منذ اندلاع الاشتباكات في السودان في 15 أبريل، يمكن القول إنّ البلاد تشهد أسوأ فترة منذ الاحتجاجات التي عمّت البلاد في العام 2018 للإطاحة بعمر البشير الذي بقي في السلطة طوال ثلاثة عقود وللانتقال إلى حكم ديمقراطي/مدني. هذا الصراع على السلطة الذي تُرجم باشتباكات عنيفة بين الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان من جهة وقوات الأمن السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، والذي يُعرف أيضاً بـ “حميدتي”، لا يهدّد بإفشال عملية التحول الديمقراطي فحسب، بل من شأنه أيضاً أن يزعزع الاستقرار في المنطقة على نطاقٍ واسع. في ظلّ هذه التطورات الأخيرة، يقدّم الزملاء في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية قراءة معمّقة حول العوامل التي أجّجت هذا الصراع وضرورة وضع حدّ له ولتداعياته على السودان والمنطقة ككلّ.
دقّ ناقوس الخطر: على المجتمع الدولي أن يتدخَّل في السودان فوراً
يسير السودان باتجاه الانزلاق نحو حرب أهليّة طويلة ودموية ومُعقّدة ما لم يتدخّل المجتمع الدولي فوراً من أجل منعها. وقد تبدو التكلفة البشرية الناتجة عن صراعات أخرى في المنطقة قليلة أمام ما قد يترتّب عن استمرار الصراع في السودان. ففي الأسابيع الثلاثة الماضية وحدها، قُتل أكثر من 500 شخص وفرَّ نحو 100 ألف آخرين من البلاد. وسيزيد الصراع المُتصاعد وتدفّق اللاجئين من زعزعة الاستقرار في الدول المجاورة للسودان، مثل تشاد، ومصر، وإريتريا، وإثيوبيا، وليبيا، وجنوب السودان، والتي يواجه كلٌّ منها تحدّيات اقتصادية وسياسية وأمنية. قد تكون تكلفة عدم التصرُّف بحسمٍ الآن كارثية.
جميع العناصر التي تُنذِر بصراعٍ طويل الأمد موجودة: هناك تقسيم غير مُتكافئ ولكن متوازن للقوّة بين الجيش المُجهَّز بشكل أفضل وقوَّات الدعم السريع الأكثر مرونة بتحرّكها. وهو ما يفتح الطريق أمام نصرٍ مُحتمل ينشأ عنه تهديدٌ وجودي للطرف الخاسر. تمتلك البلاد ثروة من الموارد الطبيعيَّة تشرف على تنميتها مؤسَّسات ضعيفة، وهو ما يجعلها مكسباً ثميناً للمنتصر. ثالثاً، تتميَّز السودان بتنوّع سكّانها الذين يزيدون عن 45 مليون نسمة، ويتوزَّعون بين 19 مجموعة إثنيّة رئيسيّة، الكثير منهم مهمَّشون وقد يرون في تشظِّي الصراع فرصةً من أجل تحسين أوضاعهم. أخيراً، ينخرط في الصراع عددٌ من الأطراف الخارجيّة تتضارب مصالحها، والتي يمكن أن يلجأ إليها المتحاربون للحصول على الدعم.
تحاول الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية وجنوب السودان التوسّط من أجل التوصُّل إلى هدنة أو وقف إطلاق النار. ومع ذلك، من المرجَّح أن تكون هذه الجهود مؤقَّتة أو أنّ تفشل إذا لم تُمارس ضغوط حقيقيَّة. حتى الآن، كان المجتمع الدولي مُتردِّداً في اتخاذ إجراءات حاسمة من أجل إنهاء القتال، الأمر الذي يتطلّب خياراتٍ غير مُحبَّذة، مثل عقد صفقة مع طرف واحد، سيكون الجيش على الأرجح، على حساب التمسّك بالأمل في تحقيق انتقال ديمقراطي. ومع ذلك، يبقى السيناريو البديل أكثر قتامة بكثير، ويتمثَّل بكارثة إنسانية مُشابهة، أو حتّى أسوأ، من تلك التي حلَّت بليبيا وسوريا واليمن.
بداياتُ صراعٍ طويل الأمد
باءت جميع محاولات وقف إطلاق النار بالفشل ولا يزال الصراع مُستمرّاً في السودان. وعلى غرار الصراعات الأخيرة والمستمرّة في ليبيا واليمن، لا ينبغي توقُّع نهاية سريعة لهذا الصراع. ففي ظلّ المكاسب الشحيحة التي قد تترتّب عن إحلال عمليّة السلام أو الوصول إلى ترتيب من أجل تقاسم السلطة، يبقى الصراع هو الخيار الأمثل للقادة على الجبهتين. ففي معادلات الصراعات المدنيّة، لا سيَّما في بلدٍ محدود الموارد مثل السودان، يوفِّر الصراع المستمرّ لقادة الطرفين إمكانيّة الوصول إلى الثروة من خلال الدعم الخارجي والسيطرة على مجموعة من الأنشطة الاقتصادية (غالباً ما تكون إجرامية)، وهي موارد يمكن إعادة توزيعها لشراء الولاءات. ومن دون القدرة على كبح مُحفِّزات الحرب، سوف يطول الصراع في السودان حتّى المستقبل المنظور، لا سيَّما إذا بقي مضبوطاً نسبياً.
الطريقة الأكثر فاعلية لجلوس الجهات المُتحاربة إلى طاولة المفاوضات هي بقطع التمويل عنها، ممّا يؤدّي إلى احتواء مُحفِّزات الصراع. بالتالي، من الضروري الحدّ من وصولها إلى الأسلحة والموارد الماليّة الأجنبية. ومع ذلك، تبقى نتيجة الصراع النهائية مهمّة للغاية بالنسبة للبلدان المجاورة، بحيث يتعذّر عليها فكّ ارتباطها بالكامل. بالنسبة لمصر مثلاً، قد يرتبط ما يحدث في السودان بقدرتها على الوصول إلى نهر النيل في المستقبل، وهي مصلحة من شأنها أن تشجِّع الدول المجاورة في الجنوب إلى التنافس على تقديم الدعم. فضلاً عن ذلك، تبرز منافسة مُستمرَّة على نطاق أوسع للسيطرة الإقليمية التي من المرجّح أن تجعل السودان ساحة صراع بالوكالة لمزيج مُعقّد من المصالح الخارجية.
عدوّ الديمقراطية
بدا لوهلةٍ أنّ السودان مُتّجهٌ نحو مسارٍ واعدٍ لإرساء الديمقراطية في خلال الموجة المتجدّدة في العام 2018 لثورات الربيع العربي. من الخارج، أظهرت ثورة السودان الفتيّة بصمات التجديد الاجتماعي والسياسي، وكانت حماسة المجموعات والأصوات المؤيِّدة للديمقراطية مثيرة للإعجاب. مع ذلك، كان واضحاً منذ البداية من خلال النقاشات الشعبية أنّ الجيش سيكون على الأرجح المُخرِّب الأكبر لهذه الثورة. فوضع مهندسو الاتفاق السياسي الإطاري على رأس أولوية أجندتهم إخراج الجيش من السلطة. لكن الثورات فوضوية، والسودان ليس بالاستثناء. وفي النهاية، تمّ التوصّل إلى تسوية قاتلة سمحت للجيش بالمشاركة في المرحلة الأولى من التحوّل الديمقراطي. في أكتوبر 2021، حسم انقلاب عسكري مصير التحوّل الديمقراطي الناشئ في السودان، وحتّى الاتفاق الإطاري الذي وقِّع بعد عام بين الديمقراطيين والجيش لم يصحّح تداعيات الانقلاب على المجتمع المدني والبلاد.
كان ميزان القوى يصبّ في صالح الجيش، ولا سيّما الخصمين القويَين والطموحَين: قائد القوات المسلّحة السودانية اللواء عبد الفتاح البرهان، والجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف أكثر بـ “حميدتي”. ربّما أعطت القوى المؤيّدة للديمقراطية التي كانت تفتقر إلى الخبرة والقوّة، مساحةً كبيرة لجنرالات العسكر، عبر القبول بالبرهان وحميدتي كموقِّعين على الاتفاق. اليوم، يُعكّر كلا الرَجُلين وقوّاتهما العسكرية مسار الاتفاق ويدمّران ثمرة ثورة الشعب السوداني. لقد كان واضحاً منذ البداية أنّ الأمور ستتّجه نحو الأسوأ. ماضي الجيش دموي، ولم يتغيّر ذلك عندما استُخدِمت القوّة لقمع الاحتجاجات المناهضة للانقلاب بعد العام 2018، والتي أدّت إلى مقتل أكثر من 100 شخص. مرّة أخرى، كما هو الحال في مصر المجاورة، أثبت الجيش والديمقراطية أنّهما عدوان لدودان.
مصر والسودان ودروس من ليبيا
يفرض اندلاع الصراع في السودان تحدّيات أمنيّة كبيرة على مصر، التي تتشارك معه في حدود برّية وبحريّة واسعة، ويقيم فيها ما يُقدَّر بنحو أربعة ملايين سوداني. أدّى انعدام الاستقرار في البلاد على مدى السنوات الأربعة الماضية إلى ارتفاعٍ مُطّرد في عدد السودانيين الذين يحاولون العبور إلى مصر عبر الحدود المصريَّة، وعلى الأرجح أن تدفع الاشتباكات الأخيرة بأعداد كبيرة من اللاجئين الفارِّين من الصراع. وفيما يحصل طالبو اللجوء المُسجَّلين رسمياً على الرعاية الصحِّية والتعليم، يواجه اللاجئون غير المُسجَّلين ظروفاً صعبة في مصر، وتضيف الأعداد المُتزايدة المُتدفِّقة ضغوطاً أخرى على تقديم الخدمات في بلدٍ يعاني بالأساس مشاكلَ اقتصادية كبيرة.
من الناحية الاستراتيجية، تعتمد مصر على السودان لتشكيل جبهة موحَّدة في المفاوضات مع إثيوبيا بشأن الصراع على مياه النيل وسدّ النهضة، إلَّا أنّ انعدام الاستقرار في الخرطوم يُهدِّد هذه الجبهة ويضعف البلدين في مواجهة أديس أبابا.
حتّى الآن، استفادت القاهرة من مقاربتها الحذِرة إزاء الصراع القائم في السودان. ولم تبالغ الدولة في ردّة فعلها بعد أسر عددٍ من جنودها في خلال وجودهم في مهمّة تدريبية في السودان، وجرى تفادي الأزمة بعد إطلاق سراحهم. مع ذلك، يواجه صانعو السياسة المصريين معضلة في كيفيَّة التعامل مع المُعسكرين المُتحاربين. فمنذ الإطاحة بحكومة عبدالله حمدوك واستقالتها في العام 2022، عملت مصر مع الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتّاح برهان، الذي زار القاهرة العام الماضي، ويبدو أنَّه يحظى بدعم الرئيس عبد الفتّاح السيسي.
إذا استمرّت القاهرة بدعم برهان، فإنّها تخاطر بتكرار الخطأ نفسه الذي ارتكبته في ليبيا حينما انحازت إلى القائد العسكري خليفة حفتر. الخيار الأفضل لمصر هو التزام الحياد في الوقت الحالي، ومحاولة إشراك الجانبين في جهود وساطة جادّة مدعومة من الاتحاد الأفريقي والقوى الإقليمية والدولية من أجل إنهاء القتال، قبل أن يفلت من عِقاله ويفضي إلى عواقب وخيمة على مصر والمنطقة ككلّ.
تغطية إعلامية ضعيفة تفاقم الصراع
يمكن القول إنّ عدم كفاية التغطية الإعلامية من قبل وسائل الإعلام الغربية وتدنّي جودتها جعلت الأزمة في السودان من سيّء إلى أسوأ، ممّا أسفر عن غموضٍ وإهمال في متابعة أحوال هذا البلد الأفريقي الذي مزّقته الحرب ويواجه تحدّيات اقتصادية، وخصوصاً بين الهيئات الدولية ومؤسّسات صنع القرار.
وليس هذا بالأمر الجديد، إذ لقي النضال نحو الديمقراطية والإصلاح الذي أطلقت شرارته الاحتجاجات واسعة النطاق في العام 2018 حصّة مُماثلة من اللامبالاة والنقص في التمثيل في الإعلام الدولي. زد على ذلك تدنّي جودة هذه التغطية، فبدلاً من التركيز على الأسباب الجذرية للاشتباكات العنيفة الدائرة وسياقها التاريخي وتداعياته الإقليمية، نقلت التقارير بمعظمها وحشية العنف نفسه والصور المروّعة التي أنتجها. ومن خلال التركيز على النتائج بدلاً من الأسباب الكامنة وراء هذا العنف المستمرّ، فإنّ وسائل الإعلام الدولية لا تقوم بعملها في نقل المعلومات الدقيقة التي تشتدّ الحاجة إليها حول الأزمة، ولا تقدّم السياق التاريخي والإقليمي الذي يحيطها. ولكن أفضل ما يمكن لهذا النوع من التغطية أن يُنتِجه هو تعزيز الخطاب الاستعماري الاستشراقي عن “أفريقيا البربرية” التي تحتاج إلى “منقذ غربي” ينتشلها من أزمتها.
أخذ العِبر من منطقة مُنكَّلٌ بها
أسوة بما اختبره الليبيون والعراقيون واليمنيون عبر التجارب المؤلمة، وبالنظر إلى غياب إصلاح القطاع الأمني والمصالحة الحقيقيّة وآليّات تقاسم السلطة القابلة للتطبيق، يمكن أن تؤدِّي قوَّة الميليشيات والمُنظَّمات شبه العسكريّة وتأثيرها إلى تداعيات بعيدة المدى على المجتمعات الخارجة من الصراع. في حالة السودان، تُعدُّ الأزمة، في جوهرها، صراعاً على السلطة بين القوَات المُسلَّحة السودانية وقوَّات الدعم السريع. وهذه الأخيرة هي مُنظَّمة شبه عسكرية أوجدها عمر البشير لحمايته الشخصية، ومُنِحت الشرعيّة السياسية من أجل توسيع نفوذها. تزايد صعود قوَّات الدعم السريع مع اندلاع الحرب الأهليَّة في اليمن، عندما حُشِد عديدها كجزءٍ من القوى العسكريّة التي قادتها السعودية في العام 2015.
لقد مهّدت التوتُّرات الناجمة عن دمج قوّات الدعم السريع في الجيش السوداني الطريقَ للصراع الحالي. وهو ما كان يجب توقُّعه. فمحاولات نزع سلاح المُنظَّمات شبه العسكرية التي ترتاب من مؤسَّسات الدولة بينما تمتلك قاعدة دعم كبيرة وشرعيَّة مُتصوَّرة، هي جهدٌ غير مُجدٍ في ظلّ غياب تسوية سياسية تُحدِّد الشروط والمبادئ التوجيهية لعمليّات إصلاح القطاع الأمني. في النهاية، تحمل الأزمة في السودان السمات الخاصة بمجتمع قاسى من الآثار التراكميّة للحكم الديكتاتوري والفشل في تأمين الانتقال نحو بيئة ديمقراطيّة ومُستقرّة ما بعد الصراع. وهذه حال الكثير من دول ما بعد الربيع العربي.
وكما اختبر الليبيون والعراقيون واليمنيون، فإنّ الأزمة في السودان مُعرَّضة لخطر التفاقم قبل أن تتحسَّن. ومن الضروري أن تقوم الجهات الفاعلة الخارجية بتعبئة الجهود والموارد بشكلٍ جماعي من أجل، أولاً، وقف إطلاق النار بين القوّات المُسلَّحة السودانية وقوّات الدعم السريع، وثانياً، استخدام وقف إطلاق النار من أجل تقديم مساعدات إنسانيّة عاجلة. وأخيراً، يتعيّن على هذه الجهات مقاومة رغبتها في تغيير ميزان القوى، سواء في ساحة المعركة أو خارجها، لأنَّها بذلك تزيد ميل المتحاربين إلى احتساب المخاطر. والتصعيد في هذا الاتجاه قد يدفع البلاد نحو حربٍ دوليّة بالوكالة.
المصالح الخليجية في السودان تجعل نتيجة الصراع مهمّة
إنّ موقع السودان الاستراتيجي عند نقطة الارتباط بين القرن الأفريقي والبحر الأحمر يكسيه أهمّية خاصّة بالنسبة لمصالح الدول الخليجية التجارية والأمنية. ومع اشتداد الصراع، تخشى دول مجلس التعاون الخليجي من أن تؤدّي تداعياته إلى زعزعة استقرار المنطقة وحلفائها القريبين مثل مصر، ما يدفعها أكثر لبذل جهود جماعية لوقف التصعيد.
تُعدُّ المخاطر كبيرة على الإمارات العربية المتّحدة بشكل خاص. فمن الناحية السياسية، تدعم أبو ظبي محمد حميدتي وقوّات الدعم السريع التابعة له، وهو حزب يتماهى مع أجندتها وخطابها المُناهض للإسلام السياسي. على سبيل المثال، حشد حميدتي قواته، منذ وقت ليس ببعيد، لمساعدة القوة العسكرية السعودية الإماراتية في اليمن، وكذلك في ليبيا من أجل دعم الجيش الوطني الليبي المُتحالف مع الإمارات العربية المتّحدة. السودان أيضاً مهمّ اقتصادياً للإمارات العربية المتّحدة. ومن الاستثمارات الإماراتية الرئيسية في السودان هي صفقة بقيمة 6 مليارات دولار وقِّعت في ديسمبر 2022 لبناء ميناء أبو عمامة. وتهدف الصفقة إلى تعزيز التجارة والأعمال بين كلّ من أبو ظبي والخرطوم، ولكنها تتناسب أيضاً بشكل مباشر مع مصلحة الإمارات المتحدة الاستراتيجية في زيادة نفوذها من خلال الاستحواذ على الموانئ على طول ساحل البحر الأحمر.
مخاطر تداعيات الصراع على البحر الأحمر
نظراً لموقع السودان المطلّ على البحر الأحمر، قد تطال تداعيات الصراع العنيف على السلطة الأمن البحري، خصوصاً وإنّ مساحات شاسعة للإقليم الشرقي للسودان بأغلبها مناطق غير مأهولة ممّا يحفز على الخروقات الأمنية، كما وأنّ قوات حميدتي تتمتّع حالياً بفائض من السلطة والمال، الأمر الذي مكّنها من الاستمرار في الصراع ضدّ الجيش السوداني. لكن، مع مرور الوقت وتقلّص الموارد قد تلجأ قوات حميدتي إلى عمليات قرصنة على ضفاف البحر الأحمر.
وخير مثال على ذلك ما حدث في الصومال مطلع التسعينات؛ إذ أدّى انخراط القبائل الصومالية في الصراع بين الجيش الصومالي والمليشيات المسلّحة إلى إضعاف الجيش. ونتيجة لذلك، برزت شبكات قرصنة هدّدت استقرار البحر الأحمر وخليج عدن والسواحل الشرقية لأفريقيا لعشرات السنين.
قد يتكرّر هذا السيناريو في الصراع السوداني، وقد يخلّف عواقب وخيمة نظراً للوضع الإقليمي الهشّ أصلاً. فعلى الضفة الشرقية للبحر الأحمر، سبق أن هدّدت جماعة الحوثي بضرب خط الملاحة الدولي، زد على ذلك الوضع الإقتصادي الصعب في مصر وإرتيريا حيث يمكن أن يُسمع صدى الصراع في السودان. وإذا ما أصبح السودان نقطة انطلاق لضرب خطوط الملاحة الدولية، سينعكس ذلك سلبياً من الناحية الاقتصادية، وسيربك ذلك بشكلٍ خاص الخطط الاستثمارية السعودية والإماراتية في البحر الأحمر. صحيح أنّ الصراع السوداني لا يزال حتى الآن اشتباكات على الأرض، ولكن ينبغي على المجتمع الدولي واللاعبين الإقليميين عند الانخراط فيه التنبّه إلى ما يمكن أن تؤول إليه الأمور إذا ما انعكس الصراع على البحر الأحمر وهدّد أمن خطوط الملاحة الدولية.
هذه المقالة هي ضمن سلسلة مقالات “آراء من المجلس” يعبّر من خلالها الزملاء والخبراء في المجلس عن آرائهم ورؤياهم حول القضايا الرئيسية التي تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفيها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.