أنصار جماعة الإخوان المسلمين في الأردن يتجمّعون خلال تظاهرة احتفالاً بـ"نصر غزة" في الحرب ضد إسرائيل، في العاصمة عمّان بتاريخ 8 أغسطس 2014. (وكالة الصحافة الفرنسية)

الأردن يسعى لتحقيق توازن بين المعارضة والاستقرار

من خلال حظر جماعة الإخوان المسلمين، ضيّقت الحكومة الأردنية هامش المعارضة السياسية في البلاد، ما قد يدفع الأصوات المعارضة إلى العمل في الخفاء ويؤدّي إلى زعزعة الاستقرار.

13 مايو، 2025
مولي هيكي

في نهاية أبريل الماضي، وعلى خلفية مزاعم بتورّط 16 عضواً من جماعة الإخوان المسلمين في مخطّط إرهابي في الأردن جرى إحباطه، تحرّكت الحكومة الأردنية لحظر التنظيم رسمياً. لطالما اتّسمت العلاقة بين النظام الملكي الهاشمي وهذه الجماعة الإسلامية المعارضة بالتوتّر على مدار عقود، غير أنّ هذا القرار يبدو وكأنّه يطوي صفحة كاملة من تاريخ العلاقة بين الطرفين. وبينما لا يزال مصير 31 عضواً في البرلمان الأردني ينتمون إلى جبهة العمل الإسلامي، وهو الجناح السياسي للإخوان المسلمين، غير واضح، يشكّل هذا المرسوم تحوّلاً جوهرياً في العلاقة بين الحكومة وأكبر مجموعة معارضة في البلاد. 

 

رجّح بعض المراقبين أن يكون قرار عمّان قد اتُّخذ بهدف استمالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبيل زيارته المرتقبة إلى المنطقة، أو دعماً للاستقرار الإقليمي لمصلحة إسرائيل. لكن من الوهم الاعتقاد بأنّ هذه الخطوة ستُسكت المعارضة الداخلية. ففي الأنظمة غير الديمقراطية، يساهم السماح بقدر محدود من أشكال المعارضة في تنفيس الاستياء الشعبي، ما يوفّر متنفّساً للناس للتعبير عن آرائهم المعارضة من دون أن يشكّل ذلك تهديداً لبقاء النظام. ومن خلال إغلاق إحدى آخر قنوات المعارضة المسموح بها، يخاطر النظام الأردني بدفع المعارضة نحو العمل السرّي، ما يجعل من الصعب على الدولة احتواؤها أو إدارتها. 

 

لم تكن علاقة النظام الأردني بجماعة الإخوان المسلمين دائماً على هذا القدر من التوتّر. تأسّست الجماعة في مصر في العام 1928، ومن ثمّ أنشِئ فرعها الأردني في العام 1945، وقد تلاقت رؤاها الاجتماعية المحافِظة آنذاك مع توجّهات الملك الحسين بن طلال، الذي اعتمد على نسبه المباشر مع النبي محمد لترسيخ شرعيّته. وتمكّن الحسين، من خلال دعمه لانخراط جماعة الإخوان المسلمين في النظام السياسي الأردني، من تدعيم مكانته الدينية. وعندما شهدت المملكة الأردنية اشتباكات بين القوّات المسلّحة ومنظّمة التحرير الفلسطينية مطلع السبعينات، وقف الإخوان المسلمين إلى جانب النظام، مفضّلين الاستقرار والأمن على الإيديولوجيات العلمانية والاشتراكية التي رفعتها المنظّمة. وبإعلان الإخوان المسلمين ولاءهم للهاشميين كحكّام شرعيين للأردن، ترسّخت شراكة نفعية بين الطرفين. 

 

بدأت العلاقة تتدهور بين السلطة والجماعة عقب توقيع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية في العام 1994، التي عارضتها الجماعة. ومع اعتلاء الملك عبد الله الثاني العرش مطلع الألفية خلفاً للحسين، بدأ يشعر بالقلق من نفوذ الإسلام السياسي المحتمل على غرار بعض نظرائه في المنطقة. فسعى إلى تقليص أنشطة الجماعة للحدّ من تأثيرها في الحياة السياسية بالبلاد. وبعد صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر إثر ثورة 2011، بدأ النظام الأردني يسعى بجدّية أكبر إلى احتواء نفوذهم المتنامي. 

 

وعلى عكس مصر التي سلكت نهجاً أكثر عنفاً بقيادة الرئيس عبد الفتّاح السيسي، الذي سعى إلى تفكيك الجماعة قانونياً وبالقوّة بعد تولّيه الحكم في العام 2013، اعتمد الأردن تاريخياً نهجاً أكثر اعتدالاً. وعلى الرغم من أنّ الجماعة حُلّت رسمياً في الأردن في العام 2020، إلّا أنّ القرار لم يطبَّق فعلياً بالكامل . حتّى الشهر الماضي، حين تعهّدت الحكومة بتفعيله. صحيح أنّ الأردن لم يحظر بعد الذراع السياسي للإخوان المسلمين كما فعل السيسي في 2014، إلّا أنّ التغيّر في النبرة يوحي بأنّ المملكة قد تكون ماضية في مسار مشابه. 

 

 

قنوات المعارضة 

بلغت حدّة التوتّر بين جماعة الإخوان المسلمين والحكومة الأردنية ذروتها بعد أحداث 7 أكتوبر 2023 في فلسطين وإسرائيل المجاورتين. فقد قادت الجماعة الاحتجاجات التي قامت في العاصمة وركّزت بشكل خاص على السفارة الإسرائيلية في عمّان، حيث طالب المتظاهرون بوقف اتفاقيات الطاقة بين الحكومتين الأردنية والإسرائيلية. وعندما حان موعد الانتخابات في العام التالي، تمكّن مرشحو جبهة العمل الإسلامي وغيرهم من المرشّحين المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين من حصد نحو ثلث الأصوات، في رسالة واضحة تعبّر عن المقاومة والتضامن مع القضية الفلسطينية. وقد أتاح التصويت لصالح مرشّحي الإخوان المسلمين فرصة ثمينة للمواطنين الأردنيين للتعبير عن دعمهم للقضية. 

 

تؤدّي تنظيمات كجماعة الإخوان المسلمين دوراً محورياً في دول مثل الأردن. ففي الأنظمة غير الديمقراطية، غالباً ما تؤدّي المؤسّسات التي ترتبط تقليدياً بالأنظمة الديمقراطية، مثل الأحزاب السياسية والهيئات التشريعية والأنظمة الانتخابية، دوراً في استيعاب قوى المعارضة. وبينما تبقى سلطة اتخاذ القرار النهائية بيد الحاكم، توفّر هذه الهياكل قنوات مشروعة تتيح للجهات ذات الرؤى المختلفة التعبير عن تظلّماتها والسعي إلى معالجة مطالبها من داخل النظام. وعندما يرى المشاركون أنّ لديهم فرصة عادلة لإيصال صوتهم، حتى وإن لم يحقّقوا النتائج التي يرجونها، فإنّ احتمالية لجوئهم إلى أساليب خارجة عن القانون أو مخلّة بالنظام تتضاءل. والواقع أنّ الإدماج داخل النظام يعزّز الالتزام بقواعده، إذ أنّ منح المعارضين منصّة لطرح مطالبهم، يشجّعهم على الاستمرار في الانخراط عبر الوسائل المؤسّسية. 

 

كان الملك الحسين مدركاً تماماً لهذه الدينامية، فانتهج بالتالي مقاربة إستراتيجية للتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين، عبر دمجها في النظام السياسي مع تقليص قدراتها على المعارضة. على سبيل المثال، عيّن الملك قيادات من الجماعة في مناصب مؤثّرة داخل وزارة التربية والتعليم، ما أتاح لهم فرصة صياغة مناهج وطنية تتماشى مع التعاليم الدينية. وقد ساهم ذلك في تحييد الجماعة كمنافس سياسي، وتقليص دافعها للتحرّك ضدّ النظام، ما نتجت عنه فترة من التعاون النسبي بين النظام الملكي والجماعة. وقد تمخّضت هذه الشراكة عن مناهج دراسية ذات طابع إسلامي، وهو أمر لاقى قبولاً لدى الكثير من الأهالي في ذلك الوقت. في المقابل، استفادت المؤسّسة الملكية من علاقتها بالجماعة، ما عزّز صورتها كسلطة ذات شرعية دينية في نظر المواطنين. في المقابل، وجد الإخوان المسلمين حافزاً للاستمرار في تأدية دور ضمن قواعد اللعبة حفاظاً على نفوذهم مع النظام. 

 

بدأت العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والنظام الملكي الأردني تأخذ منحى تصادمياً منذ الثمانينات، مدفوعة إلى حدّ كبير بتطوّرات إقليمية خارجية. فقد ألهمت الثورة الإيرانية والجهاد الأفغاني تحوّلاً أوسع في الخطاب الإسلامي نحو مزيد من الجرأة السياسية، بل والمقاومة المسلّحة في بعض الأحيان. وفي العقد الأول من الألفية، ساهم تزايد الاستياء الشعبي من معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية والتعاون الاقتصادي الناتج عنها، في تأجيج معارضة جماعة الإخوان المسلمين للنظام. وقد دفعت هذه التطوّرات الجماعة إلى الابتعاد عن دورها التقليدي القائم على التعاون واتّخاذ موقف أكثر انتقاداً تجاه النظام الملكي. 

 

بينما لم تُعد الجماعة متحالفة مع النظام، فإنّ دورها في العقود الأخيرة كمعارضة مشروعة قد أتاح للأردنيين قناة مؤسّسية للتعبير عن معارضتهم، لا سيّما لأولئك المنتقدين لعلاقة الحكومة مع إسرائيل. وفي هذا السياق، فقد أدّت الاحتجاجات، في هذا السياق، دوراً مزدوجاً: لقد سمحت للمواطنين للتعبير عن معارضتهم، وفي الوقت نفسه وفّرت للحكومة مؤشّراً مهمّاً عن توجّهات الرأي العام. غير أنّ قرار حظر الجماعة قد قوّض هذا الدور. 

 

عندما تُدفع المعارضة إلى العمل السرّي، تصبح أقل ظهوراً ويصعب على الدولة مراقبتها وإدارتها. ويبدو أنّ هذا السيناريو بدأ يتجلّى بالفعل في الأردن، حيث يُقال إنّ أفراداً مرتبطين بجماعة الإخوان المسلمين لجأوا إلى وسائل غير مشروعة لتحقيق أهدافهم السياسية. وحتى قبل صدور المرسوم في أبريل، كانت الجماعة تعمل في إطار قانوني ضبابي منذ صدور قرار حظرها في العام 2020. ومع ذلك، يصعب تصوّر هذا التصعيد الحالي بمعزل عن سنوات من التباعد والجفاء المتزايد بين الجماعة والحكومة. ومع استمرار دفع الإخوان المسلمين إلى هامش الحياة السياسية، يلوح في الأفق خطر حقيقي بانزلاقهم نحو تبنّي أساليب أكثر تشدّداً 

 

وتقدّم مصر مثالاً تحذيرياً في هذا السياق: فعلى الرغم من أنّ جماعة الإخوان المسلمين لم تشهد تحوّلاً جذرياً نحو التطرّف الكامل، إلّا أنّ الدولة المصرية تكبّدت تكاليف باهظة، سواء على الصعيد المالي أو على مستوى سمعتها، في سبيل قمع الجماعة واحتوائها. والأسوأ أنّ تصعيد القمع المتزايد قد يؤدّي أحياناً إلى نتائج عكسية إذ يعزّز سرديات الإسلاميين بأنّهم مضطهدون، ما يسهّل تبرير قضيتهم واستقطاب أنصار جدد. ويبدو أنّ الأردن اليوم قد يكون على وشك الدخول في حلقة مماثلة. 

 

لقد قلّص حظر جماعة الإخوان المسلمين المساحة المتاحة للمشاركة السياسية في الأردن، وأصبح من الصعب على من يوجّهون انتقادات للحكومة أن يجدوا سبلاً مشروعة للمشاركة في الشأن العام. وفي هذا المناخ الجديد، قد لا يجد من يسعى للتعبير عن معارضته سوى قنوات محدودة مسموح بها، وبالتالي قد يلجأ إلى أشكال للاحتجاج أكثر تطرّفاً. ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزّة، من المرجّح أن يزداد الاستياء الشعبي في الأردن في ظلّ غياب منفذ مشروع للتعبير عنه، قد يشعر المواطنون الأردنيون بالتهميش من السياسة التشاركية. لذا، على الحكومة أن تعيد النظر في انخراطها مع المعارضة، وإلّا قد تواجه موجات متزايدة من الاضطرابات. 

 

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفيها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: الحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
البلد: الأردن، مصر

المؤلف

طالبة دكتوراه في قسم العلوم الحكومية بجامعة هارفارد
مولي هيكي هي طالبة دكتوراه في قسم العلوم الحكومية بجامعة هارفارد، وهي متخصّصة في مجال السياسات المقارنة في الشرق الأوسط. إذ تركّز اهتماماتها البحثية على الاقتصاد السياسي وسياسات المساعدات الخارجية والهجرة والسياسات الاجتماعية في المنطقة. تتمتّع مولي بخبرة عملية من خلال عملها في مشاريع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.… Continue reading الأردن يسعى لتحقيق توازن بين المعارضة والاستقرار