افتتاحية المحرّر: الجميع خاسر
عمر حسن عبد الرحمن، زميل في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدوليّة
لم يبدأ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في السابع من أكتوبر 2023. عقودٌ من الاحتلال العسكري وسرقة الأراضي الاستعماريّة والحرمان المنهجي قد دفعت بالفلسطينيين إلى حالةٍ من النضال المستمرّ، ممهّدةً الطريق للهجوم الذي شنّته حماس ضد إسرائيل والذي أسفر عن مقتل 1139 شخص. غير أنّ أحداث ذاك اليوم أطلقت العنان لموجةٍ من العنف تردّد صداها في مختلف أرجاء فلسطين وإسرائيل والمنطقة الأوسع وستترك مفاعلها بصماتها على الأرجح لأجيال وأجيال. وكما كتبت في ذلك اليوم المشؤوم—حتى عندما كان عدد القتلى الإسرائيليين قد وصل إلى 100 شخص فقط عند وقت النشر— من “الواضح أنّ تداعيات هذا الهجوم ستطال الجميع من دون أيّ استثناء“.
وها نحن، بعد مرور عامٍ، نشاهد بذهول مدى الخراب والدمار الذي حلّ بغزة. ورغم التوثيق الواسع للحرب في الوقت الفعلي، لا يزال العنف مستمرّاً بلا هوادة. وقد أسفرت هذه الحرب عن مقتل ما لا يقلّ عن 42 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، وجرح أكثر من 100 ألف آخرين. ومن المحتمل أن يكون عدد الوفيّات الحقيقيّ أعلى بكثير نظراً لاستحالة الإبلاغ الدقيق بسبب القصف المتواصل. وقد تهجّر أكثر من مليوني شخص وبات السكان عرضة للمجاعة والأمراض، كما دُمّرت البنى التحتيّة الحيويّة في غزة التي أصبحت خراباً غير صالح للسكن في المستقبل المنظور.
وأتت الأزمة في قيادة الحركة الوطنيّة الفلسطينية لتفاقم هذه المأساة. من الواضح أنّ لا أحد تسلّم مقاليد الحكم ليقود السفينة في خضمّ الرياح العاتية التي عصفت بالعام الماضي، أو لحشد الدول دفاعاً عن الشعب.
والأمر سيّان على الصعيد الإقليمي حيث لم يُسجّل أيّ نشاط يُذكَر من أجل وضع حدّ للمعاناة. صحيح أنّ عدداً من دول المنطقة قادت مبادرات دبلوماسيّة لوقف إطلاق النار والتوصّل إلى حلّ سياسي أوسع، إلّا أنّ أحداً لم يتمكّن من الضغط على إسرائيل أو ممارسة نفوذه الاقتصادي والسياسي القوي على داعميها. بالتالي، لا تزال المنطقة على حافة الهاوية ولا يزال خطر اندلاع حرب أوسع يلوح في الأفق.
في هذا السياق، أثبتت جهود المنطقة لتفادي صراع أوسع فعاليّتها. ومع ذلك، شهدت الجبهة اللبنانيّة تصعيداً جذريّاً في الأسابيع المنصرمة، ما ترتّب عنه تداعيات مدمّرة على البلاد ومواجهةٍ مباشرة أخرى بين إسرائيل وإيران.
وبعد عام على أحداث 7 أكتوبر، يصعب تصوّر أيّ منتصر في الوضع الراهن. فعلى الأرجح أنّ هذا الدمار الذي شهدناه سيمهّد الطريق لتصاعد الاضطرابات والصراعات وسيزرع بذور التطرّف لأجيال قادمة. وحتى إسرائيل، التي قد تبدو مُسيطرةً على خصومها في “محور المقاومة”، لا تملك إسترتيجيّة واضحة في الأمد الطويل لضمان أمنها أو لتحقيق السلام الدائم في المنطقة.
بمناسبة مرور عام على هذه الأحداث، دعت “أفكار” محلّلين ومفكّرين بارزين من مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمشاركة آرائهم بشأن العام الماضي وللنظر في انعكاساته الطويلة الأمد على المنطقة ومستقبلها.
التعبئة من أجل فلسطين: حذارِ من المياه الراكدة
نديم حوري، المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي
ترك عامٌ كامل من الفظائع المرتكبة في غزة وفي لبنان مؤخّراً الكثيرَ من الناس في المنطقة العربيّة في حالةٍ من الغليان، غير أنّهم في معظم الأحيان عبّروا عن غضبهم حتى الآن بطريقةٍ منضبطة. لطالما كانت فلسطين مصدراً رئيسيّاً للتعبئة في العالم العربي وقد شهدت العواصم العربيّة تظاهرات حاشدة، غير أنّ الاحتجاجات تجسّدت هذه المرّة بمقاطعةٍ من المستهلكين. صحيح أنّ هذه المقاومة السلبيّة قد تؤثّر في المحصلة النهائيّة لبعض سلاسل مطاعم الوجبات السريعة، لكنّها لم تدفع أيّ حكومة عربيّة إلى إعادة النظر في سياساتها أو إلغاء اتّفاقات التطبيع مع إسرائيل.
ولفهم هذا الأمر، لا بدّ من النظر في المشهد السياسي الراهن في المنطقة وتطوّر أنماط الاحتجاج في المجتمعات العربيّة. تشعر شعوب المنطقة بالإرهاق بعد تسلسل أحداث مثير للذهول: ثورات العام 2011 والحروب اللاحقة في ليبيا وسوريا واليمن؛ وعودة الحكم السلطوي بعد العام 2013 الذي قمع المجتمع المدني وأرسل الناشطين إلى السجن أو المنفى؛ وصعود داعش وسقوطها؛ وثورات العام 2019 في السودان ولبنان والجزائر والعراق؛ وأخيراً اتّفاقات أبراهام التي أدّت إلى تطبيع العلاقات بين عددٍ من الدول العربيّة وإسرائيل.
وقد ترك هذا الوضع الناس في حالةٍ من التخدّر والشكّ حيال تأثير التحرّك الجماعي. ففي منطقة تُقمع فيها الاحتجاجات بعنف ويمكن أن يؤدّي التعبير عن الرأي إلى السجن، تشكّل مقاطعة العلامات التجاريّة الأمريكيّة وسيلةً قليلة المخاطر للتعبير الجماعي عن الغضب إزاء المجازر الإسرائيلية المرتكَبة في غزة بدعمٍ من الولايات المتّحدة. وهي أيضاً طريقة تعبّر عن عقليّة جيل الشباب الذي يعتبر سلوكَه الاستهلاكي امتداداً لمواقفه السياسيّة والأخلاقيّة.
كان لحركات المقاطعة هذه، رغم انتشارها، تأثيرٌ محدود على سياسات الحكومات العربيّة وعلاقاتها مع إسرائيل. في الواقع، ازداد التبادل التجاري بين إسرائيل وكلّ من الإمارات العربيّة المتّحدة ومصر والمغرب والبحرين منذ مطلع السنة وحتى مايو 2024 على الرغم من الفظائع في غزة. ويبدو أنّ حتى صفقات الأسلحة لإسرائيل في المنطقة لم تتأثّر. فقد أعلنت شركة تصنيع الطائرات المسيّرة “بلو بيرد” في أبريل 2024 عن افتتاح موقع إنتاج للأنظمة الجويّة غير المأهولة في المغرب في الوقت الذي شهدت فيه المدن المغربية احتجاجات حاشدة ضد الأفعال الإسرائيليّة.
لا شكّ في أنّ استمرار الأمور على هذا المنوال قد يريح إسرائيل والولايات المتّحدة، لكن ذلك يعكس قصر نظر. في الواقع، أظهر استطلاعٌ للرأي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بين ديسمبر 2023 ويناير 2024 أنّ الغالبيّة الساحقة التي تبلغ 92 في المئة من الذين شملهم الاستطلاع من مختلف أرجاء المنطقة “تعتقد أنّ القضيّة الفلسطينيّة تعني جميع العرب وليس الفلسطينيين وحدهم”. ووصفت نسبة 94 في المئة من الرأي العام العربي الموقف الأمريكي بالسيء أو بالسيء جداً. وتوحي هذه الأرقام، التي يؤكّد الكثيرون في المنطقة أنّها تعكس طبيعة المناقشات في دوائرهم المباشرة، بتغييرٍ طفيف وطويل الأمد. ونرى جيل جديد من الشباب العربي يلتفّ حول فلسطين وينشر الوعي حول القضيّة الفلسطينية من خلال مشاركته مقاطع الفيديو على منصّات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك وإنستغرام.
ولكن، وبشكلٍ أكثر إلحاحاً، تُعيد نُخب المنطقة -التي كانت قد اصطفّت خلف الولايات المتّحدة في العقود الماضية- النظر بصورةٍ متزايدة في علاقاتها مع عالمٍ غربي تعتبره غير مبالٍ بمعاناتها ويمارس ازدواجيّة المعايير في دعمه لحقوق الإنسان والمعايير الدوليّة. وكما قال لي مسؤول غربي بتهكّم: “ما زال العرب يُرسلون أولادهم إلى الولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة للدراسة وليس إلى الصين أو موسكو”. قد يكون هذا صحيحاً وقد يظهر أيّ تغيير فوري في السياسات، لكنّ النخب العربيّة أصبحت أكثر وعياً بمدى استياء شعوبها، وهي تبتعد عن الغرب شيئاً فشيئاً بحثاً عن شراكات أخرى. ورغم أنّها قد لا تعرف بعد أين ستستقرّ، إلّا أنّ التحوّلات الجذرية في العلاقات السياسية والاقتصادية تبدو أنّها تسير على قدم وساق.
الدبلوماسيّة الأمريكيّة والفشل في تجنّب تصعيدٍ إقليمي
جوزيف باحوط، مدير معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدولية
وصف مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان المنطقة عشيّة السابع من أكتوبر2023 بأنّها “أكثر هدوءاً ممّا كانت عليه على مدى عقود”. اليوم، وبعد عامٍ من إراقة الدماء في غزة وشنّ حرب شاملة على لبنان، لا يشير هذا التصريح إلى قصر نظر صانعي القرار الغربيّين فحسب، بل يسلّط الضوء أيضاً على عجزهم -أو بالأحرى عدم استعدادهم- لوقف المنطقة من الانزلاق نحو هاوية إقليميّة.
بعد الفشل في فرض اتّفاق لوقف النار في غزة بغية إطلاق سراح الرهائن المتبقّين لدى حماس، تبدو الدبلوماسيّة الغربيّة -لا سيّما في واشنطن- عاجزة عن إيقاف آلة الحرب الإسرائيلية في هجومها على لبنان.
لقد تصاعدت “حرب الإسناد والإلهاء” التي شنّها حزب الله في الثامن من أكتوبر 2023 بهدف خلق ثقلٍ موازٍ لجبهة غزة وتغيير معادلة الصراع برمّتها، حتى أصبحت جبهةً بحدّ ذاتها. والآن قد تستمرّ الحرب بين إسرائيل وحزب الله حتى لو توقّف القتال في فلسطين.
هنا، على هذه الجبهة، يبدو مستقبل المنطقة على المحك في ظلّ مجموعةٍ معقّدة ومتداخلة بشكلٍ رهيب من المعايير. يتمثّل الهدف الظاهري لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بإعادة الإسرائيليين النازحين الذين يتراوح عددهم بين 80 ألف و100 ألف إلى منازلهم في شمال البلاد، ما قد يتطلّب اتّخاذ ترتيبات أمنيّة جديدة على الحدود بين لبنان وإسرائيل، وإعادة النظر في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي اعتُمد لإنهاء حرب تموز 2006.
ولكن يبرز هدف ثان خلف هذا الهدف. في الواقع، بعض الشخصيّات السياسيّة والعسكريّة الأكثر تشدّداً في إسرائيل تعتبر أنّ هذا يشكّل ذريعةً مثاليّة أمام البلاد لتحجيم الجهاز العسكري والأمني والسياسي لحزب الله في لبنان إلى حدّ بعيد ولتقليص قبضته على صناعة القرار في البلاد، كجزءٍ من تحدٍ إسرائيلي أوسع لـ”محور المقاومة”. ويعتقد بعض المحلّلين الإستراتيجيين الإسرائيليين أنّ الهدف النهائي يتمثّل بمواصلة التصعيد في الصراع لاستفزاز إيران، وبالتالي إرغام الولايات المتّحدة على الوقوف إلى جانب إسرائيل في مواجهةٍ إقليمية لم يعد بالإمكان تجنّبها.
والمدهش أكثر في هذه المعادلة المعقّدة أنّ العوامل السياسيّة المحلّية، أكانت في إسرائيل أم في الولايات المتحدة، تؤدّي دوراً حاسماً في إطالة هذه المأساة. فرئيس الوزراء الإسرائيلي مستعدّ للذهاب حتى النهاية في مغامرته العدوانيّة التي تشكّل وسيلته الوحيدة للهروب من الموت السياسي والقضائي، فيما لا تزال الإدارة الأمريكيّة عاجزة بسبب الانتخابات المصيريّة الوشيكة.
الردع تحت الضغط
حميد رضا عزيزي، زميل غير مقيم في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدوليّة
بعد مرور عامٍ على حرب إسرائيل على غزة، حقّقت إيران مكاسب دبلوماسيّة ملحوظة لكنّها تواجه أيضاً تحدّيات أمنيّة متنامية وانتكاسات جيوسياسيّة محتملة.
تمثّلت إحدى أهمّ الفرص أمام إيران بتعطّل عمليّة التطبيع العربي الإسرائيلي، لا سيّما الجمود في مسار إقامة علاقات رسميّة بين إسرائيل والمملكة العربيّة السعوديّة. لقد صعّب استمرارُ الحرب والاستياءُ الشعبي الواسع النطاق من أفعال إسرائيل في غزة على القادة العرب السعي علناً إلى تعاونٍ رسمي مع إسرائيل، ما أبطأ زخم اتّفاقات أبراهام التي كانت قد هدّدت بزيادة عزلة إيران في المنطقة.
في هذه الأثناء، ركّزت طهران على تعزيز علاقاتها الدبلوماسيّة مع الدول العربيّة. في الواقع، لقد مكّن التقارب المستمرّ بين إيران والسعوديّة والمناقشات الجارية مع مصر والأردن إيران من تعزيز مكانتها الإقليميّة والتصدّي لاحتمال تشكيل تحالف معادٍ لها. علاوة على ذلك، استرعت الحرب التي طال أمدها انتباهاً عالميّاً وزادت من الانتقادات الدوليّة لإسرائيل. وقد سعت إيران إلى استغلال هذا التبدّل في الرأي العام العالمي بغية تعزيز سرديّتها القائلة بأنّ إسرائيل، وليست إيران، هي السبب الرئيسي وراء الإضطرابات الإقليمية.
غير أنّ إيران بدأت تواجه تحديّات متنامية داخل شبكة وكلائها وحلفائها غير الحكوميّين، المعروفة بـ”محور المقاومة”. وأظهرت هذه الشبكة في الأشهر الأولى من الصراع تنسيقاً كبيراً، ونجحت بشنّ حرب مشتركة ومتعدّدة الجبهات ضد إسرائيل. بيد أنّ الاغتيالات الإسرائيليّة المحدّدة الأهداف لقادة حماس وحزب الله، مقرونةً بالعمليّات المستمرّة الآيلة إلى إضعاف قدرات حلفاء إيران العسكريّة، ألقت بظلال من الشكّ على مستقبل هذه الشبكة. وهذا يُثير تساؤلات حول فعاليّة عقيدة “الدفاع الأمامي” الإيرانيّة على المدى الطويل– لا سيّما إستراتيجيّتها للتصدّي لإسرائيل.
صحيح أنّ استعانة طهران بالقوات الوكيلة قد كلّفت إسرائيل الكثير، إلّا أنّها في الوقت نفسه قد كشفت عن نقاط ضعف إيران من الناحية الأمنيّة. فعلى الرغم من الضغوط التي مارستها هذه المجموعات، لم تتمكّن من منع الضربات الإسرائيليّة على العناصر والمنشآت الإيرانيّة في سوريا أو من وقف العمليّات الإسرائيليّة السريّة داخل إيران. ويُبرز اغتيالُ كبار القادة الإيرانيين واستمرارُ الغارات الجوّية على أهداف مرتبطة بإيران في سوريا، بالإضافة إلى اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنيّة في طهران، حدودَ قدرات إيران الردعيّة، كما يكشف مدى الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي.
علاوة على ذلك، لقد أدّت هذه الحرب إلى تكثيف الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، ما ينسف أهداف إيران الإستراتيجيّة. في الواقع، عزّزت واشنطن دعمها العسكري لإسرائيل ونشرت قوات إضافيّة لمواجهة التهديدات المتأتيّة من إيران وحلفائها، كما ساعدت إسرائيل على اعتراض وابل الصواريخ الإيراني الأخير. ويُعقّد هذا التصاعد في الوجود الأمريكي جهودَ إيران الرامية إلى تقليص النفوذ الأمريكي في المنطقة- أقلّه في المدى القريب.
من المرجّح أن تستمرّ إيران في دعم “محور المقاومة” في المستقبل وفي التركيز على إعادة إحياء قدرات حلفائها، لا سيّما حزب الله، مع إعادة تقييم إستراتيجيّتها العسكرية ككل. لقد أثارت الحرب نقاشاً داخلياً في إيران حول الحاجة إلى إستراتيجية ردعٍ أقوى، بما في ذلك احتمال السعي إلى أسلحة نووية. ومن شأن هذا “الرادع الأخير” أن يصبح أكثر جاذبيّة في حال تعرّضت طهران لهجمات إسرائيليّة مباشرة أو انخرطت في صراعٍ أوسع مع إسرائيل.
الوساطة القطرية محفوفة بالمخاطر
طارق محمد يوسف، مدير وزميل أوّل في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدوليّة
بعيداً عن الخسائر البشريّة الجسيمة التي خلّفتها حرب إسرائيل المدمّرة على غزة على مدى العام الماضي، ساهمت هذه الحرب بتسريع التحوّلات الجيوسياسية. في خضّم التحوّل العالمي من نظام أحادي القطب إلى نظامٍ دولي أكثر مرونةً وتعقيداً، برزت القوى المتوسّطة الناشئة في الجنوب العالمي بقدرة متزايدة على إدارة علاقاتها مع القوى العظمى التقليديّة وتكييف سياساتها بما يخدم مصالحها الإستراتيجية.
وقد استجابت قطر لهذا المشهد المتغيّر بتعزيز دورها كوسيط، لا سيّما بين الولايات المتّحدة والجهات الفاعلة التي ترفض واشنطن التعامل معها بشكلٍ مباشر. وفيما ازدادت خيبة أمل الدول الإقليميّة من اعتمادها على الولايات المتّحدة كشريك أمنيّ، ومع تراجع شعبيّة واشنطن في المنطقة بسبب دعمها المطلق لإسرائيل وتجاهلها للقانون الدولي– ارتفعت قيمة قطر كشريكٍ دبلوماسي لواشنطن.
وفي حين تصدّرت جهود الوساطة التي قادتها الدوحة عنواين الصحف، أثارت في الوقت نفسه انتقادات متزايدة، لا سيّما بسبب انخراطها في المفاوضات بين حماس وإسرائيل ودورها في استضافة الممثّلين السياسيين لحماس وغيرهم من الجهات الفاعلة غير الحكوميّة. غير أنّ هذه الانتقادات ليست بالجديدة، فمنذ الربيع العربي واجهت قطر انتقادات لاذعة بسبب دورها الإقليمي الحازم، وبلغت ذروتها في الحصار الذي فُرض عليها في العام 2017. ومنذ ذلك الحين، تبنّت قطر نهجاً أكثر حياداً وحرصت على الاضطلاع بدور الطرف الثالث الوسيط بحذر مع المحافظة على قنوات مفتوحة مع مجموعةٍ واسعة من الجهات الفاعلة -بدءاً من طالبان وصولاً إلى إيران وحماس ونظام نيكولاس مادورو في فنزويلا.
لا تخلو سياسة قطر الخارجيّة التي ترتكز على الوساطة من المخاطر. فقد أدّى بروز قطر المتنامي على الساحة الدبلوماسيّة إلى تعرُّضها لوابل من الانتقادات، لا سيّما من أعضاء في الكونغرس الأمريكي، حيث قدّم ثلاثة من أعضاء مجلس الشيوخ بمشروع قانون يدعو إلى إعادة النظر في تصنيف قطر كحليفٍ رئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي، بحجة استضافة الدوحة لمكتب حماس السياسي وعلاقات قطر بجهات فاعلة غير حكوميّة أخرى.
ما تغفله هذه الانتقادات هو أنّ هذه العلاقات تخدم المصالح الأمريكيّة وتسهّل مفاوضات القنوات الخلفيّة الأساسيّة التي لما كانت قائمة لولاها. وقد نُسجت هذه الروابط بالتنسيق مع واشنطن وهي تعكس مقاربةً براغماتيّة من الدبلوماسيّة خلافاً للتحالفات العقائديّة والأخلاقيّة التي قد يُفضّلها المنتقدون. علاوة على ذلك، تتجاهل هذه الانتقادات، بما يُناسبها، التناقضات الأخلاقيّة في السياسة الخارجيّة الغربيّة- لا سيّما الدعم المطلق لحرب إسرائيل على غزة والفشل في تجنّب التصعيد في لبنان وفي مختلف أرجاء المنطقة الذي دفع بها إلى حافة الحرب الشاملة.
في وجه هذه الانتقادات، أبدت قطر بعض التردّد إزاء دورها المستمر. فقد أعلن رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أنّ قطر تجري “تقييماً كاملاً” لدورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل. ومع اقتراب الانتخابات الأمريكيّة، قد يستهدف السياسيون قطر بشكلٍ متزايد لتسجيل نقاط لدى قواعدهم الانتخابيّة، ما يزيد من تعقيد التوازن الدبلوماسي الحساس الذي تحاول الدوحة المحافظة عليه.
تجد قطر نفسها الآن عند مفترق طرق، حيث ستُحدّد خياراتُها ليس مستقبلها الدبلوماسي فحسب، بل أيضاً مستقبل الوساطة في عالمٍ يتّجّه نحو تعدّد الأقطاب بشكلٍ متزايد. وفي ظلّ تصاعد الانتقادات، ستحتاج الدوحة إلى مواجهة هذه التحدّيات متسلّحةً بالدبوماسيّة الحذرة نفسها التي شكّلت سياستها الخارجيّة على مدى العقد الماضي.
القضية الفلسطينية على رأس اهتمامات المملكة العربية السعودية
عبد العزيز بن عثمان بن صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث
بدأ اهتمام المملكة العربية السعودية بالقضية الفلسطينية منذ بداية هذه القضية، فقد كان الموضوع الرئيسي في لقاء الملك عبد العزيز آل سعود في العام 1945 مع الرئيس الأمريكي الأسبق روزفلت على متن السفينة الحربية الأمريكية في قناة السويس، حيث أكد الملك المؤسس رفضه للهجرة اليهودية لفلسطين، قائلاً: “إنّ العرب سيختارون الموت على أن يسلموا أرضهم لليهود”.
ومنذ ذلك الوقت والمملكة تعتبر القضية الفلسطينية في مقدّمة اهتماماتها، كما وأنّ الدعم السعودي للشعب الفلسطيني قد أخذ أشكالاً متعدّدة، فبلغ الدعم المالي الذي قدّمته المملكة للشعب الفلسطيني قرابة 6 مليارات دولار واستفاد من هذا الدعم 289 مشروعاً في الأراضي الفلسطينية. وقد طرحت المملكة عدداً من المبادرات للحل السلمي للقضية الفلسطينية، بدأت بمبادرة ولي العهد آنذاك الملك فهد بن عبد العزيز وهي مبادرة فاس العربية الأولى للسلام في الشرق الأوسط عام 1981، تلتها مبادرة فاس الثانية عام 1982، وبعد ذلك جاءت المبادرة السعودية للسلام، المعروفة بالمبادرة العربية للسلام ومازالت مطروحة حتى الآن، التي قدّمها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وأقرّتها القمّة العربية في بيروت عام 2002.
وبعد أحداث السابع من أكتوبر الماضي، استضافت المملكة بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية في نوفمبر 2023، لمناقشة تداعيات الوضع في غزة، وأعلنت القمة التصدّي الجماعي لهذا العدوان واعتبرته كارثة إنسانية، وشكّلت المملكة لجنة وزارية منبثقة عن هذه القمّة برئاسة وزير الخارجية السعودي لعرض نتائج القمة والمطالب العربية والإسلامية على الأمم المتحدة والدول الكبرى. وكان لهذه اللجنة تأثير بالغ الأهمية في اعتراف عدداً من الدول بالدولة الفلسطينية، وقبول عضويتها في الأمم المتحدة.
وفي 18 سبتمبر 2024، وفي افتتاح أعمال الدورة التاسعة لمجلس الشورى السعودي، ونيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، قال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء: “تتصدّر القضية الفلسطينية اهتمام المملكة، ونجدّد رفض المملكة وإدانتها الشديدة لجرائم سلطة الاحتلال الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، متجاهلة القانون الدولي والإنساني في فصل جديد ومرير من المعاناة، ولن تتوقف المملكة عن عملها الدؤوب في سبيل قيام الدولة فلسطينية مستقلّة وعاصمتها القدس الشرقية”، مؤكّداً أنّ “المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون الحل الشامل وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية”. وكانت المملكة قد قدّمت مرافعة أمام محكمة العدل الدولية في 20 فبراير 2024، أكّدت خلالها أنّ الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني وهو مستمرّ على مدار خمسة عقود وكان له أقبح النتائج، وطالبت بإنهاء هذا الاحتلال البغيض. وبعد اندلاع الهجوم الإسرائيلي الأخير على لبنان، حثّت المملكة عبر يبان لوزارة الخارجية جميع الأطراف على التحلّي بأقصى درجات ضبط النفس والنأي بالمنطقة وشعوبها عن مخاطر الحروب.
هذا جانب ممّا تقوم به المملكة لدعم القضية الفلسطينية سواء بالجهود الدبلوماسية في مختلف المحافل الدولية والإقليمية، أو عبر تبنّي الحلول الدبلوماسية وتقديم المبادرات، ومناشدة العالم بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين. كما أنّ المملكة لم تدّخر وسعاً في تحقيق المصالحة بين الفصائل لتوحيد الصف الفلسطيني، كما أنّها سبق أن استضافت لقاء مصالحة بين الفصائل في مكّة المكرّمة لتحقيق التوافق الفلسطيني وتوحيد الجهود لتحقيق المطالب الفلسطينية. وتأمل المملكة إنهاء حرب غزة سريعاً وإعادة إعمار ما دمّرته الحرب، ولم شمل شعب غزة على تراب وطنه والعيش في حياة كريمة.
أمن دول مجلس التعاون الخليجي: إقامة دولة فلسطينية أولويّة وسط تحدّيات دبلوماسية
دانيا ظافر، المديرة التنفيذية لمنتدى الخليج الدولي؛ زميلة أولى غير مقيمة في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدوليّة
تتشارك دولُ مجلس التعاون الخليجي، بغض النظر عن علاقاتها مع إسرائيل، في استيائها العميق حيال الحرب على غزة وقلقها المتزايد من تصاعدها إلى مواجهةٍ أوسع بين إسرائيل وإيران. وباتت الدول الخليجيّة تَعتبر إقامة دولة فلسطينية أولويّةً حاسمة لأمنها القومي.
لقد أثارت أفعال إسرائيل العسكريّة في غزة موجةً استثنائية من الغضب الشعبي في مختلف أرجاء منطقة الخليج، ما أعاد القضيّة الفلسطينيّة إلى الواجهة في الخطاب السياسي العربي. لا عجب إذاً في تزايد خطابات القادة الخليجيّين بشأن الحرب في ظلّ توسّع الصراع إلى منطقتهم. واستناداً إلى هذه التصريحات، يبدو أنّ الدول الخليجية بمعظمها قد غيّرت نظرتها تجاه نوايا إسرائيل وباتت تعتبر أنّ الحرب على غزة هي إبادة.
وقد سخّرت الدول الخليجيّة على مدى العام الفائت قدراتها الدبلوماسيّة والإستراتيجيّة الأساسية لمعالجة الحرب من زوايا مختلفة -إنّما بنجاحٍ محدود. وقد عملت قطر، بموجب المادة 7 من الدستور التي تؤطّر التزام البلاد بالوساطة، على التوسّط من أجل وقفٍ دائم لإطلاق النار طوال العام الماضي، غير أنّ جهودها لم تتكلّل بالنجاح. وكما جرت العادة في الأحداث الإقليميّة الهامة، سعت القيادةُ السعوديّة إلى قيادة استجابة عربيّة وإسلاميّة جماعيّة، فنظّمت الرياض سلسلةً من الاجتماعات لمنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربيّة بقيادتها بهدف مناقشة الحرب- لكن من دون جدوى حتّى الآن. يتمثّل أهمّ هدف للسعوديين بالتزامهم بإقامة دولة فلسطينية. وقد أوضحوا مؤخّراً أنّهم لن يُطبّعوا علاقاتهم مع إسرائيل طالما أنّ ما من دولةٍ فلسطينيّة قائمة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقيّة. وشكّل السعوديّون في نهاية سبتمبر تحالفاً دوليّاً لدفع هذه القضيّة قدماً شمل عدداً من الدول العربيّة والإسلاميّة بالإضافة إلى شركاء غربيّين -باستثناءٍ ملحوظ للولايات المتّحدة. بيد أنّ إستراتيجيّته الدقيقة لتحقيق هذا الهدف لم تتجلّ بعد.
تُعارض الدول الخليجيّة الانخراط في التخطيط لما بعد الصراع من دون وقفٍ لإطلاق النار والتزامٍ دولي حازم بممارسة ضغوط على إسرائيل لضمان حلّ سلمي. وأعربت الإمارات العربيّة المتّحدة عن نيّتها استخدام علاقتها مع إسرائيل ليكون لها دور رئيسي في المستقبل السياسي للدولة الفلسطينيّة المقترحة. وقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في مايو 2024 عن خطة لما بعد الحرب في غزة تَلحظ إبقاءها تحت الاحتلال الإسرائيلي لكن بإشراف تحالف من الدول العربيّة- يضمّ الإمارات العربيّة المتّحدة والمملكة العربيّة السعوديّة ومصر والبحرين والأردن والمغرب. وتقيم هذه الدول جميعها، باستثناء المملكة العربيّة السعوديّة، علاقات رسميّة مع إسرائيل.
وقد أكّدت الإمارات العربيّة المتّحدة أنّها لن تشارك في أيّ جهد لإعادة الإعمار ما بعد الحرب في غزة ما لم تُفضِ هذه الجهود إلى إقامة دولة فلسطينية كنتيجة نهائيّة. غير أنّ أبو ظبي شدّدت على الحاجة الماسة إلى “بعثةٍ دوليّة مؤقّتة” لمعالجة الأزمة الإنسانية الواسعة النطاق بعد أن تضع الحرب أوزارها – والدول الخليجيّة كافة مستعدّة لدعمها. إلّا أنّ هذه الجهود، مقرونةً بالاعتقاد الراسخ بأنّ التقدّم رهنٌ باعتماد الولايات المتحدة موقفاً أكثر صرامةً إزاء إسرائيل، حالت دون اضطلاع الدول الخليجيّة بدورٍ أكثر استباقاً في الحرب على غزة.
أمن الأردن على المحك
محمد أبو رمان، مستشار أكاديمي لمعهد السياسة والمجتمع
حسن جابر، باحث مقيم في معهد السياسة والمجتمع
لقد شكّلت الحرب على غزة نقطة محوريّة في السياسة الإقليميّة والدوليّة، وأثّرت في أمن الأردن القومي تأثيراً مباشراً. وتكتسب التطوّرات الحاليّة أهميّةً خاصة بالنسبة إلى الأردن نظراً إلى موقعه الجيوسياسي ودوره التاريخي في القضيّة الفلسطينيّة. وتُسلّط الحرب المستمرّة الضوء على مسائل حساسّة بالنسبة إلى الأردن، بما فيها تدهور الوضع في الضفة الغربيّة وصعود اليمين المتطرّف في إسرائيل والمخاطر الإقليمية الأوسع الناجمة عن التصعيد في جنوب لبنان.
ويُثير قلقَ الأردن بشكلٍ خاص احتمالُ امتداد الحرب على غزة إلى الضفّة الغربيّة، ما قد يؤدّي إلى المزيد من التصعيد العسكري وتفاقم الإضطرابات الإقليمية. تحتلّ الضفّة الغربيّة مكانةً إستراتيجيّة هامة بنظر عمّان بسبب ارتباطها وترابطها باستقرار الأردن الداخلي.
في هذا السياق، برزت وجهتا نظر رئيسيّتان داخل الأوساط السياسيّة الأردنيّة. من جهة، يُنادي التكتّل المحافظ، المؤلّف بمعظمه من النخب القديمة، بالحدّ من انخراط الأردن. ومن جهة أخرى، يُشدّد موقفٌ آخر أكثر حزماً، يمثّله وزير الخارجيّة أيمن الصفدي، على العلاقة الوثيقة بين أمن الأردن واستقرار الضفّة الغربيّة.
وقد عزّزت أحداث السابع من أكتوبر وجهة نظرة الصفدي واستحالة فصل أمن الأردن القومي عن التطوّرات في فلسطين. على سبيل المثال، عادت مسألة التهجير القسري للفلسطينيين إلى الواجهة في خلال السنة الماضية، ما أثار مخاوف من احتمال تدفّق اللاجئين. وقد أعلن الأردن أنّ أيّ محاولة إسرائيليّة لتهجير الفلسطينيين بشكلٍ قسري، أكان من قطاع غزة أم من الضفّة الغربيّة، خطّ أحمر وسيعتبرها بمثابة إعلان حرب. وعلى الرغم من ذلك، يتبنّى القادة الإسرائيليون، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، علناً مواقف تحريضية، بما في ذلك فكرة “إسرائيل الكبرى” التي تشمل الأردن، ما يشكل تهديداً وجودياً للمملكة.
وقد أرغم موقفُ الحكومة الإسرائيليّة الذي يزداد استفزازاً الأردن على اتّخاذ موقف أكثر حزماً في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، لا سيّما تلك المتعلقّة بالقدس وبمقدّساتها الإسلاميّة والمسيحيّة. وتشكّل وصاية الأردن على هذه المقدّسات عنصراً جوهرياً من هويّته السياسيّة والدينيّة، ومن شأن أي تهديدٍ متصوّر لهذه الأماكن المقدّسة أن يزيد من توتّر علاقته بإسرائيل.
وبعيداً عن الوضع في فلسطين، تشكّل الأزمات الإقليمية المرتبطة، مثل التصعيد المتواصل بين إسرائيل وحزب الله في لبنان والإضطرابات المستمرّة في سوريا، تحدّيات خطيرة بالنسبة إلى الأردن. بالتالي، يتعيّن على الأردن إدارة علاقاته بعناية مع الجهات الفاعلة الدوليّة الرئيسيّة -مثل الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي اللذين يواصلان دعم حكومة اليمين المتطرّف الإسرائيليّة- فيما يُدير الديناميّات الإقليميّة المعقدّة. بيد أنّ العلاقات مع القوى الإقليميّة على غرار إيران لا تزال متوتّرة بسبب نظرة طهران للأردن كحليفٍ للغرب، ولا تشكّل خيارات قابلة للاستمرار في اعتبارات عمّان الإستراتيجيّة.
بعد عامٍ على شنّ إسرائيل حربها على غزة، يواجه الأردن مجموعةً معقّدة من المعضلات السياسيّة والأمنيّة. وفي ظلّ غياب أي حلّ سلمي للقضيّة الفلسطينيّة وتصعيد التوتّرات الإقليميّة، تبقى الخيارات أمام عمّان محدودة. يتطلّب الوضع الراهن إستراتيجيّات مدروسة بدقّة لتعزيز استقرار البلاد الداخلي مع مواصلة دعم حقوق الفلسطينيين. ولا بدّ من أن يُعزّز الأردن مكانته الإقليميّة والدوليّة ويسعى إلى إعادة إرساء العمق الإستراتيجي للدول العربيّة من أجل مواجهة التحدّيات المستقبليّة والمحافظة على أمنه القومي.