إلى أي مدى مسألة غزة حاسمة في الانتخابات الأمريكية المقبلة؟

لقد شكّلت سياسة واشنطن تجاه حرب إسرائيل على غزة قضيّةً مركزية في الحملة الانتخابية إلى السباق الرئاسي، وسيبقى الأمر كذلك.

8 أغسطس، 2024
عمر حسن عبد الرحمن

إحدى المفارقات الكبرى للسياسة الأمريكية هي أنّه على الرغم من قوة البلاد الهائلة ونفوذها في العالم، بالكاد يأخذ معظم الناخبين الأمريكيين السياسةَ الخارجية الأمريكية والشؤون الدولية في الحسبان. ولكن قد يكون السباق الرئاسي للعام 2024 مختلفاً.

 

منذ السابع من أكتوبر 2023، يوم الهجوم الذي شنّته حماس على إسرائيل، وحرب إسرائيل الكارثية على غزة، أدّت السياسة المتعلّقة بالشرق الأوسط دوراً كبيراً لم يسبق له مثيل في السباق الرئاسي. لأشهر متعدّدة، كان دعم الرئيس جو بايدن المطلق لإسرائيل فيما كانت تشنّ هجوماً عسكرياً وُصف عن حق بالإبادة الجماعية، يلاحقه في الداخل، وبشكلٍ خاص داخل حزبه. كان بايدن متمسّكاً بنظرةٍ للعالم قديمة الطراز تَعتبر الدعم لإسرائيل مقدّساً، فوجد نفسه بعيداً عن القاعدة الشعبية والجناح التقدّمي في حزبه، لا سيّما في صفوف الناخبين الشباب والأقليّات، في ظلّ تفاقم الغضب إزاء فظائع إسرائيل في غزة.

 

صحيح أنّ بايدن انسحب من السباق في نهاية المطاف على ما يبدو بسبب مخاوف تتعلّق بعمره وتدهور قدرته العقلية، من المستحيل تجاهل تداعيات مواقفه إزاء غزة على شعبيته ودعمه – لا سيما في الولايات المتأرجحة الرئيسية حيث يتمتّع العرب الأمريكيون بتمثيل جيّد والتي كانت حاسمة بالنسبة إلى فرص بايدن في نوفمبر. بالفعل، في استطلاعٍ للرأي أجري في مايو في صفوف العرب الأمريكيين، قال 7 في المئة منهم فقط إنهم ينوون التصويت لصالح بايدن. لو تحقّقت هذه النسبة في الانتخابات، لكان من الصعب جداً على بايدن الفوز.

 

عندما دخلت نائبة الرئيس كامالا هاريس إلى المعركة بسرعة وضمنت دعم حزبها، حاولت فوراً اعتماد نبرة مختلفة بشأن غزة. فقالت في خطابها الأول: “لا يمكننا أن نغضّ الطرف عن هذه المآسي [في غزة]. لا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بأن نصبح مخدَّرين تجاه المعاناة، وأنا لن أصمت”. صحيح أنّ تصريح هاريس هذا كان مختلفاً كلّياً عن موقف الرئيس، الذي فشل فشلاً ذريعاً في إظهار أي تعاطف مع الفلسطينيين على مدى الأشهر العشرة الأخيرة، إلّا أنّها أكّدت أيضاً “التزامها الثابت” تجاه إسرائيل وحقّها في الدفاع عن النفس، ما يطرح تساؤلات في أذهان المؤيّدين للقضية الفلسطينية.

 

والأهم من ذلك كان اختيارها لنائب الرئيس. في خلال عملية مستعجلة، وصل ثلاثة مرشّحين إلى القائمة النهائية: عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا مارك كيلي وحاكم ولاية بنسلفانيا جوش شابيرو وحاكم ولاية مينيسوتا تيم فالز. وعندما اقتصر السباق على شابيرو وفالز، يمكن القول إنّ مسألة غزة كانت النقطة الحاسمة.

 

على الرغم من أنّ شابيرو أصغر سناً من فالز بشكلٍ واضح – في انتخابات يُعتبر العمر فيها عاملاً مهماً – وكونه حاكماً شعبياً في ولايةٍ متأرجحة حاسمة، سرعان ما أصبح سجله بشأن إسرائيل نقطة خلافية، إذ هاجم النقّاد تاريخه الطويل من الدعم الراسخ لإسرائيل. في الواقع، كان شابيرو في شبابه متطوّعاً في الجيش الإسرائيلي وأدلى بتعليقات نارية بشأن الفلسطينيين عندما كان طالباً جامعياً. وبصفته المدّعي العام لولاية بنسلفانيا، استهدف كذلك شركة المثلّجات “Ben & Jerry’s” بتشريعٍ مناهض للمقاطعة بسبب رفضها بيع منتجاتها في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية. وبصفته حاكماً، اتّهم بعض طلاب الجامعات المحتجّين على الإبادة الجماعية في غزة بمعاداة السامية وقارنهم بأعضاء كو كلوكس كلان، الحركة المنادية بسيادة البيض، من خلال اللجوء إلى قوانين حرية التعبير لنشر خطاب الكراهية. كما أيّد شابيرو مشروع قانون في ولاية بنسلفانيا من شأنه أن يعاقب الجامعات التي تقاطع إسرائيل أو تنسحب منها.

 

من جهته، تبنّى فالز وجهات نظر المؤسّسة التقليدية حول إسرائيل وفلسطين داخل الحزب الديمقراطي. بيد أنّه أصبح منذ السابع من أكتوبر أكثر إنصافاً من شابيرو، حيث أعرب عن تعاطفه مع الفلسطينيين في غزة وكان تصالحياً حيال منتقدي الدعم الأمريكي لإسرائيل داخل الحزب وفي حرم الجامعات. كان ذلك كافياً بالنسبة إلى الكثير من الناخبين التقدميين والمؤيّدين للفلسطينيين لتأييد فالز مقابل شابيرو.

 

فيما اعتبر الكثير من المراقبين شابيرو المرشّح الأول، توقّف ترشيحه على موقفه الموالي لإسرائيل، بحيث جعله المؤيدون والمنتقدون نقطة الخلاف الرئيسية. في الواقع، شنّ أنصار إسرائيل حملة ضغط شرسة، في السر والعلن، لصالح شابيرو كمرشّحهم، لدرجة أنّهم اتّهموا منتقديه بمعاداة السامية، ما عزّز أهمية النتيجة من حيث الرمزية والسردية. في حال تمّ التخلي عن شابيرو، قد يشير ذلك إلى أنّ موقف الحزب من إسرائيل يتغيّر وربما أنّ الإدارة الديمقراطية القادمة قد تكون أقل حرصاً على استرضاء اللوبي المؤيّد لإسرائيل.

 

في نهاية المطاف، اختارت هاريس فالز. في حين يستحيل من الخارج معرفة منطق فريق هاريس بشكلٍ دقيق، يبدو من هذا المنطلق أنّ قضية غزة كانت محورية، ما يوحي بالكثير عن صعود نفوذ الحركة المؤيدة للقضية الفلسطينية داخل سياسة الحزب الديمقراطي. للمرة الأولى ربما على المستوى الوطني، اعتُبر التحيّز المفرط لصالح إسرائيل بمثابة عائق.

 

الانتخابات العامة

بما أنّه لا تلوح في الأفق أيّ نهايةٍ لحرب إسرائيل على غزة وفي ظلّ احتدام المشهد الإقليمي، من المرجّح أن تستمرّ الأزمة في الشرق الأوسط في تأدية دور في المعركة بين هاريس والرئيس السابق دونالد ترامب.

 

لا شكّ في أنّ ترامب لا يواجه الانقسامات نفسها بشأن هذه القضية داخل حزبه. بيد أنّ أصوات ناشئة ومؤثّرة تعلو في اليمين، على غرار تاكر كارلسون، التي بدأت تشكّك في الدعم الأمريكي التلقائي لإسرائيل تحت راية الوطنية ذات شعار “أمريكا أولاً”. وقد أوفد ترامب المدير السابق للاستخبارات الوطنية، ريتشارد غرينيل، في محاولةٍ لجذب الأمريكيين العرب في ولايات متأرجحة رئيسية مثل ميشيغان إلى معسكره.

 

لكن من المرجّح أن تكون المعركة بين مرشحّي الحزبين المتنافسين ساحة تؤدّي فيها غزة والدعم لإسرائيل دوراً حاسماً. سيتعيّن على هاريس بشكلٍ خاص إيجاد التوازن الصحيح الذي يتجنّب تنفير أحد طرفي حزبها أو كليهما اللذين يتعارضان بشدة بشأن هذه القضية، وفي الوقت عينه صدّ الهجمات من جانب الحزب الجمهوري.

 

لن تكون هذه المهمة سهلة. في الواقع، هاريس هي نائبة الرئيس الذي يحمّله الكثيرون مسؤولية السماح باستمرار الإبادة الجماعية في غزة. من أجل كسب ثقتهم وتصويتهم، يطالبونها بالإعلان صراحةً عن نيّتها وضع حدّ للتواطؤ الأمريكي. لقد تجلّى ذلك مؤخّراً في تجمّع في ولاية ميشيغان حيث قاطع المتظاهرون خطابها هاتفين “كامالا، كامالا، لا يمكنك الاختباء، لن نصوّت لصالح الإبادة الجماعية”. كانت الرسالة واضحة: لن تكون التصريحات المتعاطفة كافيةً لدفعهم إلى التصويت لصالحها في نوفمبر، فهم يريدون تحرّكاً، أو على الأقل إعلان نوايا.

 

كان ردّ هاريس معبرّاً. ققد وبّخت المتظاهرين وألمحت إلى أنّ مثل هذه التصريحات ستؤدّي إلى فوز ترامب. عكس هذا التعليق مدى قلّة فهم أعضاء المؤسّسة الديمقراطية للحركة الاحتجاجية. في ظلّ مقتل عشرات الآلاف في غزة واحتمال مقتل الآلاف الإضافيين من الآن وحتى نوفمبر، يطغى الطابع المُلحّ والواجب الأخلاقي على السياسة الآنية ولن يرضى الكثيرون بأقل الشرّين عندما يُسهّل الجانب “الأقل شراً” الإبادة الجماعية.

 

غير أنّه من المرجّح ألّا تتمكّن هاريس من الفوز إذا أبعدت أيضاً الناخبين والمانحين المؤيّدين لإسرائيل الذين يتمتّعون بنفوذٍ كبير داخل مؤسّسة الحزب والذين يشكّلون حجر الأساس لشؤونه المالية.

 

من غير الواضح ما إذا كان بإمكان هاريس إيجاد الصيغة المناسبة لكسب تأييد الطرفين. لكن في حال نجحت في ذلك، قد تنتج عن هذه العملية سردية وسياسة ديمقراطية جديدة بشأن إسرائيل وفلسطين لقيادة الحزب والبلاد على مدى السنوات الأربعة المقبلة وربما بعدها.

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: الإنتخابات، السياسة الأمريكية الخارجية
البلد: فلسطين

المؤلف

عمر حسن عبد الرحمن هو زميل في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، حيث يركّز على فلسطين وجيوسياسيات الشرق الأوسط  والسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة. وهو محرّر أفكار، المدونة الالكترونية الصادرة عن المجلس لمعالجة التطورات الإقليمية وأهم القضايا التي تهمّ المنطقة.   كان سابقاً زميلاً غير مقيم في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس في هيوستن.… Continue reading إلى أي مدى مسألة غزة حاسمة في الانتخابات الأمريكية المقبلة؟