نازحون جالسون في ساحة الشهداء في بيروت في 10 أكتوبر 2024. (تصوير جوزيف عيد / فرانس برس)

الصراع في لبنان سيؤدّي إلى تفاقم الأزمة الاقتصاديّة القائمة

تعاني البلاد أضراراً جسيمة في البنى التحتيّة وتدهوراً حاداً في النشاط التجاري وانهياراً شبه كامل لقطاع السياحة

16 أكتوبر، 2024
ناصر السعيدي

يرزح لبنان تحت وطأة أزمةٍ إنسانيّة حادّة. فقد تسببت الهجمات التي شنّتها إسرائيل بمقتل أكثر من ألفي شخص و9جرح  آلاف .

 

وألحقت الضربات على مدى الأسبوعين الماضيين بأضرار جسيمة في البنى التحتيّة الأساسيّة والمرافق العامة وشبكات المياه والصرف الصحّي والكهرباء والطرق، بالإضافة إلى تدهور كبير في النظام الصحّي للبلاد.

 

وباتت أجزاء كبيرة من ضاحية بيروت الجنوبيّة ومن جنوب لبنان تحت الأنقاض. وهُجّر أكثر من 1,2 مليون شخص قسراً – أي نحو 20 في المئة من السكان- في بلدٍ غير مجهَّز بتاتاً لمواجهة أزمة إنسانيّة كبرى.

 

وترزح الدولة أساساً تحت وطأة أكبر عددٍ من اللاجئين للفرد الواحد في العالم. ويؤجّج الغيابُ شبه التام للموارد الماليّة هذه التحدّيات الإنسانيّة واللوجستيّة والتشغيليّة.

 

بلدٌ غارق في أزمات متعدّدة

 

يفاقم الدمار الذي نشهده حدّة البؤس المستشري في لبنان والأزمات المتعدّدة على المستويات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والبيئيّة. ويصادف هذا الشهر الذكرى السنويّة الخامسة لبداية الأزمة الماليّة في لبنان-التي تُعتبَر الأسوأ والأعمق في التاريخ المالي العالمي.

 

ويُعاني لبنان أيضاً فراغاً في سدّة الرئاسة منذ سنتين. وقد أدّى هذا الغياب المستمرّ لحكومةٍ موحّدة فعّالة إلى حالةٍ من الجمود والعجز.

 

أمّا انهيارُ القطاع المصرفي، فقد قضى على مدخّرات العمر لمعظم اللبنانيين. علاوةً على ذلك، أدّى فشل لبنان في تنفيذ إصلاحات بنيويّة وإعادة هيكلة النظام المصرفي والقطاع العام، مقروناً بغياب شبكة أمانٍ اجتماعي، إلى خلق مشاكل اجتماعيّة واقتصاديّة خطيرة. ويعيش نحو نصف السكان تحت خطّ الفقر.

 

إنّ قائمة التحدّيات التي تواجهها البلاد طويلة، بدءاً من الانخفاض الحاد وغير المنظّم في قيمة عملته الوطنيّة، والتضخّم المفرط وانهيار الماليّة العامة. زد على ذلك هجرة جماعيّة للأدمغة وتراجع الناتج المحلّي الإجمالي من 54,9 مليار دولار في العام 2018 إلى 17,9 مليار دولار في العام 2023 ويستمرّ في الانهيار في العام 2024.

 

لن تؤدّي الحرب سوى إلى تفاقم هذه الأزمة، فنحن نشهد زيادةً في أعداد النازحين، بالإضافة إلى تراجع الاستهلاك وانهيار النشاط التجاري وتدمير قطاع السياحة.

 

ومن شأن الحرب أن تتسبّب بانقطاع التعليم، ما يفاقم التداعيات الوخيمة على الأمد الطويل. في هذه الأثناء، قد تتوقّف التحويلات الماليّة، علماً أنّ هذه التحويلات أصبحت نقدية بشكلٍ متزايد ويُعتقد أنّها تمثّل نحو 30 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي.

 

وفي حال تأجّج الصراع واتّسعت رقعته لفترةٍ أطول، قد ينخفض الناتج المحلّي الإجمالي في لبنان بنسبة 25 في المئة، ناهيك عن تراجعٍ حاد في التجارة الخارجيّة وعجزٍ أوسع في الموازنة في ظلّ هجرةٍ جماعيّة.

 

ومن المرجّح أن يتسارع التضخّم وأن تخرج الليرة اللبنانية المنهارة أصلاً عن السيطرة، ما يؤدّي إلى تضخّم الاقتصاد النقدي المرتكز على الدولار الأمريكي.

 

على مدى عامٍ من الصراع بين إسرائيل وحماس، دُمّرت أكثر من 80 في المئة من البنى التحتيّة المدنيّة وأكثر من 70 في المئة من المنازل المدنيّة أو أصيبت بأضرار بالغة في هذه الأراضي.

 

ففي حال تكرّر هذا السيناريو في لبنان، هذا الحجم من الدمار في البنى التحتيّة المدنيّة سيستلزم جهداً هائلاً لإعادة الإعمار وتكاليف باهظة في بلدٍ لا يملك لا الموارد ولا القدرة على إعادة الإعمار.

 

تجدر الإشارة إلى أنّ تكاليف إعادة الإعمار بعد حرب 2006 تخطّت الـ10 مليار دولار. ولم يكن الوعد بتمويل دوليٍ بقيمة 4,4 مليار دولار بموجب مؤتمر باريس 2 للعام 2002 سوى جزئي، إذ لم تُنفَّذ الإصلاحات البنيويّة التي كانت شرطاً مسبقاً.

 

ماذا يجب أن تكون أولويّات لبنان؟

 

أولاً، لا بدّ من تسريع وصول المساعدات الإنسانيّة. لقد أطلقت الأمم المتحدة وحكومة تصريف الأعمال نداءاً إنسانيّاً عاجلاً للبنان بقيمة 425 مليون دولار وقدّم مجلس التعاون الخليجي الدعم وبدأت المساعدات الإنسانيّة المتعدّدة الأطراف بالتدفّق.

 

ويجب تلبية احتياجات النازحين، لا سيما على أبواب الشتاء. وينبغي إعطاء الأولوية للغذاء والمأوى والحماية الطبيّة والتعليم لتجنّب التداعيات الطويلة الأمد.

 

ثانياً، لا بدّ من الحفاظ على منفذٍ دولي عبر الموانئ والمطارات والطرق الدوليّة إلى سوريا والمناطق الداخليّة.

 

ففي حرب 2006، قصفت إسرائيل مدرّجات مطار بيروت، ما فرض إغلاقه حتى انتهاء الصراع الذي دام 34 يوماً. لا يجب أن يتكرّر هذا؛ فقد وردت تقارير عن وقوع انفجارات متعدّدة بالقرب من المطار. يُعتبَر الوصول إلى الطرق حيويّاً لضمان التجارة والتنقّل، بما في ذلك انتقال النازحين إلى مناطق أكثر أماناً.

 

ثالثاً، لا بدّ من أن ينتخب لبنان  رئيساً جديداً للجمهوريّة في أسرع وقت ممكن ويشكّل حكومة طوارئ وطنيّة على أن تكون هذه الحكومة الجديدة قادرة على بناء الوحدة وكسب الثقة المحلّية والدوليّة الضروريّة لمعالجة الخراب والتوصّل إلى وقفٍ لإطلاق النار والتخطيط لإعادة الإعمار.

 

ونظراً لتزايد حجم الدمار، من المرجّح أن تتخطّى كلفة إعادة الإعمار 25 مليار دولار.

 

 

نُشرت هذه المقالة في الأصل على موقع Arabian Gulf Business Insight.

القضية: الحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عدوان إسرائيل على غزة
البلد: لبنان

المؤلف

رئيس شركة ناصر السعيدي وشركاه، وزير سابق للاقتصاد والتجارة والصناعة في لبنان