يتجمع الناس حاملين لافتات كتب عليها "طوفان القدس" ويحتجون أمام سفارة فلسطين في المنامة في 13 أكتوبر 2023، بينما تدفق الآلاف من المتظاهرين إلى شوارع العديد من عواصم الشرق الأوسط يوم الجمعة دعماً للفلسطينيين وسط الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة رداً على هجوم مفاجئ لحماس. (تصوير: مازن مهدي / وكالة فرانس برس)

البحرين أمام خيارات صعبة بسبب الحرب على غزّة

بعد زهاء 11 شهراً على اندلاع الحرب على غزة، لا تزال الروابط بين المنامة وإسرائيل مستمرّة على الرغم من الضغوط المحلّية والاضطرابات في أرجاء المنطقة.

5 سبتمبر، 2024
جورجيو كافيرو

قبل أربع سنوات في مثل هذا الشهر، انضمّت البحرين إلى حليفتها الإمارات العربية المتحدة في إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل. بعد التوقيع على اتفاقات أبراهام في البيت الأبيض في 15 سبتمبر 2020، فتحت البحرين وإسرائيل سفارات ووقّعتا على اتّفاقات ثنائية متعدّدة وإقامتا علاقات تجارية وإطلاق خطوط تجاريّة مباشرة. 

 

غير أنّ البحرين، شأنها شأن سائر الدول العربية الموقِّعة على اتفاقات أبراهام، تواجه الآن معضلة كبيرة في خضم الحرب الإسرائيلية المستمرّة على غزة وتوسّعها إلى أجزاء أخرى من الشرق الأوسط. صحيح أنّ المنامة، التي تضم أكبر قاعدة بحريّة أمريكيّة في المنطقة، تتّفق مع واشنطن اتفاقاً وثيقاً في ما يتعلّق بعددٍ من القضايا ولديها مصالح في التمسّك باتّفاقات أبراهام، إلّا أنّ شعب البحرين مؤيّد بشدّة للفلسطينيين، ما يخلق فجوة بين الحكومة والمجتمع من المتوقّع أن يتّسع في ظلّ استمرار الحرب على غزة. 

في الواقع، يأتي التعاطف مع الفلسطينيين من شرائح متعدّدة من المجتمع البحريني. فخلافاً للإمارات العربية المتحدة، تضمّ البحرين مجتمعاً مدنيّاً نابضاً بالحياة وتتميّز بتاريخٍ يزخر بالعمل الناشط. منذ السابع من أكتوبر، توالت المظاهرات، وقد نُظّم بعضها أمام السفارة الإسرائيلية في البحرين. إلّا أنّ احتجاجات التضامن مع الفلسطينيين في البحرين تعود إلى ما قبل اتفاقات أبراهام وحرب غزة المستمرّة منذ ما يناهز 11 شهراً بكثير. 

 

في هذا السياق، تواجه السلطات البحرينية، خلافاً لنظيرتها الإماراتية، ضغوطاً شعبية كبيرة في ما يتعلّق بالتطبيع مع إسرائيل. وتنطبق الديناميّة نفسها على دور البحرين في عمليّةحارس الازدهار، وهي الحملة البحريّة التي تقودها الولايات المتحدة بغية دحض هجمات الحوثيين على الشحن المرتبط بإسرائيل في البحر الأحمر وخليج عدن. وتقدّم المنامة أيضاً دعماً غير تشغيلي للحملة العسكرية الأمريكية البريطانية المستمرّة ضد الحوثيين داخل اليمن، والتي بدأت مطلع هذا العام. تجدر الإشارة إلى أنّ البحرين هي الدولة العربيّة الوحيدة المشاركة في العمليتَين، ما لم يعجب الكثيرين في البلاد بسبب التصوّرات السائدة التي تعتبر أنّ هذا يجعل المنامة متواطئة في حرب إسرائيل على غزة. حين انطلقت عمليةحارس الازدهار“، لجأ الكثير من البحرينيين إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن رفضهم لتحالف المنامة مع القوى الغربية ضد الحوثيين من خلال وسم #بحرينيون_ضد_التحالف. 

 

في أوائل نوفمبر 2023، أصدر البرلمان البحريني بياناً بشأن تجميد البحرين علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل. كما وأعلن أنّسفير الكيان الصهيوني غادر البحرين، على أمل ألّا يعود“. بيد أنّ هذه الهيئة لا تملك الصلاحية لاتخاذ قرارات تتعلّق بالسياسة الخارجية، ولم يعكس البيان سياسة المنامة الرسمية. صحيح أنّ السفير الإسرائيلي قد غادر، إلّا أنّ الحكومة لم تحدّد السبب وراء ذلك. وعلى الرغم من هذه الخطوة الرمزيّة التي اتّخذها البرلمان، لم تبدِ البحرين أيّ نيّة لإلغاء اتفاقات أبراهام. 

 

تحقيق توازن دقيق والحدّ من المخاطر 

 

في ظلّ تزايد الجدل حول التطبيع في البحرين وفي العالم العربي ككل، سعى أفراد العائلة المالكة آل خليفة إلى التعامل مع تداعيات حرب غزة بدقّة. وقد قامت المنامة بذلك من خلال إرساء توازن بين علاقاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة من جهة، ومع مواطنيها وشعوب المنطقة من جهةٍ أخرى. 

 

بعد يومين على توغّل حماس في جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، استنكرت وزارة الخارجية البحرينية عملية طوفان الأقصى التي اعتبرتهاتصعيداً خطيراً يهدّد حياة المدنيينوشجبتما ورد في بعض التقارير عن اختطاف المدنيين من منازلهم كرهائن“. وفي خلال الأشهر الـ11 الماضية، دعت قيادة البحرين باستمرار إلى وقف إطلاق النار في غزة وإلى المزيد من المساعدات الإنسانية للقطاع وإلى تطبيق حلّ الدولتين. وفي حوار المنامة الذي نظّمه المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية العام الماضي، قال ولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة إنّ الوضع في غزةلا يُحتمل“، منتقداً كلاً من إسرائيل علىحملتها الجويةوحماس على عملية طوفان الأقصى. بالإضافة إلى ذلك، لقد سمحت السلطات في البحرين بتنظيم المظاهرات للتضامن مع فلسطين في خضم الحرب المستمرّة على غزة. 

 

وقد أشرك المسؤولون البحرينيون كذلك نظراءهم الإيرانيين عبر دبلوماسيين عُمانيين بغية الحدّ من الاحتكاك مع طهران، أملاً منهم بأن يؤدّي انفراجٌ إلى ثني الجمهورية الإسلامية عن استغلال التوتّر بين الدولة والمجتمع في البحرين بشأن فلسطين. في الواقع، تتوق طهران إلى إقامة علاقات إيجابية مع دول مجلس التعاون الخليجي كافة في إطار إستراتيجية السياسة الخارجية القائمة على مبدأالجيران أولاً“. من هذا المنطلق، إذا وافقت المنامة على إبرام معاهدة عدم اعتداء فعليّة مع طهران، على غرار الرياض في مارس 2023، قد تتقلّص فرص استهداف إيران للبحرين في حال اندلاع صراع شامل على صعيد المنطقة. 

 

من غير المرجّح أن تقطع البحرين العلاقات الرسمية مع إسرائيل 

 

بقدر ما يعترض عددٌ كبير من المواطنين البحرينيين على علاقات حكومتهم مع إسرائيل وتحالفها مع واشنطن ولندن ضد هجمات الحوثيين البحريّة التي يعتبرها الكثيرون في الشرق الأوسط وسيلةً للدفاع عن غزة، من غير المرجّح أن تنسحب المنامة من اتفاق التطبيع مع إسرائيل للعام 2020، إذ تعتبره المملكة بكل بساطة مهمّاً جداً لمصالحها. 

 

يشكّل التعاون الأمني عنصراً هاماً في المعادلة. في فبراير 2022، زار وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك بيني غانتس البحرين ووقّع على أول اتفاق أمني بين إسرائيل وعضوٍ في مجلس التعاون الخليجي. بعد أشهر متعدّدة، نقلت مقالة في صحيفةوول ستريت جورنالعن مسؤولٍ بحريني رفيع المستوى قوله إنّ جهازَي الموساد والشين بيت الإسرائيليَين كانا يُدرّبان ضباط الاستخبارات البحرينية وإنّ إسرائيل وعدت بتجهيز المنامة بطائرات مسيّرة وأنظمة مضادة للطائرات المسيّرة. 

 

من الناحية الاقتصادية، لم تستفد البحرين من اتفاقات أبراهام بقدر ما استفادت الإمارات العربية المتحدة. ففي العامين 2021 و2022، لم تتخطَّ التجارة بين البحرين وإسرائيل مبلغ 20 مليون دولاروهو جزءٌ ضئيل من التجارة بين الإمارات وإسرائيل التي بلغت 2,5 مليار دولار في فترة السنتين هذه. ومع ذلك، تعتبر البحرين أنّه يمكنها جني الكثير من ارتفاع مستويات التجارة مع إسرائيل والتعاون بين روّاد الأعمال من البلدَين وفرص الاستثمار الجديدة في المستقبل. 

 

من جهةٍ أخرى، تنبع نظرة المنامة إلى فوائد التطبيع من روابطها مع دول أخرى غير إسرائيل. في الواقع، لقد تحسّنت صورة البحرين لدى صانعي السياسة في واشنطن منذ إبرام الاتفاق. وتمكّنت حكومة البحرين من خلال التطبيع مع إسرائيل من تجنّب الانتقادات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان التي علت في أعقاب الربيع العربي للعام 2011 والقمع اللاحق ضد المتظاهرين والناشطين والنقّاد المحليّين للنظام. وساهم التطبيع مع إسرائيل في تقريب البحرين من الإمارات العربية المتحدة، ما سمح للمنامة بنيل قدر أكبر من الاستقلال الذاتي عن الرياض وضمان المنافع المرتبطة بتوثيق الروابط مع أبو ظبي. 

 

التحدّيات الأمنية في خضم الحرب على غزة 

 

في حين سعت المنامة إلى الاستفادة من روابطها مع إسرائيل، لطالما حملت في طيّاتها مخاطر كامنة فضحتها أحداث السابع من أكتوبر وتداعياته. في الواقع، يجعل تحالفُ البحرين مع إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة المتحدة المنامة أكثر عرضة من جيرانها للاضطرابات وردود الفعل السلبية، لا سيما في ظلّ توسّع ديناميات الصراع واشتدادها. 

 

وفي الداخل، تحافظ المجموعات المتشدّدة والمسلّحة على غرار سرايا المختار وكتائب الأشتر على روابطها مع الحرس الثوري الإسلامي الإيراني. ومن الممكن أن تستهدف هذه الجهات الفاعلة المصالح الأمريكية والبريطانية و/أو الإسرائيلية في البحرين رداً على المذبحة في غزة. وقد أعلنتكتائب الأشترفي مايو مسؤوليتها عن هجوم بطائرة مسيّرة على جنوب إسرائيل. لكن لم يتحقّق أي مصدر مستقلّ من هذا الهجوم ولم يتّضح من أين نفّذته المنظمة. 

 

على أي حال، كلّما طالت حرب إسرائيل على غزة، كلّما ازدادت مخاطر ردود الفعل السلبية على البحرين بسبب دعمها المتصوَّر لهذه الحرب. لكن في الوقت الحالي، يبدو أنّ حكومة البحرين ترى أنّ المنافع الأمنية المتأتية من علاقاتها مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل تفوق المخاطر والتكاليف. بيد أنّ القيادة البحرينية ليست في وضعيّة تسمح لها بتجاهل الرأي العام تماماً أكان في الداخل أم في مختلف أرجاء العالم العربي. 

 

في الفترة المقبلة، من المرجّح أن يزداد صعوبةً تحقيق التوازن في ظلّ ارتفاع عدد القتلى في غزة واستمرار توسّع الحرب إلى لبنان واليمن ودول أخرى. صحيحٌ أنّه من غير المؤكّد أن تنسحب البحرين من اتفاقات أبراهام، لكن يمكن التوقّع بأن تواجه العلاقة الثنائية المزيد من التوتّر. وعلى الرغم من أنّ كلاً من رئيس وزراء إسرائيل ووزير خارجيته ووزير الدفاع ورئيس الأركان قاموا بزيارة المملكة في خلال السنة والنصف الأولى من التطبيع، إلّا أنّ قيادة البحرين قد تقرّر الحدّ من انخراطها مع إسرائيل إلى أقصى درجة ممكنة. وقد يساعد ذلك على الحدّ من تفاقم التوترات المحلية والإقليمية في الوقت الذي يسترعي فيه النضال الفلسطيني اهتماماً دولياً بارزاً وتزداد معارضة العرب العلنيّة للتطبيع. 

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّفان حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: السياسة الأمريكية الخارجية، العلاقات الإقليمية، عدوان إسرائيل على غزة
البلد: البحرين، فلسطين، فلسطين-إسرائيل

المؤلف

الرئيس التنفيذي لشركة تحليلات الخليج
جورجيو كافيرو هو الرئيس التنفيذي لشركة تحليلات الخليج (Gulf State Analytics) وهي شركة استشارية لتحليل المخاطر الجيوسياسية، ومقرّها واشنطن. تشمل اهتماماته البحثية الاتجاهات الجيوسياسية والأمنية في شبه الجزيرة العربية ومنطقة الشرق الأوسط. كافيرو مساهم منتظم في العديد من المنشورات بما في ذلك “Al Monitor“ و“The National Interest“ و“LobeLog“. وبين العامين 2014 و2015، عمل محلّلاً في… Continue reading البحرين أمام خيارات صعبة بسبب الحرب على غزّة