يقوم مبعوث الصين الخاص إلى الشرق الأوسط تشاي جون بزيارة إلى المنطقة في محاولةٍ لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس. وفي الكلمة التي ألقاها جون أمام قمة القاهرة للسلام حول القضيّة الفلسطينيّة في 21 أكتوبر، دعا إلى دعم “الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الوطنيّة المشروعة”. وهذا موقف تتّفق عليه الدول بمعظمها.
لقد أدّى غياب تسويةٍ للصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستمرّ منذ 75 عاماً إلى احتدامه من جديد بصورةٍ غير مفاجئة. في الواقع، 2,3 مليون فلسطيني يعيشون تحت الاحتلال في غزة في ما يوصَف بأكبر “سجن مفتوح” في العالم، وهم يعانون أوضاعاً صعبة للغاية ويشعرون باليأس من دون أي نهايةٍ تلوح في الأفق. لقد أثار تسلّل مقاتلي حماس المفاجئ إلى إسرائيل ردّاً إسرائيلياً يُمكن وصفه بمثابة إبادة جماعية محتملة على شكل قصفٍ كثيف وعشوائي على قطاع غزة المكتظّ بالسكان. وقد قطعت إسرائيل إمدادات المياه والغذاء والكهرباء والوقود عن المنطقة المحاصَرة. وكانت غزة قد تعرّضت لرد انتقامي من هذا النوع في 2006 و2008 و2012 و2014 و2021، ما تسبّب بمقتل آلاف المدنيين الأبرياء، بينهم الكثير من الأطفال.
وقد أتت الضربات المستمرّة على غزة في وقتٍ يُعارض فيه أنصارُ التعدّدية القطبية الدولية النظامَ الأحادي القطب الذي تدافع عنه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون. وتُجسّد الحرب المستمرّة في أوكرانيا هذا السباق بين هاتين الرؤيتين. لقد عمّق الصراع في غزة كذلك الفجوة بين الغرب وباقي العالم. من جهتها، تسلّط الصين الضوء على السبب الجذري للصراع في حين أنّ المسؤولين في الولايات المتّحدة وفي بعض الدول الأوروبيّة يميلون إلى إخراجه من سياقه وإلغاء تاريخه، فيتنافسون على من يدعم إسرائيل بقوةٍ أكبر ويدعون إلى إرسال المزيد من الأسلحة إلى إسرائيل ويستعدّون للحرب ضد إيران، عوضاً عن اقتراح حلول من أجل السلام. لا تكمن المشكلة في دعم الغرب القوي لإسرائيل، الذي ليس بسرّ، بل في الموقف الأحادي الجانب الذي اتّخذه القادة في الغرب.
وخلافاً لإعلان تشاي، يفتقر تصريح بايدن بأنّ “الولايات المتحدة تبقى ملتزمة بحق الشعب الفلسطيني في العيش بكرامة وتقرير مصيره” إلى المصداقية بسبب قراره إرسال المزيد من الأسلحة إلى إسرائيل. وخلافاً لموقف الصين المحايد، يثبت الموقف الأحادي الجانب من قبل الولايات المتحدة والمسؤولين الأوروبيين إزاء الصراع أنّه لا يوجد أي مؤشّر على نيّة الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي وضع حدّ للمذبحة الدائرة في غزة.
وخلافاً للولايات المتحدة، تنادي الصين، شأنها شأن جزء كبير من العالم، بوقفٍ لإطلاق النار وبتسويةٍ نهائية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. أمّا الموقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فيؤكّد على الانطباع بسعيهما وراء طموحات الهيمنة التي تعتمد بشكلٍ أساسي على السُبل العسكريّة وليس على الدبلوماسيّة والتسوية السلميّة للصراع.
لقد شدّدت بكين على السلام والتنميّة كبديلين عن الصراع المستمر. ففي شهر مارس الماضي، نجحت الصين في التوسّط من أجل التطبيع بين إيران والمملكة العربيّة السعوديّة اللتين أبرمت شراكات إستراتيجيّة شاملة معهما. وقبل 7 أكتوبر، عرضت الصين التوسّط بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وفي حين بدت هذه المهمة شاقة، إلّا أنّه يعود لها الفضل في طرح الدبلوماسيّة كقناةٍ لحل الصراع. تحتاج الوساطة إلى الحياد والموضوعيّة. وقد أكّدت بكين مراراً وتكراراً وبشكلٍ لا لبس فيه على معارضتها لمهاجمة المدنيين ودعت إلى وقف إطلاق النار. كما تدعم الصين حل الدولتين – وإن كان هذا الخيار غير واقعي نظراً لسياسة الاستيطان الإسرائيليّة – وتطبيق قرارات الأمم المتّحدة.
ينسجم موقفُ الصين مع أحد الشروط الأساسيّة للوساطة، ألا وهو الحياد. أمّا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فلا يمكن أن يكونا وسيطين محايدين في الصراع بسبب تأييدهما غير المشروط لإسرائيل. وخير دليل على ذلك لجوء الولايات المتحدة مؤخّراً إلى حقّ النقض لرفض مشروع قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف إطلاق النار بهدف السماح بوصول المساعدات الإنسانيّة إلى غزة. بالنسبة إلى شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والجنوب العالمي بشكلٍ عام، إن تفسير الحياد الأمريكي واضح. لقد دفعت الولايات المتحدة باتجاه التطبيع بين الدول العربيّة وإسرائيل من خلال اتفاقات أبراهام، إلّا أنّ فرص نجاح هذه السياسة ضئيلة لأنها تتجاهل حقوق الفلسطينيين.
الصين محقّة في الضغط باتجاه استئناف محادثات سلام حقيقية بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتطبيق حلّ الدولتين. ووزير خارجيتها وانغ يي محقّ في قوله إنّ مصدر الحرب بين فلسطين وإسرائيل “يكمن في التأخير الطويل في تحقيق تطلّعات فلسطين لإقامة دولة مستقلّة، وفي أنّ الظلم التاريخي الذي تعرّض له الشعب الفلسطيني لم يتم تصحيحه”.
نُشرت هذه المقالة في الأصل على غلوبل تايمزGlobal Times .
إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّف حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.