صورة التُقطت خلال جولة نظّمها الحشد الشعبي في العراق تُظهر أعضاء من قوة مشتركة بين الحشد الشعبي والجيش العراقي وهم يقفون في نقطة حراسة على الحدود العراقية السورية في 5 ديسمبر 2024، في ظل هجوم شنّته المعارضة الإسلامية في سوريا. (وكالة الصحافة الفرنسية)

سقوط الأسد في سوريا يثير تساؤلات خطيرة في العراق

لطالما مارست الميليشيات المدعومة من إيران في العراق نفوذاً كبيراً على الحكومة العراقية. ولكن في ظلّ تراجع نفوذ إيران وحلفائها الآن، كيف سينعكس ذلك على بغداد؟

3 فبراير، 2025
رانج علاء الدين

لقد أحدثت التطوّرات الأخيرة في سوريا، بما في ذلك سقوط نظام الأسد، وفشل إيران في قمع تقدّم المتمرّدين نحو دمشق والانسحاب اللاحق لوكلائها من البلاد، موجات صدمة في العراق المجاور. وللمرّة الأولى في منذ العام 2003، يبدو احتمال كسر النفوذ الإيراني الهائل على الدولة العراقية فجأة وكأنّه احتمال واضح. فقد أعطى استيلاء هيئة تحرير الشام على السلطة بشكلٍ سريع ومفاجئ الأمل للعراقيين السنّة المهمّشين، الذين سعوا منذ فترة طويلة إلى احتواء حكم المجموعات المتحالفة مع إيران أو إنهائه، وتحديداً قوات الحشد الشعبي. 

 

وبالفعل، تتزايد الضغوط على رئيس الوزراء محمد السوداني للحدّ من نفوذ الميليشيات المدعومة من إيران، فيما يتم تحفيز شريحة من المجتمع العراقي والسياسيين العراقين الذين يعارضون نفوذ إيران المهيمن على بلادهم. 

 

ولقد بدأ السوداني بالفعل في الانخراط في دبلوماسية رفيعة المستوى لتشكيل استجابة العراق للتطوّرات في سوريا، سواءً للتّخفيف من تبعاتها أو لمنع حدوث سيناريو مماثل في الداخل. وقد شملت هذه الجهود المكثّفة اجتماعات متعدّدة مع كبار المسؤولين الأمريكيين وقادة المنطقة، ما يشير إلى نيّة السوداني في تحويل العراق إلى جهة فاعلة محوريّة في المشهد الإقليمي المتقلّب الجديد. ومع ذلك، يواجه رئيس الوزراء ــ والعراق ــ موقفاً حرجاً.  

 

تراجع النفوذ الإيراني 

لقد أدّى الانهيار غير المتوقع للبنية الأمنية الإقليمية الإيرانية التي استمرّت لعقود في الأشهر الأخيرة إلى ظهور حقائق سياسية جديدة في لبنان وسوريا والعراق. وقد أظهر هذا الانهيار أنّ المجموعات الميليشياوية المتحالفة مع إيران يمكن هزيمتها وتقويض نفوذها. وتتزامن هذه الدينامية مع عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة، ما يزيد من الضغوط على الدولة العراقية للسيطرة على هذه المجموعات، إذ قد تعتبر واشنطن أنّ إيران وحلفاءها العراقيين وجهان لعملة واحدة في صياغتها لسياستها الإقليمية. وبالتالي، يصبح العراق عند مفترق طرق. 

 

ومن وجهة نظر طهران وحلفائها، تتزايد المخاوف حول إمكانيّة أن تثير الأحداث في سوريا تمرّداً مماثلاً في العراق. فقد أدّت الميليشيات العراقية المدعومة من إيران دوراً هاماً في دعم نظام الأسد، إذ لطالما كانت العلاقات بين دمشق وبغداد وطيدة. ويصبح تأثير الدومينو أكثر ترجيحاً في حال مارست إدارة ترامب الضغوط لتحقيق هذه الغاية، ما قد يترك إيران وحلفاءها أمام خيار وحيد يتمثّل في تبنّي موقف حازم وعدواني في الداخل العراقي. 

 

لقد تزايد الاستياء المحلّي من نفوذ قوات الحشد الشعبي في السنوات الأخيرة. ففي العامين 2019 و2020، قمعت المنظمة المظلّة بوحشية حركة احتجاجية كبرى كانت تهدّد هيمنتها، لتضيف ذلك إلى مجموعة المظالم. وعلى الرغم من حملة القمع، أثبتت المعارضة قدرتها على الصمود بشكل ملحوظ. 

 

ومع ذلك، قد تختار قوات الحشد الشعبي استباق التهديد الطويل الأمد لقوّتها من خلال اتّخاذ تدابير صارمة، وخاصة في حال أبدى خصوم قوات الحشد الشعبي أيّ إشارة إلى نيّتهم لاستغلال الأزمة التي تواجه بنية إيران الإقليمية. وقد يترتّب على ذلك عواقب واسعة النطاق وعنيفة على العراق. 

 

في الوقت نفسه، لهذا التحرّك حدود وتكاليف وقد يؤدّي إلى إنقسامات داخل قيادة الحشد الشعبي حول طريقة التعامل مع الوضع. ومع اقتراب الانتخابات في العراق هذا العام، قد يؤدّي التنافس العنيف بين الخصوم، سواء كانوا من التيار الصدري الذي سيسعى إلى استغلال أيّ نقاط ضعف أو الدولة العراقية، إلى تقويض قاعدة دعمها. 

 

وقد دفعت هذه الحسابات الداخلية ومخاطر التداعيات الحكومة العراقية إلى الانخراط مع القيادة السورية الجديدة. ففي 26 ديسمبر 2024، زار وفد عراقي بقيادة رئيس جهاز المخابرات الوطني العراقي حميد الشطري، دمشق لإجراء مناقشات مع الإدارة التي تقودها هيئة تحرير الشام. وبحسب التقارير، ركّزت المناقشات بمعظمها على مخاوف بغداد بشأن توطيد المجموعات المسلّحة في سوريا علاقاتها مع المجموعات المسلّحة السنية العربية، بما في ذلك فلول التمرّد السني بعد العام 2003 وخلايا داعش التي لا تزال تعمل في العراق. كما دعت بغداد إلى إطلاق سراح عناصر قوات الميليشيات الشيعية العراقية المحتجزين في السجون السورية. 

 

حسابات خاطئة 

لقد تزايدت التكهّنات بشأن حملة دولية لتفكيك قوات الحشد الشعبي، مدفوعة بالانقسامات الناشئة داخل المؤسسة الشيعية السياسية في العراق وبالتصوّر السائد حول عجز إيران عن حماية حلفائها الإقليميّين. وستكون الطريقة التي سيتعامل بها الحشد الشعبي وخصومه عاملاً حاسماً في رسم المشهد السياسي في الفترة المقبلة. 

 

وعلى الرغم من أنّ السوداني لم يُظهِر أيّ نية فورية للتحرّك ضدّ المجموعات المسلّحة المدعومة من إيران، لم تنسَ قوات الحشد الشعبي محاولات رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي للحدّ من نفوذها. وقد أدّت تلك المحاولات إلى إضعاف بنيتها التشغيلية والتنظيمية، فضلاً عن تضييق المساحة التي يمكنها أن تعمل فيها. ولتزيد الأمور تعقيداً، تردّدت شائعات حول دخول محمد الحسان، ممثّل الأمم المتحدة في العراق، في مناقشات مع آية الله العظمى السيد علي السيستاني، المرجع الشيعي الأعلى في العراق، في محاولة للحصول على فتوى تدعو إلى حلّ قوات الحشد الشعبي. 

 

تحمل هذه الفتوى، إن صدرت، ثقلاً هائلاً نظراً لسلطة السيستاني والدور الذي أدّته دعوته في العام 2014 إلى حمل السلاح لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في تشكيل قوات الحشد الشعبي. ومع ذلك، فإنّ ضمّ قوات الحشد الشعبي إلى الجيش العراقي النظامي يجعل تفكيكها عمليّة معقّدة ومحفوفة بالتحدّيات السياسية والعملية. فبالنظر إلى الدور الذي تؤدّيه قوات الحشد الشعبي في المنظومة الدفاعية العراقية وعلاقاتها الوطيدة مع الفصائل السياسية المؤثّرة، فإنّ أي حملة واسعة حلّها قد تواجه معارضة شديدة وتؤدّي إلى حالة من عدم الاستقرار. 

 

وبالنظر إلى المستقبل، من المتوقّع أن تتطوّر علاقة العراق بسوريا بحذر. فعلى الرغم من التكهّنات المتزايدة حول التحوّل المحتمل في السياسات، استمرّ السوداني حتى الآن في تبنّي موقف ثابت من خلال تحالفه مع إطار التنسيق الشيعي المدعوم من إيران، وهو إئتلاف سياسي رئيسي يدعم إدارته، وسيؤدّي دوراً حاسماً في ضمان ولاية إضافية لرئيس الوزراء في الانتخابات المقبلة هذا العام. 

 

وتسلّط القضايا المتشابكة المتعلّقة بمستقبل قوات الحشد الشعبي ودور العراق في الدبلوماسية الإقليمية الضوء على التحدّيات التي تواجهها حكومة السوداني. فمن ناحية، يتعيّن عليه إدارة الفصائل المحلّية والحفاظ على الاستقرار السياسي في الوقت الذي يتعامل فيه مع التوقّعات الدولية للحدّ من النفوذ الإيراني. ومن ناحية أخرى، يسعى إلى تقديم العراق كوسيط فعّال في الصراعات الإقليمية، والاستفادة من موقعه الفريد للربط بين المصالح المتنافسة. 

 

وسيستمر هذا التوازن في تشكيل نهج السوداني في سعيه إلى الحفاظ على قيادته وسط ضغوط داخلية وخارجية متزايدة. وفي الوقت عينه، وفي ظلّ إدارة ترامب والديناميات الإقليمية والمحلّية الأوسع نطاقاً، قد يصبح هذا الأمر مجرّد جهد ضائع. 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّف حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: الاحتجاجات والثورات، الحرب الأهلية، العلاقات الإقليمية
البلد: إيران، العراق، سوريا

المؤلف

رانج علاءالدين هو زميل في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، وكان سابقاً زميلاً غير مقيم في برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكنجز وباحثاً زائراً في جامعة كولومبيا. علاءالدين متخصص في السياسة الخارجية وتركّز بحوثه حول قضايا الأمن الدولي والحوكمة الرشيدة والتحديات الأمنية المرتبطة بالمناخ، بالإضافة إلى دبلوماسية المسار الثاني والتداخل بين السياسات العامة والأمن البشري.… Continue reading سقوط الأسد في سوريا يثير تساؤلات خطيرة في العراق