تُظهر هذه الصورة، التي اُلتقطت في يوم 12 ديسمبر 2019، لافتةً تحمل شعار سوق الأسهم السعودية (تداول) في العاصمة الرياض. (تصوير: فايز نور الدين/ وكالة الصحافة الفرنسية).

السعوديون بصدد دراسة إجراء تغيير هائل في اللوائح والقوانين قد يعزّز اقتصادهم 

في سبيل تحقيق أهداف «رؤية 2030»، تدرك الرياض أنّها بحاجة إلى جذب مزيد من رؤوس الأموال الأجنبية، وهو ما قد يتطلّب تخفيف حدّة اللوائح الصارمة القديمة بشأن ملكية الأجانب داخل المملكة.  

8 نوفمبر، 2025
ماشا كوتكين

عندما انتشرت الأخبار في أواخر سبتمبر الماضي بأنّ البورصة السعودية تدرس إزالة القيود المفروضة على ملكية الأجانب في الشركات المُدرجة قبل نهاية العام، شهدت السوق انتعاشاً واضحاً ساعد في تعويض الخسائر التي جعلت مؤشر «تداول العام» (TASI) من بين أسوأ مؤشرات الأسهم أداءً في العام 2025. وعلى الرغم من عدم وجود أمثلة تُذكر لمستثمرين أجانب بلغوا الحد الأقصى الحالي البالغ 49 في المئة، يشير هذا التغيير المرتقب إلى أنّ المملكة العربية السعودية تسعى إلى جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية لتحقيق أهداف «رؤية 2030». 

في خلال هذا العام، تراجع سعر برميل النفط من ذروة بلغت نحو 78 دولاراً في منتصف يناير إلى ما دون 60 دولاراً في منتصف أكتوبر. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، تحتاج الحكومة السعودية إلى سعر تعادل يبلغ نحو 96 دولاراً للبرميل لموازنة ميزانيتها. أمّا لتحقيق أهداف «رؤية 2030»، بما في ذلك زيادة رأسمال صندوق الاستثمارات العامة (PIF)، وهو صندوق الثروة السيادي للمملكة، فيرتفع سعر التعادل المطلوب إلى 111 دولاراً للبرميل. 

وقد يساهم رفع سقف الملكية، مقروناً بتغييرات إضافية في السياسات وانخفاض أسعار الفائدة العالمية، في زيادة تدفّقات رؤوس الأموال ويساعد الحكومة السعودية على تحقيق هدفها المتمثّل في جذب 100 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بحلول العام 2030. 

وإذا رفعت المملكة العربية السعودية فعلًا القيود على الملكية الأجنبية، فلن تكون وحدها في ذلك. ففي يونيو 2020، ألغت الإمارات العربية المتّحدة شرط وجود شريك إماراتي عند تأسيس شركة أجنبية. وبالمثل، سمحت قطر منذ العام 2019 بملكية أجنبية كاملة في الشركات، غير أنّ كلاّ البلدين يستثنيان القطاعات الإستراتيجية مثل الأمن والطاقة والاتصالات والتأمين من الملكية الأجنبية الكاملة. 

وتعكس التقارير التي تشير إلى نية الرياض اتخاذ خطوة مماثلة سعيها لجذب مزيد من الاستثمارات عبر المحافظ المالية، وفتح أسواقها ودمجها في الاقتصاد العالمي. كما يمكن لتدفّقات الاستثمار الأجنبي أن تساعد في تعويض العجز في الميزانية في حال استمرار انخفاض أسعار النفط. 

 

 

انفتاح تدريجّي 

 

لم تكن الإشارات الأخيرة الصادرة عن الرياض مفاجِئةً، إذ جاءت امتداداً لسلسلة من الخطوات السابقة الرامية إلى فتح الاقتصاد السعودي أمام الاستثمار الأجنبي. ففي العام 2015، فتح المنظّمون سوق الأسهم أمام المستثمرين الأجانب المؤهلين، أيّ المؤسّسات المالية التي تدير أصولاً لا تقل عن 5 مليارات دولار. ومنذ العام 2016، سمحت المملكة بتملّك الأجانب لشركات بأكملها، ولا سيّما في قطاعات التصنيع والبيع بالتجزئة والجملة. وفي العام 2017، ألزمت المملكة الشركات المدرجة في مؤشر «تداول العام» باستخدام معايير التقارير المالية الدولية، ما عزّز الشفافية من خلال التدقيق المالي ومواءمة أنظمة البورصة مع المعايير العالمية. 

ومنذ ذلك العام، أعاد صانعو السياسات صياغة لوائح حوكمة الشركات ومتطلّبات الإدراج، وأنشأوا سوق «نمو» الموازية للتداول للمؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة، وسمحوا للأجانب غير المقيمين بالاكتتاب في الطروحات العامة الأولية. كما تعاونت الجهات التنظيمية السعودية مع مؤشرات «ستاندرد آند بورز داو جونز» و«فوتسي» و«إم إس سي آي» لإدراج الأسهم السعودية ضمن مؤشراتها. وفي العام 2019، سهّلت المملكة إجراءات تراخيص الأعمال ضمن مبادرة «استثمر في السعودية».  

لقد أدّت الإصلاحات الاقتصادية السعودية، إلى جانب الاستثمارات الحكومية المكثفة ومواءمة المعايير المحلّية مع العالمية، إلى تدفّقات مالية ضخمة من رؤوس الأموال الساكنة. وقد تُوّجت هذه الجهود بالطرح التاريخي لشركة النفط العملاقة «أرامكو السعودية» في العام 2019، الذي جمع نحو 25 مليار دولار وقيّمت الشركة بقيمة 1,7 تريليون دولار. وقد استخدمت الرياض تلك العائدات لتمويل مشاريع «رؤية 2030».  

وعلى الرغم من هذه الخطوات، تشير المؤشرات الاقتصادية العالمية إلى نمو دون المستوى وتراجع في أسعار النفط في المستقبل، ما يحدّ من قدرة المملكة العربية السعودية على تمويل رؤيتها. كما أنّ التوتّرات الجيوسياسية، مثل الحرب بين إسرائيل وإيران في يونيو 2025 أو هجمات الحوثيين في اليمن على الممرّات البحرية الحيوية، قد تزيد من تقلّبات الأسعار وتؤثّر سلباً في الإيرادات المالية. وقد دفع انخفاض عائدات النفط المملكة إلى اللجوء إلى أسواق المال الدولية لسدّ عجز في الموازنة قدره 68 مليار دولار، ما أرسل بدوره إشارات بعدم اليقين وأدّى إلى أداء ضعيف في سوق تداول، ما شكّل استثناءً إقليمياً، إذ نمت السوق الكويتية المعتمدة على الطاقة بنسبة 17 في المئة منذ بداية العام، فيما ارتفعت سوق دبي الأقل اعتماداً على النفط بنسبة 20 في المئة. 

في هذا السياق، تمتلك المملكة العربية السعودية مزيداً من الدوافع لفتح أسواقها وجذب الاستثمار الأجنبي. وستوفّر هذه الخطوات مساحةً للمملكة لمواصلة خلق فرص عمل في القطاع الخاص لجيلها الشاب، واستقطاب الخبرات الأجنبية لسدّ الفجوات في المهارات. وقد ساهمت الإصلاحات التنظيمية والاقتصادية بالفعل في زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، وخفض معدّلات البطالة، ودعم نمو الوظائف في القطاع الخاص. ووفقاً لنائب وزير الاتصالات وتقنية المعلومات المهندس هيثم العوهلي، ارتفعت نسبة تمثيل النساء في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من 7 في المئة في العام 2017 إلى 35 في المئة في العام 2024. ولاستيعاب السعوديين الجُدد الوافدين إلى سوق العمل، تحتاج البلاد إلى خلق نحو 920 ألف وظيفة جديدة بحلول العام 2030. ولهذا الغرض، تسعى «رؤية 2030» إلى إعداد قوة عاملة عالية المهارة قادرة على دخول مجالات تقليدية مثل الهندسة والرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات،  وكذلك مجالات ناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والتقنيات المناخية. 

غير أنّ الاستثمار السعودي في المجال الأخير لا يزال متأخراً بسبب نقص المهارات الإقليمية وتفضيل المستثمرين للعوائد السريعة. ولتدارك الأمر، تعهّدت الحكومة في العام 2021 باستثمار 187 مليار دولار بحلول العام 2030 لتعزيز خلق الوظائف في القطاع وتحقيق الحياد الكربوني. وحتى الآن، ساهمت إصلاحات «رؤية 2030» في رفع نسبة الأنشطة الاقتصادية غير النفطية إلى 52 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2024، ومن المرجّح أن تصل إلى 57 في المئة هذا العام. 

 

 

اغتنام الفرص 

من المرجّح أن يستفيد من الانفتاح الأكبر للأسواق السعودية كلٌّ من قطاعات التعدين والرعاية الصحية والبناء والعقارات والتأمين وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتوليد الطاقة. وتخطّط الحكومة السعودية لتطبيق نظام التأمين الصحي الإلزامي لجميع المواطنين في العام 2026، وهو ما سيؤدّي، إلى جانب الجهود المبذولة لزيادة نسبة تغطية التأمين على المركبات، إلى تعزيز الطلب على منتجات التأمين. كما أنّ الطلب القوي على المساكن من الشباب السعوديين العاملين، إلى جانب مشاريع البنية التحتية المموّلة من «رؤية 2030»، سيواصل دفع النمو في قطاع البناء، في حين ستساهم عمليات شراء المساكن في تنشيط سوق التمويل العقاري. 

وتعمل السعودية من خلال تمويلات «صندوق الاستثمارات العامة» على ترسيخ مكانتها في قطاعات جديدة مثل الطاقة الخضراء والهيدروجين والمركبات الكهربائية والذكاء الاصطناعي. ولتحقيق هدفها المتمثّل في الوصول إلى نسبة 50 في المئة من الطاقة المتجدّدة ضمن مزيج الكهرباء بحلول العام 2030، قدّرت «ستاندرد آند بورز» حاجة المملكة إلى إضافة 90 غيغاواط من الطاقة المتجدّدة و48 غيغاواط/ساعة من سعة التخزين. وفي يوليو الماضي، وقّع «صندوق الاستثمارات العامة» وتحالف من شركات المرافق السعودية اتفاقية بقيمة 8,3 مليارات دولار لتطوير 15 غيغاواط من الطاقة المتجدّدة، ما رفع إجمالي الطاقة المتجدّدة المتعاقد عليها في المملكة إلى 43 غيغاواط. كما تموّل المملكة العربية السعودية مشروع الهيدروجين الأخضر في مدينة «نيوم»، المشروع العملاق الذي يُعدّ من أبرز ركائز «رؤية 2030».  

ويُعدّ قطاع البنية التحتية الرقمية في السعودية مجالاً واعداً للاستثمار أيضاً. فقد جذبت المملكة استثمارات بقيمة 20 مليار دولار لتوسيع قدرات مراكز البيانات إلى 2 غيغاواط بحلول العام 2030، ويُبرز هذا التعاون بين شركة «داتافولت» (DataVolt) وشركة «سوبرمايكرو» (Supermicro) لبناء مجمّع تقني للذكاء الاصطناعي يحقق الحياد الكربوني في «نيوم».  

أمّا قطاع التكنولوجيا السعودي، فقد بدأ بالفعل في استقطاب استثمارات أجنبية. تبني شركة «لينوفو» الصينية مصنعاً لتجميع الحواسيب والخوادم في البلاد، بينما تبحث شركتا «دِيل» و«إتش بي» عن مواقع لإنشاء مصانع ضمن خطط توسعية محتملة، في حين تتعاون شركة «آلات» السعودية مع مجموعة «سوفت بنك» اليابانية لتصنيع الروبوتات الصناعية. كما تعمل المملكة العربية السعودية على جذب شركتي «فوكسكون» الصينية التي تجمّع منتجات «آبل»، و«كوانتا» التايوانية التي تصنع أجهزة حواسيب ومكوّنات لشركة «دِيل». ويُعدّ قطاع التعدين، الذي تُقدَّر قيمته بنحو 2,5 تريليون دولار، من القطاعات السعودية الصاعدة أيضاً، إذ تخطط الرياض لزيادة الاستثمارات في أنشطة التعدين من 17 مليار دولار في العام 2024 إلى 75 مليار دولار بحلول العام 2030. وأخيراً، استثمر «صندوق الاستثمارات العامة» في تطوير صناعة السيارات المحلّية، ووقّع اتفاقيات تعاون مع شركتي «فوكسكون» و«هيونداي»، واشترى الحصة الأكبر في شركة «لوسيد» الأمريكية لصناعة السيارات الكهربائية ومقرّها في مدينة كاليفورنيا. 

لقد ساهمت «رؤية 2030» بالفعل في تنويع الاقتصاد السعودي، لكن حصة الصادرات غير النفطية من الناتج المحلّي الإجمالي لا تزال دون المستوى المستهدف، إذ تسعى المملكة إلى توليد 65 في المئة من الناتج المحلّي من القطاع الخاص غير النفطي بحلول العام 2030. وسيُعدّ رفع القيود على الملكية الأجنبية في الشركات السعودية إشارةً للمستثمرين الأجانب عن رغبة المملكة في مزيد من الانفتاح لتحقيق أهدافها الاقتصادية. ومع انفتاح المملكة على الاستثمارات الأجنبية وفرضها انضباطاً مالياً أكبر في العام 2026، سيتمثّل الاختبار الحقيقي لتنفيذ «رؤية 2030» في كيفية انتقالها من نموذج التنمية الاقتصادية الذي تقوده الدولة إلى اقتصاد يقوده السوق. وسيكون جذب الاستثمارات الأجنبية إلى القطاعات غير النفطية عاملاً محورياً في دعم النمو الاقتصادي غير النفطي وتوفير فرص العمل 

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: الاقتصاد السياسي، الحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
البلد: المملكة العربية السعودية

المؤلف

خبيرة اقتصادية
ماشا كوتكين هي خبيرة اقتصادية متخصّصة في أسواق الطاقة، والإدماج الاقتصادي، والمنافسة، والمخاطر الجيوإستراتيجية. وعملت كوتكين أكثر من عقدٍ في وزارة الخارجية الأمريكية، حيث شغلت مؤخّراً منصب مستشارة الطاقة والشؤون الاقتصادية وتركّز بحوثها على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.