بينما برزت انتقادات ملحوظة من خارج الشراكة، شكّلت قمّة قادة «بريكس بلس» لعام 2025، التي عُقدت في 6 و7 يوليو 2025 بمشاركة أعضائها الجُدد من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نجاحاً هادئاً للدولة المضيفة، البرازيل، وللدول الأعضاء التي ركّزت على توظيف الشراكة لتحسين شروط التبادل التجاري والحصول العادل على التمويل والاستثمار. وفي خلال القمّة، أصدر الأعضاء 126 قراراً تناولت طيفاً واسعاً من القضايا، بدءاً بتنظيم التمويل الدولي، مروراً بتغيّر المناخ، وصولاً إلى تنظيم الذكاء الاصطناعي. كما أعلنوا عن توسيع الموارد المخصّصة للتنمية الاقتصادية، واتفقوا على إطلاق مبادرة ضمانات متعدّدة الأطراف من «بريكس»، على غرار الوكالة الدولية لضمان الاستثمار التابعة للبنك الدولي، لتوفير تأمين ضدّ المخاطر السياسية لمشاريع البنية التحتية. وكذلك، جدّدوا تأكيد هدفهم المشترك المتمثّل في إصلاح المؤسّسات المالية الدولية لضمان عدالة أكبر في الحصول على التمويل، والتزامهم الجماعي بالتعدّدية والتعاون الدولي ضمن نظام دولي قائم على القواعد.
تتباين هذه النتائج الملموسة والهادئة مع مقرّرات قمّة العام الماضي، حين ظهرت «بريكس بلس» بصورة تتحدّى الهيمنة الأمريكية على التجارة العالمية وتسعى إلى استبدال الدولار كعملة رئيسة في التجارة والاحتياطيات، مدفوعة رُبّما بثقة ناتجة عن توسّع العضوية. ومع عودة دونالد ترامب إلى السلطة وعزمه على ضرب الشراكات التجارية العالمية من خلال السياسات الجمركية العدوانية، التي تستهدف المجموعة والدول الأعضاء فيها استهدافاً متنامياً، اتّسمت قمة هذا العام بنضج تركيزها. ففي الوقت الذي صعّد فيه ترامب هجماته هذا الأسبوع عبر فرض رسوم جمركية عالية على البرازيل، التي تسجّل عجزاً تجارياً مع الولايات المتّحدة، يبدو أنّ العمل البطيء والمستقر والناضج في بناء المؤسّسات وتطوير الشراكات هو ما سيعزّز قدرة «بريكس» على منافسة النظام التجاري العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتّحدة.
من المرجّح أن يكون للإمارات العربية المتّحدة بصفتها عضواً جديداً في «بريكس»، وللمملكة العربية السعودية بصفتها عضواً مرشحاً للانضمام، دور مهم في تحديد نبرة قمّة هذا العام. فكلاهما يرى في الشراكة فرصة لتعزيز علاقاتهما الاقتصادية مع البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وقد جرّبا بيع النفط لعدد من هذه الدول من دون استخدام الدولار كعملة وسيطة. هذا المسار التدريجي نحو التخلّص من دولرة تجارة النفط، يتيح لكلّ من الإمارات العربية المتّحدة والمملكة العربية السعودية تنويع احتياطياتهما وتقليل تكاليف التجارة مع شركاء «بريكس». غير أنّ الدول الخليجية تختلف عن بقية أعضاء «بريكس»، فهي تنضمّ إلى الشراكة كدول مستقرّة اقتصادياً ومرتفعة الدخل، وتمتلك مصلحة اقتصادية واضحة في قوة الدولار، نظراً لكون احتياطياتها وأسعار معظم صادراتها من النفط والغاز مقوّمة بالدولار، فضلاً عن علاقاتها التاريخية الراسخة مع الولايات المتّحدة والمظلة الأمنية التي توفّرها لها.
لا يزال معظم أعضاء «بريكس» من خارج الدول الخليجية، باستثناء الهند، يضغطون من أجل إيجاد بديل للدولار في التجارة والتمويل، لتقليل اعتمادهم عليه والحدّ من تأثّر اقتصاداتهم بالسياسات الاقتصادية الأمريكية والعقوبات. وتبرز تطوّرات لافتة في هذا السياق. في المجمل، تراجع الطلب على الدولار في ظلّ سعي المستثمرين والبنوك المركزية إلى تحقيق توازن إزاء المخاطر المتنامية المرتبطة بسياسات ترامب التجارية والعجز الأمريكي والضغوط المتنامية على استقلالية الاحتياطي الفيدرالي. في المقابل، شهد الطلب على المعادن الثمينة وعملات صعبة أخرى مثل اليورو نمواً ملحوظاً.
وعلى الرغم من تراجع مجموعة «بريكس» عن السعي الحثيث لإزاحة الدولار كعملة دولية رئيسة، تواصل البحث عن سبل لتبسيط عمليات الدفع عبر الحدود بين أعضائها. وقد ركّزت المقترحات الأولية على استخدام الرنمينبي الصيني أو العملات الرقمية في التبادلات التجارية بين الدول الأعضاء. وهناك دعم متزايد لمقترح إنشاء عملة موحّدة لـ«بريكس» تستند إلى سلة من احتياطيات الذهب وعملات الدول الأعضاء.
ومع ذلك، سيواجه التقدّم في هذا المسار تحدّيات كبيرة. إذ تخضع العملات التي تصدرها أكبر اقتصادات «بريكس» لرقابة مشدّدة من البنوك المركزية، وغالباً ما تتلاعب بها الحكومات بهدف دعم الصادرات، كما أنّها نادراً ما تُتداول دولياً، ما يضعف أي طلب حقيقي عليها بالمقارنة مع الدولار القابل للتبادل عالمياً. إلى جانب ذلك، يتطلّب إنشاء عملة دفع مشتركة عبر الحدود تنسيقاً كبيراً بين البنوك المركزية لأعضاء «بريكس»، وهو ما من شأنه أن يُقيد قدرة كل بنك مركزي على اتّخاذ قرارات مستقلة بشأن خفض قيمة العملة أو استخدام أدوات السياسة النقدية وسعر الصرف لتحقيق تغييرات اقتصادية محلّية.
كما تبرز مخاوف أوسع نطاقاً بشأن مدى استمرار شراكة «بريكس» الاقتصادية ونجاحها على المدى الطويل. فعلى الرغم من أنّ أعضاء الكتلة يمثلون أكثر من 40 في المئة من الاقتصاد العالمي و25 في المئة من التجارة الدولية، تواجه معظم هذه الدول صعوبات في تحقيق نمو اقتصادي مستدام وتوفير فرص العمل. على سبيل المثال، تعدّ الصين قوة اقتصادية عظمى على المستوى العالمي، لكنها تعاني عدم كفاءة في نموذجها الاقتصادي القائم على تدخل الدولة، إلى جانب معاناتها من أزمة مستمرّة في قطاع العقارات. فيما تعاني الدول الكبرى الأخرى في المجموعة مشكلات بنيوية تؤثّر سلباً في النمو والإنتاجية وخلق فرص العمل.
وإلى جانب ذلك، تهدّد التوتّرات الجيوسياسية، بما فيها التوتّرات بين أعضاء في «بريكس» مثل الهند والصين، أو إيران والإمارات العربية المتّحدة، أُسُس هذه المبادرة. ورُبّما تعود جاذبية «بريكس» بالنسبة إلى دول مثل الصين وروسيا إلى قدرتها على ممارسة الضغط على الولايات المتّحدة، ما يثير التساؤلات عما إذا كان تبنّي إطار أكثر واقعية لـمجموعة «بريكس» سيقلّل من قيمة هذه الشراكة في نظر هاتين القوتين. وهذا ما يراه بعض المحلّلين بالنظر إلى غياب كلّ من شي جين بينغ وفلاديمير بوتين عن قمّة هذا العام.
أمّا بالنسبة إلى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي انضمّت إلى «بريكس» أو تفكّر في الانضمام، فتوفّر الكتلة الاقتصادية فرصاً مفيدةً من دون أن تُجبر الأعضاء على الخوض بقوّة في مجالات غير مؤكّدة، أو التخلّي عن مصالحهم الاقتصادية القائمة مع الولايات المتّحدة. ففي مواجهة تصاعد ديونها، تحصل مصر، على سبيل المثال، على بدائل عن الاستمرار في الاقتراض من المؤسّسات المالية الدولية المقيمة في واشنطن، بالإضافة إلى إمكانية الوصول إلى أسواق جديدة لتعزيز قدرتها التصديرية. ومن المرجّح أن تستفيد إيران من زيادة حجم التجارة والاستثمار مع دول المجموعة، مع الالتفاف على العقوبات الاقتصادية الأمريكية. فيما تقدّم المجموعة للمملكة العربية السعودية، بصفتها عضواً مرشحاً، وللإمارات العربية المتّحدة مكاسب مباشرة أقل، ولكنّها ربّما أكثر أهمية في ما يتعلّق بتحقيق توازن في الانخراط مع طيف واسع من الشركاء الاقتصاديين والإستراتيجيين. ومن المهم الإشارة إلى أنّ اشتداد عود الكتلة الاقتصادي، كما بدا في قمّة 2025، يضمن لأعضائها من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إطاراً بديلاً لتحقيق منافع اقتصادية متبادلة مع دول ذات توجهات متقاربة، في ظلّ سياق عالمي يزداد تعقيداً وهشاشةً يوماً بعد يوم.
إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.