فقد المستخدمون الأمريكيون، لفترة وجيزة هذا الأسبوع، إمكانية الوصول إلى منصّة «تيك توك» الشهيرة للتواصل الاجتماعي، بعد إطلاق حملة تشريعية لإجبار الشركة الصينية الأم مالكة التطبيق على سحب استثماراتها في الولايات المتّحدة. وفي حين أيّد دونالد ترامب جهود حظر التطبيق في خلال ولايته الأولى، إلّا أنّه غيّر موقفه أخيراً، ووقّع على قرار يؤخّر تنفيذ الحظر لمدة 75 يوماً.
وواجه تطبيق «تيك توك» انتقادات تحت ذريعة تحيّزه المزعوم تجاه المحتوى المؤيّد للفلسطينيين في خلال الحرب الإسرائيلية على غزّة التي استمرّت 15 شهراً. وفي هذه المقابلة مع «أفكار»، يفسّر مارك أوين جونز دوافع الحظر، والمصالح التي قد تُبدَّى في المشهد المتطوّر لوسائل التواصل الاجتماعي في خلال ولاية ترامب الثانية.
أفكار: إلى أي مدى استُخدمت حجّة حماية الأمن القومي لحظر «تيك توك» كذريعة لقمع حرية التعبير بشأن الحرب على غزّة، وخصوصاً المحتوى المؤيّد لفلسطينين على المنصّة؟
مارك أوين جونز: تعكس حجّة حماية الأمن القومي لحظر «تيك توك» دوافع كثيرة مُتداخلة، ويُعتبَر المحتوى المؤيّد للفلسطينيين عاملاً من أصل ستة عوامل رئيسة. لا ننكر وجود مخاوف أمنية حقيقية بشأن استخراج البيانات، وهي ليست محصورة بالمنصّات الصينية فحسب، ولكن يُستخدم الحظر أيضاً كوسيلة ابتزاز لإثراء شركاء الولايات المتّحدة، ومحاولة لاستكشاف خوارزميات «تيك توك»، والتصدّي للخوف المتنامي من النفوذ الصيني على الشباب، والتعبير عن مخاوف اليمين من فقدان النفوذ على الشباب. مع ذلك، لا يمكن فصل عامل المحتوى المؤيّد للفلسطينيين عن هذه الدوافع، فهو جزء من نمط أوسع للسيطرة على مساحات الرأي وصياغة السرديات تحت ذريعة حماية الأمن القومي. ولا ينبغي أن ننسى أنّ وزير الخارجية السابق أنتوني بلينكن ذكر في معهد ماكين أنّ «تيك توك» أفقد الولايات المتّحدة وإسرائيل السيطرة على السردية بشأن غزّة، وهو ما يعني ضمناً أنّهما كانتا تتحكّمان بالمنصّات الموجودة في الولايات المتّحدة.
أفكار: في حال استحوذت الحكومة الأمريكية على نصف حصّة أعمال «تيك توك» في الولايات المتّحدة، كيف قد ينعكس ذلك على نهج المنصّة في التعامل مع حرية التعبير وتنظيم المحتوى بشأن فلسطين وغيرها من القضايا المسيّسة إلى حدّ كبير؟
مارك أون جونز: تفضّل «تيك توك» الاحتفاظ بحصّة من السوق بدلاً من الخروج منها كلّياً. ولا شكّ أنّ أي ملكية أمريكية مُحتملة ستترافق مع تحذيرات من استخدام الأمن القومي كذريعة لتعديل المحتوى المؤيّد للفلسطينيين، وأي محتوى آخر يتعارض مع المصالح الأمريكية. ففي النهاية، تبيّن أنّ شركة “ميتا” فرضت رقابة على الأصوات الداعمة للفلسطينيين، كما تسمح “غوغل” بالترويج للدعاية المؤيّدة لإسرائيل.
وفي السرديات المحيطة بمنصّات التواصل الاجتماعي، تُصوَّر التطبيقات الصينية كتهديدات خطيرة للأمن القومي التي قد «تحوّلك إلى شيوعي»، في حين توضع التطبيقات الأمريكية في إطار أدوات حرية التعبير وصون الديمقراطية. وينطبق هذا التصنيف الثنائي إلى حدّ ما على حرية التعبير والرقابة، حيث يمكن اعتبارهما وجهين لعملة واحدة. النظرة الحالية لليمين بشأن حرية التعبير هي في الواقع دعوة مُشفّرة لممارسة العنف الرقمي ضدّ الأقليات، وخصوصاً المسلمين. ومن المرجّح أن يتمّ إخضاع الخطاب الذي لا توافق عليه الحكومة، مثل الخطاب المؤيّد للفلسطينيين، لقوانين مناهضة الإرهاب. ولنكن واضحين، يتعلّق الأمر برمّته بحرّية تعبير القوميين البيض.
أفكار: كيف تتعامل شركات وسائل التواصل الاجتماعي مع تولّي ترامب منصبه، وما هي التبعات التي قد تترتّب على معايير الخطاب العام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟
مارك أوين جونز: لقد مهّد حظر «تيك توك» الطريق لتبرير حظر تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي على أساس مفاهيم الأمن القومي. فإذا أرادت بريطانيا أن تفعل الأمر نفسه مع “إكس“، ستكون حجّتها قوية. ومن الواضح أنّ منصّات التواصل الإعملامي تتحضّر تحسّباً للرياح السياسية المتغيّرة – يكفي النظر إلى كيفية مراعاة «تيك توك» لترامب في بياناتها. وهذا له تداعيات خطيرة على كيفية تشكيل الخطاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتحكّم فيه.
ونظراً لتصرّفات «تيك توك» الحالية – مثل الإشارة إلى ترامب بعبارات خجولة حتى في رسائل إشعار الحظر – يظهر جلياً كيف أنّ الملكية الأمريكية قد تؤثّر في تنظيم المحتوى. إنّ رضوخ مارك زوكربيرغ لترامب، والتخلّي عن تدقيق الحقائق واستبداله ببديل رديء (ملاحظات المجتمع)، أمر مثير للقلق. ولا ننسى أنّ بعض إستراتيجيات تعديل المحتوى وتدقيق الحقائق كانت تهدف إلى المساعدة في تجنّب الإبادة الجماعية وخطاب الكراهية. ومع تصاعد خطاب الكراهية في الشرق الأوسط وغياب الأطر التنظيمية، أعتقد أنّنا سنشهد عودة إلى التلاعب ونشر البروباغندا عبر المنصّات على مدى السنوات الأربعة المقبلة.