جسّد اعتمادُ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325 حول المرأة والسلام والأمن في 31 أكتوبر 2000، التزامَ المجتمع الدولي غير المسبوق باعتبار المرأة شريكةً أساسيّة في عمليّات السلام. تشمل “أجندة” المرأة والسلام والأمن، عشر قرارات لمجلس الأمن الدولي تعترف بتداعيات الحروب المدمّرة على النساء والفتيات على الصعيد العالمي وتُطالب بإشراكهن بشكلٍ كامل في عمليات حلّ الصراعات وجهود بناء السلام التي لطالما همّشتهنّ على مرّ التاريخ.
فعلى الرغم من الإنجازات المتعدّدة التي تحقّقت في العالم العربي مع اقتراب حلول الذكرى السنويّة الخامسة والعشرين للقرار 1325، تُواجه أجندة المرأة والسلام والأمن أزمة شرعيّة في المنطقة، إذ أغفلت بوضوح عن معاناة النساء الفلسطينيات. وقد تفاقم ذلك بشكل صارخ خلال العام الماضي مع تصاعد معاناتهنّ في غزة والضفة الغربية. وتتقوّض أجندة المرأة والسلام والأمن بسبب عجزها عن تكييف مفاهيمها ومصطلحاتها مع السياقات الثقافية المحلّية، ما يعزّز الانطباع السائد بأنّها إطار مفروض من الخارج.
في ظلّ تصاعد الصراعات في المنطقة، تبرز حاجة ملحّة إلى إعادة تقييم أجندة المرأة والسلام والأمن وتحسينها وتكييفها لتعكس الواقع الذي تواجهه المرأة في الدول العربيّة. لا بدّ من أن يبني صنّاع القرار والناشطين والخبراء في العالم العربي على المبادرات والإنجازات القائمة للحثّ على تبنّي مقاربة تركّز أكثر على المرأة والسلام والأمن – بحيث تُلبّي احتياجات المنطقة بالتحديد وتؤثّر في أهداف أجندة المرأة والسلام الأمن الأوسع لدى الأمم المتّحدة.
دور المرأة والسلام والأمن
يمكن أن يُعزى الفضل إلى أجندة المرأة والسلام والأمن في تعزيز تمثيل المرأة ومشاركتها في صناعة السلام بشكلٍ رسمي، من خلال تسليط الضوء على آليات الحماية وتوفيرها من أجل محاربة العنف الجنسي والجندري في زمن الحرب، ودفع الدول إلى الالتزام مالياً بالمبادرات المتعلّقة بالمرأة والسلام والأمن من خلال خطط عمل وطنيّة ملموسة. وشهد العام الماضي تقدّماً في بعض المجالات على الصعيد العالمي حيث اعتمدت 108 دولة خطط عمل وطنية في العام 2024، بزيادة ملحوظة عن العام 2023.
لكنّ المشاكل لا تزال قائمة في المجالات كافة ويبدو أنّ الزخم في تطبيق أجندة المرأة والسلام والأمن شهد تباطؤاً في الأعوام الأخيرة. وقد تراجعت مشاركة المرأة في عمليّات السلام التي تقودها الأمم المتحدة أو تشارك في قيادتها -من 23 في المئة في العام 2020 إلى 16 في المئة في العام 2023- وباستثناء كولومبيا، غابت النساء عن طاولات المفاوضات إلى حدّ بعيد. واحتوت قلّة من اتفاقيات السلام التي اُبرمت في العام 2022 على أحكام متعلقّة بالجنسَين (6 من أصل 18 اتفاقية).
تجلّت هذه الإخفاقات في العالم العربي بشكلٍ أكبر، حيث تبنّت 8 دول إقليمية فقط خطط عمل وطنية. علاوة على ذلك، تُعتبر الحرب على غزة ولبنان، والتي أودت بحياة آلاف النساء البريئات وشردّت المزيد منهن بالآلاف، مؤشّراً واضحاً إلى الفجوة بين أجندة المرأة والسلام والأمن والوقائع على الأرض. وعلى الرغم من أنّ كلاً من فلسطين ولبنان وضع خطة عمل وطنيّة في العامين 2017 و2019 على التوالي، إلّا أنّ الوثيقتين تبدوان فارغتين اليوم نظراً للصراع المستمر الذي يعصف بالبلدين.
التقدّم والإنجازات في العالم العربي
اضطلعت النساء في الدول المتأثّرة بالصراعات في المنطقة العربيّة منذ العام 2011 بأدوار وساطة مهمّة داخل مجتمعاتهن، منها التفاوض على إطلاق سراح السجناء وإبرام اتفاقات هدنة محلّية في سوريا. وقد طرحن أيضاً قضايا جوهريّة، مثل النزوح، على طاولة مفاوضات السلام الرسميّة في ليبيا وتفاوضن على اتفاقات لوقف إطلاق النار على المستوى المحلّي في اليمن.
وأضفى مجلسُ النساء السوريّات الاستشاري الذي أُنشئ في العام 2016 الطابعَ الرسمي على إشراك المرأة السوريّة في عمليّات السلام الرئيسيّة. واستحوذت النساء في العام 2019 على ما يقارب 30 في المئة من المقاعد في اللجنة الدستوريّة السوريّة -وهي الهيئة الرئيسيّة المكلّفة إعادة كتابة الدستور السوري. أمّا في ليبيا، فضمنت النساء في العام 2020 أدواراً تفاوضيّة محوريّة في منتدى الحوار السياسي الليبي ومثّلت 23 في المئة من مفاوضيه. في اليمن، رغم أنّ نسبة المندوبات في محادثات الكويت للعام 2016 بلغت 12 في المئة و4 في المئة فقط في اتفاقيّة ستوكهولم للعام 2018، ورغم فرض قيود صارمة عليهن في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، أدّت النساء دوراً جوهرياً. ودعمت النساء، من خلال ميثاق المرأة اليمنية من أجل السلام والأمن ومجموعات أخرى من المجتمع المدني، الجهود المحلّية الرامية إلى تقديم المساعدات الإنسانيّة وإطلاق سراح السجناء وإعادة إدماج الجنود الأطفال في المجتمع والمناداة بإشراك المرأة في المفاوضات الرسميّة.
وتتزامن جهود الوساطة المحلّية في الدول العربيّة المعرّضة للصراعات مع مبادرات مهمة لبناء القدرات. ففي لبنان، قدّم برنامج الشابات صانعات السلام لنساء من 12 دولة عربية تدريباً معمّقاً في العام 2023 في مجال الوقاية من الصراعات وحلّها والوساطة بهدف تعزيز مهارات النساء في بناء السلام. وقامت الإمارات العربية المتحدة بتدريب أكثر من 400 امرأة في مجال حفظ السلام من مختلف أنحاء العالم منذ العام 2019، ما زاد فعاليّة المتدرّبات التشغيليّة وعزّز قدراتهن في مجال حفظ السلام ومهاراتهنّ العسكرية.
ويُعتبر إنشاء مجموعة العمل حول أجندة المرأة والسلام والأمن في الدول العربيّة في يونيو 2024 -وهو منصّة مشتركة بين المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة للدول العربية والمركز الإقليمي للمرأة والسلام والأمن في بيروت وكيانات أخرى في المنطقة- أحدث مبادرة تجمع بين النساء من مختلف القطاعات والدول العربيّة. وتهدف مجموعة العمل إلى رسم الخطوط العريضة لكيفية تطبيق أجندة المرأة والسلام والأمن في المنطقة -من خلال عمل المناصرة والبحوث والاجتماعات المنتظمة- والتركيز على جذب الانتباه الدولي إلى واقع النساء في الدول العربيّة وتجاربهن.
التحدّيات والفجوات
على الرغم من الإنجازات التي حقّقتها أجندة المرأة والسلام والأمن، إلّا أنّها تشهد أزمة شرعية قد تُعرقل قبولها وتطبيقها في السنوات القادمة إذا لم تُحلّ. ومع اقتراب الذكرى السنويّة الخامسة والعشرين للأجندة، من الضروري الاعتراف بالتحدّيات التي تعترض المبادرات المتعلّقة بالمرأة والسلام والأمن والعمل على إزالتها.
ويساهم الفشل في معالجة معاناة النساء الفلسطينيّات اللواتي يعشن تحت الاحتلال في تفاقم أزمة الشرعيّة التي تعترض أجندة المرأة والسلام والأمن في العالم العربي. صحيحٌ أنّ الإغفال عن هذه المسألة في النصوص والقرارات والاجتماعات الرسميّة المتعلّقة بالمرأة والسلام والأمن يعود إلى ما قبل الحرب على غزة، إلّا أنّه بات صارخاً منذ أكتوبر 2023 بشكلٍ خاص. فالتحدّيات الفريدة التي تُواجهها النساء الفلسطينيات الناشطات سياسياً، على غرار التحرّش والعنف والإساءة من قِبل الدولة الإسرائيليّة، تُستثنى تماماً من أجندة كان الهدف من إنشائها تقديم آليات حماية لجميع النساء.
لقد واصلت المنظّمات التي تقودها نساء فلسطينيّات العمل في غزة والضفة الغربيّة على الرغم من تهديد سلامتهنّ ومن الأضرار الجسيمة التي تكبّدتها مراكزها على مدى العام الفائت، ناهيك عن التخفيضات الكبيرة في التمويل. وفي الوقت الذي تُقدِّر فيه الأمم المتحدة بأنّ 80 في المئة من النساء الغزاويات أصبحن يعتمدن الآن على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة، تقف هذه المنظمات والنساء اللواتي يدرنها في الخطوط الأماميّة لتوزيع الأغذية والأموال ولتأمين الخدمات النفسيّة للمحتاجين.
ويتمثّل تحدّ آخر في التصوّر السائد لدى بعض الجماهير الإقليميّة بأنّ المفاهيم المرأة والسلام والأمن المتعلّقة بتمكين المرأة والمساواة بين الجنسين هي من صنع الغرب وتتعارض بطبيعتها مع الثقافات المحلّية. ويعمّق استخدام المصطلحات التقنيّة في بعض الأوساط والنصوص المتعلّقة بالمرأة والسلام والأمن هذه المشكلة في المجتمعات التي قد لا تحظى فيها مشاركة المرأة في قضايا السلام والأمن بقبولٍ واسع النطاق. على سبيل المثال، وجدت مجموعة العمل حول أجندة المرأة والسلام والأمن في الدول العربية أنّ المفاهيم الغربيّة مثل “تعميم مراعاة المنظور الجنساني” موجّهة بشكلٍ أساسي نحو النخب النسائية. لذا من الضروري تكييف الأجندة والأفكار والمصطلحات لتناسب الجماهير الإقليمية بعيداً عن النخب من أجل تعزيز قبولها وشرعيّتها بين العامة.
وتواجه أجندة المرأة والسلام والأمن تحدّيين رئيسيين أخيرين: انحسار التمويل والموارد، وتراجع الإرادة السياسية للوفاء بالالتزامات المرتبطة بالمرأة والسلام والأمن. ويُعدّ الدعم المالي والسياسي حيوياً لتطبيق مبادرات المرأة والسلام والأمن بشكلٍ فعّال- لا سيّما في العالم العربي حيث قلّة من الدول فقط، ولا أي دولة منذ العام 2021، اعتمدت خطط عمل وطنيّة بشأن المرأة والسلام والأمن بشكلٍ رسمي.
ومع استمرار الحرب على غزة ولبنان، فإنّ استدامة أجندة المرأة والسلام والأمن على المحك. توفّر الذكرى السنويّة الخامسة والعشرون لاعتماد قرار مجلس الأمن رقم 1325 فرصةً حاسمة لتعزيز الأجندة وعملها. ولتحقيق ذلك، لا بدّ من سدّ الفجوات وتمثيل النساء اللواتي يعشن في العالم العربي في المساحات والمحادثات الرسميّة، ما سينعكس إيجاباً على أجندة المرأة والسلام والأمن وعلى المنطقة العربيّة وملايين النساء اللواتي يعشن في الدول العربيّة.