مشاة يعبرون الطريق وسط عاصفة ترابية شديدة في مدينة الكويت في 23 مايو 2022. (وكالة فرانس برس)

الدول الخليجيّة مضطرة للتعاون بشأن تغيّر المناخ

هل تستطيع الدول الخليجية تجاوز العقبات القائمة والتعاون بفعّالية لمواجهة التحديات البيئيّة المشتركة؟

18 يناير، 2024
عائشة السريحي، مهران هاغيريان

أصبحت الآثار المترتّبة على تغيّر المناخ جليّة في منطقة الخليج. إذ تشهد المنطقة، والتي هي في الأساس من المناطق الأكثر جفافاً وسخونة في العالم، إرتفاعاً في درجات الحرارة بمعدل يساوي ضعف المتوسّط العالميّ. وبناء على ذلك، بدأت حكومات الدول الخليجية تدرك أنّ الإستراتيجيات المخصصة أو الأحادية الجانب ليست كافية لمعالجة هذه الأزمات البيئية المتصاعدة والعابرة للحدود، بل تحتاج إلى جهود متضافرة وتعاون فعّال. غير أنّ تحقيق هذا التحول يتطلّب تخطّي الانقسامات الجيوسياسية العميقة.

 

إنّ التحديات المناخيّة حادّة. فقد سجلّ عدد من بلدان المنطقة درجات حرارة قياسية مثيرةً للقلق في السنوات الأخيرة، غالباً ما تتجاوز الـ50 درجة مئوية في أشهر الصيف. وقد وصلت درجة الحرارة إلى 54 درجة مئوية في الكويت والعراق في العام 2016. وفي أغسطس الماضي، سجّل مؤشر الحرارة الذي يجمع ما بين الرطوبة ودرجة حرارة الهواء ليعكس درجة الحرارة المحسوسة، 70 درجة مئوية في منطقة الخليج.

 

وتشكّل ندرة المياه خطورة حادّة شأنها شأن درجات الحرارة. وتُصنّف الدول الخليجيّة كافّة من ضمن دول العالم الأكثر عرضة لمواجهة أزمات مياه حادّة في العقود المقبلة. وتأتي قطر على رأس الدول التي تعاني جهداً مائياً في العالم، وإيران والكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في المراكز العشرة الأولى. وقد أدّت هذه الندرة إلى تفاقم الاضطرابات في الزراعة والأمن الغذائي في أنحاء المنطقة كافّة.

 

علاوة على ذلك، فإنّ سكان المناطق الساحلية، والذين يشكّلون ما يصل إلى 90 في المئة من السكان في عددٍ من الدول الخليجيّة، معرّضون بشكلٍ خاص للمخاطر المناخية، خاصةً وأنّ الظواهر الجوية المتطرفة مثل الأعاصير المدارية قد أصبحت أقوى وأكثر تواتراً. كما تواجه الحياة البرية والموائل الطبيعية في المنطقة خطر الفناء بسبب الاستغلال غير السليم وتغيّر المناخ.

 

وتترتّب على هذه المشاكل تكاليف بشريّة وماليّة كبيرة، حيث تستدعي موجات الحرّ وغيرها من الظواهر الجوية القاسية اتخاذ تدابير طارئة مثل إغلاق المصانع وتوقّف الخدمات الأساسية. كما قد تؤدّي تداعيات تغير المناخ إلى تفاقم نقاط الضعف الحاليّة وتأجيج نيران الصراعات على الموارد الحيويّة مثل المياه والغذاء. وقد يتسبّب ذلك بزيادة تحديات الأمن البشري والنزوح عبر الحدود.

 

جهود مبعثرة

في حين تبدو الحاجة إلى التعاون واضحة، تواجه حكومات الدول الخليجيّة صعوبة في ذلك، بسبب التوترات في ما بينها فضلاً عن المنافسة بين القوى العالمية. ومع ذلك، تشهد المنطقة تحوّلاً تدريجياً واستعداداً ناشئاً لإقامة تعاون إقليميّ، إدراكاً منها للمخاطر والتكاليف المتزايدة.

 

وقد أنشأت الدول الخليجية عدداً من المؤسّسات والمبادرات الإقليمية المتعلّقة بتغير المناخ والبيئة وانضمّت إلى بعض المؤسسات. إلّا أنّ المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية (ROPME) تبقى حتّى اليوم المنصة الإقليمية الوحيدة التي تضمّ الدول الخليجيّة الساحليّة الثمانية كافّة، وينضمّ إليها العراق وإيران، من خارج دول مجلس التعاون الخليجي.

 

وتبقى مبادرات متعدّدة أخرى تقودها دول مجلس التعاون الخليجي مبعثرة، ولا تشمل بلداناً أخرى في المنطقة ــ عمداً. ويشير بطء وتيرة التكامل الإقليمي وغياب جهة تنسيق أو مجموعة عمل إلى أنّ هذه المبادرات تظلّ هامشية ولا تُستخدم إلّا على أساس مخصّص. وتطرأ حاجة ملحّة إلى اتباع نهج شامل وتعاونيّ للتخفيف من التحديات المشتركة.

 

مع ذلك، تتعدّد الأسباب اليوم التي تدعو إلى التفاؤل الحذر. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تشير الإنجازات الدبلوماسيّة، مثل إنهاء الحصار الذي فُرِض على قطر وأدّى إلى انقسام مجلس التعاون الخليجي، وتقارب المملكة العربيّة السعوديّة والكويت والإمارات العربيّة المتّحدة مع إيران، إلى تحوّل محتمل في المشهد الجيوسياسي بطرق من شأنها أن تسهّل زيادة التعاون للتخفيف من آثار تغيّر المناخ. بالإضافة إلى ذلك، تبيّن مبادرات مثل مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة الإدراك المتزايد بأنّ العمل الجماعي أمرٌ ضروري للصمود في وجه تغيّر المناخ واستمرار الازدهار.

 

وتحرص الجهات الفاعلة الرئيسيّة في الخليج أيضاً على اختبار هذه الانفتاحات الدبلوماسيّة الجديدة لتعزيز مصالحها الوطنية. وتشير سلسلة من الاتفاقيّات الأخيرة بشأن التعاون البيئي، مثل الاتفاقيات الثنائيّة بين إيران والإمارات العربيّة المتّحدة، وإيران والكويت، والكويت والعراق، إلى إدراك الدول لأهميّة إيجاد حلول للتحديّات البيئيّة المشتركة بالنسبة إلى أمنها الوطني. فضلاً عن ذلك، تبيّن مشاركة الجهات الفاعلة الرئيسيّة المتزايدة في الاجتماعات البيئيّة، مثل المؤتمر لمكافحة العواصف الرمليّة والترابيّة في طهران برعاية الأمم المتّحدة في شهر سبتمبر، أنّ القضايا البيئيّة تشكّل نقطة البداية نحو تعاون أوثق، سواء على الصعيد الثنائي أو المتعدد الأطراف.

 

كما يدلّ التوافق النسبي بين الدول الخليجيّة بشأن الحرب في غزة وزيادة وتيرة العلاقات الدبلوماسيّة وحجمها على الجبهات الثنائيّة والمتعدّدة الأطراف على أن الجهات الفاعلة الإقليميّة تسعى إلى عدم العودة إلى التوترات التي قسّمت الخليج قبل العام 2021. وقد يؤثّر بروز صراعات جديدة وعودة صراعات قديمة في وتيرة التعاون والالتزامات، ولكن ليس في أهميّة التعاون في المنطقة، وخاصة في ما يتعلّق بالتحديّات البيئيّة المشتركة.

 

حاجة ملحّة للتعاون

يقتضي على الدول استكشاف القضايا البيئية الحرجة التي تجتاح منطقتها والبحث عن سبل للتعاون في معالجتها. وتطرأ حاجة ماسة إلى العمل الجماعي والتعاون لمواجهة هذه التحديّات المشتركة. ومن شأن تعزيز التعاون الإقليمي أن يعالج قضايا مثل ارتفاع درجات الحرارة، والعواصف الرمليّة والترابيّة، وندرة المياه، وتلوّث البحار، والاعتماد المفرط على الوقود الأحفوري، وغيرها.

 

وقد تشمل الخطوات الأخرى دعم التعاون الإقليمي في البحث العلمي لتعزيز الثقة والإرادة السياسيّة، وتحسين أنظمة الإنذار المبكر لمنع الأضرار الكارثية، وتعزيز الإدارة المتكاملة للمناطق الساحليّة لحماية النظام البيئي البحري في منطقة الخليج، وإنشاء مجمّع إقليمي للموارد لتسهيل تبادل المعلومات حول الممارسات المستدامة لاستخراج الموارد واستخدامها وإدارتها، وإنشاء آلية تمويل لدعم الجهود المناخيّة على الصعيدين المحلي والإقليمي. ويمكن تعزيز المنصات القائمة من خلال توسيع صلاحياتها، في حين يمكن توسيع المبادرات الإقليمية ومبادرات مجلس التعاون الخليجي لتشمل إيران والعراق.

 

ويتّسم بناء القدرات، وتبادل المعرفة، والبحوث المشتركة، وتنسيق السياسات، ورفع مستوى الوعي العام بأهميّة بالغة. فضلاً عن أهمية الاستفادة من التعاون الخارجي، وتحديداً مع أوروبا، بالإضافة إلى التعلّم من مناطق ومجموعات أخرى، مثل رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان).

 

ومن خلال تجاوز التوترات التاريخيّة وتعزيز جبهة موحّدة في مواجهة التحديات البيئيّة المشتركة، تحظى الدول الخليجيّة بفرصة لحماية مستقبلها وإرساء سابقة عالميّة للتعاون الإقليمي الفعّال.

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّفَين حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

المؤّلفان هما محرّرا الكتاب بعنوان: “Pathways for Regional Environmental Cooperation in the Gulf حول مسارات التعاون البيئي الإقليمي في الخليج، الذي يقدّم مجموعة من الخطوات التمهيدية والتوصيات بشأن السياسات للتعاون بين الدول الخليجيّة في معركتها المشتركة ضد تغيّر المناخ.

القضية: الحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، العلاقات الإقليمية، منافسة القوى العظمى
البلد: إيران، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، العراق، الكويت، المملكة العربية السعودية، عُمان، قطر

المؤلّفون

زميلة غير مقيمة
عائشة السريحي هي زميلة غير مقيمة في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، وزميلة بحوث في معهد الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية. وهي أيضاً زميلة غير مقيمة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن. وتشتمل مواضيع بحث السريحي على الاقتصاد السياسي، والاستدامة البيئية، وسياسات الطاقة، ومصادر الطاقة المتجددة، والسياسات المناخية، مع تركيزها على المنطقة العربية.… Continue reading الدول الخليجيّة مضطرة للتعاون بشأن تغيّر المناخ
مهران هاغيريان هو مدير المبادرات الإقليمية في مؤسسة بورس آند بازار
مهران هاغيريان هو مدير المبادرات الإقليمية في مؤسّسة بورس آند بازار (Bourse & Bazaar). يركّز عمله البحثي على حلّ الصراعات والدبلوماسية، مع تركيز خاص على الدول الخليجية وإيران. حصل على دكتوراه في دراسات الخليج من جامعة قطر وماجستير في الشؤون الدولية من كلّية الخدمة الدولية في الجامعة الأمريكية في واشنطن. ويتولّى حالياً قيادة مبادرة المستقبل… Continue reading الدول الخليجيّة مضطرة للتعاون بشأن تغيّر المناخ