مستقبل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2025

في هذا الإصدار الخاص من "آراء من المجلس"، يشارك مدراء مجلس الشرق الأوسط آرائهم حول الاتجاهات الرئيسية والصراعات التي من المحتمل أن تشكّل مستقبل المنطقة في العام المقبل.

13 يناير، 2025

أُسدٍل الستار على العام 2024 بحدث هزّ المنطقة وغيّر المشهد الإقليمي حين انهار نظام الأسد في سوريا في شهر ديسمبر. وفي ظلّ استمرار عدد من الصراعات والقضايا الساخنة، يبدو أنّ العام 2025 سيكون محطّة مفصليّة في إعادة تشكيل مستقبل المنطقة. وفي هذا الإطار، أعدّت “أفكار” إصداراً خاصاً شارك فيه مدراء مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية آرائهم وقراءاتهم السياسية لمستقبل المنطقة في العام 2025.  

 

مستقبل سوريا مصيريّ لا يمكن توقّعه 

 

عمر حسن عبدالرحمن 

 

لا شكّ أنّ العام الماضي سيظلّ محفوراً في الذاكرة كإحدى السنوات المصيريّة في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر. فقد أدّت الأحداث التي اندلعت في أواخر العام 2023 إلى تغييرات جذرية في المشهد الجيوسياسي الإقليمي في 2024. لكن الغبار لم ينقشع بعد، وتظلّ نتائج هذه التحوّلات رهينة لعدد من المتغيّرات المعقّدة والمتشابكة، ما يجعل من الصعب التوقّع بنتائجها. 

 

كيف ستردّ طهران على تراجع “محور المقاومة” الذي شكّل جبهة الدفاع الأمامية التي بنتها على مدى عقود في الهلال الخصيب؟ وما هي الخيارات التي ستتّخذها لاستعادة قدرتها على الردع أو إعادة ضبط إستراتيجيتها الإقليمية، بما في ذلك إمكانية السعي لامتلاك أسلحة نووية؟ وكيف سيردّ حزب الله على خسارته ممرّ الإمدادات الذي يربطه بإيران واحتمال بقاء القوات الإسرائيلية لوقت طويل في جنوب لبنان؟ وهل سيعيد النظر في سياساته الداخلية والإقليمية وعلاقته مع مموّليه التقليديين في طهران؟  

 

ماذا يخبّى المستقبل للسياسة الفلسطينية في العام المقبل بعد أن تحوّلت غزّة إلى أنقاض ملتهبة، وفي وقت لا يزال أهلها عالقين في دوّامة لا تنتهي من المعاناة والعنف الذي تخطّى كلّ تصوّر؟ هل ستستمرّ إسرائيل في سياسة التطهير العرقي في القطاع، وهل ستضمّ الضفة الغربية بشكل رسمي بعد سنوات من إحكام سيطرتها على كامل الأراضي الفلسطينية؟  

 

هل يمكن لسوريا جديدة أكثر استقراراً وازدهاراً أن تنبثق من ركام 14 عاماً من الحرب و54 عاماً من بطش الدكتاتورية، في ظلّ وجود قوى خارجية كثيرة لا تزال تفرض نفوذها على امتداد الأراضي السورية المفكّكة؟ وهل ستستغلّ المجموعات في العراق المجاور القلقة من تدخّلات إيران المستمرّة هذا الفراغ المفاجئ لتقلب المعادلة السياسية هناك؟ 

 

كيف ستتعامل إدارة ترامب المقبلة مع منطقة تغيّرت جذرياً منذ أن تولّى الرئاسة في المرّة الماضية؟ فقد وعد الرئيس المنتخَب وحكومته المؤلّفة من مؤيّدين لإسرائيل بـ”فتح أبواب الجحيم في الشرق الأوسط” إن لم تُفرِج حركة حماس عن الرهائن قبل دخوله البيت الأبيض، في حين أشار إلى عزمه إعادة فرض سياسة “الضغط الأقصى” على إيران، وتعزيز مساعي تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية ودعم ضمّ الضفة الغربية إلى إسرائيل. ولكن كيف ستردّ الدول الخليجية على ذلك في ظلّ تقاربها مع إيران ومطالبها الواضحة بإقامة دولة فلسطينية؟ هل ستعتمد مساراً سياسياً جديداً أم أنّها سترضخ لضغوط واشنطن؟  

 

ولعل السؤال الأهمّ هو: هل ستكون سنة 2025 العام الذي ترفع فيه الشعوب العربية صوتها مجدّداً بعد كلّ ما عاشته وعانته؟  

 

هذه الأسئلة ما هي إلّا غيض من فيض. فمحاولة توقّع ما قد يحدث في بيئة متقلّبة وقابلة للاشتعال يُعدّ ضرباً من العبث، لأنّ تغيّر نتيجة واحدة من هذه المتغيّرات قد يقلب المعادلة في كلّ النواحي الأخرى. ما يمكننا فعله هو المراقبة ومحاولة فهم كلّ ما يحصل. 

 

التفاوت الاقتصادي في العالم العربي يتسارع 

طارق يوسف

من المتوقّع أن تستمرّ العوامل الجيوسياسية والاضطرابات الأمنية في العالم العربي في التأثير على النتائج الاقتصادية، حيث ستظلّ المنطقة ككلّ تسجّل نتائج اقتصادية ضعيفة، لا سيّما في الدول الهشّة ومناطق الصراع وجوارها. بالتالي، سيستمرّ في السنوات القليلة المقبلة التفاوت في الأداء الاقتصاديسواء على المستوى العام أو على صعيد مؤشّرات تنموية ومؤسّسية متعدّدةبين اقتصادات الدول الخليجية الأقوى والأكثر دينامية وذات التوجّهات العالمية من جهة، ومن جهة أخرى اقتصادات المشرق والمغرب العربي الأضعف والراكدة عموماً والتي تركّز على الداخل. 

لكنّ التفاوت في الأداء بين الدول الخليجية وبقية العالم العربي قد يتسارع إذا تزايد التشرذم في تدفّقات التجارة والاستثمار العالميَين نتيجة اشتداد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين. وستصبّ هذه المنافسة المحمومة بين القوّتين العظمتين في صالح الدول الخليجية التي تتمتّع باستقرار سياسي أكبر ووفرة في الموارد ومرونة مؤسّسية، والتي حافظت على علاقات وطيدة مع الولايات المتحدة وحافظت على التوازن في علاقاتها مع الصين. فقد عمّقت روابطها التجارية والمالية واللوجستية مع النظام الدولي للاستفادة من إعادة توجيه سلاسل التوريد، وأظهرت استعدادها لتأدية أدوار قيادية عبر تكثيف الاستثمار في تقنيات وصناعات المستقبل ذات الأهمية الإستراتيجية في الداخل والخارج. 

وإذا ما نفّذت إدارة ترامب المقبلة تهديداتها بزيادة التعريفات الجمركية التي قد تشعل حروباً تجارية قد تطال الأصدقاء والأعداء على حدّ سواء، فستجد الدول الخليجية نفسها مرّة أخرى في موقع أقوى نسبياً مقارنة ببقيّة العالم العربي. فقد بنت الدول الخليجية علاقات سياسية ومؤسّسية متينة مع الحكومة الأمريكية، وتملك أدوات مالية وسياسية تعزّز موقفها في أيّ مفاوضات ثنائية، كما أنّها أكثر اعتياداً على منطق الصفقات الترامبي للرئيس المنتخَب. في المقابل، تعاني الدول الأكثر اعتماداً على الاتحاد الأوروبي في كلّ من المشرق والمغرب بسبب علاقاتها القريبة مع كتلة تسجّل أداءً اقتصادياً ضعيفاً، وتراجعاً في الثقة السياسية، وتفاقماً في نقاط الضعف الجيوسياسية، بالإضافة إلى أنّها تنظر بشكل متزايد إلى علاقتها مع هذه المناطق من خلال منظور ضيّق يركّز على قضايا الطاقة وأمن الحدود. 

وفي ظل تراجع العولمة وازدياد المنافسة والنزعة الاقتصادية الوطنية، تجد الدول حول العالم نفسها مضطرّة إلى تعديل سياساتها الاقتصادية لتتناسب مع متطلّبات عصر جديد تؤدّي فيه الدول دوراً أكبر في صياغة النتائج. وهذا ليس بجديد بالنسبة إلى الدول الخليجية التي لطالما كان التدخّل الحكومي والسياسات الصناعية عاملاً رئيسياً في تنظيم اقتصاداتها. ويُفسَّر التحوّل الكبير الجاري في المملكة العربية السعودية والرؤى الطموحة طويلة الأمد التي أعلنتها الدول الخليجية الأخرى بجزء منه من منظار الاستجابة للمخاطر والفرص الناشئة في اقتصاد عالمي متغيّر. أمّا في دول أخرى من المنطقة، فحكوماتها منشغلة بتحقيق استقرار اقتصادي قصير المدى أو بمحاولة التعافي بعد الصراعات. 

لقد أصبح اتّساع الفجوة بين اقتصادات الدول الخليجية وبقية دول المنطقة، والتي بدأت مع مطلع الألفية الجديدة وتفاقمت بعد الربيع العربي، سمة ثابتة في المشهد الاقتصادي الإقليمي 

 

 مستقبل سوريا وأهمية تحديد الأولويات  

نادر القبّاني 

انهار نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024 بعد 54 عاماً من الحكم الدكتاتوري و14 عاماً من الصراع الطاحن الذي أودى بحياة أكثر من نصف مليون شخص وتسبّب بنزوح 60 في المئة من سكّان البلاد. شُكِّلت حكومة تصريف الأعمال السورية المؤقّتة لتولّي إدارة شؤون الدولة بانتظار إتمام عملية الانتقال السياسي. وقد أشار أحمد الشرع، قائد سوريا بحكم الأمر الواقع، إلى إنّ تنظيم الانتخابات قد يستغرق 4 سنوات، ما يتيح الوقت لتوحيد أجزاء البلاد المفكّكة ودعم عودة اللاجئين وإجراء حوار وطني والتفاوض على صياغة دستور جديد، فضلاً عن إجراء إحصاء سكّاني. في هذه المرحلة الانتقالية، ستكون الأولوية للحفاظ على الأمن وتوجيه البلاد نحو التعافي الاقتصادي والاجتماعي. وسيكون تحديد الأولويات أمراً حاسماً، ويجب على المجتمع الدولي أن يساهم بشكل إيجابي في دعم هذه الجهود 

يتصدّر الحفاظ على الأمن سلّم أولويات سوريا التي تمكّنت لحسن الحظّ من تفادي نزال أخير بين النظام وقوّات المعارضة، كان ليؤدّي إلى انهيار الحكومة كما حصل في الصومال عام 1991. والحق يُقال إنّ الحكومة الانتقالية نجحت حتى الآن في تفادي بعض الأخطاء التي وقعت فيها حكومات أخرى بعد تغيير الأنظمة في دول أخرى، ما كان ليؤدّي إلى تدهور الوضع الأمني في سوريا. على سبيل المثال، حرصت الحكومة على الحفاظ على سلامة الهياكل الحكومية، وعملت على دمج الميليشيات المتفرّقة في البلاد تحت راية جيش وطني جديد. كما سعت للحدّ من الأعمال الانتقامية ضد الأقلّيات، ولا سيّما ضدّ الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد. كما أظهرت الحكومة الجديدة حكمةً في تجنّب التورّط في مواجهات مع المجموعات المسلّحة خارج مناطق سيطرتها. وسيظلّ البناء على هذه الإنجازات الأمنية ومأسسة هذه الجهود على رأس أولويات هذه الحكومة وينبغي أن يحظى بدعم جميع الجهات الدولية.  

تستدعي الأوضاع الاقتصادية في سوريا استجابة طارئة وتحرّكاً عاجلاً. ففي العام 2025، ينبغي التركيز على تقديم المساعدات الإنسانية وإطلاق مسار التعافي الاقتصادي والشروع في جهود إعادة الإعمار. فقد شهدت سوريا بين 2011 و2023 انكماشاً اقتصادياً حادّاً بلغ 80 في المئة وهجرة نحو 5 ملايين لاجئ، فضلاً عن الدمار الكبير الذي طال البنية التحتية وتدهور المؤسّسات. بلغت نسبة الفقر 90 في المئة، وواجه الشعب السوري صعوبة في الوصول إلى الكهرباء والخدمات الأساسية الأخرى. في العام المقبل، من المتوقّع أن يزداد النشاط الاقتصادي مع عودة النازحين إلى منازلهم وإعادة فتح المؤسّسات التجارية. ولكن رغبة اللاجئين بالعودة مرهونة بتوفّر الأمن والأمان والاستقرار، بالإضافة إلى الفرص الاقتصادية والخدمات الأساسية، مثل الكهرباء. وقد بدأت سوريا بالفعل بتلقّي المساعدات لإعادة تأمين هذه الخدمات، لكنّها لا تزال بحاجة إلى دعم إضافي لتحسين الظروف الاقتصادية وتشجيع الاستثمار لخلق فرص عمل جديدة.  

بإمكان المجتمع الدولي تقديم الدعم، بالأخصّ من خلال رفع العقوبات الدولية التي فُرِضت في الأصل لمعاقبة نظام الأسد، بدون قيد أو شرط. فالنظام القديم قد رحل، واستمرار العقوبات سيكون عقاباً للضحية بدلاً من الجلّاد. تتطلّب المرحلة الحالية توفير التمويل اللازم لإعادة إعمار البنية التحتية وإصلاح المؤسّسات ودعم الأفراد والمجتمعات المحلّية لإعادة بناء حياتهم. وسيشمل هذا الدعم تقديم مساعدات مالية وفنية من الجهات المانحة الدولية. وفي حين ينبغي أن يكون رفع العقوبات بدون شروطٍ مسبقة، قد يختار المانحون تقديم هذا الدعم بشروطهم الخاصة، وسيكون عندها الأمر بيد الحكومة والشعب السوري للتفاوض على الشروط المطروحة. 

 

المغرب العربي في حالة تحوّل وأهمية شمال أفريقيا تزداد 

دالية غانم 

فيما يرزح الشرق الأوسط تحت وطأة الاضطرابات والصراعات من سوريا إلى غزة ولبنان، تشهد منطقة شمال أفريقيا هي الأخرى تحوّلات، ولو أنّها تسير بشكل أكثر هدوءاً. غالباً ما تغيب منطقة المغرب العربي عن دائرة الضوء في خضم الفوضى التي تعصف بالمناطق المجاورة لها، ولكنّها تبقى ذات أهمية بالغة ومعياراً للأوضاع في العالم العربي. فمستقبل المغرب العربي مرتبط عن كثب بالديناميات العالمية، وسيؤثّر مصيره في مجريات الأمور على الصعيد الدولي. فمن هناك، اندلعت شرارة الربيع العربي في العام 2011، حين أشعلت تونس نيراناً سرعان ما اجتاحت سائر أرجاء المنطقة.  

اليوم، تواجه منطقة شمال أفريقيا مجموعة فريدة من التحدّيات فيما تسعى للحفاظ على توازن دقيق بين الإصلاح والتنمية والاستقرار. ولا تزال بصمات الربيع العربي حاضرة، بينما تواجه كلّ دولة تحدّياتها الخاصة: 

تواجه تونس اليوم تراجعاً في مكتسباتها الديمقراطية، إذ شهدت في السنوات الأخيرة تزايداً مقلقاً في تركّز السلطة في يد الرئاسة وتآكل المؤسّسات الديمقراطية. كما أنّ الصعوبات الاقتصادية وصعود الخطاب الشعبوي يشكّلان تهديداً إضافياً للتقدّم الهشّ الذي حقّقته البلاد. 

أمّا ليبيا التي أنهكتها سنوات الحرب الأهلية، فلا تزال منقسمة وعرضة للتدخّلات الخارجية، مع كلّ ما يحمله ذلك من تداعيات عميقة على المشهد السياسي والاقتصادي والعسكري في البلاد. 

مصر، الخاضعة لقبضة عسكرية مشدّدة، تعطي الأولوية للاستقرار على حساب الانفتاح السياسي، في وقت يطمح كثير من مواطنيها لدور أكبر في صنع القرار. إلّا أنّ هذا الاستقرار تهدّده أزمة اقتصادية متفاقمة، في ظلّ ارتفاع التضّخم وتراجع قيمة العملة وصعوبة جذب الاستثمارات الأجنبية الكافية. 

وفي حين قد تبدو الأوضاع مستقرّة ظاهرياً في الجزائر، إلّا أنّ البلاد تواجه تحدّي نشوء جيل جديد يطالب بمشاركة سياسية أوسع. وكان الحراك الشعبي الذي باغت النظام في العام 2019 من خلال مظاهرات شعبية واسعة للمطالبة بالإصلاح السياسي، قد هزّ صميم البلاد وكشف عن رغبة عميقة بالتغيير في نفوس الشعب. 

رغم الاستقرار السياسي الذي يسود في المغرب، تنمو مخاوف اقتصادية في ظلّ ارتفاع معدّلات البطالة التي فاقمتها موجات الجفاف المتكرّرة وارتفاع كلفة المعيشة، ما أشعل موجة من السخط الشعبي في العام 2024. وفي حين ستُجرى الانتخابات البرلمانية المقبلة عام 2026، تواجه الحكومة تحدّيات متزايدة في إدارة هذه التوتّرات المتصاعدة، لا سيّما في أوساط الشباب الذين يزداد إحباطهم إزاء الفرص الاقتصادية المحدودة 

ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه العلاقات بين الجزائر والمغرب توتّرات حول قضية الصحراء الغربية، ما يزعزع الآمال في بناء مغرب عربي موحّد وتعزيز التكامل الإقليمي. 

رياح اقتصادية وأمنية معاكسة 

يخيّم مشهد اقتصادي معقّد على شمال أفريقيا، تفاقمه التحدّيات الأمنية. فارتفاع معدّل بطالة الشباب يعمّق الاضطرابات الاجتماعية، ما يوفّر أرضية خصبة لانتشار التطرّف. كما أنّ الاعتماد المفرط على السياحة وموارد الهيدروكربون يجعل اقتصادات دول المنطقة عرضة للصدمات الخارجية، فيما تعترض جهود التنويع الاقتصادي عقبات متعدّدة، مثل البيروقراطية والفساد وقلّة الاستثمارات في الاقطاعات الرئيسية. 

وتتداخل هذه التحدّيات الاقتصادية مع مخاوف أمنية، نتيجة امتداد الاضطرابات المزمنة في منطقة الساحل المجاورة إلى شمال أفريقيا، ما يعزّز استغلال المجموعات الجهادية الحدودَ الضعيفة والحوكمةَ الهشّة. ويزداد هذا المشهد تعقيداً في ظلّ تنامي النفوذ الخارجي لدول مثل روسيا وتركيا والإمارات في المنطقة. 

منطقة في حالة تحوّل 

على الرغم من هذه التحوّلات، تمتلك منطقة شمال أفريقيا إمكانيات كبيرة بفضل شريحة الشباب المتنامية فيها وموقعها الجغرافي الإستراتيجي ووفرة مواردها الطبيعية، ما يزيد من فرص النموّ والتنمية. إلّا أنّ تحقيق هذه الإمكانيات يتطلّب قيادة قوية وحوكمة رشيدة وسياسات اقتصادية شاملة. وفي وقت تتّجه فيه أنظار العالم نحو مناطق أخرى، فإنّ تجاهل منطقة المغرب العربي سيكون خطأ فادحاً. فالتحدّيات التي تواجهها المنطقة، من تحوّلات سياسية أو عدم استقرار اقتصادي أو تهديدات أمنية، تنعكس بشكل مباشر على تدفّقات الهجرة والاستقرار الإقليمي وجهود مكافحة التطرّف. إنّ مستقبل المغربي العربي مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً بالديناميات العالمية، وسيتأثّر به العالم بأسره. 

 

ترامب وإسرائيل وإيران: مزيج قابل للاشتعال؟ 

عادل عبدالغفار 

يعود الرئيس الأمريكي المنتخَب دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي في العشرين من يناير، حيث تنتظر إدارته المقبلة تحدّيات كبرى، لعلّ أبرزها صياغة سياسة جديدة للتعامل مع إيران لا تقتصر على برنامجها النووي فحسب، بل تستجيب أيضاً لدور طهران الإقليمي وطموحاتها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. 

تشير المعطيات الأولية استناداً إلى تعيينات ترامب إلى عزمه اعتماد مقاربة أكثر تشدّداً تجاه إيران من إدارته الأولى. وعلى الأرجح أن تتبنّى الإدارة مجدّداً سياسة “الضغط الأقصى”، التي ستشمل فرض عقوبات اقتصادية مشدّدة على إيران وعزلها اقتصادياً وتقديم دعم قوي لحلفاء واشنطن الإقليميين من أجل التصدّي لطموحات إيران النووية. في الوقت نفسه، تصاعدت أصواتٌ من داخل مؤسّسة صناعة السياسة الخارجية الأمريكية تدعو لمحاولة الانخراط مع إيران دبلوماسياً، ولو “كفرصة أخيرة” قبل أن تلجأ الولايات المتحدة إلى الخيار العسكري من أجل القضاء على برنامج طهران النووي. 

من جانبهم، لا يرى الساسة الإسرائيليون أي جدوى من محاولات الانخراط مع إيران، وسيحثّون الإدارة الجديدة على النظر في الخيارات العسكرية. وبما أنّ إسرائيل ليست قادرة على ضرب برنامج إيران النووي وحدها، يسعى نتنياهو منذ وقت طويل إلى جرّ الولايات المتحدة للصراع. وفي حين قاومت إدارة بايدن ضغوط إسرائيل في هذا الصدد منذ هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر، قد تكون إدارة ترامب أكثر انفتاحاً على ضرب إيران. وكانت تقارير قد أشارت إلى أنّ مسؤولين في إدارة ترمب المقبلة بدؤوا بالفعل في مناقشة هذه المسألة. 

نجحت إسرائيل تاريخياً في استغلال قوّتها السياسية في واشنطن للضغط على السياسة الأمريكية تجاه إيران. ففي خلال ولاية الرئيس السابق باراك أوباما، أنفقت لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) ملايين الدولارات لإفشال الاتفاق النووي مع إيران، أو ما يُعرَف بخطّة العمل الشاملة المشتركة، الذي انسحب منه ترامب ما إن وصل إلى السلطة. كما بدأت اللجنة تستثمر مباشرةً في السباقات الانتخابية للمرّة الأولى قبيل الانتخابات التمهيدية عام 2022، من خلال إنشاء لجان العمل السياسي الكبرى (super PAC). وتباهت في نوفمبر الماضي بفوز جميع المرشحين الـ362 الذين دعمتهم في كلّ الانتخابات التمهيدية. وهذا يعني أنّها تحظى بنفوذ على مجموعة كبيرة من أعضاء الكونغرس الذين يمكنها التعويل على دعمهم لضرب إيران. وعقب الردّ الإيراني على إسرائيل في أبريل الماضي على خلفية قصف سفارتها في دمشق، أصدر مجلس النواب الأمريكي أكثر من 14 قانوناً يستهدف إيران ومجموعات مرتبطة بها في الشرق الأوسط (وتقدّم بعدد من مشاريع القوانين الأخرى). وفي مجلس الشيوخ، دعم السيناتور ليندسي غراهام القرار رقم 106 الذي يجيز استخدام القوّات المسلّحة الأمريكية ضدّ إيران لـ”تهديدها الأمن القومي للولايات المتحدة من خلال تطويرها الأسلحة النووية”. للأسف، إسرائيل تتحكّم بشكل كبير في السياسة الأمريكية تجاه إيران.  

ستكون لأيّ ضربة عسكرية على إيران ارتدادات كارثية على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعلى العالم بأسره أيضاً. فعلى الرغم من الخسائر التي تكبّدتها إيران في العام 2024، من مصرع رئيسها في حادث تحطّم طائرة مروحية، إلى الضربات الإسرائيلية لحليفيها حماس وحزب الله، إلى جانب الضغوط الاقتصادية المتزايدة، لا تزال طهران تتمتّع بقدرات وإمكانيات عسكرية مهمّة. ويمكن لأي هجوم لا يقضي على كلّ منشآت إيران وقدراتها النووية أن يدفعها للمسارعة إلى تطوير الأسلحة النووية لضمان أمن نظامها. حتى ولو دمّر هكذا هجوم جميع المنشآت النووية، فإنّ إيران ستظلّ تمتلك المعرفة التقنية لإنتاج قنبلة، وربما وضعت جانباً ما يكفي من المواد من أجل تطوير عدد صغير من الأسلحة. بالإضافة إلى ذلك، في حال ضرب المنشآت الإيرانية، قد تردّ طهران بضرب المنشآت الأمريكية والغربية في الدول الخليجية، ما يهزّ استقرار هذه الدول التي تركّز على خططها التنموية الداخلية الطموحة، ولا ترغب بمواجهة مباشرة مع إيران. وقد تلجأ طهران أيضاً إلى إغراق سفن ضخمة أو وقف حركة الملاحة في مضيق هرمز، كما سبق أن فعلت أبّان الحرب الإيرانية العراقية، فتشعل بالتالي أزمة اقتصادية عالمية. 

لكلّ هذه الأسباب وغيرها، على الإدارة الأمريكية أن تتبنّى مقاربة دبلوماسية نوعاً ما تجاه في تعاملها مع إيران التي على الأرجح أنّها ستكون منفتحة أكثر على المفاوضات في ظلّ الضغوط التي ترزح تحتها. بالتالي، على واشنطن مقاومة الضغوط الإسرائيلية لمهاجمة إيران، من أجل تجنّب جرّ المنطقة إلى حرب أوسع ومزيد من الفوضى. 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّف حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

 

القضية: آراء من المجلس، الاقتصاد السياسي، الحرب الأهلية، الحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، السياسة الأمريكية الخارجية، العلاقات الإقليمية، منافسة القوى العظمى
البلد: إيران، الأردن، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، الجزائر، السودان، العراق، الكويت، المغرب، المملكة العربية السعودية، اليمن، تركيا، تونس، سوريا، عُمان، فلسطين، قطر، لبنان، ليبيا، مصر