلس، العلاقات الإقليمية
البلد: فلسطين، قطر