صورة جماعية قدّمتها الرئاسة المصرية خلال قمة الجامعة العربية حول غزة في القاهرة، في 4 مارس 2025. (وكالة الصحافة الفرنسية)

إسرائيل والسلطة الفلسطينية تعرقلان الخطّة العربية لإعادة إعمار غزّة  

قد تُمنى الخطّة العربية لقطاع غزّة بالفشل بسبب تعنّت إسرائيل وعدم كفاءة السلطة الفلسطينية، ولكنّها قد تشكّل أيضاً فرصة لإعادة توحيد الصف الفلسطيني. 

18 مارس، 2025
عمر حسن عبد الرحمن

برزت المبادرة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزّة وإدارته كإجراء عاجل للتعامل مع الأزمة التي نشأت منذ 7 أكتوبر 2023. ومع دعم الدول العربية ومنظّمة التعاون الإسلامي وعدد من الدول الأوروبية، لا تُعتَبر الخطّة مجرّد مبادرة إنسانية، بل هي مناورة جيوسياسية تهدف إلى مواجهة المخطّط الذي يدفع به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي نال مؤخّراً عدعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي يرمي إلى تفريغ قطاع غزّة من سكّانه. 

 

على مدى أشهر متعدّدة، تردّدت الدول العربية في تولّي مسؤولية إعادة إعمار قطاع غزّة وإدارته من دون وجود مبادرة شاملة تعالج القضية الجوهرية المتمثّلة في غياب الدولة الفلسطينية. فقد كانت هذه الدول تتجنّب الانخراط في دور مشابه «للسلطة الفلسطينية»، بحيث تتحمّل عبء الاحتلال الإسرائيلي في وقت لا يزال فيه التوسّع الاستيطاني الإسرائيلي مستمرّاً في الضفّة الغربية. ومع ذلك، دفعها التهديد الوجودي الناتج عن رؤية ترامب ونتنياهو لقطاع غزّة إلى التحرّك. 

 

وتعتمد الخطّة المصرية في جوهرها، والتي تقدّر تكلفتها بـنحو 53 مليار دولار، على تشكيل لجنة توجيه محلّية مكوّنة من تكنوقراط لمدّة ستة أشهر، تليها مرحلة انتقالية تتولّى فيها السلطة الفلسطينية زمام الأمور. ومع ذلك، يواجه هذا النهج مشكلات جوهرية قد تؤدّي إلى فشل الخطّة قبل أن تبصر النور. 

 

عرقلة نتنياهو 

كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حاسماً في رفضه أي دور للسلطة الفلسطينية في إدارة قطاع غزّة. وينبع موقفه من اعتبارات إستراتيجية عميقة، إذ يرى أنّ السماح للسلطة الفلسطينية بإدارة القطاع قد يفتح الباب أمام وحدة جيوسياسية بين غزّة والضفّة الغربية، ما يمهّد الطريق لاستئناف مفاوضات تهدف إلى إقامة دولة فلسطينية. 

 

على مدى عقود، سعى نتنياهو والمؤسّسة السياسية الإسرائيلية إلى إحباط أي سيناريو قد يؤدّي إلى تحقيق تقرير المصير الفلسطيني. فالوضع الراهن، القائم على التجزئة والانقسام بين الأراضي الفلسطينية يخدم مصالحهم، ويُبقي هدف إقامة الدولة الفلسطينية بعيد المنال. ولمواجهة نتنياهو بفعّالية، تحتاج الدول العربية إلى كسب تأييد أكبر عدد ممكن من الأطراف، لا سيّما إدارة ترامب، التي تمتلك النفوذ الكافي لإجبار رئيس الوزراء الإسرائيلي على القبول. 

 

وعلى الرغم من أنّ نتنياهو قد يسعى لتقويض تنفيذ الخطّة عبر فرض عقبات بيروقراطية، أو اللجوء إلى تصعيد عسكري، أو وضع قيود اقتصادية – وهي أساليب مألوفة في السياسية الإسرائيلية – تظل الخطّة العربية الخيار الأفضل المطروح لمنع التطهير العرقي في قطاع غزّة، سواء عبر الحرب المتجدّدة أو التفقير طويل الأمد. 

 

 

أزمة السلطة الفلسطينية 

فضلاً عن العرقلة الإسرائيلية، تبرز عقبة رئيسة أخرى أمام تنفيذ الخطّة العربية وهي السلطة الفلسطينية نفسها. تحت قيادة الرئيس محمود عباس، فقدت هذه المؤسّسة الكثير من شعبيّتها وباتت تفتقر إلى أي وزن سياسي لا سيّما بعد انهيار اتفاقيات أوسلو. 

 

على مرّ السنين، سرّع عباس من تآكل شرعية السلطة الفلسطينية من خلال استمراره في التنسيق الأمني مع إسرائيل وترسيخ حكمه السلطوي ورفضه إجراء إنتخابات منذ العام 2006. وأصبحت فترة حكمه مرادفة للقمع، سواء بحقّ الفصائل المعارضة، أو ضدّ أي محاولة لتجديد التمثيل السياسي، أو حتّى في مواجهة أي مقاومة للعدوان الإسرائيلي. وفي غياب أي عملية سياسية حقيقية، تحوّلت السلطة الفلسطينية إلى مجرّد امتداد للاحتلال الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري، بحيث تفرض الأمن في الضفّة الغربية من دون أن تمتلك أي سلطة فعلية للحكم ككيان مستقلّ. وعزّز هذا الواقع حالة الإحباط الفلسطيني على نطاق واسع. وصاحب إحكام قبضة عباس الأمنية قمعاً متزايداً، لا سيّما ضد الفصائل والنشطاء الداعين إلى نهج أكثر تصعيداً في مواجهة سياسات التطهير العرقي الإسرائيلية. 

 

وتجلّى فشل السلطة الفلسطينية بأبشع صوره في خلال الأشهر الستة عشر الماضية، مع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزّة والضفّة الغربية. فقد غاب عباس تماماً عن أي جهود لحشد المقاومة الفلسطينية، وعكس صمته المستمرّ وعجزه الواضح فقدانه لأي دور فعلي في الأحداث. لم تقتصر خسارة حكومته على ثقة الشعب الفلسطيني فحسب، بل أصبحت أيضاً مهمّشة على الساحة الجيوسياسية، حيث فقدت تأثيرها حتّى لدى اللاعبين الرئيسيين، بمن فيهم إسرائيل والولايات المتّحدة والدول العربية. 

 

 

فراغ سياسي 

يعتمد محمود عباس بشكل أساسي على إسرائيل والمموّلين الدوليين للحفاظ على السلطة الفلسطينية، ما يضطرّه إلى تقديم أولوياتهم على مطالب شعبه، على الرغم من تعارضها التام. ومع تراجع شعبيّته داخلياً، ازدادت نزعاته السلطوية. فقد شنّ مؤخّراً حملة قمع ضدّ مجموعات المقاومة الفلسطينية في مدينة جنين شمال الضفّة الغربية، وأوقف الدعم المالي عن عائلات الفلسطينيين الذين سُجنوا أو قُتلوا أو جُرحوا على يد إسرائيل. 

 

وقد شكّل هذا القرار خرقاً للعقد الاجتماعي بين القيادة الفلسطينية وشعبها، وأكّد مدى سعي السلطة الفلسطينية لاسترضاء إسرائيل والغرب على حساب شرعيّتها الداخلية. والآن، في ظلّ الحاجة الملحّة إلى سلطة فلسطينية تتولّى إدارة قطاع غزّة، تجد الدول العربية نفسها من دون شريك حقيقي وفعّال. فقيادة السلطة الحالية ضعيفة وفاسدة، ومن غير المرجّح أن تكون قادرة على إدارة القطاع بفعّالية. 

 

وفي القوت الذي تدفع فيه بعض الأطراف في العالم العربي، إلى جانب المجتمع المدني الفلسطيني والشتات، نحو قيادة جديدة، يواصل عباس والمقرّبون منه مقاومة أي محاولة للإصلاح. ففي منتصف فبراير الماضي، منعت السلطة الفلسطينية 33 مندوباً من مغادرة الضفّة الغربية للمشاركة في مؤتمر وطني فلسطيني كان من المقرّر عقده في الدوحة، والذي يُعدّ جهداً شعبياً يهدف إلى إعادة إحياء منظّمة التحرير الفلسطينية. 

 

في الوقت نفسه، وفي محاولة لاستيعاب ضغوط الحكومات العربية، قدّم عباس عرضاً بالعفو عن بعض الأعضاء الساخطين في حركة فتح، وعلى رأسهم محمد دحلان، خصمه المدعوم من الإمارات والمقيم في المنفى بأبوظبي. 

 

قد يُشكل احتمال عودة دحلان تحوّلاً في ديناميّات القيادة الفلسطينية، لكنه لن يحلّ الأزمة الجوهرية المتمثّلة في فقدان السلطة للشرعية. فإعادة ترتيب الوجوه في قمّة الهرم لا تعني إصلاحاً حقيقياً، ومن دون التزام حقيقي بوحدة وطنية وتجديد التمثيل السياسي، فإنّ أي قيادة جديدة ستكرّر الإخفاقات نفسها التي وسمت عهد عباس. 

 

 

لحظة حاسمة 

تشكّل عملية إعادة إعمار قطاع غزّة فرصة هامّة لوضع أُسس حركة وطنية فلسطينية متجدّدة، عبر كسر قبضة محمود عباس على المشهد السياسي الفلسطيني وإطلاق مسار لإحيائه. وإذا نجحت الدول العربية في تجاوز العقبات السياسية المتمثّلة في تعنّت نتنياهو ومصالح عباس الشخصية والانقسامات الداخلية الفلسطينية، فقد تتمكّن من توجيه قطاع غزّة نحو مستقبل أكثر استقراراً واستقلالية. ولكن إذا استمرّ عباس ودائرته الضيّقة في السيطرة على السلطة، فقد يتحوّل هذا الجهد بسرعة إلى مجرّد محاولة أخرى فاشلة للمصالحة الفلسطينية، ما يعزّز الوضع الراهن القائم على هيمنة إسرائيل وتفكّك الصف الفلسطيني. 

 

مستقبل قطاع غزّة معلّق بين الأمل والتعثّر. فقد يكون هذا التدخّل العربي خطوة فارقة على طريق تقرير المصير الفلسطيني، أو مجرّد فرصة أخرى تُضاف إلى سجلّ الفرص الضائعة. لكن إن استمرّ عباس في احتكار السلطة، وبقيت منظّمة التحرير الفلسطينية مجرّد هيكل فارغ، وظلّ نتنياهو يمضي في تقويض أي بادرة سيادة فلسطينية، فسيكون مصير الخطّة العربية الفشل قبل أن تبصر النور. 

 

تتطلّب هذه المرحلة قرارات جريئة، وتجديداً للحياة السياسية الفلسطينية، والتزاماً دولياً حقيقياً بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. ويبقى السؤال: هل ستتمكّن الخطّة العربية من تجاوز العقبات البنيوية التي تعترض طريقها؟ إذا لم تكن الأزمة القيادية الفلسطينية هي العامل الحاسم في تحديد مصير قطاع غزّة، فقد حان الوقت لتصحيح المسار قبل فوات الأوان 

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفيها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: العلاقات الإقليمية
البلد: فلسطين

المؤلف

عمر حسن عبد الرحمن هو زميل في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، حيث يركّز على فلسطين وجيوسياسيات الشرق الأوسط  والسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة. وهو محرّر أفكار، المدونة الالكترونية الصادرة عن المجلس لمعالجة التطورات الإقليمية وأهم القضايا التي تهمّ المنطقة.   كان سابقاً زميلاً غير مقيم في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس في هيوستن.… Continue reading إسرائيل والسلطة الفلسطينية تعرقلان الخطّة العربية لإعادة إعمار غزّة