من الحقائق المثيرة للمفارقة أنّ الدول التي تعتمد على الموارد الطبيعية إلى حدّ بعيد تميل إلى أن يكون أداؤها الاقتصادي ضعيفاً.
في الواقع، تتعرّض هذه الدول لصدمات سلبيّة مستمرّة، بما فيها تقلّبات الأسعار والعرض والطلب، بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية. ويمكن لهذه العوامل أن تتسبّب باضطرابات في الاقتصاد الكلّي وتزيد المخاطر الاقتصادية – ما يُعرف أيضاً بـ“لعنة الموارد الطبيعية“.
أدّت صدمات العرض والطلب التي حدثت في خلال جائحة فيروس كورونا المستجدّ، وكذلك تلك الناجمة عن الحروب المستمرّة والتحوّل المقرّر في مجال الطاقة، إلى زيادة الحاجة العاجلة إلى أن يُنوّع مصدّرو الوقود الأحفوري اقتصاداتهم ويُخفّفوا من المخاطر.
بالإضافة إلى ذلك، تتجنّب هذه الإستراتيجيات الأزمة المتمثّلة بانخفاض قيمة الأصول أو بأن تصبح عالقة.
يُشكّل التنويع الاقتصادي المتين والموسّع سياسةً لا بدّ أن تنتهجها الدول الخليجية المنتِجة للسلع الأساسية. وهو ضروري من أجل استقرار الاقتصاد الكلي وخلق فرص عمل في المنطقة.
يقيس مؤشّر التنويع الاقتصادي العالمي (EDI) التنويع عبر ثلاثة أبعاد بما فيها الإنتاج والتجارة والإيرادات الحكومية في 112 دولة في خلال الفترة الممتدة بين 2000 و2022. وتتعدّى مؤشّراته الأساسية الـ25 مؤشّراً وهي كلّها كميّة (أي لا توجد مؤشّرات استطلاعية أو تصوّرية) وهي متاحة للرأي العام، ما يشكّل معياراً كمّياً يمكن تكراره. وجد العدد الأخير من مؤشّر التنويع الاقتصادي العالمي، الذي صدر في خلال قمة الحكومات العالمية في فبراير، أنّ الدول التي تأتي بين المراتب الأولى – الولايات المتحدة والصين وألمانيا – تتميّز بتنوّع اقتصادي واسع وتميل إلى أن تكون مرنة، حتى في خضم الصدمات غير المتوقّعة مثل جائحة فيروس كورونا المستجدّ.
درجات دول مجلس التعاون الخليجي على مؤشّر التنويع الاقتصادي العالمي في القرن الحادي والعشرين
الدولة | 2000 | 2010 | 2019 | 2020-2022 |
البحرين | 92,7 | 90,7 | 95,3 | 96 |
الكويت | 83 | 83 | 86 | 88 |
سلطنة عُمان | 80,9 | 85,3 | 90,8 | 91,1 |
قطر | 85,6 | 84,9 | 93,4 | 94,1 |
المملكة العربية السعودية | 82,8 | 86,9 | 94,0 | 93,1 |
الإمارات العربية المتحدة | 90,9 | 94,2 | 99,0 | 97,5 |
المصدر: Global EDICreated with Datawrapper
في الجانب الآخر من الطيف، تضعف الدول التي تعتمد على السلع الأساسية أو على الموارد الطبيعية بشكلٍ كبير والتي عانت فيها عملية التنويع من البطء والركود.
لا تزال أربع دول – ثلاث من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بالإضافة إلى الكويت ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا –بين المراتب العشرين الأدنى على مؤشّر التنويع الاقتصادي العالمي في خلال الفترة الممتدة بين 2000 و2022.
ألّا أنّ صعود دول أخرى من أسفل الشرائح الربعية لتصبح أكثر تنوّعاً، على غرار المملكة العربية السعودية، يؤكّد على النتائج الإيجابية لعمليّة الإصلاح.
على الرغم من أنّ الدول المعتمدة على السلع الأساسية قد حقّقت مكاسب على المؤشّرات الفرعية لتنويع الإنتاج والتجارة مع مرور الوقت، إلّا أنّ الإصلاح أو إدخال ضرائب واسعة النطاق أو وضع أنظمة ضريبية جديدة للاستدامة المالية يُثير إشكالية أكبر ويمنع مصدّري النفط من تحقيق مكاسب في تنويع الإيرادات الحكومية.
على سبيل المثال، تبلغ الإيرادات الضريبية كنسبةٍ مئوية من إجمالي الناتج المحلي في النرويج، التي تحتل مرتبة عالية على مؤشّر الإيرادات الفرعي، نحو 30 في المئة مقابل أرقام مفردة في البحرين والكويت.
سيكون الجهد الضروري الذي يجب أن تبذله الدول التي تأتي بين المراتب الأدنى بغية اللحاق بالركب في حقبة ما بعد فيروس كورونا المستجدّ أصعب، ليس نظراً للتداعيات الطويلة الأمد والخسائر في الإنتاج الناجمة عن الوباء فحسب، ولكن أيضاً بسبب حدود الفسحة المالية وأعباء الديون المرتفعة.
لكن يمكن ملاحظة تأثير إيجابي للجائحة في الاعتماد المتسارع للتكنولوجيات الرقمية، ما يؤدّي إلى مكاسب مجتمعية على غرار ارتفاع معدّلات مشاركة القوّة العاملة ومكاسب الإنتاجية – لا سيما في الدول التي لديها بنية تحتية قائمة لتكنولوجيا المعلومات.
يتضمّن إصدار مؤشّر التنويع الاقتصادي العالمي للعام 2024 ثلاثة مؤشّرات رقمية محدّدة في مؤشّر التجارة الفرعي لرصد نمو الاقتصاد الرقمي.
وتتمثّل إحدى النتائج الرئيسية في أنّه إذا تأخّر اعتماد التقنية الرقمية، قد تتّسع الفجوات الحالية، ما يؤدّي إلى تراجع النتائج وانحسار الآفاق في غياب تسريع الإصلاحات.
ونتيجة أخرى هي أنّ استثمارات الاقتصاد الرقمي تميل إلى تحسين تنويع التجارة، لا سيما من خلال القدرة على تصدير الخدمات.
تجدر الإشارة إلى أنّه بحسب منظمة التجارة العالمية، كانت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في المرتبتين الثامنة والرابعة والعشرين على قائمة أكبر الدول المصدّة في التجارة العالمية للخدمات التجارية (باستثناء التجارة داخل الاتحاد الأوروبي) في العام 2022.
لقد أحرزت دول مجلس التعاون الخليجي تقدّماً كبيراً في مجال التنويع الاقتصادي على مدى العقدين الماضيين. وسجّلت الإمارات والبحرين درجات أعلى على مؤشّر التنويع الاقتصادي العالمي مقارنة بنظرائها، بينما حسّنت المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان درجاتهما بشكلٍ كبير مقارنة بالعام 2000.
ساعد تنفيذ الإصلاحات بوتيرةٍ أسرع بكثير بعد الجائحة في تحسين تصنيفات الدول الخليجية على نطاقٍ أوسع.
تتضمّن هذه المبادرات حوافز للاستثمار في قطاعات التكنولوجيا الجديدة وتوسيع القواعد الضريبية وتحرير التجارة من خلال اتفاقات التجارة الحرّة والتحسينات في البيئات التنظيمية والتجارية في موازاة تسهيل حقوق التأسيس وتنقّل العمالة.
تُنوّع الحكومات الخليجية مَحافظ “أصولها الوطنية” من خلال الاستثمار في المؤسسات الاقتصادية. تعمل هذه الإصلاحات على تعزيز التنويع عبر الركائز الثلاثة كافة (الإنتاج والتجارة والإيرادات الحكومية) وستقوّي المرونة الاقتصادية على الأمد الطويل.
وفيما تتكيّف الدول مع مخاطر تغيّر المناخ وتخفّف من حدّتها، يمكن أن يؤدّي التحوّل في مجال الطاقة والاستثمارات الخضراء مثل الطاقة المتجدّدة دوراً أساسياً في تحويل الاقتصادات وبنى الإنتاج.
من المرجّح أن يبقى الوقود الأحفوري في خليط الطاقة العالمي لعقود، غير أنّ احتمال استمرار الانخفاض في الطلب يتطلّب تنفيذ سياسات التنويع في أقرب وقتٍ ممكن.
بما أنّ عدداً من الدول المصدّرة للنفط في الشرق الأوسط سبق أن بدأ بتنويع مصادر الطاقة، يمكن للصادرات المحتملة للطاقة النظيفة – مثل الهيدروجين – المتأتّية من هذه الدول أن توسّع قاعدتها التصديرية (للمنتجات والشركاء التجاريين على حدّ سواء).
وقد يدعم الاندماج الإقليمي جهود التنويع، شأنه شأن زيادة التجارة داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ومن شأن الاتفاقات التجارية على مستوى الدول الخليجية ككل أن تخفّض التكاليف، وبالتالي تولّد الطلب على سلع وخدمات معيّنة خارج صادرات السلع الأساسية التقليدية.
تشكّل إمكانية الاندماج الإقليمي فرصةً هائلة للربط بين سلاسل القيمة المحلية والإقليمية والعالمية ولدعم جهود التنويع.
لإعادة صياغة عبارة الكاتب الراحل العظيم لويس كارول، في بلد يزخر بالموارد “يجب أن تركض بسرعة مضاعفة إذا كنت ترغب في الوصول إلى أي مكان“.
نُشرت هذه المقالة في الأصل على موقع the Arabian Gulf Business Insight
إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّف حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.