جدارية التضامن مع فلسطين التي أقيمت في أمستردام، هولندا، في 28 يونيو 2024. (وكالة الصحافة الفرنسية)

غزة تخذلها وسائل الإعلام الرئيسيّة ووسائل التواصل الاجتماعي تخبر القصة الحقيقيّة

لقد مرّت 10 أشهر منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة. نُلقي في ما يلي الضوء عن كثب على تغطية وسائل الإعلام الغربية الرئيسية لهذه الحرب، مقارنةً مع ما يُنشَر على منصّات التواصل الاجتماعي.

12 سبتمبر، 2024
سحر خميس، فيليسيتي سينا دوغباتسي

استحوذت الحرب على غزة التي اندلعت في أكتوبر الفائت على الانتباه العالمي بسبب التكلفة البشرية العالية والأضرار الجسيمة التي خلّفتها في البنى التحتية وعدد الضحايا المرتفع. فبحسب اليونيسف، لقد قُتل عشرات الآلاف في الأشهر 10 الماضية، بينهم أكثر من 14 ألف طفل.  وأصيب كثيرون آخرون بجروح خطيرة أو ما زالوا مفقودين تحت الأنقاض، وشُرّد مئات الآلاف بحثاً عن ملاذ في ملاجئ مكتظة وغير صحّية. وكانت الخسائر الاقتصادية كبيرة بالحجم نفسه، إذ بلغت مليارات الدولارات، ما زاد من شلل اقتصاد غزة المتعثّر أصلاً. 

 

فكيف استجاب العالم؟ لنمعن النظر في التغطية الإعلامية الدولية للحرب ونقارن بين وسائل الإعلام الغربية الرئيسية وما يُنشَر على منصّات التواصل الاجتماعي.  

 

القيود الإشكالية 

تُثير تغطية الحرب على غزة في وسائل الإعلام الغربية الرئيسية إشكاليةً لأسباب متعدّدة.   تشير مراجعة أجراها معهد الجزيرة للإعلام في يناير إلى أنّ عوامل متعدّدة، على غرار الإجراءات الروتينية الإعلامية والسياسات التنظيمية والأنظمة الاجتماعية، قد أثّرت في التغطية الصحافية لهذه الحرب، ما انعكس على عمق السرديّات وغناها.  في الواقع، غالباً ما تُعطي الإجراءات الروتينة الإعلامية، التي تتضمّن الممارسات المعيارية وتدفّقات العمل داخل المنظّمات الإعلامية، الأولوية للسرعة والفعّالية على التقارير المعمّقة. وتزيد السياسات التنظيمية، مثل إرشادات التحرير وتخصيص الموارد، من تقييد الصحافيين، ما يمكن أن يؤدّي إلى تغطية أكثر سطحية. ويؤدّي هذا الكمّ من التأثيرات إلى إعداد تقارير قد تفتقر إلى العمق والغنى الضروريين لنقل تعقيدات الصراع بشكلٍ كامل، ما يؤثّر بالتالي في فهم الرأي العام وخطابه. لقد واجهت وسائل الإعلام الرئيسية عقبات في تغطيتها لغزة، بما فيها حواجز سياسية وتحديات أيديولوجية وقيود لوجستية.  

 

وتعرّضت وسائل الإعلام الغربية الرئيسية للانتقاد بسبب فشلها في تغطية الأزمة في غزة بدقة وإنصاف وشمولية. يتمثّل أحد الانتقادات بالتحيّز في التغطية التي تعطي الأولوية للسردية الإسرائيلية على السردية الفلسطينية والتي تعتمد إلى حدّ بعيد على التقارير الرسمية الصادرة عن الجانب الإسرائيلي من دون التدقيق في الحقائق بشكلٍ مناسببالإضافة إلى ذلك، يبرز نقصٌ في التأطير التاريخي الكافي وفي أنسنة الضحايا الفلسطينيين، الذي غالباً ما يؤدّي إلى التقليل من شأن معاناتهم اليومية. علاوة على ذلك، تزيد صعوبة وصول الصحافيين الدوليين إلى غزة بسبب القيود السياسية من الجانب الإسرائيلي والهواجس المتعلّقة بالسلامة من تقييد إعداد التقارير الشاملة. وهذا يدفع عدداً من وسائل الإعلام الدولية إلى الاعتماد على البيانات الحكومية الرسمية والصحافة المدمجة، ما يحدّ من تنوّع وجهات النظر وعمق التغطية الإخبارية. 

 

غالباً ما تُختزل تعقيدات أزمة غزة بـ”الصراع بين إسرائيل وحماس، ما يؤجّج الاختزالية في التغطية الإعلامية للحرب ويجرّدها من سياقها. ويشير تحليل أجرته المنظمة الإخبارية ذي إنترسبت” في يناير، إلى أنّ “سي أن أن” و”أم أس أن بي سي” و”فوكس نيوزبثّت جميعها تقارير خاطئة في خلال الأشهر الأولى من الحرب على غزة. وقد فضّلت صحف رئيسية على غرار ذا “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” و”لوس أنجلس تايمز” الطرف الإسرائيلي، مبديةً تحيّزاً مستمرّاً ضد الفلسطينيين وغير مكترثةً لمعاناتهم اليومية. وكشفت تغطية الإعلام الغربي، لا سيما الأمريكي، عن ثغرات متعدّدة، منها عدم الإبلاغ عن عدد الإصابات الحقيقي في صفوف المدنيين الفلسطينيين والتخاذل في إخبار القصص الشخصية حول الخسائر والمعاناة بشكلٍ معمّق وعدم نقل وجهات نظر الفلسطينيين بشكلٍ كاف 

 

 

وسائل التواصل الإجتماعي تتألّق 

 

في المقابل، سدّت وسائل التواصل الاجتماعي الفجوات في التقارير بشأن الحرب على غزة. ففي السنوات الأخيرة، أثبتت قوتها ونفوذها في صياغة السرديّات المتعلّقة بالصراعات العالمية، بما فيها هذه الأخيرة. في الواقع، لقد أصبحت منصّات التواصل الإجتماعي أدوات لا غنى عنها لتقديم سرديّات بديلة، إذ تشكّل منصّات مثل “إنستغرام” و”فايسبوك” و”تويتر” منبراً للمواطنين العاديين على الأرض وتسلّط الضوء على قصصهم الشخصية وصورهم وتحديثاتهم في الوقت الفعلي. وقد انتشرت منشورات ووسوم مثل #FreePalestine  (فلسطين حرة) و #GazaUnderAttack (غزة تحت الهجوم) أدّت إلى زيادة الوعي والحديث عبر الحدود الجغرافية والأيديولوجية. وسمحت صحافة المواطن والتي تُعرَف أيضاً بالصحافة الشعبية وصحافة الشارع على وسائل التواصل الاجتماعي بنقل وجهات نظر متنوّعة من خلال عرض قصص قد لا تنشرها وسائل الإعلام التقليدية. تتيح دمقرطة المعلومات هذه للمواطنين العاديين تبادل وجهات نظرهم مع جمهور عالمي واسع. وقد شكّلت وسائل التواصل الاجتماعي كذلك منتديات للنشطاء والصحافيين والرأي العام من أجل تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان والهواجس الإنسانية التي غالباً ما تتجاهلها وسائل الإعلام الرئيسية. 

 

تؤثّر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير في نظرة الرأي العام وتشارك القصص حول الحرب على غزة. على سبيل المثال، “تؤثّر وسائل التواصل الاجتماعي في الطريقة التي ينظر فيها الأمريكيّون، لا سيما الشباب منهم، إلى الصراع. يستمدّ الجمهور الأصغر سناً أخباره من وسائل التواصل الاجتماعيخاصة “تيك توك” و”إنستغرام”أكثر من وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف والتلفزيون“. وتعزّز الحملات عبر الإنترنت التوعية وتشجّع التحرّك في مختلف أرجاء العالم، على غرار التوقيع على العرائض وجمع التبرعات من خلال المحتويات السمعية والبصرية والوسوم مثل #GazaUnderAttack. بالإضافة إلى ذلك، تسهّل وسائل التواصل الاجتماعي التحديثات في الوقت الفعلي وتقدّم منصّة لوجهات نظر متنوّعةعلى سبيل المثال، يبث Rosie و@ajplus تقارير حيّة عن غزة على “تيك توك” في حين أنّ @mizna_arabart و@e7sawafa يستخدمان منصة “إنستغرام” للإبلاغ عن أحداث وإصابات من الطرفين. وتسمح هذه المنصتان للرأي العام بتكوين نظرة تتجاوز ما تنقله وسائل البث 

 

سيف ذو حدّين 

صحيحٌ أنّ وسائل التواصل الاجتماعي تقدّم فرصاً ممتازة لعرض سرديات بديلة بشأن الحرب على غزة، لكنّها ليست مثالية بسبب الاستقطاب المتزايد الذي يشكّل أحد قيودها. فيمكن أن تكون بمثابة غرف صدى لا توفّر للمستخدمين سوى المعلومات التي ترسّخ معتقداتهم. من ناحيةٍ أخرى، يُشكّل الانتشار السريع للمعلومات الخاطئة والمعلومات المضلّلة تحدّياً كبيراً، ما يتطلّب من مستخدمي الإنترنت مهارات إعلامية تثقيفية نقدية تخوّلهم تحليل المحتوى الإعلامي وتقييمهعلاوة على ذلك، يطرح استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في مناطق الأزمات أسئلة أخلاقية بشأن الأمن والخصوصيّة. في الواقع، يمكن أن يُعرّض تعميمُ المعلومات الحساسة العاملين على الأرض للخطر. على سبيل المثال، اضطرّت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى إصدار بيان لدحض المعلومات الضارة والخاطئة ردّاً على الأخبار المغرضة التي انتشرت بشكلٍ سريع بشأن عملها في إسرائيل وفلسطين. 

 

لكن على الرغم من هذه القيود، لا تزال وسائل التواصل الاجتماعي أساسيةً لنشر التوعية وتعزيز التعبئة والتضامن والتأثير في تغطية وسائل الإعلام الرئيسية. بالفعل، تقدّم منصّات وسائل التواصل الاجتماعي تحديثات في الوقت الفعلي وتنقل وجهات النظر على اختلافها وتوفّر فرصة لحسابات شهود العيان، ما يسدّ الفجوات التي تشوب التغطية الإعلامية الرئيسية. بالتالي، تعزّز هذه المنصات الأصوات التي غالباً ما تغفلها وسائل الإعلام التقليدية أو تتجاهلها، فتساهم في فهم الأحداث الراهنة بدقةٍ أكبر. غالباً ما رسّخت التغطية الإعلامية الغربية للحرب على غزة الانحياز من خلال عدم نقل وجهات النظر الفلسطينية بشكلٍ كافٍ وإغفال السياق التاريخي، مؤثّرة بالتالي في الرأي العام.  

 

صحيحٌ أنّ منصّات التواصل الاجتماعي على غرار “إنستغرام” و”تيك توك” تساعد على سد هذه الفجوات من خلال السماح للمتأثّرين بتوفير تغطية فورية، لكنها تحمل أيضاً في طيّاتها مخاطر مثل نشر المعلومات الخاطئة والتهديدات الأمنية. وفي هذا السياق، تبقى الدراية الإعلامية أساسية لمواجهة هذه التهديات والاستفادة من منافع وسائل التواصل الاجتماعي في فترات الصراعات.  

 
نُشرت هذه المقالة في الأصل على موقع TRT World وهذه ترجمتها.  
إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّفتَين حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية:
البلد: فلسطين

المؤلّفون

زميلة أولى غير مقيمة
سحر خميس هي زميلة أولى غير مقيمة في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، وأستاذة مشاركة في قسم التواصل والإعلام بجامعة ميريلاند في كوليدج بارك.   خميس متخصّصة في الصحافة والإعلام العربي والمسلم، وقد تبوّأت سابقاً منصب رئيسة قسم الإعلام وعلم المعلومات في جامعة قطر. وكانت أيضاً أستاذة زائرة في مبادرة ميلون للدراسات الإسلامية في جامعة… Continue reading غزة تخذلها وسائل الإعلام الرئيسيّة ووسائل التواصل الاجتماعي تخبر القصة الحقيقيّة
طالبة دكتوراه، جامعة ماريلاند
فيليسيتي سينا دوغباتسي طالبة دكتوراه في قسم التواصل بجامعة ماريلاند .